اخبار اسلامية
أخر الأخبار

منتدى شيخ الخطباء يقيم ندوة فكرية بعنوان ‘دور المسجد في التغذية الروحية للفرد المؤمن‘ (الصور+الفيديو)

أقام منتدى شيخ الخطباء الثقافي، وبالتعاون مع جامع وحسينية الصادق الأمين التي يرعاها مكتب المرجع اليعقوبي في بغداد/الرصافة، أمس الأحد، ندوة ثقافية فكرية بعنوان ‘دور المسجد في التغذية الروحية للفرد المؤمن‘.

 

وذكر بيان للمنتدى، تلقت “النعيم نيوز” نسخة منه. أن “منتدى شيخ الخطباء الثقافي في بغداد/الرصافة، وبالتعاون مع جامع وحسينية الصادق الأمين في بغداد/الزعفرانية التي يرعاها مكتب المرجع اليعقوبي في بغداد/الرصافة، أقام ندوة ثقافية فكرية بعنوان (دور المسجد في التغذية الروحية للفرد المؤمن)، حاضر فيها الأستاذ في الحوزة العلمية الشيخ عادل الساعدي”.

وقال الشيخ عادل الساعدي، بحسب البيان، “نتحدث اليوم عن واحد من أهم الموضوعات الإسلامية في الوقت الحاضر، وهو المسجد وأثره الروحي على الفرد المؤمن، وجاءت الندوة بعنوانها الموسوم دور المسجد في التغذية الروحية للمؤمن.

في ظل الظروف التي يعيشها المؤمن اليوم وخصوصاً تحت ضغط الحياة المادية، التي حولت حياة الإنسان إلى مجرد رغبات جسدية وصار الهوس بمحورية الجسد وشهواته الشغل الشاغل والذي حجر الفرد في سجن لا تتعدى حدوده من الجماليات الجسدية إلى جماليات الصورة والأفلام التي تسلط الأضواء على أفلام البورنو ومثيلتها. في ظل افتقارٍ للقيم الاخلاقية وضعف البعد الروحي للفرد، حتى صار الإنسان عبارة عن الجسد الضعيف الذي مهما سعت مراكز التجميل ومن ورائها المراكز العلمية ومراكز التغذية أن تديم شبابية وجمالية الجسد ووسامته، ستنهار مع تقادم الزمن. ليصل ذلك الإنسان الواهم إلى ضعفٍ من بعدِ قوةٍ ، ليدفن بقايا الجسد الهرم في التراب مقدوراً بعد أن كان يتحرز عن كل ذرة ترابٍ قد تقلل من نظارته وجمالياته. لتصعد الروح خاليةً من كل الجماليات الخالدة التي يجب أن ينتبها الفرد المؤمن.

المسجد لغة واصطلاحاً

المسجد لغة : جاء في لسان العرب ، والمسجَد والمسجِد: الَّذِي يُسْجَدُ فِيهِ، وَفِي الصِّحَاحِ: وَاحِدُ الْمَسَاجِدِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: كُلُّ مَوْضِعٍ يُتَعَبَّدُ فِيهِ فَهُوَ مسجَد [مسجِد]، أَلا تَرَى أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: جُعِلَتْ لِيَ الأَرض مَسْجِدًا وَطَهُورًا. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ.

وشرعًا (اصطلاحاً) :كل ما أعد ليؤدي فيه المسلمون الصلوات الخمس جماعة. وقد يطلق على ما هو أعم من هذا، فيدخل فيه ما يتخذه الإنسان في بيته ليصلي النافلة أو ليصلي فيه الفريضة عند وجود مانع شرعي يمنعه من أدائها جماعة في المسجد الذي يقيم الناس فيه الجماعة.

وأقول: ربما سمي المسجد مسجداً لأن الصلوات الوحيدة من بين الديانات فيها سجود، أو أكثر الصلوات التي يتكرر فيها هذا الحال للمصلي، وما أكثر الآيات التي عنت بالسجود.

المسجد في القرآن الكريم

ورد لفظ المسجد معرفاً ومنكراً ومفردات وجمعاً وعاماً وخاصاً 28 مرةً ، جاءت بالشكل التالي :

وردت لفظة مسجد منكرة 5 مرات

ووردت لفظة المسجد معرفةً 1 مرة واحدة

ولفظ مساجد منكرة 4

ولفظ المساجد معرفة 2

ووردت لفظة المسجد مخصصاً بالمسجد الحرام 15

ووردت مخصصةً لفظة المسجد بالمسجد الأقصى 1 مرةً واحدة

واهتم القرآن الكريم بالمسجد لإظهار أهميته ودوره في حياة الفرد والمجتمع الاسلاميين على حدٍ سواء، حتى أخذ يخصص أهمية عمران المساجد وبين أي العمران الذي يبتغيه القرآن الكريم. كما ذكر شروط القدوم على المساجد كالزينة وغيرها ، ومنع ذكر غير الله فيه أي المسجد، كما منع القتال في المسجد الحرام .

لا يختلف المسجد عن غيره من الموجودات الظاهرية أنها لها باطن كان لها ظاهر، لذا صحح القرآن مفهوم عمار المساجد ، لذا نفى القرآن عمارة المسجد عند المشركين وإن كان ظاهراً كانت قريش تتعاهد بناء المسجد قال تبارك وتعالى { ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّـهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَ فِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ } (التوبة – ١٧) فأشارت الآية على شهادتهم على انفسهم بالكفر ، والكفر لا يقابل البناء ، بل يقابل الايمان والعمل الصالح ، ثم أردفتها آيةٌ أخرى بينت من يعمر المساجد. قال تعالى { إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّـهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَى الزَّكاةَ وَ لَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّـهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ } (التوبة – ١٨) فالآية جاءت بالحصر للعمارة بمن ذكرتهم، والحال آنه ليس كل من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ويخشى الله قادرٌ على بناء المساجد وعمارتها المادية. ومن هذا يظهر جلياً أن المقصود بالعمارة هي البناء المعنوي وليس المادي للمساجد ، كما وردت آيةٌ في سورة البقرة تشير إلى أن الخراب هو منع المساجد من الصلاة ومنع الدخول فيها. قال تبارك وتعالى { وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّـهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَ سَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ } (البقرة – ١١٤) فلو كان المقصود الخراب هو هدم المسجد لامتنع دخول المهدوم أصلًا ، فكيف يسعى الظالمون بمنع دخولها، فيظهر من هذه الآيات أن الهدم يقابل البناء والخراب يقابل الإعمار.

الغاية من هذا الحديث أن المساجد محل للمعنويات والمركز المخصص للتوجه الروحي ونقطة ارتباط غيب الإنسان المحدود بالغيب المطلق للوجود وهو الله تبارك وتعالى.

أول مسجد للناس وللمسلمين

إن أول مسجد وضع للناس جميعاً ولكل الاديان الابراهيمية على وجه الخصوص هو المسجد الحرام ، قال تعالى { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدىً لِلْعالَمِينَ } (آل عمران – ٩٦) وأن المقصود من هذا البيت هي العبادة وذكر الله فيه. قال تبارك وتعالى { وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْقائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ} (الحج – ٢٦) ، وهذا هو أول مسجدٍ للناس جميعاً ، كما أن اول مسجدٍ للمسلمين مسجدُ قباء والذي بناه النبي صلى الله عليه وآله لما هاجر من مكة إلى المدينة وانتظر قدوم الإمام عليٍ عليه السلام بآخر من تبقى من أهل بيته وهو ركب الفواطم. ورغم أن ديار عمر بن عوف لم تكن غاية ا%رسول الأكرم الاستقرار فيها، بل كانت محطة الاستراحة من رحلة الهجرة التي كانت محفوفاً بالمخاطر ويعلم أنه سينطلق منها إلى مقرهِ ومستقرهِ في المدينة المنورة، مع هذا بنى مسجداً فيها سمي بمسجد قباء على اسم بئرٍ في تلك الديار بعدها سميت المنطقة بهذا الاسم .

بناء مسجدٍ في منتصف الرحلة ؟

ويمكن أن نتساءل لماذا بنى رسول الله صلى الله عليه وآله مسجداً في محطة الاستراحة، تبدأ الإجابة عن هذا التساؤل حينما نرجع لحياته الكريمة التي في مكة حيث كانت أغلب حياته قبل الدعوة وعهدها المكي في المسجد الحرام وأغلب أوقاته قبال البيت العتيق، ولشعوره بأهمية المركز الروحي الذي يجب الرجوع إليه في اوقاتٍ يومية لتجديد العلاقة بين العبد وربه وللتزود من الغذاء الروحي للعبد من ثقل الأوزار ومتطلبات الحياة المادية التي تخنق بالانسان أبعاده الاخلاقية والروحية، وعندما دخل المدينة المباركة كان أول مشروعٍ ديني اجتماعي ابتدأه صلى الله عليه وآله بناء المسجد النبوي الكريم والذي يعد ثاني مركزاً روحياً بعد المسجد الحرام. حتى أن الروايات أخذ تأصل وتؤسس لأهمية بناء المسجد حتى مع سفر المؤمن وبأبسط معالم البناء لأن الغاية الحقيقية منه البناء الروحي واستلهام الطاقات المعنوية منه، روي عن النبي الأكرم أنه قال : [ مَن بنى للهِ مسجِدًا ولو كمَفْحَصِ قَطاةٍ بنى اللهُ له بيتًا في الجنَّةِ ] وجاء في لسان العرب في معنى مفحص القطاة أنه قال موضع بروكها على بيضها، وهو مشتق من الفحص أي البحث، فالدجاجة والقطاة تفحص في الأرض برجليها لتتخذ لنفسها مفحصاً تبرك فيه أو تبيض فيه. وهذا جاء لترغيب المسلمين عامة والمؤمنين خاصة أفراداً وجماعات بالاهتمام ببناء المساجد وتعاهدها، وقد جاءت رواياتٌ كثيرة مما يصعب حصرها وعدها في هذه العجالة تبين ثواب المساجد وتعاهد فروضها.

لهذا اهتم رسول الرحمة المطلقة صلى الله عليه وآله بإيجاد تلك المراكز الروحية في حياة الأمة الإسلامية، واعتبرت هوية المسلمين ومتاريسهم من الشبهات العقائدية والانحدارات المعرفية والانكسارات الثقافية ، وضعف البعد المعنوي والخواء الروحي الذي يصاب به الانسان حينما يوغل في بعده الجسدي المادي ومتطلبات الحياة وأبعادها الحيوانية التي لايمكن لأي بشرٍ أن يتغافل صوتها المدوي في أعماق بناء جسد الإنسان والحفاظ على صيرورة البقاء.

كل هذا دفع برسول الله صلى الله عليه وآله أن يحافظ على البعد الروحي لدى الانسان من خلال إنشاء مراكز التغذية الحيوية والتي مثلت في عصره المبارك محورية حياة الفرد والمجتمع الإسلامي في المدينة .

يمكن أن نفهم مبتغيات الرسالة السمحاء من المسجد واهتمامها فيه ، واعطائه الدور المهم في حياة المسلمين عامة لما يقدمه من عطاء في حياة المسلمين ، ويمكن لنا استعراض ذلك من خلال مايلي :

المسجد في عهد رسول الله

لم يكن المسجد في عهد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ومن تلاه إلى عهد الامام عليه عليه السلام مجرد بيتٍ لأداء الصلاة فقط ، بل كان المسجد ودوره أبعد من ذلك ، فكانت الحياة بأبعادها العلمية والسياسية والعسكرية والقضائية والاجتماعية والعلاقات الخارجية من خلال التقاء الوفود كلها تنطلق من المسجد .

المسجد مركز القيادة الإسلامية

فالرسول الاعظم محمد صلى الله عليه وآله حكم الأمة من المسجد ، فمثل المسجد مركز القيادة الاسلامية ، وكانت شورى المسلمين بمجلسها من أهل الحل والعقد تناقش القضايا المصيرية داخل المسجد ، ولقاء الوفود الخارجية الدولية ذات البعد الديني والسياسية يتم داخل المسجد حتى سميت اسطوانة من اسطوانات المسجد بإسم اسطوانة الوفود حيث كان رسول الله يلتقيهم عندها .

المسجد برلمانٌ يحفظ المشاركة للجميع

واعتبر المسجد بمثابة برلمان المسلمين إذ تتم مناقشة قضاياهم داخل المسجد مع أهل الحل والعقد وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وآله داخل المسجد مأذوناً للجميع الدخول المشاركة وربما يطلق عليه حكم الناس بالناس من خلال المشاركة الجماهيرية الواسعة دون إيجاد ممثلين أو نواباً عنهم ، وهي أصرح صورة تمثل حكم الشعب بالشعب منطلقين من مبدأي المساواة بين المسلمين ، ومبدأ من أصبح وأمسى ولم يهتم بشؤون المسلمين فليس بمسلم ، لذلك كان الجميع يشعر بمسؤوليته الفردية والجماعية .
كما أن اعلان الحرب والجهاد وتهيئة واختيار القادة والمجاهدين تتم داخل المسجد ، هذا من الجانب العسكري .

المسجد حاضرةٌ علمية

وأما من الناحية التعلمية فكان المسجد مركزاً علمياً ومعهداً تطويرياً للملاكات الاسلامية فكان جامعةً للعلوم المختلفة ، حتى أنه روي في كتاب الكافي أنه : دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) المسجد فإذا جماعة قد أطافوا برجل ، فقال : ما هذا ؟.
فقيل : علامة !.
فقال : وما العلامة ؟ .
فقالوا له : أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها ، وأيام الجاهلية ، والاشعار العربية قال : فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : ذاك علم لا يضر من جهله ، ولا ينفع من علمه .

فلم يستخدم سلطته العليا واجبارهم على تعلم العلوم المخصوصة التي توجه نحوها الحكومة وتتبناها كرؤى معرفية تعدها الأسس العلمي والثقافي لرعاية ، بل اكتفى ببيان أنها علوم لا تنفع بتطوير المجتمع ، وترك خيار تركها لمدرسيها ومتلقيها .

المسجد وزارة دفاع

وحتى في قواعد الحرب العسكرية التي تعاهدت الشعوب عليها يوم ذاك من الدولة البيزنطينية ودولة روما العظمى ودولة فارس الكبرى ودولة الأحابيش التي عدت الأسير عرفاً دولياً سلعةً تباع وتشترى ، فحوله رسول الله برحمته وانسانيته من سلعة إلى معلم ، أشعره بقيمته ، وجعل الحرية ثمن الأسير لمن يعلم عشراً من صبيان المسلمين .

الدور الاجتماعي للمسجد النبوي

كان لمسجد رسول الله دوراً كبيراً في اغناء الحياة الاقتصادية اجتماعياً ، فقد كان يمثل مأوىً للفقراء الذين لا مسكن لهم ولا مأوى ، وكان معيلاً لمن لا يمتلكون مقومات اقتصادية لا من حيث العمل ولا من حيث المعيشة ، فأعال الفقراء والمعدمين ، وزوج بعض المحتاجين ممن يرجون نكاحاً ولكن أحوالهم معسرةً واعاقتهم قلةُ ذاتِ اليد ، فكان المسجد يخفف من اعباء هذه الطبقة ، كما تعاهد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله اجتماعياً تزويج المؤمنات الأرامل ويعرض شمائلهن للمسلمين مرغباً إياهم بصفاتهن حتى يتزوجونهن .

المسجد بوتقة الارتقاء الروحي

كما ركز رسول الله محمد صلى الله عليه وآله على أهمية الجانب الروحي في المسجد فأراد الصلوات الواجبة كلها في المسجد مرغباً المسلمين بأدائها داخل المسجد والنوافل في البيوت ، حتى نفى ثواب أو صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ، وأوجب عليهم صلاة الجمعة من أجل حثهم على التواجد في صلاة الجماعة والفوز بقرابها داخل المسجد .
كما خط لهم برنامجاً روحياً ينقطع فيه المسلم والمؤمن عن علائق الدنيا من خلال سُنَّةِ الاعتكاف ، والهدفُ منها تخفيفُ الارتباطاتِ المادية وتقويةِ الجانب الروحي وَبُعْدِه المعنوي .

المسجد الناجح

نحتاج اليوم في ظل العولمة الشمولية والتي تعدت برؤاها الفلسفية وأُطُرِها الثقافية ووسائلها التي تخطت حدود الجغرافيا السياسية والجيولوجية وتسابقت بسرعتها مع سرعة الضوء والصوت ، فنقلت الحدث والخبر بثوانٍ معدودة ما يبعد عنك مئات الآلاف من الكيلومترات ، معتمدةً على عنصر الاعلام المرئي وشيوع الثقافة الجسدية التي اعطت الغرائز الجسدية قيمةً حياتيةً عليا في حياة الإنسان وأذوت البعد الروحي بل وتحاول أن تعلمه تماماً من اهتمامات البشرية ، فمسحت المفاهيم الدينية والروحية والقيمية ، وأخذت تصدر مفاهيم متسفلةً في حيات الناس ، حتى صار ابداء مفاتن النساء والتي تسميها جميع شعوب العالم عورة ويستحي الجميع من ظهورها ، لفترات قريبة ، اصبح ابدائها فناً وتفاخراً ومقاييس جمال .
إن ثورةَ الرقائق الالكترونية في عالم اليوم أنشأ ثقافات جديدة وسلوكياتٍ غريبة ، ألزم الجميع أن يبادر لتفعيل سبل المواجهة . ويعد المسجد من أهم مراكز بناء الانسان روحياً وتخفيف غلواء الارتباط بالشهوات ، فالممارسات العبادية من الصلوات والادعية وسيلة لإيقاظ سبات الروح والأخلاق والقيم ، كما أن البناء الثقافي منبرها داخل المسجد له أثره في إثراء ثقافة المؤمن وبيان خطورة الحرب التي تستهدفه ، ولو كانت هناك وسيلة أهم من المسجد لأسسها رسول الله صلى الله عليه واله أو أشار إليها ، علماً أننا لا نقلل من قيمة وحجم بقية المؤسسات والأدوار التي يمارسها الأفراد والجماعات من الناحية الثقافية والاعلامية والاجتماعية ، ولكن تبقى جميع هذه المؤسسات تركز على بُعْدٍ واحدٍ يمثلُ ميدانها وتنصب جل نشاطاتهم حوله ، ولكن المسجد يختلف عنهم تماماً فهو عالم بأكمله بتنوعاتهٍ البشرية ثقافياً وسلوكياً وطبقياً وتوجهاتياً كما أنه شمولياً لجميع تلك النشطات الانسانية والدينية ، وغاية ما في الأمر نحتاج إلى تأسيس مسجدٍ ناجحٍ ليس في البناء وإن كان مهماً بل بنشاطه الإيماني المتميز وهذا لا يتم إلا من خلال وجود مقومات النجاح، ويمكن أن نجمل هذه المقومات بما يلي :

المقوم الأول : وجودِ إمام مسجدٍ رسالي

فهو يمثل مركز القيادة لإدارة انشطة المسجد الناجح ، وسالبة امام المسجد تحتاج إلى همةٍ نبوية مستلهمةً من سيرة رسول الله الاعظم التي واجهت كل الظروف والمحن والتي لم تضعف امام غطرسة قريش ولم تنتقض تلك الهمة إمام انعدام الناصر حيث لم يؤمن به بعد إلا صبي وامرأة فبقي مجاهداً حتى فتح اسوار مكة محرراً البيت العتيق وأبنائها من سطوة الجبابرة والطواغيت ، كما يحتاج إلى مبدئية علي عليه السلام وثباته على الحق مهما كانت الموانع واجتماع الناس على الباطل ، كما يحتاج إلى شجاعةٍ حسينية قاومت الآلاف المؤلفة من جند الشام ومرتزقتها فلم يعطِ بيده اعطاء الذليل ، كما يحتاج إلى وعيٍ أساسه معرفة موقعه في اضخم معارك البشرية أكثرها ضحايا وأطولها أمداً وهي الحرب الناعم التي تشن على الاسلام والمسلمين ، لا تهجم عليه اللوابس فطنٌ لما يحتاجه مجتمعه .

المقوم الثاني : وجود الشباب الرسالي

وهو كادرٍ شبابي يستلهم همته من شباب الاسلام الذين ضحوا من اجل نصرة الحق ، يعلم أن المعركة الضحية فيها ذاته ، فلابد ان يكون له دور فيها ، يدرك أهمية المسجد واحيائه ، ليس على نحو تعاهد الفروض فحسب ، بل تمكين امام المسجد في حياة الناس وتحويل المسجد مركز عمليات لإدارة الانشطة الاجتماعية وابراز دور المسجد وهذا يتم من خلال ما يأتي

المقوم الثالث : الإدارة الناجحة

ولا يمكن لأي قيادةٍ دينيةً كانت أم غيرها من أنشطة الحياة ومؤسساتها ، والمسجد احدى تلك المؤسسات الاجتماعية الحيوية ، وحتى يكون المسجد ناجحاً وفعالاً لابد من إدارته ادارةً ناجحة ، وهذه تتم من خلال توزيع الأنشطة والمهمات على الشباب الفاعل في المسجد والاستفادة من طاقاتها ، فليس من المعقول مع هذا التوسع والتعدد بصورة دقيقة لأنشطة الحياة يبقى متولي المسجد أو إمامه قادراً على ادارة الفعاليات فية في هذا الزمن الذي اصبح العالم بأسره تحت ضغطة زر لموبايل لا يتجاوز كف الانسان ، ويمكن أن نستعرض ولو مجملاً لتلك الانشطة والتي تدار عبر لجان مسجدية يشترك فيها أكبر عددٍ من المصلين لإحياء المسجد ودوره في المجتمع ، وهذه اللجان تتوزع على الشكل التالي :

1- اللجنة العلمية

والتي تهم بتوفير الدروس الحوزوية والاكاديمية ومساعدة ابناء المنطقة في فهم دروسهم ، وتطوير قابليات المجتمع من حيث فهم الشريعة من خلال دورات مبسطة للعقائد والفقه والثقافة الحوزوية الأولية وبعدها دورة مبسطة أعمق وهكذا إلى دورة معمقة تهيئ وجود نظراء وبدلاء عن امام المسجد في حال غيابه .

2- اللجنة الدينية

وتهتم برسم المنهج العبادي من تطوير صلاة الجماعة والجمعة ، وإقامة برامج الاعتكاف في مواسم متعددة ، واحياء المناسبات المناسبات الدينية عامة ، والاهتمام بالشعائر الحسينية ورعاية المواكب الحسينية والاشراف عليها لضبط أدائها بما يتوافق مع الشريعة ، وهذا مجملاً وإلا فالشرح يطول بمهامها يترك إلى فرصةٍ أخرى .

3- اللجنة القافية

وهي ثالث اللجان من حيث الأهمية ومن مهامها تطوير البنية الثقافية بشكلٍ عام والثقافة الدينية بشكل خاص هدفها محاربة الشبهات الثقافية والتيارات المعادية للإسلام وتنسق عملها مع الخطباء الذين تتم استضافتهم لرفد الناس بالاجابة عن الشبهات المطروحة ، كما من مهامها اصدار النشرات والمطبوعات الجدارية والتوزيعية ، واجراء المسابقات الثقافية ، واقامة الفعاليات الثقافية كالندوات يستضاف فيها الاكاديميين وغيرهم .

4- لجنة الأوقاف ومنشآت المسجد

ومهمتها ادامة اوقاف المسجد ومنشآته وحفظها من التصدع أو التهالك وديمومتها بما يليق كونها مركز قيادي في المجتمع ، وعادةً ما أن توكل للمتوفين وأصحاب الأوقاف المتبرع بها .

5- اللجنة المالية والحسابات

ومهمتها جمع الأموال والتبرعات وادارتها بما يتناسب ورفد تلك النشاطات والحافظ على حيوية المسجد ويجنب امام المسجد حتى لا يهاج من هذه النقطة لتسقيطه .

6- اللجنة الاجتماعية

ومهمتها ادارة الفعاليات الاجتماعية من اعالة وتعاهد العوائل الفقيرة ومساعدتهم ومتابعة أبنائهم في المدارس ومساعدتهم في قضاء خوائها مع مؤسسات الدولة ودمجهم وأبنائهم في المسجد ، واسعارهم بأبوية المسجد وحمايته لهم ، كما من ضمن مختصاتها واعمالها حل المنازعات والخصومات بالتعاون مع لجنة العلاقات .

7- لجنة العلاقات والتواصل الإعلام

ومن مهمات هذه اللجنة دمج المسجد اجتماعيا من خلال التواصل مع الناس وزيارتهم في بيوتهم وحضور مناسباتهم ، ونشر فعاليات المسجد واعلام الناس بأهمية المسجد وفعالياته ودعوتهم للحضور فيه .

مجلس الإدارة

تشكل هذه اللجان مجلس ادارة تحت اشراف رجل الدين الذي يتابع اللجان واحدةً واحدة ومحاولة تطوير عملها ، وتتم اتخاذ القرارات من خلال المجلس وتتابع اللجان تنفيذها كلاً حسب اختصاصها . وبهذا تنتزع الروح الفردية بالادارة ويكون الجميع مسؤولاً عن ادارة مؤسسة المسجد .

خاتمة المطاف

بهذا الشكل ستتولد لدى المصلي روح الانتماء ثم الشعور بالمسؤولية وعند الارتباط روحياً بالصلاة وتاريتيل دعواتها ، سيجد المؤمن مسؤولية المسجد ومسؤوليته ضمناً عن المجتمع وما تتقاذف أبناءه من الشبهات ، وبهذه المسؤولية سيتولد اطمئنان لدى المؤمن أن البيتَ والصلاةَ فيه ليست بديلةً عن المسجد والصلاة فيه ، لأن الصلاة لم تعد مجرد عبادة بل مشروعاً اجتماعياً ربانياً ، ولم يعد المسجد كنيسةً تتلى فيها الصلوات ، بل الاسلام بذاته ومؤسسةً إلهيةً يعتز ويفخر بانتمائه لها.

مالم نوقض روح المؤسسة المسجدية في أنفسنا سيبقى المسجد غرفة كبيرة تؤدى فيها الصلاة ولربما البيت أكثر منه وسائل راحةٍ لأداء العبادة.

فالتغذية الروحية ليست الشعور بعبودية الدعوات والصلوات ، بل الشعور بالخلافة الربانية على المجتمع وانقاذ أيتام آل محمد (صلوات الله عليهم) من فخاخ الضلالات والشبهات وانحرافات النواصب ، والشعور بمسؤوليتك على أبناء مجتمعك كشعورك بأبنائك، وهذا لا يتم إلا من خلال انتزاع فكرة أن المسجد بيت للصلاة وأنت فيه مصليٍ مترهب، بل الشعور بأن المسجد بيت الله مؤسسة اجتماعية وتشعر أنت خليفة الله في أرضه مرسلٌ لهداية الناس وقضاء حوائجهم”.

 

 

 

 

 

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرامالنعيم نيوز

لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التاليالنعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا علىقناة النعيم الفضائية

كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرامالنعيم نيوز

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى