خطبة صلاة الجمعة في جامع الجوادين (ع) بعنوان ’الحكومة بنظر مولانا أمير المؤمنين’
أقيمت صلاة اليوم الجمعة، في جامع الجوادين (عليهما السلام) بإمامة ياسر الياسري تحت عنوان (الحكومة بنظر مولانا أمير المؤمنين).
وتطرق السيد الياسري، في الخطبة الأولى وحضرها مراسل “النعيم نيوز”، إلى “(الحكومة بنظر مولانا أمير المؤمنين) قال أمير المؤمنين: (وإنه لابد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن. ويستمتع فيها الكافر. ويبلغ الله فيها الأجل. ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدو. وتأمن به السبل. ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح به بر ويستراح من فاجر)”.
وأضاف إنّ “وجود نظام إجتماعي وحكومة عادلة تحفظ حقوق المجتمع، لهو من أهمّ الأمور الضروريّة في الحياة البشريّة. فإنّ الإنسان مدنيّ بطبعه، لا يحصل على حاجاته إلا تحت ظلّ حكومة حاسمة وعادلة. ولذلك كانت الحكومة أو الدولة موجودة في جميع مراحل الحياة وإنّ تكامل المجتمع وتحقّق الرشد الأخلاقي والتناصف والإيثار بين جميع أفراده. يصعب بل يستحيل تحقّقه دون نظام يجمع أمرهم في المصالح العامّة، وهذا لا يختصّ بعصرٍ دون آخر، أو ظرفٍ دون آخر”.
وتابع الياسري “فالإنسان يحتاج إلى حكومة صالحة لائقة حافظة لحقوق الأمّة الآخذة بيدها. وهذا ممّا يحكم العقل السليم بضرورته وأهمّيته الحكومة ضرورة إجتماعيّة: تستدعي الحياة الإجتماعيّة وجود مؤسّسات متعدّدة، فالمؤسّسة التشريعيّة ضروريّة لأجل وضع القانون وتطبيقه ضمن الظروف الإجتماعيّة الخاصّة، والمؤسّسة الإجرائيّة – التنفيذيّة – حاجة ضروريّة أيضًا لأجل تنفيذ القانون وتطبيقه عمليًّا في المجتمع. ولأجل المحافظة على الإستقرار الأمني الداخلي والخارجي، وكذلك المؤسّسة القضائيّة حاجة ضروريّة لأجل الحدّ من المخالفات الشخصيّة والعامّة، ولإجراء العدل بين الناس. إنّ مجموع هذه المؤسّسات تسمّى بالحكومة، والحكومة هي المسؤولة عن الأمور الإجتماعيّة العامّة، كحفظ الأمن والدفاع. وبسط العدالة، والرقيّ الإجتماعي، والصحّة، والتعليم، وغيرها”.
وبين الياسري “إنّ هذا الأمر لم يكن خاصًّا بمجموعةٍ محدّدةٍ من الناس أو بزمان معيَّن. بل إنّ المجتمعات البشريّة كافّة على مرّ التأريخ تحتاج إلى الحكومة لإدارة المجتمع. وإنّ من ينكر ضرورة وجود حكومة يرجع أمره في الحقيقة إلى أنّه يريد الحريّة المطلقة دون أيّ حساب أو قيد. أو إنّه من زمرة الأشرار الذين يخافون من الحساب والنظام، أو إلى شخص عانى من ظلم الحكومات الجائرة. فالخوارج مثلاً طرحوا شعار: لا حكم إلا لله، لأجل نفي حاكميّة أيّ شخص في المجتمع. وكان أن أجابهم أمير المؤمنين بقوله: ” كلمة حقّ يراد بها باطل”.
وأوضح “بمعنى أنّه إذا كان مرادكم أنّ الحاكميّة في الأصل هي لله عزّ وجلّ، فهذا أمر لا شكّ فيه، ولكن إن كان المراد أنّه لا ينبغي أن يكون هناك حاكمٌ على الناس. فهذا أمر باطل، وفي ذلك يقول أمير المؤمنين: “وإنّه لا بدّ للناس من أمير، برّ أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلّغ الله فيها الأجل. ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدوّ، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي، حتّى يستريح بَرّ، ويُستراح من فاجر”()”.
ولفت إلى أن “الواجبات المتعلقة في ذمة الحكومة:
بيَن أمير المؤمنين بعهده لمالك الأشتر الوظائف التي تتعلق في عاتق كل حكومة وحاكم تجاه العباد الذين صار قيّم عليهم:
أولاً: توفير فرص العمل الصالح والكريم لكل مواطن بحيث يكتفي به عن الإحتياج والتعرض إلى أيدي الناس، وبذلك تطمئن نفسه، ويسكن رَوعه، ويمكن أن يخدم بلده، قال: (يعمل في إمرته المؤمن).
ثانياً: فرض الأمن وسيادة القانون بحيث ينعكس ذلك على اطمئنان الناس، وشعورهم بالأمان في بيوتهم ومحال عملهم، ومرافق الدولة المختلفة، من دون فرق بين المسلم والكافر، والموالي للنظام والمعارض له ما دام مواطناً يحب بلده، قال: (ويستمتع فيها الكافر)، وقوله: (فيأمن المظلومون من عبادك)().
ثالثاً: حماية المجتمع من الفتن الداخلية، والعدو الخارجي، قال: (ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل).
رابعاً: إعمار البلاد، من خلال التنمية الإقتصادية التي تشمل الصناعة والتجارة والزراعة والمواصلات والإسكان والصحة والمرافق الأخرى من العمران والإزدهار الاقتصادي، بفتح مشاريع لائقة بالبلد، قال: (…وعمارة بلادها)().
خامساً: الإصلاح الإجتماعي للناس من خلال صيانة القواعد والأسس الاجتماعية الرصينة التي يبتني عليها المجتمع المسلم، كما في قوله: (إستصلاح أهلها)() أي الأخذ بهم إلى نهج الصلاح والإستقامة الإجتماعية والأخلاقية، من خلال العمل على تعمير النفوس بتنمية المجتمع في قدراته وطاقاته، والإرتفاع بمستوى وعيه، فلا يمكن الشروع في بناء الدول دون قيم تدفع المجتمع نحو مقاصد العدل والتكافل الإجتماعي. فلا تقتصر على رعاية الجوانب المادية والدنيوية من حياة الناس.
سادساً: اِستحصال الأموال لإدارة شؤون الحكومة والناس من خلال الطرق الشرعية والقانونية الصحيحة (جباية خراجها)().
سابعاً: اِنصاف المظلومين ونصرتهم واستنقاذهم من أيدي الظالمين (وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظًة ظالم، ولا سغب مظلوم)().
ثامناً: حماية الحقوق العامة والخاصة، وضمان عدم التعدّي عليها، وفصل الخصومات والنزاعات بين أفراد المجتمع من جهة، وبينهم وبين المؤسسات العامة والحكومية من جهة أخرى، وهذا من لوازم وجود نظام وسلطة قضائية صالحة ونزيهة وشجاعة (ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح بر ويستراح من فاجر)”.
وأردف الياسري “في أيام ولادة الإمام علي ندعو جميع الأطراف السياسية إلى تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة).
السلطة القضائية:
من أهم النقاط التي ركز عليها أمير المؤمنين بعهده لمالك الأشتر، اِختيار القضاة الصالحين، لتترسخ دعائم حكومته، وينتصف للمظلومين، وتُجتث جذور الجور والظلم والفساد والعدوان في المجتمع، وتسوده العدالة والأمن والإنصاف في ظل جهاز قضائي صالح تتوفر فيه الشرائط والمقومات الشرعية كالفقاهة (الإجتهاد) والعدالة ومنها:
أن يكون من أفضل الناس والرعية (ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك) يُفهم منه أن مبدأ اِختيار القاضي بالتعيين لا بالإنتحاب العام، ولا يتنافى ذلك مع إستقلال القضاء عن الحاكم الذي يختارهم.
2- (ولا تُمَحِّكُهُ الخصوم) أي لا تجعله ماحقاً لجوجاً، فيكون شهم الأخلاق، واسع الصدر يتحمل ما يجري ويحدث عادة بين الخصوم من المهاترات شريطة أن لا يمسّ بهيبة القاضي والقضاء.
3- (ولا يتمادى في الزلة) أي لا يسترسل في الخطأ، فاذا أخطأ ثم عرف الصواب، فعليه أن يرجع، ولا يُصرّ على خطأه، ولا يضيق صدره من الرجوع إلى الحق، فإن الرجوع من الخطأ فضيلة.
4- (ولا تُشرف نفسه على الطمع) عفيف الطبع، وعزيز النفس، لا يقضي بهوى، بعيداً عن أطماع الدنيا، مترفعاً عن الرشوة ونحوها.
إلى غيرها من الصفات التي ذكرها: (ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ، مِمَّنْ لاَ تَضِيقُ بِهِ الأمُورُ، وَلاَ تُمَحِّكُهُ الْخُصُومُ وَلاَ يَتَمادَى فِي الزَّلَّةِ وَلاَ يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْءِ؟ إِلَى الْحَقِّ إذَا عَرَفَهُ، وَلاَ تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى طَمَعٍ، فَهْمٍ دُونَ أَقصَاهُ وْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ وَآخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ، وَأَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ، وَأَصْبَرَهُمْ عَلَى تَكَشُّفِ الأمُورِ، وَأَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ، مِمَّنْ لاَ يَزْدَهِيهِ إطْرَاءٌ وَلاَ يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاءٌ، وأُولئِكَ قَلِيلٌ)”.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز