اخبار اسلامية
أخر الأخبار

الشيخ المندلاوي: يوم الغدير حمل في طياته سبب بقاء الأمة وشموخها وامتداد سلطانها

أقيمت اليوم صلاة الجمعة المباركة في مسجد وحسينية الإمام الحسن المجتبى ( ع ) في خانقين منطقة علي مراد بإمامة سماحة الشيخ حسين المندلاوي ’دام توفيقه’، وحضور جمع مبارك من المؤمنين .

 

وقال الشيخ حسين المندلاوي، خلال خطبة الجمعة، وتابعتها “النعيم نيوز”:

الخطبة الأولى:

يوم الغدير حمل في طياته سبب بقاء الأمة وشموخها وامتداد سلطانها وانتشار مُثُلها العليا حتى تصل الى جميع الدنيا، لتملئها قِسطاً وعدلاً، ولتتواصل مسيرة النور والهدى التي بدأها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والتي مهّد لها كل الأنبياء والرُسل.

يوم الغدير تجسيدٌ لكفاح هابيل الصفوة وإبراهيم الخليل وموسى الكليم وعيسى الكلمة ومحمد الرحمة صلوات الله عليهم، تجسيدٌ لكفاح العظماء والمصلحين الذين ساهموا في وضع أسس الفكر الإنساني ومقومات الحضارة الاجتماعية، تجسيدٌ لمسؤولية صيانة واستمرارية الدعوة الإسلامية الخالدة، وإتمامٌ لمسيرة من قادوا الإنسانية نحو أهدافها وآمالها.

يوم الغدير سيفٌ صارمٌ للقضاء على كل وسائل الهدم والانحراف والظلم والجور والفساد على مّر العصور والأزمان.

والاحتفال بهذا اليوم العظيم، تعظيمٌ لشعائر الله: “ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب”، وإحياءٌ لشعيرة دينية أحياها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

عيد الغدير خُطبٌ ومواعظ، وتذكيرٌ بالله وبعظمة الإسلام، وغرسٌ لمكارم الأخلاق ومحامد الأعمال، وتذكيرٌ بما اختص الله به أهل البيت عليهم السلام من فضل ومكانة، وما قدمه أهل هذا البيت من تضحيات في سبيل الدين وحماية رسالة السماء من التحريف، ناهيك عن تعلم الرماية والنصع، وكلها لا تخالف شرع الله في شيئ كما يدعى المدعون، بل هي من لب وجوهر الدين.

ونظراً لأهمية واقعة الغدير وما أثير حولها من لغط وجدل، سنحاول تقديم قراءة موجزة عنها من ثلاث حلقات متتالية.

أولا: حدث الغدير:

في السنة العاشرة من الهجرة، الموافق 632 ميلادي، قرر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أداء فريضة الحج، والتي سميت بحجة الوداع، وحجة الكمال، وحجة التمام، فاجتمع المسلمون من كل حدبٍ وصوب ليشهدوا مع نبيهم أخر أركان الدين، وبعد فراغه من مناسك الحج نزل جبريل عليه السلام بالآية الشريفة: “يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ”، وفيها أمرٌ إلهيٌ واضحٌ وحازم بتبليغ أمرٍ خطير طالما تردد النبي عن الإفصاح به خشية التكذيب واتهامه بمحاباة الإمام علي، لكن التوجيه واضح وصارم، وعدم تبليغه يعني أن كل ما قام به في الـ 23 سنة من عمر الدعوة الى الإسلام لا قيمة له.

روى الحاكم الحسكاني عن عبدالله بن عباس وجابر بن عبدالله الأنصاري: أمر الله محمداً بتنصيب علياً للناس ليُخبرهم بولايته، فتخوّف رسول الله أن يقولوا حابى ابن عمه، وأن يطعنوا في ذلك عليه، فأوحى الله إليه: “يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ”، فقال رسول الله بولايته يوم غدير خم.

لم يكن الموضوع الذي أمر الله نبيه بتبليغه بلهجة شديدة: “وإن لم تفعل فما بلغت رسالته” سوى الإعلان الرسمي لخلافة علي بن أبي طالب، وكان رسول الله يحاذر من ذكر ذلك، لأنه كان يخشى أن يكون ذلك سبباً في وقوع الخلاف والفرقة الشديدة بين المسلمين، فكان لا بد من انتظار المناخ الملائم، وبعد نزول آية التبليغ، تبيّن أن المناخ مُهيأ، فجمع صلى الله عليه وآله وسلم، المسلمين في صحراء الحجاز القاحلة، وفي مكانٍ منها يُدعى “غدير خم” في الجحفة، على مفترق الطرق بين مكة والمدينة ومصر والشام والعراق، وأمر أن يلحق به من تأخر عنه، ويرجع من تقدم عليه، حتى يُبين لهم روح الإسلام وقوامُه المتمثلة في خلافة المسلمين بعد وفاته.

اجتمع المسلمون حول نبيهم، وأدركتهم صلاة الظهر، وكانت الشمس ملتهبة، وبعد فراغه من الصلاة قام بتبليغ ما أمره الله به، من ولاية أمير المؤمنين، وأمرهم بأن يُبلغ الشاهد منهم الغائب، وأمر الحاضرين ببناء خيمتين، واحدة له والثانية للإمام علي عليه السلام، وتقديم التهاني للإمام علي بإمرة أمير المؤمنين، واستمرت المبايعة ثلاثة أيامٍ متوالية، وكلما بايع فوج، قال رسول الله: “الحمد لله الذي فضلنا على جميع العالمين”.

وقبل أن يتفرق المسلمون نزل جبريل عليه السلام بآية إكمال الدين: “اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا”، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي بعدي”.

 

قيل أيضا يوم غدير خم: أليس الله عز وجل يقول “النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض”.

قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: فأخذ بيد علي عليه السلام فرفعها حتى رُئِي بياض إبطيهما.

فقال: من كنت مولاه فعليٌ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه.

فأتاه الناس يهنئونه، فقالوا: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أمسيت مولى كل مؤمن.

 

وأخرج الإمام المؤيد عليه السلام بإسناده حديث “المناشدة”، ومما جاء فيه أن الإمام علي عليه السلام، قال: فأنشدكم بالله وبحق نبيكم هل فيكم من أحدٍ نصّبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للناس ولكم يوم غدير خم، فقال: “من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه”، غيري.

قالوا: اللهم لا.

وأورد الإمام علي بن موسى الرضى عليه السلام في صحيفته بإسناده عن أبائه، أن رسول الله صلى الله عليه آله وسلم قال يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، واخذل من خذله، وانصر من نصره.

أهمية ودلالة واقعة الغدير:

1- الاحتفال بهذه الذكرى المباركة لإبقائها نابضةً بالحياة مهما مرّ الزمان، وتعاقبت الأجيال، وتناغماً مع قول الله عز وجل في كتابه الكريم: (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [إبراهيم:5].

2ـ تجديد العهد بالنبي الأكرم (ص) وأهل بيته الأطهار (ع)، وترسيخ الولاء لهذه المدرسة العظيمة على المستوى الإيماني، والروحي، والتشريعي، والأخلاقي.

3ـ تحمّل مسؤولية الانتماء إلى هذه المدرسة بالالتزام بالمنهج الوحدوي الذي رسّخه أمير المؤمنين علي(ع) وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية

4- قبول رسالتهم والإيمان بها في حياتهم.

5- مشكلة بيان الشريعة والأحكام الإلهية والمحافظة على بقائها وإجرائها بعد وفاتهم.

من هنا تأتي أهمية دور أوصياء الأنبياء في بيان شرائع السماء، وصيانتها من التحريف، والمحافظة على بقائها واستمراريتها وإجرائها بعد رحيلهم.

وفي هذا تأكيدٌ واضحٌ بأن قيمة المُفسر لرسالة السماء والمُطبق لها عملياً بأمر الله تعادل قيمة الرسالة نفسها، وقيمة وجود الرسول تعادل قيمة الإسلام، وقيمة من يُفسره من بعده ويُطبقه تعادل تنزيل الإسلام وتبليغه.

وهذا هو السر من وراء ربط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين القرآن والعترة في حديث الثقلين.

فقد أراد التأكيد لأمته عبر التاريخ بأن الولاية أخت النبوة، ولا عجب أن تكون الإمامة أصلٌ من أصول الدين، التي لا يجوز التهاون فيها، لأنها امتدادٌ للنبوة، وسياجها المنيع ضد الأعاصير الأهوائية.

وأراد من تتويج الإمام علي في غدير خم التوضيح لأمته أن الولاية مرتبطةٌ بالقيم الإسلامية الأصيلة، والتمسك بها يعني التمسك الصادق بالقيم الإسلامية الأصيلة التي دعى اليها، والتنكر للولاية يعني التنكر لما دعى إليه طيلة 23 عاماً.

وأراد من واقعة الغدير حفظ رسالة السماء وديمومتها واستمراريتها، والنأي بالأمة عن مزلات القدم، ومنع الاختلاف بعد رحيله.

عن صفوان بن يحيى عن الإمام جعفر بن محمد عليه السلام: “الثامن عشر من ذي الحجة عيد الله الأكبر، ما طلعت عليه شمسٌ في يومٍ أفضل عند الله منه، وهو الذي أكمل الله فيه دينه لخلقه، وأتم نعمه، ورضي لهم الإسلام ديناً، وما بعث الله نبياً إلا أقام وصيه في مثل هذا اليوم، ونصّبه علماً لأمته”.

وما نفهمه مما سبق أن يوم الغدير ليس يوم علي بن أبي طالب فحسب، بل هو يوم الله، ويوم نبيه، ويوم الإنسانية جمعاء
يوم الله، لأن الله أمر نبيه بتبليغ ما أُنزل إليه من جانبه، فامتثل رسول الله لأمر ربه، وبلّغ ما أُمِر بتبليغه.

ويوم رسول الله وهو الرحمة المُهداة، لأن رحمته اقتضت تأمين سعادة البشرية، وجعلِها خالدة، مادام البشر يمشي على وجه الأرض، وذلك بالتوجه الى حكومة العدل، وقلع الظلم، واستقرار العدل في العالمين بمختلف مسمياته: الفردي والجماعي والعدل في الحكم، والعدل في القضاء، وجعل المسلمين كافة تحت ظِلاله المباركة في صعيدٍ واحد، وجعل يوم الغدير رمزاً لوحدة المسلمين، ووجه أمته الى تحقيق الغاية التي بعث الله أنبيائه لأجلها، وهي قيام الناس بالقسط بصريح القرآن.

ويوم الإنسانية، لأن الإنسانية لم ترى يومها قبل ذلك اليوم، ولن تراه بعد ذلك، كانت أمنيتها قيام العدل في العالم، وفي يوم الغدير بُشِّرت بالوصول اليها، وتحققها، كي لا تقنط من رحمة الله، فكان صوت رسول الله، صوت الإنسانية، وندائها في طلب العدل، وهي الأمنية الحاصلة لكل فرد من البشر.

وتحقق أمنية العدل متوقفٌ على التمسك بالثقلين “كتاب الله وأهل البيت”، كما قال الصادق الأمين صلى الله عليه وآله وسلم: “إني تاركٌ فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تظلوا بعدي أبدا”، ما يعني أن عدل الضلال ليس إلا قيام الناس بالقسط، قال الإمام الحسن بن علي عليه السلام: وأقسم بالله لو تمسكت الأمة بالثقلين، لأعطتهم السماء قطرها، والأرض بركتها، ولأكلوا نعمتها، خضراء من فوقهم، ومن تحت أرجلهم، من غير اختلاف بينهم الى يوم القيامة، قال الله عز وجل: “ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل اليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم”، وقال عز وجل: “ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذَّبوا فأخذناهم بما كسبوا”.

إن هذا المنطق القرآني الداعي إلى اعتماد القول الأحسن هو الذي يجب أن يسود في أسلوب إحيائنا لمناسباتنا المذهبية، وفي طريقة تعامل الآخر معنا فيما له من ملاحظات حول ذات الموضوع، وفي تعاملنا وتحاورنا مع بعضنا البعض في المسائل التي نختلف فيها، لأن هذا الأسلوب هو الذي يعرقلُ مشاريعَ الشيطانِ في أن ينزغَ بين الإخوة، ويُغلِقُ أمامَه أبوابَ الفتن.

ولنتذكر بأن كثيراً من صور الصراع المذهبي هي في الواقع صراعات سياسية أو حزبية أو لمصالح شخصية أُلبِست لباس الانتصار للدين والمذهب لقداستهما في النفوس.. فلنحذر أن نكون حطباً لنيران مؤجِّجي الفتن، وأن نكون أتباعاً لهم لا عن بصيرة، وقد قال عزَّ مِن قائل: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ، وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ).

إذن فنحن أمام أهم حدث في تاريخ الإسلام، به تم الدين واكتمل من الناحية النظرية والعملية، وبه صار الإسلام مِنهاجاً كاملاً، مَرضياً عند الله.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى