بقلم: ياسين البكري
تعمل الحكومة باصرار على إجراء الإنتخابات في الموعد المحدد 10 تشرين أول 2021،كالتزام أساسي، ويدعم رئيس الجمهورية هذا التوجه بشكل علني عبر تصريحات متعددة، وبعض القوى السياسية بدأت بالفعل حملاتها الإنتخابية.
السؤال الذي يُطرح الآن، ماذا لو أجريت الإنتخابات بموعدها دون الوفاء بإشتراطاتها؟ وما هي الإشتراطات المطلوبة لتكون نتائجها مرضي عنها جماهيرياً لتمهيد الطريق نحو حكومة جديدة أو ربما الأصح مرحلة جديدة للنظام السياسي في العراق. فالقضية بعد تظاهرات تشرين لم تعد مجرد تغيرات على مستوى من يكون رئيساً للوزراء، أو شكل الحكومة، فالأهم هو إحداث تغيرات بنيوية
في النظام السياسي.
المشاركة في الإنتخابات ستكون أهم التحديات ليس للحكومة بل للقوى السياسية برمتها، ومع انه لا وجود لنسبة مشاركة محددة (معيار دولي معتمد)، تمثل شرعية الإنتخابات ونواتجها، غير ان نسبة المشاركة ستمثل حالة إستفتاء على النظام السياسي ومستوى الرضا عنه، وهنا مكمن الخطورة في حال تدنت المشاركة، فالتداعيات المحتملة صعبة التوقع في مدياتها الخطرة، ولكن يمكن الركون لنتائج إنتخابات 2018، وتداعياتها في إستشراف مستقبل غامض في حال تدني نسبة المشاركة في 2021، وتلك نقطة محورية يجب أن تبني القوى السياسية والمجتمع الدولي توقعاتها لما يمكن أن يواجهه النظام السياسي من مخاطر ، فالإنتخابات المبكرة قدمتكمدخل لتحقيق إستقرار سياسي ورفع مستوى الرضا الجماهيري عبر تغيرات متخيلة غير مضمونة في حال بقاء الوضع على ما هو عليه.
السؤال الذي سيواجه الحكومة والمفوضية والقوى السياسية هو: ما هي التحديات التي تواجه مشاركة واسعة تمنح النظام السياسي شرعية تأكل جزء منها، وتمنح الحكومة القادمة تأييداً جماهيرياً يساعد على تسويات منطقية في مشهد سياسي غائم ضبابي غير مستقر مرتبك؟
يمثل التوقيت الزمني للإنتخابات في تشرين أول 2021، معضلة على مستوى المشاركة منجهتي، الأولى ظروف الصيف الحارة في شهرين هما الأكثر قسوة على مستوى المناخ في العراق، وما
يرافقه من نقص في تجهيز الطاقة الكهربائية التي أصبحت وفي تجارب سابقة نقطة تحفيز للتظاهرات الشعبية ويرفع من حالة الغضب تجاه الحكومة والقوى السياسية، والجهة الثانية إن الإنتخابات ستتزامن مع الذكرى الثانية للتظاهرات، وتلك نقطة إشكالية مركبة، فنظرياً قد يشي التوقيت لتحفيز مشاركة أكبر لشباب تشرين خصوصاً وان الإنتخابات المبكرة مطلباً لهم، لكن من جهة ثانية قد يكون التوقيت التشريني مقتلاً لمشاركة واسعة، فالعديد من قوى تشرين توجه إنتقادات لاذعة للحكومة، باعتبارها لم تحقق شروط هذه الإنتخابات ولم تف بوعودها بما يخص حصر السلاح بيد الدولة حتى وصل الأمر تهكماً بان الدولة محاصرة بالسلاح، كما يوجه نقد أخر يتعلق بالكشف عن قتلة المتظاهرين، ويتوسع النقد بان ظروف الخطف والإغتيال ما زالت مستمرة دون ضبط، وهما سلاح ترويع وتخويف لقوى تشرين في أن تنتظم في أحزاب يمكن أن تنافس في بيئة آمنة.
في السياق نفسه يوجه النقد لبعض القوى السياسية وخصوصاً ذات الأجنحة المسلحة في انها ما زالت توازي قوة الدولة وتفرض إرادتها عليها عبر امتلاكها للسلاح بما يعني ان المنافسة الإنتخابية لن تكون عادلة، وبالتالي فان أي مشاركة ستعني بالنتيجة منح تلك القوى شرعية التواجد في المرحلة القادمة، وإعادة إنتاج نفسها وحضورها في المشهد السياسي بعد أن ساهمت تظاهرات تشرين في تأكل شرعيتها.
تقف المفوضية المستقلة للإنتخابات في قضية توفير الشروط الملائمة بإختبار صعب،
فمعكل جهودها التي تعلن عنها لتوفير إنتخابات نزيهة لا تعيد مشهد الإنتخابات السابقة، ومع كل الدعم المعلن لها من قبل الحكومة، غير ان المفوضية ما زالت تواجه بشكوك من ناحية بنيتها والتدخل الحزبي في تشكيلها، وكذلك في موثوقية إجراءاتها كالبطاقة البايومترية وتحديث سجل الناخبي وأجهزة التحقق والفرز والتطبيق الحقيقي لقانون الأحزاب، ولم تفلح دعوة الحكومة للأمم المتحدة في المراقبة كاجراء تعزيزي لتطمي الناخب في تقديم دليل قاطع ان الانتخابات لن تزور وتخترق، وتلك معضلةكبيرة لو استمرت حتى يوم الإنتخابات.
قد تبدوا تلك الدفوعات من قوى تشرين منطقية، فالمسافة بي الوعد وتحقيقه ما زالتبحسبها كبيرة جداً، غير ان النقطة المقابلة التي يجب على قوى تشرين وعي تداعياتها ان العزوف عن المشاركة سيكون الخطوة الاساس في إعادة إنتاج القوى التي خرجت عليها تشرين متظاهرةوناقدة ورافضة.
السياسات المطلوبة :
تفصلنا ثلاثة أشهر عن موعد الإنتخابات، ولتحقيق مشاركة واعية وواسعة تحتاج لتكثيف السياسات التي تقنع المواطن بالتغير عبر صندوق إقتراع، وذلك مرهون بتعبيره النسبي عن نزاهة الإجراءات وتحقق معظمها.
السياسات المطلوبة لن تكون بعيدة عن الإعتراضات والنقد السابق الموجه للقوى السياسية والحكومة، وفي مقدمتها قضية السلاح التي بات لا ينظر اليهكتهديد للإنتخابات بل لكيان الدولة.
في سياق السياسات يمكن طرح قضية تساعد نظرياً على دفع الجمهور لمشاركة أكبر، وهي دمج طرح إستفتاء شعبي على تعديلات دستورية في نفس يوم الإنتخابات، ويجب أن نتذكر ان التعديلات الدستورية كانت من مطالب حراك تشرين، وتمنح هذه الخطوة الجمهور أملاً بمسار نحو تعديلات متدرجة لبنية النظام السياسي وتمنحهم إنطباعاً بأنهم معنيي بذا التغيير ومساهمي به ومشاركي في وضع تصورات جديدة وإجابات لأسئلة المستقبل تكون أقرب للمواطن وبعيداً عن فراغات وأخطاء لحظة التأسيس.
وفي إشتراطات الإنتخابات وتعظيم مستوى المشاركة، حسناً فعل رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي باعلانه عدم خوض الإنتخابات أو دعم حزب ما ليمنح الإنتخابات ونفسه والتزامه باقتراع نزيه مصداقية أكبر في أن تكون الحكومة على مسافة واحدة، وغير مستقطبة لحساب طرف ما.
أسئلة المخاطر:
متابعة المشهد السياسي العراقي قبل أشهر قليلة من يوم الإنتخابات يعطي صورة بانه ما زال ملتبساً تتصاعد فيه حدة الإنقسامات السياسية وتتضاعف عوامل الصراع، وتضغط فيه التحديات الخدمية والإقتصادية على المواطن وارتفاع نسبة عدم الرضا عن القوى السياسية وادائهاومحاولة البعض الهيمنة على قرار الدولة، في مثل هذا المشهد لو أستمر دون تغير، ماذا لو أجريت الإنتخابات في ظله وكانت نسبة المشاركة متدنية؟ ما هي التداعيات المتوقعة لعزوف جماهيري متوقع؟ وهل سيكون من الأفضل تأجيل الإنتخابات لإتاحة الفرصة لتعديلات محسوبة في موازين القوى ومستوى الصراع وارتفاع أسهم الدولة في مقابل أسهم اللادولة لتكون دافعاً لمشاركة واسعة؟ هل إجراء الإنتخابات في تشرين مع بقاء حالة عدم الرضا الشعبي وربما تصاعدها، هل سيمثل الإصرار عليها إنجازاً؟ ما هي ردة فعل الجماهير المتوقعة في حال كانت المشاركة ضعيفة واعادت القوى السياسية إنتاج نفسها في مواجهة مع مطالب إحتجاجات تشرين؟ ما هي التصدعات
المتوقعة للدولة في وضع متصدع اساساً؟
إتخاذ القرار باجراء الإنتخابات في تشرين أو تأجيلها يجب أن يأخذ بالحسبان كل تلك الاسئلة وربما أخرى مضافة، وعلى صانع القرار من قوى سياسية وحكومة أن تقيم الوضع الحالي بموضوعية بعيداً عن رغبات ذاتية، وأن تنعش ذاكرتها لتداعيات عزوف الناخب في إنتخابات 2018، والرسالة الجماهيرية التي مررت حينها بموقف (مقاطع)، في تعبير سياسي ملفت تجاهلته حينها الطبقة السياسية.
القضية الآن ليست إنتخابات مبكرة لم تعد مبكرة اصلاً، القضية الآن تخفيف حدة الصراع والإنقسام السياسي، وتهيئة ظروف ملائمة للإنتخابات ذات مصداقية ونزاهة يقدم عليها الناخب بثقة أن صوته لن يذهب هباء أو يسرق أو يزور.
توقيت الإنتخابات لا يمثل تحدياً ولا يمثل مقدساً، بل التحدي كسب ثقة الناخب.
الأكيد سيكون هناك إعتراضات لو أجلت الإنتخابات، لكنها أعتراضات ستجد مقابلها مبررات منطقية لإتاحة الوقت لإجراءات إعادة الثقة، وخلق فرصة لمشاركة أكبر ستكون جواز شرعية للنظام السياسي الذي تأكل جزء كبير منه نتيجة سياسات خاطئة، وعكس ذلك سيواجه النظام السياسي برمته مخاطر جمة أكبر من قدرته على إحتوائها.