أقيمت صلاة الجمعة العبادية المباركة في مسجد جنات النعيم في كربلاء المقدسة وكان خطيب وإمام الجمعة فضيلة الشيخ جعفر الربيعي.
وكان عنوان خطبة الشيخ الأولى موضوع الغفلة أما الخطبة الثانية فكانت حول موضوع الابتلاء في زمن غيبة الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف .
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: (﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾.
المقدمة: حقيقة الغفلة.
بعض الناس رغم امتلاكهم للأدوات والوسائل التي تؤهّلهم للوصول إلى الكمال الإنساني المطلوب، ورغم وجود الاستعدادات الفكريّة التي تؤهّلهم لذلك، إلّا أنّنا نجد أنّهم يعيشون حالة من البعد عن الله وعن الارتباط الصّحيح به. والبعض منهم أيضاً رغم علمهم بمبادئ الإسلام وبأحكامه وتعاليمه إلّا أنك لا تجد فيهم ذلك الشّوق إلى المحبوب الأوحد، ولا تجد نيران الفطرة التي تعشق الكمال تحرقهم للوصول إلى الله تعالى، وهذه الحالة سمّاها القرآن الكريم بالغفلة: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾. وحقيقة الغفلة هي انعدام التوجّه إلى المقصد الحقيقي للإنسان وهو الله سبحانه وتعالى، والانشغال بغيره.
وأوضح الشيخ أنه عندما يعتبر الإنسان أنّ الله تبارك تعالى غائب عنه وبعيد، ولا يدرك أنّ الله قريب منه، ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾، وأنّه معه أينما حطّ رحاله ويمّم وجهه، ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾، فإنّه سوف يغرق في الغفلة. وإذا غرق في الغفلة تهاون في أداء واجباته، ولم يعتن باجتناب المحرّمات. أمّا لو أدرك أنّ الله معه ووجد نفسه في محضر الله دائماً، فإنّه سيسعى لأداء كلّ الأعمال طبق الإرادة الإلهية. وهذه الأعمال التي تؤدّى وفق إرادة الله هي في الواقع أعمال مقرّبة إلى الله، كالصّلاة التي هي “قربان كل تقي.
وتابع الشيخ: الهدف من إرسال الأنبياء عليهم السلام هو إحياء النفوس وتوجيهها نحو الحقّ، ليكون الإنسان ذاكراً له في كلّ حركاته وسكناته. فما من شيء إلا ولله فيه حكم وإرادة وحضور. والإنسان الغافل هو الذي ينشغل بأمور لا قيمة لها عن أداء واجباته تجاه خالقه، تلك الأعمال الصالحة التي تؤهّله ليكون في مصافّ المشاهدين لجمال وجهه الكريم وكمالاته اللّامحدودة. فنراه لا يخشع في صلاته، ولا يُقبل على تلاوة القرآن والدعاء، ولا يهتمّ بتزكية نفسه وتهذيبها، ولا يزداد علماً ومعرفة، ولا يبحث عن تكليفه الشرعيّ بهدف خدمة المستضعفين من المؤمنين، فيقضي معظم أوقاته في اللّهو واللّعب والانشغال بتوافه الأمور وسفاسفها، فيصبح مصداقاً لقوله تعالى: ﴿إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ﴾.
من هم الغافلون؟
وقال الشيخ: يحدّثنا القرآن الكريم عن الغافلين ويصفهم لنا بأنّهم في الظاهر بشر مثل بقيّة الناس، ولكنهم في المضمون والجوهر هم بعيدون كلّ البعد عن حقيقة الإنسانية. فهم رغم امتلاكهم لنعمة السمع والبصر والفؤاد، إلّا أن الباري عزّ وجلّ يصفهم بأنهم كالأنعام بل أضلّ!! والسبب في ذلك أنّهم لم يستفيدوا من هذه النّعم الإلهية بالشكل الصحيح، ولم يوجّهوها نحو المقاصد والأهداف التي يريدها الله ويرضاها لعباده، ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾.
وأضاف الشيخ: فالغافلون لهم قلوب ولكنها لا تعقل ولا تفكّر في حجج الله وبيّناته، ولهم أعين ولكنّها لا تشاهد آياته، ولهم آذان ولكنّها لا تسمع ولا تفقه قوله تعالى، ولا وعظ الأئمّة المرشدين إلى الهدى ودين الحق. فكانوا أسوأ حالاً من البهائم ﴿أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾، و﴿أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ عن حجج الله تعالى وبيّناته، وعن التفكير بما يصلح حالهم ويؤمّن مآلهم في الدنيا والآخرة. فكانت عاقبة أمرهم أن طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾.
منشأ الغفلة وأسبابها
ووفقا للشيخ فإن للغفلة عن الحقّ تعالى أسباب ومناشئ عديدة سوف نذكر أهمّها:
1- ضعف الإيمان: يقول الإمام الخميني قدس سره: “هل تعلم المسّوغ لفتورنا هذا في الأمور الدينية؟ إنّه لأجل عدم إيماننا بالغيب، وأنّ مرتكزات عقائدنا واهية، وإيماننا بالوعود الإلهية والأنبياء مهتز ومتزلزل، وتكون النتيجة أنّ جميع الأمور الدينية والشرائع الإلهية عندنا تافهة وموهنة، ويفضي هذا الوهن شيئاً فشيئاً إلى الغفلة فإمّا أن تهيمن علينا هذه الغفلة، وتخرجنا كلياً من هذا الدين الشكلي الصوري الذي نعتنقه، أو تبعث على الغفلة لدى أهوال نزع الروح وشدائد اللحظات الأخيرة من حياة الإنسان.
2- حبّ الدنيا: وهو من أهمّ أسباب الغفلة، لأنها تعمي وتصمّ عن اتّباع سبيل الحق، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام حيث كتب إلى بعض أصحابه يعظه، وممّا قاله له: “فارفض الدنيا، فإنّ حُبَّ الدنيا يُعمي ويُصِمُّ، ويُبْكِمُ، ويُذِلُّ الرقاب.
3- الجهل بالهدف النهائي: إنّ جهل الإنسان بالغاية الحقيقيّة التي خلق من أجلها، وبما وعد الله به المطيعين له والعاملين بأمره، وأنّه ما لهذه الدنيا الفانية خلق، يدفع الإنسان إلى الاستزادة منها والغفلة عن الآخرة وما فيها ظنّاً منه أنها نهاية الأمل وغاية المنى. فعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: “ألا وإنّ هذه الدنيا التي أصبحتم تتمنّونها وترغبون فيها، وأصبحت تغضبكم وترضيكم، ليست بداركم، ولا منزلكم الذي خلقتم له، ولا الذي دعيتم إليه. ألا وإنها ليست بباقية لكم، ولا تبقون عليها.
4- اتّباع الشّهوات: فالإنسان عندما يغدو تابعاً لحاجاته المادّية، ومنقاداً لغرائزه الحيوانية، فيجعل حاجاته الشهويّة في المقدّمة دوماً، ويقلّدها زمام الأمور وينقاد إلى مطالبها كلّما أمرت، فإنّ ذلك سيؤدّي إلى تقوية الجانب المادي في حياته، وتضعف التوجّهات المعنويّة فيه حتى يغفل عنها ويغطّ في سبات عميق، فتبعده عن صراط الله المستقيم ونهجه القويم. فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: “ليس في المعاصي أشدّ من اتّباع الشهوة، فلا تطيعوها فيشغلكم عن ذكر الله”.
وعن النّبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “إيّاكم وفضول النظر، فإنه يبذر الهوى، ويولّد الغفلة.
5- العشرة السّيئة: فمعاشرة الفجّار ومجالسة الفاسقين، والمراودة المستمرّة لأهل الدنيا، والاقتصار على مصاحبة أهل المرتبة السّفلى من الإيمان، كلها تورث الغفلة والبعد عن الحقّ، لأنّ المصاحبين كلّهم أهل غفلة واحتجاب عن الحقّ سبحانه وتعالى، كما وصفهم مولى الموحدين عليه السلام: “وإن أهل الدنيا أهل غفلة”15. و”المرء على دين خليله وقرينه” كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
آثار الغفلة
للغفلة عن الحقّ تعالى والدّار الآخرة عواقب وخيمة ومهلكة نذكر بعضها:
1- العذاب الإلهي: ﴿إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾.
2- قساوة القلب: فعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: “وإيّاك والغفلة ففيها تكون قساوة القلب. وقال عليه السلام: “من غلبت عليه الغفلة مات قلبه.
3- فساد الأعمال: فعن أمير المؤمنين عليه السلام: “إيّاك والغفلة، والاغترار بالمهلة، فإنّ الغفلة تفسد الأعمال، والآجال تقطع الآمال.
4- رأس كلّ بليّة: فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: “الغفلة مصطاد الشيطان، ورأس كل بليّة، وسبب كل حجاب.
5- عمى البصيرة: فعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: “دوام الغفلة يعمي البصيرة.
6- تسلّط الشيطان: إنّ التغافل عن ذكر الله يفضي إلى تسلّط الشيطان على الإنسان: ﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾.
علاج الغفلة
إنّ إنسانيّة الإنسان تبدأ من لحظة خروجه من حالة الغفلة وارتقائه إلى مرحلة الذّكر واليقظة، فنحن إذا عدنا إلى حركة الأنبياء عليهم السلام نجد عنوان حركتهم الأساسي هو “الذّكر”، لذا يصف القرآن الكريم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه مذكّر. ومن الأمور التي تساعد على اليقظة والذّكر:
1- المعرفة بالغاية التي خلق الإنسان لأجلها:
وأنّه لم يخلق لهذه الدّنيا الفانية وملذّاتها الزائلة، بل خلقه الله لمقام قربه وجواره ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾، وللقائه ومشاهدة آياته ﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ﴾، ولدخول جنته ﴿وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾.
ومن لم تستحكم في نفسه المعرفة الصحيحة بالغاية التي خلق لأجلها، معرّض دوماً لأن يقع في ظنّ الوصول إلى المرام. وكثيراً ما نشاهد من يعيش مثل هذه الحالة التي يتصوّر فيها أنه يؤدّي ما عليه، وكلّما فتح دفتر محاسبة النفس وجد نفسه غير مقصّر. كلّ ذلك من قلّة المعرفة بالغاية الحقيقيّة وضعف حضورها. وإنّ من عرف الغاية وتفكّر بها سيسطع نورها على كلّ شؤونه وحركاته، ويشعر من جرّاء ذلك بالتقصير الشديد. وهذا من موجبات اليقظة وطرد الغفلة.
2- ذكر الموت:
فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: “ذكر الموت يميت الشهوات في النفس، ويقلع منابت الغفلة، ويقوي القلب بمواعد الله، ويرقّ الطّبعَ، ويكسر أعلام الهوى، ويطفئ نار الحرص، ويحقّر الدنيا.
3- معاشرة أهل الصلاح:
الذين ورد بشأنهم أنك إذا رأيتهم ذكّروك بالله والآخرة، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيّ الجلساء خير فقال صلى الله عليه وآله وسلم: “من تذكّركم الله رؤيته، ويزيد في علمكم منطقه، ويرغبكم في الآخرة عمله.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرام: النعيم نيوز
و لمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
و لا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرام: النعيم نيوز