اخبار اسلامية
أخر الأخبار

“بإمامة السيد كرار الموسوي”.. إقامة صلاة الجمعة في جامع جنات النعيملال

أقيمت صلاة الجمعة العبادية بإمامة فضيلة السيد كرار الموسوي حفظه الله، بكربلاء المقدسة في جامع جنات النعيم.

 

واستهل خطبة صلاة الجمعة المباركة بقول الله عز وجل
(وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) (30)
ونحن على أبواب شهر رمضان المبارك الذي قال فيه عز مِن قائل 🙁 شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [سورة البقرة:185]. وددنا أن نقف على الشكوى التي يرفعها النبي الخاتم  بحسرة وألم الى الله تعالى عن حال قومه وأمته وكيفية تعاملهم مع كتاب ربهم، الذي أفنى عمره الشريف في سبيل تبليغه وبيان آياته، وإذا بهم بدلاً من أن يحفظوه رمَوه وراء ظهورهم واتخذوه مهجوراً.

وهناك أسئلة مهمة نريد أن نبينها ونجيب عنها، ما هو المراد بهَجر القرآن الذي يشكوه الحبيب المصطفى ؟ وما هي دلالته ؟ وما هي آثاره السلبية؟ وما هي أنواعه؟

ومن هنا سيكون حديثنا في أربعة محاور:
المحور الأول: أما معنى الهَجر فقد ذكر المفسرون له معنيَين:
الأول: البذاء والشتم: يقول الشيخ الطوسي في تفسير قوله تعالى ( مهجوراً ) أي: شيء من القول القبيح لزعمهم أنه سحر وأنه أساطير الأولين) ، وانسجاماً مع هذا المعنى سيكون المقصود بهجر القرآن هو أن يتفوَّه المرء اتجاهه بكلمات الهجر ، أي السّباب والشتائم ، وهذا المعنى بعيد عن جو الآية ،لأنها تتحدث عن أمة النبي وقومه الذين يشكوهم الى الله تعالى بلسان العتب والحرص والشفقة عليهم، وهؤلاء هم الذين آمنوا به واتبعوه، وواضح أن هؤلاء لايهجرون القرآن الكريم بهذا المعنى اي بسبّه وشتمه.
الثاني: الإعراض: والإعراض عن القرآن الكريم يعني تركه إلى غيره، يقال: فلان هجر زوجته أي تركها وأعرض عنها، وهذا المعنى هو الأقرب إلى الصواب في ما تريده الآية وهو الذي يمكن أن يصدر من أمته ، ويقول الشيخ الطبرسي في هذا المعنى أي تركوه ولم يؤمنوا به.
ويستوقفنا هنا – ونحن نتحدث عن معنى الهجر – التعبير الذي استخدمته الآية، فالله تعالى لم يقُل إن قومي هجروا القرآن، وإنما قال: إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً، ولو أنه قال (هجروا القرآن) فهذا يشير إلى موقف سلبي وهو إعراضهم عن القرآن وعدم عملهم بهن لكنه قال: اتخذوا القرآن أي أن هناك فعلاً متعمداً قد صدر منهم وهو اتخاذه مهجوراً، فهم اختاروا الإعراض عنه عن وعي وتصميم وذلك بسبب أنهم على الأرجح لمّا وهنوا وهانت عليهم أنفسهم وانغمسوا في الشهوات وابتعدوا عن الأخذ
بالقيم وبأسباب القوة والعزة، وجدوا أن القرآن يمثل عبئاً عليهم ولا يستجيب لمصالحهم الخاصة فقرروا هجره.

المحور الثاني: الآثار السلبية لهجر القرآن الكريم:
١- لاشك ان المتضرر الأول والأخير من هجر القرآن هم الناس انفسهم وليس القرآن ولا مُنزِلُه وهو الله سبحانه، فالله تعالى الغني المطلق الذي لا يضره إعراض الناس عن تعاليم دينه وقيم وحيه ،كما ان القرآن الكريم كنز ثمين ولا يضر الكنز شيئاً إن لم يكتشفه أحد، بَيد أن الحقيقة المرة هي أنه اذا لم نكتشف نحن أمة القرآن ما تضمنه من تعاليم وسنن فقد يهيئ الله قوماً آخرين يكتشفونه ويستفيدون من بركاته ومعارفه وكنوزه وفقاً لقانون الإستبدال، قال تعالى: (فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَفِرِينَ) إنّ هجر القرآن له تداعيات كثيرة وسلبيات خطيرة، و أولى تلك الآثار السلبية هي حرماننا في هذه الدنيا من بركاته المعنوية والمعرفية، وما واقعنا المتردي أخلاقياً والمشتت اجتماعياً والمتشظي سياسيًا وغير المستقر روحياً الا دليل بيِّن على هجرنا للقرآن الكريم، حتى لو كنا نتلوه على المنابر ونعلقه على صدورنا، فإن المعيار في اخذنا بالقرآن وعدم هجرنا له هو واقعنا وافعالنا وليس مزاعمنا وأقوالنا، تماماً كما أن صدق ايماننا واسلامنا يُعرف من خلال هذا الواقع لا من خلال الشعارات ولا الشكليات.
٢- والأثر السلبي الآخر لهجر القران هو أثر أخروي، فكما أن هجرنا له سيصيبنا بالتردي في هذه الحياة، فإنه سوف يصيبنا بالتردي في الآخرة أيضاً، وهذه نتيجة طبيعية لتردينا في الدنيا، قال تعالى: ( وَمَن كَانَ فِى هَذِهِۦٓ أَعْمَى* فَهُوَ فِى ٱلْاخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا) وإني لأسأل الله أن يصلح حالنا ويثبت اقدامنا وينور قلوبنا بالقرآن ويبصرنا حقائق آياته قبل أن يأتي ذلك اليوم الذي نقف فيه بين يدي الله تعالى وبمحضر نبينا الأكرم وسائر الأنبياء حيث يكون وَقع تلك الشكوى آنذاك مؤلماً وقاسياً وثقيلاً في الميزان، وموجباً الندامة والحسرة، فهل يتخيل احد منّا واقع هذا المشهد عندما يتقدم رسول الله يوم الحشر، ويقف بين يدَي الله تعالى ليبُثَّ شكواه على رؤوس الأشهاد؟ ويقول ياربِّ إنَّ هؤلاء قومي الذين أفنيت عمري في تعليمهم القرآن ومبادئه وبيان أحكام حلاله وحرامه، إن قومي هؤلاء الذين تركت بين ظهرانيهم كتاباً هو نور وهدى وحبلٌ متين قد تركوا هذا الكتاب وهجروه وأعرضوا عنه الى غيره!.
المحور الثالث: دورنا اتجاه القرآن ودوره في حياتنا:
والذي نعتقده أن للقرآن ثلاث وظائف رئيسة: وظيفة معرفية، وأخرى روحية، وثالثة سلوكية:
١- أما الوظيفة المعرفية للقرآن: فبإعتبار أنه مصدر للعقيدة ومن المفترض أن نبني تصوراتنا الاعتقادية ورؤيتنا الكونية على أساس القرآن الكريم ومن وحي ما تضمنته آياته.

فأي تخطٍّ او تجاوز لهذه المرجعية القرآنية في بناء التصور الاعتقادي هو هجران له، بل هو أعلى درجات الهجران، وهذا ما وقع فيه الكثيرون من أبناء هذه الأمة ممن يُصرون على تلقّي افكارهم من مرجعيات أخرى لا تلتقي مع كتاب الله، أو الذين اختاروا مذاهب بعيدة عن روح القرآن أو تبنوا أفكاراً وآراءً تمثل في الواقع إعراضاً عمليًا عن القرآن، فالتصورات التي يحملها بعض المسلمين في الفكر والسياسة والإقتصاد والإجتماع لا تنسجم مع كتاب الله، وهي مصداق جلي لهجر القرآن الكريم.

٢- أما الوظيفة الروحية للقرآن الكريم: فباعتباره مصدراً للبناء الروحي؛ لأن الانسان لا يحتاج فقط الى معارف عقلية، بل هو بحاجة الى ما يملأ القلب والوجدان ويمنحه الأمن والاطمئنان، والقرآن الكريم إذا ما أحسنَّا التعامل معه، فإنه يملأ الروح والوجدان كما يملأ العقل، ومن هنا فتلاوة القرآن الصحيحة لابد أن تمنحنا الأمن والاستقرار على المستويَين الفردي والإجتماعي، قال تعالى:( ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ ٱللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ) وقال: ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ )، ويحدثنا أمير المؤمنين في خطبة صفات المتقين عن هذا الدور الروحي البنّاء للقرآن الكريم، فيقول في وصف أهل التقوى: (فإذا مرّوا بآية فيها تشويق ركنوا اليها طمعاً، وتطلعت نفوسهم إليها شوقاً، وظنوا أنها نصب أعينهم، وإذا مرّوا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامعَ قلوبهم، وظنوا أن زفير جهنم وشهيقها في أصول آذانهم ) ، إذن فالقرآن الكريم هو الذي يغير القلوب والعقول كما يغير الواقع الفاسد والمنحرف.
٣- أما الوظيفة العملية والسلوكية للقرآن الكريم: فباعتباره كتاب الحياة وكتاب التشريع والأخلاق، فسلوكنا وأخلاقنا وكل حياتنا لابد أن تنسجم مع القرآن وتستقي منه وهذه من أهم وظائف القرآن وأهدافه.
نعم أيها الأحبة، إن بعض المسلمين باختياراتهم الخاطئة وسلوكياتهم المنحرفة قد جسدوا هجر القرآن فكانوا على العكس مما أراده نبيهم فإذا كان النبي قد جسّد القرآن الكريم في أخلاقه وهَديه حتى قالت إحدى زوجاته: ( كان خُلقه القرآن)، فإن أناساً من أمته قد جسدوا هجر القرآن بأخلاقهم البعيدة عن نهجه وتعاليمه.

المحور الرابع: هناك مصاديق أخرى لهجران القرآن الكريم قد نغفل عنها أحياناً، وهي:
١- الإهتمام الشكلي دون المضموني بالقرآن الكريم، فالبعض منا يتصور أنه وبمجرد ان يعلق القرآن على جدار بيته أو في سيارته أو يتفاءل به أو يستشفي بآياته فقد خرج عن دائرة الهجران.
وهذا فهم خاطئ لعلاقتنا بالقرآن ودوره ووظيفته، وقد روي عن الإمام الصادق أنه قال: ( ثلاثة يشكون الى الله عز وجل، مسجدٌ خراب ٌلا يصلي فيه أحد، وعالمٌ بين جهّال، وقرآن مُعلق قد وقع عليه الغبار لا يُقرأ فيه ).
٢- عدم الإنصات للقرآن الكريم عند قراءته:
عندما نكون في مجالس يُقرأ فيها القرآن، فالوظيفة الشرعية تقتضي علينا الإستماع والإنصات له، قال تعالى: ((وَإِذَا قُرِئَ القُرءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا…)) فعدم الإنصات للقرآن الكريم ليس مجرد هجران له، بل ربَما يكون استخفافاً به!.
٣- استكشاف المغيبات:
ومن اساليب التعاطي الخاطئ مع القرآن الكريم استخدامه في استكشاف المغيبات، فبعض الناس ممن اتخذ هذا العمل حرفة يعتاش من خلالها؛ إذ يقوم هؤلاء بإخبار من يأتيهم بما سيواجههم في المستقبل من أخطار، أو معرفة سعادتهم حتى حوّلوا القرآن الكريم الى وسيلة للتنجيم.

٥- التعسف في تأويل آيات القرآن الكريم:
ومن ابرز مصاديق الهجران جهد يتعسف في تأويل آياته على غير معانيها الظاهرة من دون دليل او حجة؛ فيلوي عنق النص القرآني على معاني بعيدة لا يتحملها الظهور ، وقد ردَّ ائمة أهل البيت على مَن أوَّل الخمر والميسر بأن المراد منها رجالٌ، فقال : (ما كان الله ليخاطب خلقه بما لا يعلمون)
المحور الخامس: التمسك بالقرآن الكريم مع إقصاء السُّنة: فاعتبَر بعضهم ان المرجعية الوحيدة التي يمكن ان يبني عليها الإنسان رؤيته و أفكاره، لابد ان تكون هي القرآن الكريم وحده دون غيرها، وهذا ردٌّ للقرآن نفسه الذي يخبرنا بوجوب الأخذ بما جاء به الرسول، قال تعالى: (مَا ءَاتَاكُم الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا).

فإن الإعراض عن السنة والدعوة لعدم حجيتها وترك الإفادة منها في بناء المعرفة الدينية، يمثّل بصورة غير مباشرة هجراناً للقرآن الكريم كما بيننا، فهو أيضاً يمثل بصورة مباشرة هجراناً لرسول الله  والأئمة، فكما هجر بعضهم القرآن الكريم، فإن هناك من هجر القرآن الناطق، يعني الرسول وأهل بيته عملياً وسلوكياً، فأفكاره مخالفة لأفكار رسول الله وأهل بيته (عليهم افضل الصلاة والسلام)، وتوجد اشارة واضحة من قِبل الأئمة لهذا المعنى، قال: ( أصبح رسول الله بفَقدك موتوراً وكتاب الله مهجوراً)، وفيه تأكيد إلى أن دور الإمام هو تحريك مفاهيم القرآن الكريم في حياة المجتمع.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون ممن رفع تقصيره عن الكتاب الكريم بتلاوته له وتدبر معانيه واستكشاف مضامينه العالية.

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرامالنعيم نيوز

و لمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التاليالنعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا علىقناة النعيم الفضائية

و لا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرامالنعيم نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى