اخبار اسلامية
أخر الأخبار

إقامة صلاة الجمعة في جامع الرحمن بإمامة الخطيب رسول الياسري

أقيمت صلاة الجمعة المباركة، بغداد / المنصور / جامع الرحمن، بإمامة الخطيب السيد رسول الياسري.

 

#الخطبة_الاولى

عنوان الخطبة : الإشاعة وكيفية مواجهتها

بسم الله الرحمن الرحيم

{وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلْأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِۦ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِى ٱلْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنۢبِطُونَهُۥ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُۥ لَٱتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَٰنَ إِلَّا قَلِيلًا} النساء ٨٣ .

حديثنا اليوم عن الشائعات وذلك لأنها من أخطر الرذائل التي متى ما فشت في أمّة من الأمم‏ اضطربت أحوالها‏ ، واضعفت الثقة بين أبنائها‏ ، وانتشر فيهم سوء الظنّ المبنيّ على الأوهام لا على الحقائق .

إنّ أكثر الناس ايها الاخوة عُرضةً للشائعات الكاذبة‏ هم الرسل الكرام‏ والمصلحون المخلصون‏ والأتقياء الأصفياء الأخيار‏ وهذا ثابت منذ فجر الإنسانية‏ وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها‏ ، وقد تبدأ الإشاعة بأن يختلق كافر أو منافقٌ كذبةً ثمّ ينشرها بين أفراد مغرضين أو بسطاء ليقوموا بدورهم بالترويج لها بين أبناء المجتمع دون التحقيق فيها ويمكن أن يكون منشأها شخص أو جريدة أو مَجلَّة أو إذاعة أو تلفاز أو رسالة خطِّية أو شَريط مُسجَّل وغيرها لذا وجب الحذر لأنّنا نعيش في مجتمع اختلطت فيه الموازين ، ويصعب فيه التمييز بين الحقّ والباطل ، فقد ينخدع البعض ببريق بعض الشخصيات ويأخذون بكلامه ويبنون عليه تصرّفات ومواقف معينة ثمّ يتبيّن لهم الخلل الكبير الذي وقعوا فيه بسبب هذا الإنسان أو المحطة الإعلامية الفلانية لأنّه هذا البعض كان ظاهره وديعاً ولكن حقيقته كانت تخبئ إنسانا كالثعلب في روغانه والعقرب في لدغاته.

والشائعات غالباً ما تكون لها آثار مؤذية وأضرار سلبية فهي تؤثّر مباشرة على سَعادة الفرد والأسرة والمجتمع وعلى أمنِها النفسيّ ولا شكّ أن نشر الإشاعات له أثره العظيم على الدول والمجتمعات وكم من إشاعة قد ضربت اقتصاد دُول وأخرى قلبت نتائج حروب ومعارك ، وكم من أسر تفكَّكتْ مِن جرَّاء هذه الإشاعات ، وكم مِن بيوت هدِّمت ، وكم من أموال ضيِّعت ، وأطفال شُرِّدت ، كلّ ذلك بسبب شائعة مغرضة من مُنافقٍ أو كذَّاب والحديث عن الإشاعات طويل ولا يسعني التفصيل توخيا للإختصار .

أيها الأحبة لقد حرص الدين الحنيف على مكافحة الإشاعة وتحصين المسلمين من التأثر بإشاعات المغرضين من الاعداء وعمل على بناء الشخصية القوية والمجتمع المتين الذي يعجز الاعداء على خرقه وذلك من خلال زرع عقيدة الإيمان في نفوس المؤمنين بالله ورسوله واليوم الآخر ، حيث يتيقن المسلم بهذه المبادئ الإيمانية ان النصر من عند الله وحده فلا يخشى إلا الله ولا يستعين إلا به ، والتأكيد على موالاة المؤمنين والبراءة من الكافرين والمنافقين ، ففي الولاء للمؤمنين يقول الله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)) وفي الولاء الآثم الخاطئ يقول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57)) [المائدة] .

ونجد ذلك في الجانب العبادي في الإسلام فلا تكاد توجد عبادة في الإسلام إلا وفيها تأكيد العقيدة والولاء والبراءة، وعلى سبيل المثال صلاة الجمعة والجماعة فالمسلمون يذكرون الله من الأذان إلى الإقامة حتى التسليم أذكارا تجدد معاني الإيمان بالله والرسول واليوم الآخر وهذه العبادة يؤديها المسلمون صفوفا متراصة ، وكذلك الزكاة التي هي عبادة لله تزكي النفس وتطهرها وهي في الوقت نفسه تكافل اجتماعي متين وعلاج لمشكلة اقتصادية وتقوية الأواصر بين الطبقات الاقتصادية المختلفة في المجتمع الإسلامي وكذلك الحج والصوم والأعياد فكلها عبادات جماعية تهدف إلى تحقيق معاني الإيمان ومعاني الولاء للمؤمنين ، كما أقام الإسلام نظاما متكاملا لتحصين الفرد والأسرة والمجتمع وتوطيد البناء للأمة المسلمة حتى تكون كالبنيان المرصوص عبر منهجه الأخلاقي من ذلك قوله تعالى: (ياأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الحجرات] وغيرها من الآيات وهي نصوص تهدف، إلى بناء الصف الإسلامي بناءا أخلاقيا للإنسان لكي يقف بوجه التحديات ، كما وشدد الإسلام على درء المفسدة وعدم إعطاء العدو المادة التي يمكن أن يحولها إلى دعاية لصالحه .

أيها الأحبة الكرام ..
لقد أرسى الإسلام قاعدة جليلة وعظيمة لمكافحة الإشاعة بجميع أنواعها وإبطال مفعولها بسرعة قبل أن تتمكن في المجتمع وهذه القاعدة هي: التكذيب الفوري للإشاعة اعتمادا على سوء الظن بمصدرها وحسن الظن بالمؤمنين ، وقد يظن البعض أن منهج الإسلام إزاء الإشاعات التي يطلقها العدو هو التثبت والتحقيق والمحاكمة القضائية ولكن الذي يعرف طبيعة الحرب النفسية وأهدافها يعلم ان هذا المنهج غير سديد لأنه في الكثير من الأحيان تكون الإشاعة قد آتت ثمارها السيئة قبل أن يتمكن من الوصول إلى الحقيقة ، مثال ذلك ما أشيع يوم أحد من مقتل النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم حيث إن تصديق بعض المسلمين أو مجرد التوقف قد أدى إلى كارثة حقيقية ومثل هذه الإشاعة لا تكافح بالمنهج التحقيقي لأن المسألة مسألة وقت والعدو لا يهمه بعد هذا أن يعرف الناس الحقيقة أو لا يعرفون طالما أن الغرض من الإشاعة قد تحقق بالفعل .

وهناك نوع اخر من الإشاعات نجدها عندما نستقرئ آيات القرآن التي تحدّثت عن المواجهة الإعلامية وأسلوب التعامل مع الدعاية المضادة والشائعات فنجد القرآن قد ركّز على أساليب أساسية عديدة منطلقاً من أسس نفسيّة وموضوعيّة بالغة الأهميّة وهي:

الأساس الأول: التثبّت والتبيّن عند سماع الأخبار حيث استخدم القرآن الكريم ثلاث مفردات وهي: (اليقظة والتبيّن والحذر) والمطلوب من المجتمع الإسلاميّ أن يتّسم بهذه المفردات الثلاثة ، وهذا هو ما يعبّر عنه بمصطلح اليوم بـ (الوعي) وعندها يمكن أن نصف هذه الأُمّة أو تلك الجماعة بالأُمّة أو الجماعة الواعية والعكس صحيح .

ويتمثّل بثّ الوعي في المجتمع الإسلاميّ من خلال الإجراءات العلمية والعملية حيث ارسى القرآن قاعدة منهجية أساسية في التعاطي مع الأخبار وهي التبيّن قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} سورة الحجرات الآية 6 والآية تتحدّث عن أهمّ مسألة مؤثّرة في بنية المجتمع وهي تلقّي الأفراد للأنباء والأخبار وتناقلها فيما بينهم حيث وتؤكّد الآية الكريمة على ضرورة أخذ الأنباء من مصادرها الموثوق بها وأمّا إذا كانت ممّن اشتهر وعرف بالفسق والكذب والنفاق أو لم تكن ممّن يوثق به أو مجهول الحال ، فلا يمكن الركون إليه والأخذ منه ، لذا ينبغي الاستقصاء عند نقل الخبر والتدقيق في مصدره وإمكانيَّة نقله أو لا .

والأمر الآخر هو عدم إفشاء الأسرار فقد اهتمّ الدين الحنيف بالمحافظة على أسرار النفس والمؤمنين وعدم إفشائها للعدوّ قال تعالى حكايةً عن كتمان يوسف عليه السلام للرؤيا التي رآها بأمر من أبيه: {قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [يوسف: 5] وجاء عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ: (يُحْشَرُ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ومَا نَدِيَ دَماً فَيُدْفَعُ إِلَيْه شِبْه الْمِحْجَمَة أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ فَيُقَالُ لَه هَذَا سَهْمُكَ مِنْ دَمِ فُلَانٍ فَيَقُولُ يَا رَبِّ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنَّكَ قَبَضْتَنِي ومَا سَفَكْتُ دَماً فَيَقُولُ بَلَى سَمِعْتَ مِنْ فُلَانٍ رِوَايَةَ كَذَا وكَذَا فَرَوَيْتَهَا عَلَيْه فَنُقِلَتْ حَتَّى صَارَتْ إِلَى فُلَانٍ الْجَبَّارِ فَقَتَلَه عَلَيْهَا وهَذَا سَهْمُكَ مِنْ دَمِه) والركن الآخر اليقظة والحذر فالقرآن الكريم يحذّر المسلمين من المكائد والمخطّطات التي يحيكها الأعداء لهم وضرورة التنبّه واليقظة دائماً من نواياهم وأهدافهم ، ومن هذه التحذيرات تلك التي أطلقها القرآن الكريم بحقّ اليهود على وجه الخصوص كما في قوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُو}سورة المائدة الآية 82 ويذهب الخطاب القرآنيّ إلى أبعد مدياته في التحذير من العدوّ المستتر الذي يتغلغل في صفوف الجماعة المسلمة حيث تتكفّل سورة (المنافقون) بفضح هؤلاء وتعريتهم والتحذير منهم .

الأساس الثاني: الفضح وهذه النقطة حسّاسة جداً ، وقد تعرّض لها القرآن كإحدى الطرق لمواجهة أصحاب الشائعات فقد لعب المنافقون دوراً رئيساً وبارزاً في نشر الشائعات داخل المجتمع الإسلاميّ وذلك بُغية ضعضعة الصفّ الإسلاميّ الواحد ، وقد قاموا بنشر الشائعات الكاذبة في حقّ الدعوة وفي حقّ الرسول ومن أجل إضعاف هذه الفئة وهم مستمرون إلى زماننا ، وقد لجأ القرآن الكريم إلى فضحهم وتعريتهم أمام المجتمع الإسلاميّ وذلك من خلال بيان منهجهم وطريقة تفكيرهم وسماتهم التي يتميّزون بها ممّا يجعلهم فئة مفضوحة للمجتمع الإسلاميّ وهو ما يجعل المجتمع يتجنّبهم ويفكّر ألف مرّة قبل تصديقهم أو نقل أيّ خبر صادر عنهم قال تعالى في كشف هؤلاء وفضحهم: {يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ} سورة البقرة الآيات 9 – 13.
الأساس الثالث: التفنيد والتحصين أو ما يسمى (الإعلام المضادّ) ففي الوقت الذي بيّن القرآن الكريم سمات المنافقين من أجل الحذر منهم بيّن لنا ايضا ضرورة القيام بأمرين من أجل مواجهة الشائعات هما:
أولاً: كشف زيف الإشاعة والدعاية المضادّة ضدّها وذلك من خلال بيان الكذب والتناقض فيها لإسقاط فاعليتها وتوجيه ردّ الفعل ضدّ مروّجيها .
ثانياً: تحصين المجتمع من خلال رفع منسوب الوعي فيه ، فالتوعية أمر أساس في المجتمع وخصوصاً في مقاومة الإشاعة وتفنيدها بالاستناد إلى الحجج والبراهين المنطقية والحقائق الواقعية التي تحصِّن الناس ضدّ سموم الشائعات التي يروِّجها الأعداء والمرجفون قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} سورة آل عمران الآيات 99 – 101 .
الأساس الرابع: أسقاط أعتبارهم من أعين المجتمع
وإشعارهم بتفاهة شخصيتهم ومواقفهم ليكوّن الهزيمة في أعماقه النفسية ويسلب منه الروح المعنوية والقدرة على المواجهة بتوجيه الخطاب إليه كطرف هزيل يوضع موضع الاستهزاء والسخرية ، ونلاحظ هذا الأسلوب عندما يتحدّث القرآن عن المكذّبين وأعداء الدعوة الإسلامية قال تعالى: {وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} سورة التوبة الآيتان 46 – 47 .
الأساس الخامس: الإهمال وعدم الاعتناء بالخصم بشرط أن يكون هو الطريق الموصول إلى الهدف وهو تضعيف الطرف الآخر وعدم فعالية إشاعته وذلك عندما يكون الإهمال وعدم الدخول في حرب كلامية هو الأسلوب الأفضل للموقف والقضية كقوله تعالى في الآيات الآتية: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} سورة المؤمنون الآية 3 وقوله تعالى {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} سورة القصص الآية 55 .
الأساس السادس: الاستمالة ، ومن الأساليب التي دعا لها القرآن أسلوب الإحسان والكلام اللين مع الآخرين لأنّ هذه الطريقة تعتبر من الطرق المهمة والمؤثّرة في الآخرين وقد استخدمها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام مع أعدائهم وذلك من خلال توجيه الخطاب الليّن والكلمة الجذّابة للآخرين كقوله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} سورة فصلت الآية 34 وقوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} سورة النحل الآية 125 .

اللهم نجنا من الشائعات المضلة وأحرس كل المسلمين من شرور الماكرين برحمتك يا أرحم الراحمين .

#الخطبة_الثانية

عنوان الخطبة : أضرار الفتنة ومخاطرها في الدين والدنيا .

قال الله تعالى في محكم كتابه الحكيم: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: ٦٣] .

لقد حذر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز كثيرا من الفتنة والتي يقصد منها البعد عن الدين والوقوع في حب الدنيا وشباك النفس الأمارة بالسوء ومصاحبة الشيطان والعياذ بالله ، ومن الناس من يصدق عليه هذا المعنى للفتنة والتي يقصد منها صد الناس عن دين الله وأخراج المجتمع من الدين وهو بذلك يكون من رؤوس الفتنة والعياذ بالله وذلك بتهوين الشر وتسويغه ليقبله ممن لا علم عنده من المسلمين ويلبس باطله ثوب الحق من خلال الاستدلال بنصوص شرعية هي من المتشابه والإعراض عن النصوص المحكمة وهو ما أشار له الله سبحانه وتعالى بقوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: 7] ومنه ما نسمعه هذه الأيام من بعض المنحرفين حيث يستدل بالقرآن ليروج بضاعته البائرة مدعيا أنه لا يجوز للمؤمنين إقامة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي هي من أعظم الفرائض كما ورد ذلك في حديث الإمام الباقر (عليه السلام): (إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء ، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض ، وتأمن المذاهب ، وتحل المكاسب ، وترد المظالم ، وتعمر الأرض ، وينتصف من الأعداء ، ويستقيم الأمر) بل وقدم من أجلها المعصومون عليهم السلام أرواحهم واجسادهم حتى طحنت أضلاع أبي عبد الله الحسين عليه السلام من أجل إحياء هذه الفرضية قائلا: (ما خرجت أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله أمر بالمعروف وإنهى عن المنكر) وهؤلاء يستشهدون بقوله تعالى: {لَآ إِكْرَاهَ فِى ٱلدِّينِ} ويترك بقية الآية فتكون متشابهة لكنه يعزف عن قراءة القسم الآخر من الآية لانها ستكون محكمة وبذلك يفتضح أمرهم حيث يقول جل وعلا: {قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَىِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِٱلطَّغُوتِ وَيُؤْمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَا ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} يضاف إلى ذلك إن أهل الإيمان الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بالواقع لا يكرهون غير المسلم على أعتناق العقيدة الإسلامية فالإكراه – حسب الآية – على مستوى العقيدة جريمة في المنظومة الإسلامية ولكن مخالفة النظام العام والإخلال به هو ما لا يسمح به من وجهة نظر إسلامية فهم بذلك يحرفون الآية عن مسارها فإننا رفضنا الدواعش بل قاتلناهم حين تعرضوا للأيزيديين والمسيحيين لأننا نؤمن بأنه لا إكراه في الدين في الوقت الذي لم يسجل المتباكون على حقوق الأقليات حتى جريح واحد فمالكم كيف تحكمون!! .

وبنفس الوقت لم يدخل الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر لبيوت الفاسقين لغلق جهاز التلفاز الذي يعرض فيه الغناء لعدم تجاهر أولئك بالفسق والعصيان لذا فلا يحق لأي من هؤلاء المخنثين أن يتحدث عن إنتهاك الحرية الشخصية لأنهم هم من إنتهكوا الحريات النوعية للمجتمع بإشاعة الفسق والفجور وفي مكان عام ثم لماذا لم نسمع مثل هكذا إعتراضات على الدولة الراعية للديمقراطية حسب دعواهم حين منعت الحجاب وحرمت المحجبات من حق التعلم وهو لا يؤثر على الآخرين ولا ينتهك حرياتهم فلماذا هذا الكيل بمكيالين وإن كان لتلك الدول حق منع الحجاب على سبيل المثال لأن المسلمين أقلية فلماذا تريد الأقلية المنحرفة في العراق التحكم بالأغلبية المؤمنة وتمارس دور القيمومة بلا وجه حق .

وما يذكرونه من تحويل البلاد إلى إقطاعية إسلامية والدعوة إلى أسلمة المجتمع وغيرها من الشبهات فهي لا تنطلي إلا على البسطاء من المجتمع بغية اضلالهم ولا يروج لها إلا من في قلبه مرض ونحن نقول لهم لماذا سمحتم لأنفسكم رفض أسلمة المجتمع ولا تسمحون لنا رفض علمنة المجتمع وإفساده مع أن الحق معنا واضح وجلي حيث رأينا البعض من المبتذلات العاريات ممن يطلقون عليهن زيفا أسم فنانة – وفي ذلك تجني على الفن – قد تبرأ منهن أبنائهن وعوائلهن لما صدر منهن وهن يشكون صعوبة الحياة ولعل البعض سيستغل هذه الكلمة متصيدا بالماء العكر كوننا نرفض الفن فنقول له لو كنا نرفض الفن لما شاهدنا مسلسلات تلفزيونية تجسد حياة الأنبياء والصالحين وبعض الأفلام والمسلسلات الاجتماعية الهادفة بل نحن نرفض كل ما هو هابط لا هدف ورائه والحديث ذو شجون ، ثم إن النقد الذي صدر للحفلات الهابطة ولمطربيها جاء من الأوساط الفنية ومن نفس الدول التي جاؤا منها قبل أن يصدر من الأوساط الحسينية ولا ننكر أنه حتى لو لم يصدر منهم رفض فإننا رافضون لكل ألوان التخلف والإنحراف والأغرب أن الجهات المتعاقدة معهم بينت أن سبب إلغاء العقد بينها وبين الشركة التي تتبنى أولئك الضالين هو مخالفة الذوق العام وأحتراما للمراجع وهو أعتراف واضح أن ما صدر فيه مخالفة دستورية وشرعية فلا تكونوا أكثر حماسة بالدفاع عن المذنبين من أنفسهم .

أن أولئك يريدون أن يأخذوا دور الشيطان اللعين الرجيم الوارد في القرآن الكريم قال تعالى: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ} فحين تدعوهم إلى طاعة الله سبحانه وتعالى يجيبون بما أجاب به أبليس اللعين {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} مع أن هؤلاء لا يملكون من المؤهلات العلمية والأخلاقية شيئا منها ومواقع التواصل تعج بفضائحهم وبسوء فعالهم حتى مع من هم على شاكلتهم والذين سيرون مصيرهم بعد الموت كما هو مصير أبليس اللعين قَالَ تعالى: {فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} .

إن حديثي المتقدم مجمع عليه من قبل جميع المراجع أدام الله وجودهم ورحم الله الماضين منهم ومنه ما قاله سماحة المرجع اليعقوبي دام ظله بقوله: ان الفتنة بمعنى الاضلال والابعاد عن الدين وايقاع الفرد في الفساد والانحراف هو اشد واكبر من ازهاق روحه او قل ان القتل المعنوي للإنسان بسلب دينه الذي هو سبب نعيمه في الحياة الخالدة الدائمة هو اشد خطرا واكبر جرما من سلب حياته المادية وفنائه الجسدي ، ولإقامة الشهادة على هذه الحقيقة كان القتل من أجل دفع الفتنة والضلال وحماية الدين والمجتمع منها اقدس مراتب القتل وافضلها .

ويترتب على هذا أنَّ من يفتن الناس عن دينهم يجب دفعه بشتّى الوسائل كالذي يهدد حياة الناس بل الاول احرى وان لم يشهر سلاحا ، نعم للكلام تتمة أترك إيضاحها لطلبة العلم الأجلاء من خلال عقد المؤتمرات والندوات جزاهم الله خير .
ومن معاني الفتنة في القرآن: فتنة المنافقين بتخذيل المؤمنين ومحاولة التأثير على معنوياتهم وتخويفهم ، وبث الفُرقة في أوساط المؤمنين ، والتجسس على المؤمنين ، وتوصيل أخبارهم لأعدائهم من الكفرة وغيرهم كما في قوله تعالى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة: 47 – 48] ومن ذلك ما سمعناه في الأيام الماضية لماذا لا يتم الإحتجاج على الفاسدين من المسؤولين وغيرها من الكلمات التي يحاولون من خلالها تخذيل المؤمنين عن اداء دورهم برفض الفساد والانحراف الأخلاقي من مجون ومثلية وخمور ومخدرات وغير ذلك وهنا نجيب على هذه المجموعة المنافقة بالأجوبة التالية: ان المراجع المتصدين للشأن العام رفضوا كل أنواع الفساد والإفساد ومنه الفساد السياسي والمالي والإداري وإتخذوا عدة إجراءات للقضاء على هكذا مفاسد ولكن التخاذل عن تأييد مواقف المرجعية في هذا الشأن من قبل المجتمع بسبب ما تمارسونه من تضليل هو ما جعل أمد الفاسدين الذين يمارسون الفساد السياسي والمالي والأداري يطول مدته ولكن الوعد الإلهي ينبئنا بأن لا يدوم مقامه فقد جاء في أحاديث أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: (مَنْ طَالَ عُدْوَانُهُ زَالَ سُلْطَانُهُ (مَنْ جَارَتْ وِلَايَتُهُ زَالَتْ دَوْلَتُهُ) (مَنْ عَامَلَ رَعِيَّتَهُ بِالظُّلْمِ أَزَالَ اللَّهُ مُلْكَهُ وَ عَجَّلَ بَوَارَهُ وَهَلَاكَهُ‌) وتتمة للجواب المتقدم فإن التقصير في بعض التكاليف إن وجد في الجملة لا يعطي المبرر بترك بقية التكاليف وهي النهي عن المنكر والدعوة لكل معروف بل يستدعي إتمام التكليف بإنكار بقية أنواع المنكر كما أن الحكمة تقول ما لا يدرك كله لا يترك جله . ومن العجيب أن المنافقين – وحديثي واضح عن أولئك الذين يدعون أنهم يصلّون ولعل بعضهم ذهب للحج نزهة ورياءا – فهؤلاء يتظاهرون بالرغبة بعدم الفتنة فيزعمون أن بعض أحكام الله تثير الفتنة فلذا كل من يخالف توجُّهاتهم يصفونه بأنه من دعاة الفتنة ويُسوغون باطلهم بزعم عدم إثارة الفتنة والمحافظة على النسيج الاجتماعي فيبين ربنا كذبهم بقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ } [التوبة: 49] وهذا واضح برفعهم شعارات ما أنزل الله بها من سلطان ومنها (عيسى بدينه وموسى بدينه) وهذه من الأسلحة التي يستخدمها أولئك المنافقون كي لا يؤدوا التكليف الشرعي بينما المؤمنون منتبهون أن هذه الأمثال والأقوال غير دقيقة وإن أولئك خالفوا صريح القرآن الكريم حيث أن جميع الأنبياء والمرسلين دينهم واحد قال الله تعالى في كتابه الحكيم: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} البقرة ٢٨٥ وقوله تعالى: {قُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰٓ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْمَٰعِيلَ وَإِسْحَٰقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلْأَسْبَاطِ وَمَآ أُوتِىَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَآ أُوتِىَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍۢ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُۥ مُسْلِمُونَ} البقرة ١٣٦ كما إننا نوجه حديثنا للمؤمنين الذين يقيمون فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضمن الحدود التي رسمتها الشريعة أن لا يتأثروا من كلام المتضررين من هذه الفرضية العظيمة حتى لو نعتوهم بأبشع الأوصاف ولذا فإن الله تعالى يسلي المصلحين فيخبرنا أن أعظم الخلق وهو النبي (ص) قد اتُّهِم بالفتنة ولكن الله تعالى ردهم بقوله تبارك وتعالى: {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القلم: 5 – 7] .

أيها الأخوة الأكارم ..
أن أعظم فتنة هي فتنة المنافقين لا سيما حينما يسخر لهم الإعلام وتسلط عليهم الأضواء فلذا ربنا تبارك وتعالى يقول عنهم: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ ۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ} [المنافقون: 4] .

وفي الختام نقول لهؤلاء أن أبواب الله تعالى لا تغلق وهو جل وعلا سريع الرضا رغم وعده للمنافقين بأشد العقوبات حيث قال: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} فبعد هذا الوعيد الشديد للمنافقين فتح سبحانه باب التوبة ليدخل فيه كل من يريد أن يقلع عن ذنوبه من المنافقين وغيرهم ، حتى ينجو من عقابه سبحانه فقال: {إِلاَّ الذين تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ واعتصموا بالله وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ فأولئك مَعَ المؤمنين وَسَوْفَ يُؤْتِ الله المؤمنين أَجْراً عَظِيماً}
أي هذا الجزاء الذى بيناه هو جزاء المنافقين لكن الذين تابوا منهم عن النفاق وأصلحوا ما أفسدوا من أقوالهم وأفعالهم {واعتصموا بالله} أي تمسكوا بكتابه وتركوا موالاة الكافرين {وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ} بحيث لا يريدون بطاعتهم سوى رضاه ومثوبته {فأولئك} الذين فعلوا ذلك {مَعَ المؤمنين} الصادقين الذين لم يصدر منهم نفاق أي معهم في فضيلة الإِيمان الصادق وما يترتب على ذلك من أجر جزيل وثواب عظيم {وَسَوْفَ يُؤْتِ الله المؤمنين أَجْراً عَظِيماً} . ثم أخبر تعالى عن كمال غناه وسعة حلمه ورحمته وإحسانه فقال: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ} والحال أن الله شاكر عليم يعطي المتحملين لأجله الأثقال الدائبين في الأعمال جزيل الثواب وواسع الإحسان ومن ترك شيئًا لله أعطاه الله خيرًا منه .

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرامالنعيم نيوز

لمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التاليالنعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا علىقناة النعيم الفضائية

لا تنسى أيضا الاشتراك بقناتنا على موقع الانستغرامالنعيم نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى