بإمامة الشيخ حسن الغزي.. ملخص خطبتي صلاة الجمعة بمسجد جنات النعيم في كربلاء
أقيمت صلاة الجمعة المباركة في مسجد جنات النعيم، بكربلاء المقدسة، بإمامة الشيخ حسن الغزي.
وقال الشيخ الغزي في الخطبة الأولى، وتابعتها “النعيم نيوز”. بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) فما هي الحكمة؟ وماهي مواصفات الحكيم؟ في معرض الحديث عن ماهية الحكمة ينبغي القول: إن العلماء قد ذكروا للحكمة معان كثيرة، مثل: معرفة أسرار عالم الوجود، والإحاطة والعلم بحقائق القرآن ، والوصول إلى الحق من جهة القول والعمل، ومعرفة الله.
وفي حديث عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، أنه قال لهشام بن الحكم : ” إن الحكمة هي الفهم والعقل ” ومن الواضح أن كلا من هذه المفاهيم يعتبر أحد فروع معنى الحكمة الواسع، ولا منافاة بينها.
وقد أورد سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي للحكمة تعريفا جامعاً مانعاً ، وهو : أن الحكمة هي ما يضبط تفكير الإنسان وإرادته وتوجهاته وسلوكه في الإتجاه الصحيح فتكون له بوصلة حياته ، فتبدأ بالعلم النافع والمعرفة الحقة وتنتهي بالعمل بمقتضاها والأخذ بهداها ثم إتمامها بالثبات على ذلك . فمن فوائد الحكمة أنها طريق إلى معرفة الله عز وجل ، موصلة إليه ، مقربة منه ، وحينها ينقطع العبد عمن سواه ، ولايطمع في غيره . ومن فوائدها أيضاً أنها تؤدي إلى الإصابة في القول والسداد في العمل .
فتكون بذلك سمةٌ من سمات الأنبياء والصالحين ، وعلامة للعلماء العاملين ، ومزية؛ للدعاة المصلحين . مادام الأمر هكذا ، أي مادامت الحكمة مهمةً إلى هذا الحد ، إذاً فهل نحتاجها؟ وهل من الضروري أن نسعى جاهدين لتحصيلها؟ نحن بالتأكيد نحتاج وبشكل كبير لوضع جميع أمورنا في نصابها الصحيح لأننا اليوم نعيش الفساد بشتى أشكاله وألوانه والفساد كما تعلمون هو ضد الصلاح والصلاح نتاج الحكمة فعلينا إحياء هذا الموروث – هكذا شئت أن أسميه – لأنه لم يعد يلتفت إليه فالحكيم مهجور ولايعمل بنصائحه وإرشاداته ومبتنياته وتشريعاته، وهذا ما يسبب الخسران والتردي على شتى الأصعدة .. ولا مبالغة في البين عندما نؤكد على ذلك ، فعندما يتنور قلب الإنسان بنور الحكمة نتيجة الطهارة والتقوى، فإن الكلام الإلهي يجري على لسانه، ويقول ما يقوله الله، ويفكر بالشكل الذي يرضاه الله! عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال الله تعالى: ما تحبب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وإنه ليتحبب إلي بالنافلة حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، إذا دعاني أجبته، وإذا سألني أعطيته، وما ترددت في شئ أنا فاعله كترددي في موت المؤمن: يكره الموت وأنا أكره مساءته . ولتحليل هذا الخبر يذكر العلماء وجوهاً محتمله : الأول : أنه -أي العبد- لكثرة تخلقه بأخلاق ربه ووفور حبه لجناب قدسه، تخلى عن شهوته وإرادته، ولا ينظر إلا إلى ما يحبه سبحانه ولا يبطش إلا إلى ما يوصله إلى قربه تعالى … وهكذا.
الثاني : أن يكون المراد أنه تعالى أحب إليه من سمعه وبصره ولسانه ويده ، فهو يبذل هذه الأعضاء الشريفة فيما يوجب رضاه، فالمراد بكونه سمعه أنه في حبه وإكرامه بمنزلة سمعه بل أعز منه، لأنه يبذل سمعه في رضاه وكذا البواقي. ولثالث: أن يكون المعنى: كنت نور سمعه وبصره، وقوة يده ورجله ولسانه. والحاصل أنه لما استعمل نور بصره فيما يرضى ربه، أعطاه بمقتضى وعده سبحانه ” لئن شكرتم لأزيدنكم ” نورا من أنواره به يميز بين الحق والباطل وبه يعرف المؤمن والمنافق، كما قال الله تعالى: ” إن في ذلك لآيات للمتوسمين ” وقال صلى الله عليه وآله: المؤمن ينظر بنور الله.
كذا لما بذل قوته في طاعته، أعطاه قوة فوق طاقة البشر، كما قال مولانا الأطهر ” ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية بل بقوة ربانية ” وهكذا. ولهذا فزينب عليها السلام عندما تقف بين يدي ذلك الفاسق – مجبرة – فإنها تكيل إليه تلك الكلمات التي تقرع بها سمعه وتعيده إلى رشده (….. أظنَنْتَ يا يزيد حيث أخَذتَ علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبَحنا نُساق كما تُساق الأُسارى، أنّ بنا على الله هَواناً وبك عليه كرامة ؟! وأنّ ذلك لِعِظَم خَطَرِك عنده!……. . مهلاً مهلا! أنَسِيتَ قول الله تعالى: ولا يَحسَبنَّ الذين كفروا أنّما نُملي لَهُم خيرٌ لأنفسِهِم، إنّما نُملي لَهُم ليزدادوا إثماً ولهم عذابٌ مُهين؟! )ولهذا فقد ضمن الله تعالى كلام لقمان في طيات كلامه تعالى وقرن كلامه بكلامه . الرابع : أنه لما خرج عن سلطان الهوى، وآثر على جميع مراداته وشهواته رضى المولى، صار الرب تبارك وتعالى متصرفا ” في نفسه وبدنه، مدبرا لقلبه وعقله وجوارحه، فبه يسمع وبه يبصر وبه ينطق وبه يمشي وبه يبطش، كما ورد في تأويل قوله تعالى: ” وما تشاؤن إلا أن يشاء الله ” وهذا معنى دقيق لا يفهمه إلا العارفون.
كيفية تحصيل الحكمة : في كلام منسوب لأمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : (من أخلص لله أربعين صباحاً يأكل الحلال صائماً نهاره وقائماً ليله أجرى الله سبحانه ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه )ولهذا فقد تحدث سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي مؤخراً بكلام بصدد إحياء كتاب نهج البلاغة ومافيه من درر بالغة الأهمية وهو دون كلام الله وفوق كلام الناس ..وربما يرى المتأمل أن هناك تماثل في منهجية القرآن الكريم الإلهية مع صياغة نهج البلاغة . فعندما تتأمل في مواعظ لقمان الذي ينصح ابنه بالإيمان وعدم الشرك ومن ثم إلى مجموعة من المواعظ الإجتماعية المهمة تجد كل ذلك موجوداً في طيات نهج البلاغة ولهذا فقد ركز سماحة المرجع على إحياء هذا النهج من جديد وطلب أن يكون من ضمن المطالب الدراسية في الحوزة . إن المواعظ في (نهج البلاغة) من أكبر أبوابه وأوسعها، فإنها تستغرق نصفاً من مجموعه تقريباً، ولذلك فقد اشتهر هذا الكتاب بهذا الباب أكثر من سائر الأبواب. وإذا تجاوزنا مواعظ القرآن الكريم والرسول العظيم (صلّى الله عليه وآله)، والتي تعد كأصول لمواعظ نهج البلاغة، كانت المواعظ في هذا الكتاب ممّا لا نظير له في غيره. وقد مر على صدور هذه المواعظ أكثر من ألف عام، وهي بعد تؤدي دورها الخارق وتؤثر أثرها الغريب! فإن هذه الكلمات الحية الخالدة لم تفقد بعد أثرها الذي ينفذ في القلوب والألباب والأفئدة والعقول والبصائر فيهزّها، وفي العواطف والأحاسيس فتجريها دموعاً من العيون والآماق! سيبقى أثرها هذا النافذ ما بقيت الإنسانية .
أما الخطبة الثانية، قال تعالى: (وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَٰنَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِۦ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِىٌّ حَمِيدٌ) من هو لقمان ؟ وأية خصائص كان يمتلكها حتى صار له هذا الشأن ؟ أن القرائن تبين أنه لم يكن نبيا، بل كان رجلا ورعا مهذبا انتصر في ميدان جهاد هوى النفس، فكان أن فجر الله تعالى في قلبه ينابيع العلم والحكمة. ويكفي في عظمة مقامه أن الله قد قرن مواعظه بكلامه، وذكرها في طيات آيات القرآن. لقد ورد اسم ” لقمان ” في آيتين من القرآن في هذه السورة، ولا يوجد في القرآن دليل صريح على أنه كان نبيا أم لا، كما أن أسلوب القرآن في شأن لقمان يوحي بأنه لم يكن نبيا، لأنه يلاحظ في القرآن أن الكلام في شأن الأنبياء عادة يدور حول الرسالة والدعوة إلى التوحيد ومحاربة الشرك وانحرافات البيئة، وعدم المطالبة بالأجر والمكافأة، وكذلك بشارة الأمم وإنذارها، في حين أن أيا من هذه الأمور لم يذكر في شأن لقمان، والذي ورد هو مجموعة مواعظ خاصة مع ولده (رغم شموليتها وعموميتها)، وهذا دليل على أنه كان رجلا حكيما وحسب.
وفي حديث عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ” حقا أقول: لم يكن لقمان نبيا، ولكن كان عبدا كثير التفكر، حسن اليقين، أحب الله فأحبه ومن عليه بالحكمة “. وجاء في بعض التواريخ: أن لقمان كان عبدا أسود من سودان مصر، ولكنه إلى جانب وجهه الأسود كان له قلب مضئ وروح صافية، وكان يصدق في القول من البداية، ولا يمزج الأمانة بالخيانة، ولم يكن يتدخل فيما لا يعنيه. وجاء في بعض الروايات: (أن شخصا سأل لقمان: ألم تكن ترعى معنا؟ قال: نعم. قال الرجل: فمن أين أتاك كل هذا العلم والحكمة؟ قال: قدر الله، وأداء الأمانة، وصدق الحديث، والصمت عما لا يعنيني) ورد في الحديث أن رجلاً كتب للأمام الحسين عليه السلام : عظني يابن رسول الله، فكتب له الإمام عليه السلام.. لاتقل مالاتعلم، ولاتقل ماتعلم حتى تجد له في الخير موضعاً. ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: ” والله ما أوتي لقمان الحكمة لحسب ولا مال ولا بسط في جسم ولا جمال، ولكنه كان رجلا قويا في أمر الله، متورعا في الله، ساكتا سكينا عميق النظر، طويل التفكر، حديد البصر. ولم ينم نهارا قط – أي أوله – ولم يتكئ في مجلس قط – وهو عرف المتكبرين – ولم يتفل في مجلس قوم قط، ولم يعبث بشئ قط، ولم يره أحد من الناس على بول ولا غائط قط، ولا على اغتسال لشدة تستره وتحفظه في أمره. ولم يمر بين رجلين يقتتلان أو يختصمان إلا أصلح بينهما، ولم يسمع قولا استحسنه من أحد قط إلا سأله عن تفسيره وعمن أخذه، وكان يكثر مجالسة الفقهاء والعلماء، ويتعلم من العلوم ما يغلب به نفسه، ويجاهد به هواه، وكان لا يظعن إلا فيما ينفعه، ولا ينظر إلا فيما يعنيه، فبذلك أوتي الحكمة ومنح القضية.
وورد كذلك عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): كان لقمان نائما نصف النهار، إذ جاءه نداء: يا لقمان، هل لك أن يجعلك الله خليفة تحكم بين الناس بالحق؟ فأجاب الصوت: إن خيرني ربي قبلت العافية، ولم أقبل البلاء، وإن عزم علي فسمعا وطاعة، فإني أعلم أنه إن فعل بي ذلك أعانني وعصمني.
فقالت الملائكة: دون أن يراهم: لم يا لقمان؟ قال: لأن الحكم أشد المنازل وأكدها، يغشاه الظلم من كل مكان، إن وقي فبالحري أن ينجو، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة، ومن يكن في الدنيا ذليلا وفي الآخرة شريفا خير من أن يكون في الدنيا شريفا وفي الآخرة ذليلا، ومن يخير الدنيا على الآخرة تفته الدنيا ولا يصيب الآخرة. فتعجبت الملائكة من حسن منطقه، فنام نومة فاعطي الحكمة، فانتبه يتكلم بها”) وقد ورد نظير هذه الكلمات عن المعصومين عليهم السلام : روي عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنه): دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) بذي قار وهو يخصف نعله، فقال لي: ما قيمة هذا النعل؟ فقلت: لا قيمة لها، فقال (عليه السلام): والله لهي أحب إلي من إمرتكم إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا .وعنه (عليه السلام): والله لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم .
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز