
كتب د. أثير ناظم الجاسور: قبل أيام استقبل العراق وزير الخارجية السوري الشيباني، ضمن عمل بروتوكولي دبلوماسي سبقته خطوات وإجراءات تتطلب أن يكون الوضع على ما تم، وهذا أيضاً يتطلب أن نقف أمام الحدث لا من جانب العاطفة بقدر ما تتطلب دراسة الواقع من مختلف جوانبه بعقلية رجال الدولة الذين يحاولون أن يسهموا في دفع كل ما له علاقة بعدم الاستقرار الداخلي والخارجي.
فالحكومة السورية الحالية مهما كان شكلها ومضمونها، ومهما كانت الآراء والاعتراضات على من تولى، حصلت على التأييد الدولي والإقليمي ورفع عنها كل العقبات والعقوبات والجوائز، وما إلى آخره من صور العالم الغربي والعربي وكيف يرون أعداء الأمس ويرحبون بأصدقاء اليوم، وقضية العداء والصداقة في العلاقات الدولية مسألة نسبية في كل تفاصيلها، تحدده المصلحة والغايات والأهداف ولا ثابت نظرياً وعملياً غير المتغير الحاصل على الدوام، كل الأطراف وفق بيئة عالمية تتعامل ضمن متبنيات الأقوى أو الداعم أو التحالف أو أي هيكل تنظيمي آخر الذي بالضرورة ومن المنطق يصب في مصلحة الدولة، التي بالعادة يبحث صناع قرارها عن الأمن والاستقرار بالدرجة الأساس.
العراق وسوريا سابقاً واليوم محكومون بعلاقتهما ضمن دائرة صراع إيديولوجي سواء كان قومياً أو دينياً أو طائفياً، وهذا الصراع يتطور بين المرحلة والأخرى وفق متبنيات كل منهما، ووفق تصورات صناع القرار ونسقهم السياسي والعقدي، فضلاً عن المحركات السياسية الداخلية لكليهما، محددات وتحديات لعبت دوراً في أن تكون عوامل هذا الصراع غير قابلة للتكيف ضمن فلسفتهما لإدارة الدولة، فتارة مع وفق متبنيات جزئية وتارة ضد وفق المتبنيات الأساسية، والطرفان غاب عنهما حكم عوامل كثيرة أهمها الجغرافيا التي بالضرورة تُحدد وسوف تُحدد علاقتهما حتى وإن كانت سياستهما غير متوافقة أساساً.
بالتالي البلدان بحاجة للآخر سياسياً واقتصادياً على أقل تقدير مهما كانت النوايا، فهناك مشتركات من المستحيل إلغاؤها، في عالم السياسة هذه هي الحال مساحة العواطف والتمنيات والمتبنيات الذاتية لا مساحة لها على الإطلاق، فإنتاج الاستقرار من عدمه يُحدده أسلوب التعامل السياسي، أما التوجهات الأخرى الدينية أو الطائفية أو القومية فهي تلعب ضمن مساحة عدم الاستقرار لكلا الطرفين، وهذا يجعلنا نركز على نقاط أساسية لعلاقة البلدين بعد أن أخذت علاقتهما منذ تأسيسهما ولغاية اليوم، أشكالاً مختلفة بين القبول والرفض.
سوريا والعراق اليوم بين مفترق طرق والطرفان أمام سيناريوهين لا ثالث لهما، السيناريو الأول بناء علاقة بين الطرفين تقوم على مبدأ التعايش ونسيان الماضي، بالرغم من أنَّ العراق عانى الكثير من صناع القرار السوريين ومرحلة ما بعد (2003) ولغاية اليوم واضحة وحتى قبل ذلك التاريخ، لكن صانع القرار العراقي في هذه المرحلة يمتلك القدرة على تحديد استراتيجيته تجاه سوريا، وفق متبنيات فلسفة الدولة العراقية لا فلسفة الإيديولوجيات والهوايات الفرعية، وللعراق القدرة على تعزيز مواقفه السياسية مع سوريا.
في الجانب الآخر صانع القرار السوري بالرغم من حرب النوايا التي تدور في الداخل السوري تجاه العراق، إلا أنَّ بناء علاقة مع العراق واضحة وهو قادر على تحجيم ومحو خطابات الكراهية في الداخل السوري تجاه العراق المبنية على النصوص التكفيرية، وهذا ليس بالمستحيل على حكومة مدعومة من نصف العالم تحاول إرسال رسائل تطمين وبناء علاقات جديدة.
السيناريو الثاني هو الأخطر لما له من تبعات على الطرفين، فالعلاقة ستكون مجملها ذات سمة مأزومة ومتوترة بالضرورة، ستتصاعد حدتها خصوصاً إذا وجدت العلاقة تصلباً من الطرفين التي لا تكتفي بقطع علاقة لا بل ستبدأ بالخطاب المتشدد وتنتهي بالمواجهة السياسية – الحربية، وهذا ما تريده الولايات المتحدة وحلفاؤها اليوم في سبيل ضرب هذا الطرف وإقصاء الآخر، بالتالي سيكون الطرفان منتجاً لعدم الاستقرار وهذا أمر محتوم، وغير قادرين على ضبط الداخل الذي سيكون الوقود بكل تأكيد لأزمة واقعاً تصبح من أخطر الأزمات في الشرق الأوسط التي لا تحمل في طياتها تشنجات سياسية فقط، بل هناك جوانب أخطر تحديداً تلك التي تحمل الصبغة (الدينية – الطائفية) التي ستساعد على عودة الجماعات وعملها على الحدود والداخل العراقي، مما ستفتح ثغرة جديدة بالمنطقة لتنامي الحركات من الطرفين، لتكون الحجة لأميركا وإسرائيل للتمدد والتمركز ومعهما جبهتهما الغربية، أما القوى الإقليمية الداعمة لهذا وذاك سوف لا تبذل أي جهد في بناء مشروع سلام لا يتناسب ومصالحها في المنطقة.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز