‘بعنوان فاطمة الزهراء “ع” منارٌ وقدوة‘.. خطبة صلاة الجمعة في خانقين بإمامة الشيخ حسين المندلاوي
أقيمت صلاة الجمعة، بمسجد وحسينية الإمام الحسن المجتبى (ع) في خانقين/منطقة علي مراد، بإمامة الشيخ حسين المندلاوي، وحضور جمع من المؤمنين.
وجاء في خطبتي صلاة الجمعة، وتابعتهما “النعيم نيوز”:
عنوان الخطبة (فاطمة الزهراء “عليها السلام” منارٌ وقدوة)
ومع قرب حلول ذكرى شهادة سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء(ع) التي كانت حياتها مدرسة نتعلم فيها الايمان والعبادة والطاعة والقيم والاخلاق والفضائل وتحمل المسؤولية على كل صعيد.
نتعلم فيها كيف يمكن أن يوازن الإنسان بين ظروفه وإمكاناته المادية وبين مستوى معيشته فلا يرهق الزوج زوجته بأكثر مما تتحمل أو بأكثر من قدرتها وطاقتها، ولا ترهق الزوجة زوجها بكثرة طلباتها وبأكثر مما يتحمله.
لقد عاشت السيدة فاطمة الزهراء في بيت زوجها حياة البساطة، فلم تكن حياتها حياة مترفة، بل إن بعض الروايات تكشف عن ظروف حياة قاسية وشاقة عاشتها الزهراء وواجهتها بصبر وتحمل ومسؤولية.
من ينظر في حياة الزهراء (ع) من زاوية إدارة الشؤون المنزلية وإدارة الحياة الأسرية يجد أمرين أساسيين:
الأول: قيام سيدة نساء العالمين بالعمل داخل البيت والاستغناء عن الخادم انطلاقاً من اعتبار عمل المرأة في المنزل عبادة.
الثاني: إرساءها مبدأ المشاركة والتعاون بينها وبين زوجهاعلي (ع) في إدارة الحياة الزوجية وشؤون البيت.
فيما يتعلق بالأمر الأول:
نجد أنه على الرغم من علو مقام الزهراء(ع) ومكانتها الرفيعة عند الله وفي الأمة، وعلى الرغم من انشغالاتها الاجتماعية وقيامها بدور رسالي وثقافي وسياسي أحياناً، وعلى الرغم من انه ليس من واجب المرأة بحسب الفقه الإسلامية القيام بالأعمال المنزلية وخدمة الزوج وتربية الأولاد، بالرغم من ذلك نجد الزهراء لا تستنكف عن إدارة شؤون البيت وتأدية ما يحتاجه من أعمال التنظيف والترتيب والكنس والطبخ، ولا تتخلى عن متابعة وملاحقة أولادها بالتربية الصحيحة والقيام باحتياجاتهم داخل الأسرة.
لم تكن الزهراء(ع) ترهق زوجها بأعباء وجود خادمة في المنزل وتحمله فوق إمكاناته لترتاح من أعمال البيت، كما أنها حتى عندما أمن لها النبي (ص) خادمة تساعدها لم تترك أعمال المنزل أو متابعة الأولاد وتربيتهم للخادمة كما تفعل الكثيرات من النساء اليوم، بل كانت تقوم بنفسها بكثير من الأعمال المنزلية الشاقة حتى ظهرت آثار الجهد والتعب على جسدها، وكانت تتابع بنفسها تربية آولادها وتعطيهم من حنانها وعطفها واهتمامها ما ينبغي أن تعطيه الأم لأولادها لينشؤوا النشأة الصحيحة.
كانت الزهراء(ع) تبذل كل جهدها لإسعاد اُسرتها، ولم تستثقل القيام بمهام البيت رغم كلّ الصعوبات والمشاق، حتى أنّ عليّاً ع(ليه السلام) رقّ لحالها وامتدح عملها، وقال لرجل من بني سعد: ” ألا اُحدّثك عنّي وعن فاطمة؟ إنّها كانت عندي وكانت من أحبّ أهله (صلى الله عليه وآله) إليه، وإنّها استقت بالقربة حتى أثّر في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مَجَلَتْ يداها، (اي تقرَّحت من العمل) وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتى دَكَنَت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد، فقلت لها: لو أتيت أباكِ فسألتيه خادماً يكفيكِ ضرّ ما أنتِ فيه من هذا العمل، فأتت النبيّ (صلى الله عليه وآله) فوجدت عنده جماعة فاستحت وعادت وفي اليوم الثاني جاء النبي(ص) الى بيت علي والزهراء(عليهما السلام) فشكى علي(ع) للنبي(ص) حال الزهراء وتعبها من عمل المنزل بعدما امتنعت ان تطلب من النبي شيئا .. فقال النبي (صلى الله عليه وآله) لهما: “أفلا اُعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فسبّحا ثلاثاً وثلاثين واحمدا ثلاثاً وثلاثين وكبّرا أربعاً وثلاثين”.فإن ذكر الله يمنح الانسان القدرة على مواجهة متاعب الحياة.
وفي رواية: أنّها لمّا ذكرت حالها وسألت النبي(ص) ان يأتي لها بجارية بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: ” يا فاطمة والذي بعثني بالحقّ، إنّ في المسجد أربعمائة رجل ما لهم طعام وثياب ولولا خشيتي لأعطيتك ما سألتِ، يا فاطمة وإنّي لا اُريد أن ينفك عنكِ أجرك إلى الجارية .. ثم علّمها صلاة التسبيح”.
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ” مَضَيْتِ تريدين من رسول الله (صلى الله عليه وآله) الدنيا فأعطانا الله ثواب الآخرة”.
اليوم الكثير من النساء لا يرضين ان يتحملن التعب داخل البيت، ولا يقبلن الا بوجود خادمة في البيت يتكلن عليها في كل الاعمال، حتى لو كان الوضع المادي لا يسمح بذلك، فترى نساءا اما غيرة او تنبلة يحملن ازواجهن او انفسهن أعباءاً فوق طاقتهم، ويأتين بخادمة لان قريبتها او جارتها او صديقتها لديها خادمة او لانها اتكالية لا تريد ان تتحمل مسؤوليتها المنزلية.
فعن الإمام الصادق(عليه السلام) , قال سألت أم سلمة رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن فضل النساء في خدمة أزواجهن، فقال (صلى الله عليه و آله): ما من امرأة رفعت من بيت زوجها شيئا من موضع إلى موضع تريد به صلاحاً إلا نظر الله إليها، و من نظر الله إليه لم يعذبه.
فقالت أم سلمة (رضي الله عنها): زدني في النساء المساكين من الثواب بأبي أنت وأمي.
فقال (صلى الله عليه و آله): « يا أم سلمة، إن المرأة إذا حملت، كان لها من الأجر كمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله (عز و جل)، فإذا وضعت قيل لها: قد غُفر لك ذنبك فاستأنفي العمل، فإذا أرضعت فلها بكل رضعة تحرير رقبة من ولد إسماعيل.
وورد عن الإمام الصادق (عليه السلام)أنه قال “ما من إمرأة تسقي زوجها شربة ماء إلا كان خيرا لها من عبادة سنة.
وورد في وصايا النبي (صلى الله عليه وآله) للزهراء (عليها السلام):
يا ‘فاطمة’! ما من إمرأة طحنت بيديها إلا كتب الله لها بكل حبة حسنة ومحا عنها بكل حبة سيئة.
يا ‘فاطمة’! ما من إمرأة عرقت عند خبزها، إلا جعل الله بينها وبين جهنم سبعة خنادق من الرحمة.
يا ‘فاطمة’! ما من إمرأة غسلت قدرها، إلا وغسلها الله من الذنوب والخطايا.
يا ‘فاطمة’! ما من إمرأة نسجت ثوباً، إلا كتب الله لها بكل خيط واحد مائة حسنة، ومحا عنها مائة سيئة.
يا ‘فاطمة’! ما من إمرأة غزلت لتشتري لأولادها أو عيالها، إلا كتب الله لها ثواب من أطعم ألف جائع وأكسى ألف عريان..
أما فيما يتعلق بالأمر الثاني:
فقد كان بيت عليّ وفاطمة (عليهما السلام) أفضل نموذج في الصفاء والإخلاص والمودّة والرحمة، والتعاون والمشاركة وتقسيم المهام والادوار، فقد تعاونا على إدارة شؤون البيت وإنجاز أعماله، بعدما قسَّم النبيُ (ص) الأعمالَ بين السيدةِ فاطمةَ وزوجِها علي(ع) ، حيثُ جعلَ الأعمالَ داخل البيت على عهدة السيدة فاطمة، بينما جعلَ الأعمالَ الخارجية على عهدة علي (ع) .
عندما تسود روح الشراكة والتعاون داخل البيت ويتحمل الجميع مسؤوليته في ادارة الشؤون ويساهم الجميع ببعض الاعمال وتقسم الادوار ولا يتكلون على الزوجة وحدها، فان الاعباء تصبح مقبولة والحياة تصبح اكثر هدوءا وسعادة.
وهذه الروح روح المشاركة المنزلية كانت موجودة بقوة في بيت علي وفاطمة وموجودة لدى رسول الله(ص) نفسه، ففي ذات يوم دخل رسول الله (ص) على عليّ (ع) فوجده هو وفاطمة عليها السلام يطحنان في الجاروش، فقال النبيّ (ص): “أيّكما أعيى؟” فقال عليّ (ع”فاطمة يا رسول الله” فقال (ص) : ” قومي يا بنية”، فقامت وجلس النبي (ص) موضعها مع علي عليه السلام فواساه في طحن الحبّ.
وروي عن جابر الأنصاري أنّه رأى النبي (ص)فاطمة وهي تطحن بيديها وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول الله (ص)، فقال: ” يا بنتاه، تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة” فقالت: ” يا رسول الله، الحمد لله على نعمائه، والشكر لله على آلائهِ”، فأنزل الله: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾.
وعن أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال: ” كان أمير المؤمنين عليه السلام يحتطب ويستقي ويكنس، وكانت فاطمة عليها السلام تطحن وتعجن وتخبز”.
لقد كانت فاطمة تواجه كل التعب والعناء بالصبر والتحمل وروح الايثار، لأنّها كانت تعرف ان وراء الصبر نعيماً لا حدود له،( يوم يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب) .
إنّ إلقاء نظرة معمقة على حياة الزهراء (ع) توضّح لنا أنّ حياتها الشاقة لم تتغيّر حتى بعد أن أصبح لديها أموال وفيرة، وأصبحت في سعة من العيش ، خصوصاً بعد فتح بني النضير وخيبر وتمليكها أرض فدك وغيرها ، فقد روي أنّ فدكاً كان دخلها أربعة وعشرين ألف دينار، وفي رواية سبعين ألف دينار سنوياً وهو مبلغ كبير جدا بمقاييس ذلك الزمن، وكان بامكان الزهراء(ع) بهذا المبلغ ان تقلب حياتها.
ولكن الزهراء(ع) لم تغير من نمط حياتها ولم تعمر الدور ولم تبن القصور ولم تلبس الحرير والديباج ولم تَقْتَنِ النفائس، بل كانت تنفق كلّ ذلك على الفقراء والمساكين وفي سبيل الدعوة إلى الله ونشر الإسلام..
اليوم هذا ما يجب أن نتعلمه من السيدة الزهراء (ع)ويجب أن نتعلم أيضاً كيف نحمي حقوقنا وندافع عنها وكيف نتحمل مسؤولياتنا المختلفة خصوصا تجاه بلدنا وأهلنا”.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز