تحدث سماحة السيد قيصر الشرع، أمس الجمعة، عن الاستعداد لعاشوراء، مشيراً إلى أن المشاركة في إحياء هذه المناسبة العظيمة شرف يؤهّل الإنسان للأجر والثواب، وعلى كلّ واحد أن يستثمر هذه الفرصة، ببذل ما يستطيع من فكره وماله ووقته وجهده.
وتلقت “النعيم نيوز” نسخة من، النص الكامل لخطبتي صلاة الجمعة المباركة في محافظة البصرة بأمامة سماحة السيد قيصر الشرع:
الخطبة الأولى: التجارة المعنوية
بسمه تعالى :
لا إلهَ إلاّ الله إلهاً وَاحِداً وَنَحنُ لَهُ مُسلِمونَ، لا إلهَ إلاّ الله وَلا نَعبُدُ إلاّ إياهُ مُخلِصينَ لَهُ الدّينَ وَلَو كَرِهَ المُشرِكونَ، لا إلهَ إلاّ الله ربُّنا وَرَبُّ آبائِنا الأوّلينَ، لا إلهَ إلاّ اللهُ وَحدَهُ وَحدَهُ وَحدَهُ أنجَزَ وَعدَهُ وَنَصَرَ عَبدَه وأعَزَّ جُندَهُ وَهَزَمَ الأحزابَ وَحدَهُ، فَلَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ يُحيي وَيُميتُ وَيُميتُ وَيُحيي وَهُوَ حَيُّ لا يَموتُ، بيَدِهِ الخَيرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شيءٍ قَديرٌ .
قال تعالى في سورة البقرة اية (16):
أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ .
التفسير :
في مطلع هذه السورة المباركة، عرف القرآن الكريم على أنه كتاب هداية للمتقين ( فذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ) وقد بينت فيها أوصاف أهل التقوى، التي هي في الحقيقة شروط الانتفاع من القرآن، وقد كان آخرها جملة: «أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ).
المتقون، الذين يتمتعون بمقام المعرفة والهداية الإلهيتين، يمتلكون مقدمات الانتفاع من القرآن، وهم ينتفعون منه فعلا.( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ) أما المنافقون، الذين باعوا ثروة فطرتهم وهدايتهم، واتخذوا سبيل الضلال، فبما أنهم كانوا فاقدين لمقام الفكر والهداية ذاك، فهم لا ينتفعون من القرآن الكريم الذي يقول بحقهم في الآية محط البحث : (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ .) .
مسرح حياة الإنسان سوق تجارية
يعتبر القرآن الكريم الحياة الدنيا مركزا تجاريا تكون رؤوس أموال التجارة فيه هي الهداية الفطرية، والقدرة على الفهم، والطاقة على العمل، فإن استثمرت رؤوس الأموال تلك في سبيل نيل العقائد والمعارف الإلهية والقيام بالأعمال الصالحة كانت التجارة تجارة رابحة و من دون خسارة، وإذا صرفت في غير هذا الموضع، كانت التجارة خاسرة: ( وَالْعَصْرِ . إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) إذن، إذا لم يستغل المرء رؤوس أمواله العلمية والعملية في التجارة مع الله تعالى ولم يجن ربح، ولم يدخر شيئا أو يتعلم علما، كان حقا من الخاسرين. قال تعالى في سورة الكهف : ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا).
إن استخدام القرآن الكريم لمفردات البيع والشراء، والاشتراء، و التجارة، والربح، والخسران – كما سوف يتضح في طيات الخطبة – فيه دلالة على أن مسرح الحياة بالنسبة الإنسان هو إما ساحة للتجارة مع الله، أو ميدان للتبادل مع الشيطان، وإلا لما كان هناك داع لإيراد مثل هذه التعابير. فالمراد من «المبايعة» و «البيعة» في آيات من قبيل: ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ) هو معاملة البيع التي تجري مع الله تعالى والنبي ص ، أما مفردات ((البيع)) و«التجارة» الواردة في آيات مثل:
«وأحل الله البيع”، و ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ) فهي ناظرة إلى صنوف التجارة الدنيوية، وهي تختلف مصداقا، وليس مفهوما ، عن معنى «التجارة» الواردة في سورة الصف : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) فالاختلاف مصداقي .
التجارة الوافرة الربح والمقايضة الخاسرة
لقد أعطى القرآن الكريم وصفا متقنا لتجارة الناس الرابحة مع الله عز وجل، وتجارتهم الكاسدة الخاسرة مع الشيطان؛ فهو يقول في معرض تبينه للتجارة مع الله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ….. يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ … )
أي: هل أنبئكم عن تجارة تكون فيها نجاتكم من العذاب الإلهي الأليم ؟ وهي – في المرحلة الأولى، التي هي مرحلة «العقيدة» – أن تؤمنوا بالله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم ص وفي المرحلة التالية – التي هي مرحلة «العمل» – أن تجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، ومثل هذه التجارة هي خير لكم إن كنتم تعلمون.
أما ما تدره هذه التجارة عليكم فهو مغفرة من الله من ناحية، ونجاة من العذاب الإلهي ونيل الخلود في الجنة من ناحية أخرى.
إن الله عز وجل يشتري من المؤمنين أرواحهم الطاهرة وأموالهم المزكاة ليعطيهم في مقابل ذلك الجنة المحسوسة ولقاءه ، الذي هو الجنة المعقولة : ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ .. ) ، وينعت هذه التجارة بأنها تجارة «رابحة» وغير كاسدة بقوله: (يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ) . وكان أروع أنموذج لبيع النفس ابتغاء نیل الرضوان ولقاء الله، مبيت امير المؤمنين ع في فراش النبي ص وقد نزلت الآية الكريمة: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ) في حقه.
ثم إن التجارة، حسب الرؤية القرآنية، هي على نوعين: تجارة رابحة ومثمرة، وتجارة كاسدة وخاسرة. فالتجارة الرابحة هي تجارة الإنسان مع الله جل وعلا، أما البوار فهي تجارته مع غير الله، وقد سميت التجارة مع غير الله بالبوار من جهة أنها تشبه الأرض اليابسة البور في كونها عديمة المحصول والثمر. فالشخص الذي لم يستثمر ثروته الإنسانية في المتاجرة مع الله، يكون قد أضاع رأس ماله، فهو مغبون، وفي يوم القيامة : ( يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ)، سينكشف غبن رأس مال الخاسرين فيقول الله جل جلاله لهم: ( وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا ) أي إنكم أمة بائرة لا تعطي ثمارا أبدا.
عن أمير المؤمنین ع: «إن الدنيا دار صدق لمن صدقها … مسجد أحباء الله، ومصلی ملائكة الله، ومهبط وحي الله، ومتجر أولياء الله. اكتسبوا فيها الرحمة، وربحوا فيها الجنة»؛
لطائف وإشارات او الدروس
وجه الاشتراك والافتراق بين التجارة البشرية والإلهية .
المعاملات التجارية تشتمل على أربعة أركان: البائع، والمشتري، والمبيع، والثمن (أو البائع، والمشتري، والمثمن، والثمن) وهذه الأركان الأربعة هي منفصلة عن بعضها ، لكنه في المعاملات المهمة فإنه مضافة إلى الأركان السالفة الذكر هناك رکنان آخران: أحدهما السند (القبالة) والآخر الشاهد، أما متاجرة الإنسان مع الله، والتي بينت في القرآن الكريم، فهي تشترك مع المعاملات التجارية الشائعة والمتعارفة في وجه، و تتغایر معها في وجه آخر.
فوجه الاشتراك
هو في اشتمالها على الأركان الستة المذكورة. يقول عز من قائل في بيانه للأركان الستة للتجارة الإلهية:
( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) فالمشتري في هذه التجارة هو الله سبحانه وتعالى، والبائع هو الإنسان المؤمن، ومورة المعاملة (السلعة) هو النفس الطاهرة والمال المزگی، والثمن هو الجنة الأبدية، والشهود هم أنبياء الله، أما القبالة أو السنة د الرسمي الموقع فهو كتبهم السماوية، كالتوراة والإنجيل والقرآن الكريم.
أما وجه افتراق
التعاملات الإلهية مع تلك البشرية، فهو في أن التجارة مع الله لها درجات، وأنه في بعض درجاتها، وعلى الرغم من توفر الأركان الأربعة (البائع، والمشتري، والمبيع، والثمن)، يكون البائع عين المبيع، ويكون المشتري عين الثمن، وأن الفرق بينهم يكون بالاعتبار فقط (اتحاد البائع مع المبيع، واتحاد المشتري مع الثمن)؛ وذلك لأن البائع في هذه المعاملة يعطي حقيقتة الوجودية، مقابل لقاء المشتري. فهنا يتحد البائع مع بضاعته التي يبيعها، كما أنه يتحد المشتري مع الثمن الذي يجعله تحت تصرف البائع.
إن الله عز وجل هو ذلك المولى الذي يقول لعبده المملوك له: إن وجودك وكل ما لديك هو ملكي أنا، وإنني أنا الذي أوكلك في بيع نفسك لي أو لأي أحد آخر (الشيطان، أو غيره). فإن بعت وجودك وكيانك لي، فستصبح حينذاك حرا”، أما إذا بعته للأغيار، فستصير عبدا مملوكا لهم. فالمؤمنون المتوسطون يبيعون أنفسهم لله عز و جل كي يحصلوا على و الجنة في المقابل، إلا أن بعض أهل الإيمان لا يرضون في هذه المتاجرة بثمن أقل من لقاء الله، فمضافا إلى (الجنات تجري من تحتها الأنهار ) فإن هؤلاء طالبون لبلوغ جنة لقاء الله أيضا ( في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) كي يكون حظهم هو النظر إلى وجه الله، بوجوه ناضرة ( وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة) .
(۲) عينية البائع والمبيع في الاتجار مع الشيطان :
إن عينية البائع والمبيع لا تختص بتجارة المرء مع الله، بل تتحقق أيضا في الاتجار مع الشيطان.
فالذي يبيع نفسه للشيطان، لا يعود مالكة لنفسه وليس له مطلق التصرف في شأنها، والله سبحانه وتعالى يعد هذه التجارة أسوأ أنواع المعاملات في قوله: وقوله: ( وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) .
المنافقون في سوق الدنيا يبيعون ثروة فطرتهم وهدايتهم وإذا باع امرؤ رأس ماله الظاهري، فإن الباب يبقى مفتوحا لجمع رأس مال آخر، لكون البائع هنا غير رأس المال. لكن إذا باع الإنسان نفسه، فلن يعود هناك سبيل للحصول على رأس مال جدید. من هنا فإن المنافقين والكفار الذين باعوا أنفسهم للشيطان، قال تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ) قد سدوا في وجوههم كل طرق الكسب وجني الربح: ( فما ربحت تجارتهم ) .
يقول امير المؤمنين في نهج البلاغة : (اتخذوا الشيطان لأمرهم ملاكأ، واتخذهم له أشراكا ، فباض وفرخ في صدورهم، ودب ودرج في حجورهم، فنظر بأعينهم، ونطق بألسنتهم )”.
۳) مكاسب التجارة مع الله
إن القرآن الكريم، يوضح بإسهاب ما تدره هذه التجارة من مكاسب شتى؛ تبدأ من الغلبة على العدو في سوح الجهاد الأصغر، وتنتهي بلقاء الله، بالإضافة إلى فضائل جمة في حلقاتها الوسطية نذكر منها كنموذج: غفران الذنوب، والنجاة من العذاب الإلهي الأليم، ونيل الخلود في الجنان، ولما كانت هذه الثمرة غير قابلة للقياس مع المعطيات الأخرى، نرى أن القرآن الكريم، وبعد بيانه للتجارة المعنوية، لا يبين حقيقة هذه الثمرة إلا من خلال تغيير السياق وفي آية مستقلة وذلك عندما يقول: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ … يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) .
أما السر في أن الكلام عن غفران الذنوب، في مقام بيان ثمار التجارة مع الله، يأتي قبل الكلام عن دخول الجنة، فهو أن الجنة هي «دار السلام»، وأنه ما لم يصب الإنسان : السلامة التامة فإنه لن يحظى بوصال دار السلام فالله سبحانه وتعالى يقوم في البدء بغفران معاصي المذنبين والعاصين، ويغسل عنهم الأدران، ومن ثم يدخلهم في جنة عدن ، إلا أن أيا من هذه الأمور ليس هو الثمرة النهائية لهذه التجارة الوافرة الربح، وإن الثمرة الأفضل و الأسمى للاتجار مع الله هي بلوغ «جنة اللقاء»، وملاقاة الله جل وعلا.
وتوضيح ذلك: في تراثنا الديني تعرف الجنة أحيانا على أنها هي الهدف والغاية لسير الإنسان و سفره نحو الله؛ كما جاء على لسان أمير مؤمنین ع: «ألا حر يدع هذه اللماظة لأهلها؟ إنه ليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة، فلا تبيعوها إلا بها»”، واللماظة هي جزيئات من الطعام العالقة بين الأسنان؛ وإن الإنسان الذي قيمته توازي الجنة لا ينبغي أن يبيع نفسه بأقل من الجنة، كاللماظة، وإلا لصار في عداد أهل الخسران. والمراد هو أن لا يقنع المرء بأقل من الجنة أبدا.
وأحيانا أخرى تطرح مسألة نيل الجنة في المعارف الدينية كهدف متوسط السلوك الإنسان؛ وعلة ذلك هي أن الجنة ثمن يكون في مقابل بدن الإنسان. لذا فإن قيمة روح الإنسان هي أعلى من الجنة: «أما إن أبدانكم ليس لها ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها بغيرها …) فإن قيمة روح الإنسان فهي أعلى من الجنة ولابد لها أن تشق طريقها نحو لقاء الله جل وعلا ، يقول النبي ص لعلي ع : «الجنه تشتاق إليك، وإلى عمار، وسلمان، وأبي ذر والمقداد». هذا الحديث النبوي يؤيد هذه الحقيقة أيضا؛ وذلك لأنه إذا كانت الجنة مشتاقة للقاء أولياء الله، فإن أرواحهم هي أسمى من لقاء الجنة، ولابد لها من بلوغ لقاء الله خالق الجنة.
(4) المعبد سوق للاتجار مع الله
إن معظم التعابير التي استخدمها القرآن الكريم في الإشارة إلى تجارة الناس المعنوية مع الله عز وجل هي البيع والشراء، والاشتراء، ولعل استعمال كلمة «بيع» في التعبير عن معابد الرهبان، في قوله تعالى: ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ …) ناظر إلى هذا المعنى كذلك. فدور العبادة هي أسواق يبيع فيها الناس أرواحهم وأموالهم ليشتروا بها لقاء ربهم، ولولا أن هناك قانونا للدفاع من أجل الوقوف بوجه تعدي المعتدين لبادر هؤلاء، من خلال تخريب دور العبادة، إلى استعباد الناس وإخضاعهم؛ وذلك لأن المكان الوحيد الذي يحول دون خنوع الناس وخضوعهم للاستعباد والتسلط هو مركز العبادة. فإن لم يصد ويجابه تعدي المعتدين، فلن تبقى «صومعة كي يتفرغ فيها الراهب المنزوي لرهبانيته، ولن تظل بيعة كي يبايع الرهبان فيها الله ويتعاقدون معه.
5) معنی عدم اهتداء المنافقين
اذا كانت جملة {وما كانوا مهتدين، الواردة في ذيل آية الاشتراء، ناظرة إلى نفي أصل الهداية، يكون الاشتراء بمعنى الانتخاب» و «الاستحباب»؛ نظير قوله تعالى: ( فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى)
6- كل عبادة هي تجارة مع الله
أن كل عبادة هي تجارة مع الله بحسب حدودها ومستواها، إلا أن لكل منها ميزة فمناسك الحج، التي من أركانها المهمة الطواف حول البيت العتيق، هي تجارة مربحة ثمرتها الانعتاق من مساوئ الذنب والتطهر من لوث المعصية وروثها. لذا فإن لها – من هذه الناحية – سهما وافرة في إحراز الربح التجاري قال امير المومنين ع : وفرض عليكم حج بيته الحرام الذي جعله قبله للأنام… واختار من خلقه سماعا أجابوا إليه دعوته، وصدقوا كلمته.. يحرزون الأرباح في متجر عبادته، ويتبادرون عنده موعد مغفرته».
وكذا في الصلاة والزكاة وغير ها من العبادات وكذلك ما ينظم الحياة والعلاقات الاجتماعية ورسالة الحقوق شاهد صدق بيننا لذا قال ع : «واعلموا عباد الله أن المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا وآجل الآخرة… ثم انقلبوا عنها بالزاد المبلغ والمتجر الرابح» .
إن من يغفل عن نفسه، فإن الشيطان لا يغفل عنه.
إذن يتعين على :
المرء أن يكون محاسبة لنفسه، وأن ينتفع من رأس ماله على أحسن وجه ( رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ.37 النور ).
وهنا درس عظيم : إن الأنبياء والأئمة والان المرجعية الدينية ، الذين يسعون إلى تحرير الإنسان من قيود أي ورق أو عبودية لغير الله، من خلال تعليمه معارف وتبين تعاليم الدين مثل:
«ولا تكن عبد غيرك، وقد جعلك الله حرا»، هم في الحقيقة موال للإنسان؛ ذلك لأن: «مولاك هو من يحررك» فينبغي اتباع القيادة الحقه التي تحررك ولا تجعلك عبدا لها بل هي واسطة للعبودية الالهية .
8- الآداب العامة:
أن هناك أداب عامة في كل عبادة ينبغي الالتفات اليها والعمل بها ومراعاة الحقوق والواجبات ولنركز الى الآداب العامة :
حسن الظن بالله والتوكل عليه في كل الأمور وهو من يختار لنا المكان المناسب( اللهي لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا).
عدم الاستعجال بالحكم فمثلا: فقد يتبيّن لك براءته من الخطأ المتصور. ورد عن علي أنه قال: ربَّ مَلُومٍ ولا ذَنْبَ لَهُ.
العفو والغفران لمن طلب ذلك وعدم التشنج : اللهم إني أعتذر إليك من مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره … و من مسيء اعتذر إلي فلم أعذره ….الخ .
الاعتراف دائما بالتقصير قول الإمام الكاظم (ع) لبعض وِلْدِهِ: “يا بنيَّ عليك بالجدِّ – أي في العبادة – ولا تخْرِجَنَّ نفسَكَ من حَدِّ التقصير في عبادة الله (عزّ وجلّ) وطاعته، فإنَّ الله لا يعبدُ حَقَّ عبادتِهِ”.
حفظ الامانة وصدق الحديث : ورد في الحديث عن الإمام الصّادق (ع) قوله: “لا تغترّوا بصلاتهم ولا بصيامهم فإنّ الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم، حتى لو تركه استوحش ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة. فضرب بطرف وارى ماذا يحصل.
التحمل والصبر ، قال تعالى ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَ زلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ.).
حسن التعامل مع الاخرين وليس مجر الخلاف نجده على مواقع التواصل بحث صارت مظهر من مظاهر اظهار السموم للأسف .
لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)
الخطبة الثانية :الاستعداد لعاشوراء
بسمه تعالى :
عباد الله اتقوا الله تعالى حق تقواه، فما فاز إلا المتقون، وما ربح إلا المؤمنون.
اللهمَّ اهدِني مِن عِندِكَ وَأفِض عَلَيَّ مِن فَضلِكَ، وَانشُر عَلَيَّ مِن رَحمَتِكَ، وَأنزِل عَلَيَّ مِن بَرَكاتِكَ، سبحانَكَ لا إلهَ إلاّ أنتَ اغفِر لي ذنوبي كلّها جَميعاً، فَإنَّهُ لا يَغفِرُ الذّنوبَ كلَّها جَميعاً إلاّ أنتَ.
الاستعداد لعشوراء
في رواية عن الإمام جعفر الصادق أنه قَالَ لِفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ: «تَجلِسونَ وتحَدِّثونَ؟
قالَ: نَعَم جعِلتُ فِداكَ. قالَ: إنَّ تلكَ الَمجالِسَ أحِبُّها، فأحْيوا أمْرَنا يا فُضيل، رَحِمَ اللهُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَنَا»[1] .
مع بداية كل عام هجري، تتجدد ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه الكرام، الذين سطروا أروع البطولات وأنبل المواقف على كل الصعد.. بحيث تحولت هذه المعركة إلى مدرسة متكاملة للبطولة والوفاء والتضحية والشجاعة والبسالة والاستشهاد..
فنستذكر بطولاتهم، ونستلهم الدروس والعبر من تضحياتهم.. ان موسم عاشوراء، وذكرى سيّد الشهداء الحسين بن علي ، موسم ديني ثقافي اجتماعي مميّز، وقد دعانا إلى إحياء هذا الموسم أئمتنا حسب الروايات الواردة عنهم كما دعونا إلى أن نتلاقى ونجتمع مع بَعضنَا ونتذاكر أمر أهل البيت وسيرتهم ومعاناتهم، التي تحمّلوها من أجل الله وفِي سبيل الله، وهذا الأحياء من مصاديق المودة في القربى، حيث أمرنا الله بذلك، يقول تعالى: ﴿قل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقرْبَىٰ﴾.
المشاركة في إحياء عاشوراء
المشاركة في إحياء هذه المناسبة العظيمة شرف يؤهّل الإنسان للأجر والثواب، وعلى كلّ واحد أن يستثمر هذه الفرصة، ببذل ما يستطيع من فكره وماله ووقته وجهده، فلا يكون متفرجًا مستهلكًا، بل يكون مشاركًا، كلّ إنسان ـ رجلًا كان أو امرأة كبيرًا كان أو صغيرًا ـ عليه أن يسعى للقيام بدور في إحياء هذه المناسبة العظيمة.
قال ع : “يا ابن شبيب، إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان، فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا، وعليك بولايتنا..
يتميّز إحياء عاشوراء بأنه نشاط أهلي تطوعي بل يعتمد على الناس بمختلف طبقاتهم وهذا هو يميز الشعائر الدينية عن مختلف الفعاليات والكرنفالات ، فعلينا استثمار هذه الحرقة على سيد الشهداء في هداية الناس وصلاح امور اخرتهم ودنياهم .
تطوير الأساليب ومجالات الإبداع
نحن بحاجة إلى تشجيع الإبداع والأطروحات الجديدة. فهذه المناسبة ينبغي أن تتجدد فيها الوسائل بما يتناسب مع تطور العصر، ومن كان يريد الاستمرار في الوسائل التقليدية القائمة فمن حقّه ذلك. لكن عليه ألّا يمنع الآخرين من التطوير والابتكار، لأنه الامور السابقة ليست توقيفيةحتى نتقيد .
فقد وصل بنا الحال من التقيد بأن لا يقام مجلس في المسجد الكذائي و…. بحجة وجود مجلس مركزي كبير يمنع الحضور عنده ، وبتالي يضطر صاحب الموكب والحسينية الى ترك المشاركة وهذه ظاهرة غير صحية فينبغي التجديد في الاليات ولتكن في كل منطقة عدة فعليات ( مجلس مركزي ‘ موكب لطم ، مسرح حسيني ، مخيم ثقافي ، جلسات حوارية … الخ).
وقد أبدع بعض الشباب في بعض المناطق من خلال الفنون المتعددة، كالرسم والمسرح، وشارك كثير من الأولاد و البنات ممن لديهم هذه المواهب، وعبروا عن تفاعلهم،
كما أبدع بعض الشباب من خلال إقامة (الأوبريت)،
فكرة (اقراء الكتب) حيث يتم توزيع الكتب إلى جانب توزيع الطعام، فكلّ من لديه كتب زائدة عن حاجته، أو يرغب في توزيع الكتب على جمهور المعزين، يتمكن من المشاركة عبر هذه الفكرة الإبداعية.
برنامج التبرع بالدم الذي يسهم في سدّ نقص بنوك الدم.
إقامة مجالس خاصة للصغار بحيث يكون الطرح مناسب لهم بل حتى مجلس اللطم يكون واح منهم .
استثمار ليلة العاشر بالبرامج العبادية حيث يملى الوقت بالمفيد او اقامة صلوات الجماعة والادعية مثل صلاة (100) ركعة ويتخذ شعار ان الحسين لم يترك الصلاة حتى في الحرب .
أن يكون قبل كل مجلس لمدة (5) دقائق فقهية حيث يقوم احد رجال الدين بطرح مسالة فقهية او اكثر ولتكن ابتلائية من الواقع المعاصر.
نقدم مقترح لخريجي اللغات بان يقوم بترجمة بعض احاديث الامام الحسين ع باللغة التي يتقنها ونشرها على مواقع التواصل خصوصا (تويتر) ام صفحة خاصة او صفحته الرسمية خدمة لسيد الشهداء ويكون خادم من الخدام .
وهكذا نجد أنّ المجال مفتوح والآفاق واسعة لمختلف الأفكار والبرامج.
المشاركة بالرأي
لأنّ المناسبة عامة تهمّ الجميع، وفائدتها تعود على الجميع، فينبغي ترك الخلاف في مسالة الشعائر وعدم القدح بالأخر فمن حقّ المشاركين أن يطرحوا آراءهم، ويطوروا أساليب إحياء المناسبة بمختلف الوسائل المتاحة المقبولة، فالمناسبة ليست حكرًا على أحد، واختلاف وتنوع الوسائل أمر مشروع، كما هو الاجتهاد على المستوى الفقهي.
وهنا لا بدّ من التذكير بضرورة أن يكون الطرح علميًّا موضوعيًّا، بعيدًا عن التشنج والتحسّس، ففي كلّ عام ومع حلول هذه المناسبة نجد من يتحدث ويكتب بحالة من التشنج!!
بإمكانك أن تطرح رأيك واقتراحك وملاحظتك، ولكن ليس من خلال اتهام الآخرين أو التشكيك في نياتهم، فالحسين للجميع، ولا يجوز للإنسان أن يزكيَ نفسه، فيرى أنه هو المخلص للشعائر الحسينية وغيره ضد الشعائر، يقول تعالى: ﴿فَلَا تزَكُّوا أَنفُسَكُمْ﴾.
لا نريد أن تكون هذه المناسبة مجالًا للتشنجات والانفعالات، والتعبئة من كلّ طرف ضد الآخر، فمن لديه رأي ضمن الضوابط والأطر الشرعية القائمة، التي تسمح باختلاف الآراء الفقهية، وتسمح باختلاف الآراء الثقافية، فهذا لا إشكال فيه.
ملاحظة الجانب الصحي الأمني
لا تزال بلادنا ومجتمعاتنا تعاني من أزمنتين :
الأولى الصحية :
وهي أزمة وباء كورونا فهي هي الموجة الثالثة وهي اخطر من سابقتها فينبغي مراعاة الضوابط الصحة والتباعد الاجتماعي فان هذه مسؤولية شرعية وقانونية ملقاة على اصحاب المجالس والمواكب فلا يطاع الله من حيث يعصى ، وكذلك عدم التساهل في هكذا امور فإنها امانة شرعية .
الثانية الأمنية:
فان بلدنا لا زال مستهدف من قبل الفئات المتطرفة المتشددة الإرهابية، مما يستوجب التأكيد على اليقظة والحذر، والتعاون مع الأجهزة الأمنية الرسمية، من أجل حماية المواكب، وتجمعات العزاء في مختلف ساحاتها، لتقام هذه المناسبة على خير وجه، محاطة بالأمن والأمان.
مراعاة الأحكام الشرعية
اجتماعات عاشوراء ذات طابع ديني، تنطلق من أهداف ومنطلقات دينية، فلابدّ من التقيد بالأحكام الشرعية، فـ (لا يطاع الله من حيث يعصى)، ومراعاة الأخلاق والآداب الدينية في التجمعات والاجتماعات.
حينما نقرأ في كتب الفقه والحديث عن أحكام المساجد وآدابها، وأحكام صلاة الجماعة وآدابها، علينا أن نستوحي من هذه الأحكام والآداب ما يستهدفه الدين، وما يريده لهذه التجمعات من أجواء وآداب.
فاذا كان المجلس في المسجد فعلى الحضور يحرص على مراعاة ضوابط المسجد من نظافة وطهارته من النجاسات، ومن المستحب إزالة الأوساخ والغبار، وهناك روايات حول كنس المساجد وتنظيفها، كما أنّ على المصلي أن يتطهر ويتنظف ويلبس الثياب المناسبة ويتطيب، وألّا يكون قد أكل طعامًا فيه رائحة تؤذي الآخرين كالثوم والبصل.
علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي عليهم السلام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله: جنّبوا مساجدكم مجانينكم، وصبيانكم، ورفع اصواتكم، وبيعكم، وشرائكم، وسلاحكم، واجمروها (1) في كلّ سبعة أيام، وضعوا المطاهر على ابوابها».
فهناك احكام المساجد، وصلاة الجماعة، نستوحي منها ان الشارع يوكد على آداب المشاركة في أيّ تجمع واجتماع.
وَرَدَ فِي الحَدِيثِ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَرَسُولُ اللهِ يَخْطُبُ، فَجَعَلَ يَتَخَطَّى النَّاسَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ وَآنَيْتَ»[2] ، ولذلك يكره تخطّي الرقاب في المسجد.
هكذا يريد الإسلام أن يحافظ الناس في اجتماعاتهم على النظام والانضباط، ومراعاة حقوق بعضهم بعضًا.
فالروايات والأحكام تعطينا هذه الروح في مجالسنا ومواكبنا واجتماعاتنا.
آداب المجالس الحسينية
أحكام صلاة الجماعة والجمعة وآدابها نموذج لما يريده الإسلام لكلّ تجمّع واجتماع، يمكن تطبيقها والسير على منوالها في الحسينيات وساحات العزاء، من :
المحافظة على نظافة المكان، وآداب الدخول والخروج، ووضع الحذاء، ومراعاة الآخرين واحترام مشاعرهم، واختيار مكان الجلوس بما يتيح مجالًا للقادمين.جاء في الحديث: (خَيْرُ الْمَجَالِسِ مَا اسْتُقْبِلَ بِهِ الْقَبْلَةَ).
وإذا ضاق المكان وجاء من يريد المشاركة في المجلس، فينبغي إفساح المجال له ليتمكن من الجلوس.
قال تعالى في كتابه العزيز:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا…﴾(المجادلة:11).
ليكن الهدف من استماع الخطب هو استخلاص النقاط العلمية التي يمكن أن تغير مسيرة الفرد في الحياة وعليه فانظر إلى ما يقال ، ولا تنظر إلى من يقول.
لا بد من الاستعداد قبل دخول المجلس فيستحسن الاستغفار وذكر الله تعالى
والصلوات على النبي وآله الطاهرين والتهيؤ النفسي لنزول النفحات الإلهية
في ذلك المكان إذ مامن شك أن الله تعالى في أيام دهرنا نفحات .
من جهة أخرى ينبغي تذكير أصحاب المجالس بضرورة مراعاة الانضباط في الوقت، وعدم اختيار أوقات متأخرة من الليل، حتى لا تكون المجالس الحسينية سببًا في إزعاج الناس، أو تأخيرهم عن أعمالهم ، وكذلك ضبط مكبرات الصوت، حيث ينبغي مراعاة ظروف الجيران، صحيح أنه وقت استثنائي، ومناسبة خاصة في السنة، لكن إذا تسبب رفع صوت المكبر في أذى الجيران فإنّ ذلك محرم شرعًا!
إنّ صاحب المجلس يرجو ثواب الله بهذا العمل، فكيف يجرّ على نفسه الإثم!!
وهنا لا بدّ من الإشادة ببعض المجالس النموذجية في التزام النظام والانتظام، والمحافظة على الهدوء، فهي نماذج يحتذى بها، ينبغي أن نحافظ عليها، ونشيد بها حتى تصبح جميع مجالسنا مصدر عزٍّ وافتخار.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّقنا وإياكم لإحياء هذه المناسبة العظيمة، وان نكون ممن يستمع القول فيتبع احسنه .
أَرَأَيْتَ الَّذِي يكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمصَلِّينَ (4) الَّذِينَ همْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ همْ يرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)