د. علي المرهج
كان لكتاب بول ريكور «الذات عينها كآخر» الدور الرئيس في الكشف عن ضعف مقولات الفلسفة التقليدية والفلسفة الحديثة في تبنيها لليقين وادعاء كل فلسفة امتلاكها للحقيقة، فكشف عن عقم «الذات الواعية»، التي جاءت متضمنة في مفهوم «الكوجيتو الديكارتي» الذي اقتصر في الوعي على اكتشاف الوجود الذاتي ووجود العالم والوعي به، من دون «الاعتراف» بالآخر ودوره في تشكيل وعي «الأنا» بذاتيتها «أي وعي المماثلة» بالهوية، ومن ثم «وعي المغايرة» أو «الغيرية» لهذه الهوية، ليؤكد لنا صعوبة الفصل بين «الأنا» و{الآخر»، فمعنى «العينية» في كتابه «الذات عينها كآخر» وكأن «الآخر» يكون مرآة للأنا، والعكس صحيح، فقد يُشكل «الآخر معنى وجودنا «الذاتي».
يطرح (بول ريكور) ثلاثة أنواع من «الاعتراف» هي:
1ـ «الاعتراف بوصفه مُعارفة» أي بناء تصور وادراك يقتضي بناء حُكم؟.
2ـ «الاعتراف بالذات»، ومنها التعرف على الأشياء والأشخاص والذات نفسها.
3ـ «الاعتراف بما هو عملية تبادلية» يُمثل التعارف أحد أجناسه، مع ما يلزم عن هذه البنية من التفاعل والتشارك بين الذوات، ومن الصراع والحرب والمُنازعة التي يكون منها الرباط المدني، وحدوث الجماعة السياسية، وتأسيس الدولة والحق التاريخي.
يعترف (ريكور) في كثير من مواضع كتابه هذا بتأثره بما طرحه «أكسيل هونيث» في كتابه «الصراع من أجل الاعتراف».
كان لفلسفة هابرماس في «الفعل التواصلي» أثرها البيَن في فتح أفق التواصل مع فلسفة التنوير وترسيخ قيم الحُرية والتعايش في «الفضاء العام»، الذي طوَره (أكسيل هونيث) ليصنع منه فلسفة جديدة في «الاعتراف»، فقد طوَر (هونيث) أطروحات الجيل الأول والثاني لـ (مدرسة فرانكفورت) ورؤاهم النقدية ذات الطابع الاجتماعي ومحاولتهم وضع أسس لفلسفة اجتماعية تجعل الفكر مُصاغاً وفق مُتغيرات الواقع المُعاش.
هذه كانت مُهمة البحث حولها توظيفاً وتأويلاً وتحليلاً، عبر الربط التاريخي بين المفاهيم الفلسفية وتطورها التداولي في منظومة التفكير الفلسفي الغربي، فجعلنا من نتاج الفلسفة الحديثة والمُعاصرة المفاهيمي جذراً لفكرة (الاعتراف)، بوصفها «فلسفة اجتماعية» ذات بُعد تطبيقي عبر ربط هذه المفاهيم بأسباب نشوئها، الذي فرضته طبيعة الصراع في مرحلة ما، أي الكشف عن العلاقة بين الفكر والواقع.
أجد أن مفهومي «
التواصل» عند هابرماس و{الاعتراف» الذي طرحه «أكسيل هونيث»، قد أعادا استحضار منطق التناقض الهيجلي أو «صراع الأضداد»، بعد أن وجد أن «نظرية التواصل» عند هابرماس غير كافية لتفسير الصراع ليمنح «الاعتراف» بعداً اجتماعياً تداولياً، وليس بعداً لغوياً تدولياً بحسب هابرماس، فكشف عن مقولات «الاعتراف» الثلاث (الحب والقانون والتضامن الاجتماعي)، ولا مجال هنا للتفصيل في نظرية هابرماس في {الفعل التواصلي» أو نظرية هونيث في «الاعتراف»، لكن النظريتين تمنحان «الآخر» المختلف حق التعبير عن رأيه بحرية يقتضيها منطق القبول بالحوار بين المختلفين، لأن كلا النظريتين تقتضيان الاعتراف بحق الآخر أخلاقياً في التعبير الحر عن متبنياته.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
لا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرام: النعيم نيوز