مقالات
أخر الأخبار

الفساد معرقل أساسي لبناء دولة القانون

زهير كاظم عبود

 

لا يوجد من يدافع او يبرر عمليات الفساد التي تنخر جسد العراق اليوم، الجميع دون استثناء ضد الفساد المستشري، والجميع بما فيهم الفاسدون يقفون ظاهريا ضد آفة الفساد، ويتم طرح المقترحات والوسائل والسبل الكفيلة بإنهاء الفساد والقضاء عليه وتخليص العراق منه.

ويشكل الفساد مع مجموعة أخرى من العوامل والظروف قضايا خطيرة لعرقلة الحياة في العراق بكل صورها، وعوامل توقف مسار التطور والتقدم الطبيعي للشعوب، وما يجعل تلك العوامل تزداد قوة شرسة وسلبية أنها لم تجد الحلول الجدية والفاعلة والباحثة عن حقيقة الأسباب التي جعلت تلك العوامل متجانسة وتزيد من حالة النخر والضعف في جسد الدولة والمجتمع العراقي.
لا بدَّ وأن نعترف ونقر بأن هناك من يعيش ويستمد قوته وديمومته من الفساد، وهو مستمرٌ متمسكٌ بهذا المفصل ما دام متأكدا أنه لا يواجه او يتقابل مع جهات أو قوى تجعله يخشى المحاسبة او يتراجع عن الاستمرار بعد أن لمس ضعف السبل ورخاوة الإجراءات التي تتخذها الحكومة والتي لا تتناسب مع حجم الفساد وظروفه المشددة والعقوبات الرادعة التي يواجهها.
لم يبدأ الفساد بالتوغل بيننا اليوم فهو امتداد لمرحلة ما قبل 2003، وبعد الإطاحة بالنظام الدكتاتوري لم يواجه حلولا متناسبة مع حجمه او قدراته، ولعل المتابع يتذكر الإخفاقات والنكسات التي مرت على جميع الخدمات التي يجب ان تتوفر للمواطن العراقي دون أن تجد لها ترجمة ملموسة او حقيقية، كما نتذكر أيضا حجم الفساد والسرقات المكشوفة للمال العام، ونعيد للذاكرة حجم الأموال التي انفقت على مشاريع وهمية او فاشلة، كما نتذكر جميعا الكوارث التي مرت على الخزينة العراقية، والأسماء التي كانت متهمة بمثل تلك الملفات، واختفت فجأة مثلما اختفت ملفاتها وانتهت محاسبتها.
ما مرَّ على العراق لا يمكن أن نسميه فسادا يمكن معالجته، بل هو كارثة لسرقة بنيان دولة واختلاس مستقبل أولادها واطفالها، ولم تكن صدفة أن يتجانس الفساد مع مخاطر الإرهاب الذي أحاط بالعراق، ولم يكن دون حساب ان يتم تفعيل المشاعر الطائفية والنعرات الدينية في فترة حرجة ومفصلية من تاريخ ترميم وتشكيل الدولة العراقية الجديدة، حيث إن انتشار الفساد استمر مع التطاحن الطائفي ومع انعدام الأمان واستقواء التنظيمات الإرهابية، وفي كل الأحوال لم يكن الفساد المنتشر عفويا او غير منظم، بل العكس فقد كان منظما ويجد له ملاذا ومستترا بشتى الوسائل والطرق، كما وجد الفاسد من يحميه ويدافع عنه، مثلما وجد الأرضية التي تجعله في مأمن ويتم تغييبه عن الواجهة بقصد نسيان قضيته او طمر أخباره، اعتمادا على الزمن الكفيل بأن يجعل الناس تنساه لانشغالها بمتابعة فاسدٍ آخر او قضية أخرى.
عجلة التقدم والتطور والتنمية توقفت إن لم تتم عرقلتها وإيقاف أي مسعى لترميمها، تأثير النتائج السلبية للفساد عليها لم يكن وطنيا فقط، بل امتد ليصبح عالميا، فلا استثمار مع انعدام الأمان، ولا تطور وبناء مع الإرهاب، ولا توقف لمسارات الإرهاب مع انعدام الرقابة والملاحقة والمتابعة والتحقيق والقصاص العادل للفاسد، حتى يمكن أن يكون هناك أملٌ بإيقاف هذا الغول، او على الأقل ليشكل رادعا لبقية الفاسدين حتى يوقفوا عمليات فسادهم.
لم يقتصر الفساد على اختلاس او سرقة المال العام، ولم يتحدد فقط في المشاريع الوهمية او البائسة، بل تعداه ليشمل الواقع التنفيذي والسياسي، نجمع المشاهد والصور التي نشاهدها ونسمعها من بيع المناصب والوظائف ليصل الى الوظائف الفضائية، ويتمدد ليصل الى الشهادات المزورة والتي يترتب عليها مراكز ومناصب ورواتب في غير استحقاقها، دون أن تجد من يقف ليفضح مرتكبيها ويحيلهم على القضاء وليحكم عليهم بالعقوبات التي تتناسب مع تلك الجرائم، بعد ان أصبحت الدولة العراقية تستغيث من الفساد ومن تلك الجرائم التي تنتشر في جسدها، لتجعلها مريضة وغير قادرة على أداء ابسط مهماتها.
لم تشفع لنا المؤتمرات ولا الاجتماعات ولا دوائر النزاهة والمفتش العام في الدوائر الرسمية، لإيجاد حلول واقعية ومنطقية لإيقاف الفاسد وردعه، فقد شبعنا من خطابات الاستنكار والرفض من دون أن نشبع أهلنا خبزا وكرامة، ومع ذلك ازداد الفساد بشاعة واصبح يدخل الينا ويخرج بأشكال جديدة، دون أن ندرك أن هناك من يخدعنا ويوعدنا دون فعل حقيقي جاد، ودون أن نعي أنَّ هناك مافيات ومنظومات تتشارك لسرقة مستقبلنا، فلا مدارس بنيت ولا مستشفيات أقيمت ولا كهرباء تم إصلاحه ولا ماء صالحا للشرب ولا طرق معبدة ولا جسور ولا أمن يجعل المواطن مطمئنا، ولا خدمات تناسب دولة نامية ترتكز على أسس بناء دولة القانون ولا أموال مسروقة او مختلسة أعيدت الينا.
وبغياب الرقابة الشعبية والحكومية وبتقصير من جهاز الادعاء العام والأجهزة المعنية بملاحقة سرّاق المال العام خارج العراق أصبح الفاسد في منأى عن القانون العراقي، ولهذا أدركنا أن لا ديمقراطية مع الفساد، ولا غياب الأمن ووجود الإرهاب والسلاح المنفلت يمكن أن يبني الدولة، ولم نلمس محاسبة لمن يرتكب سياسة خاطئة او مضرّة بالعراق عن عمد او بغباء يجعله تحت حساب القانون.

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرامالنعيم نيوز

و لمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التاليالنعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا علىقناة النعيم الفضائية

و لا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرامالنعيم نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى