أقيمت صلاة الجمعة المباركة، بمسجد جنات النعيم في كربلاء المقدسة، بإمامة الشيخ جعفر الربيعي.
وفيما يلي نص خطبتي صلاة الجمعة، وتابعتهما “النعيم نيوز”:
الخطبة الأولى: بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)، إن المعصوم (ع) هو المسؤول عن تطبيق الشريعة، وهو المشرف على تحقيق أغراضها وأهدافها، ولذلك نجد العلماء يكتشفون من سكوته أمام ظاهرة اجتماعية متجذرة تمّس أهداف الشريعة رضاه، وهذا المقصود بتقرير المعصوم (ع) حجة، لأن هذا الفعل لو كان منافياً لأهداف الشريعة، فانطلاقاً من كونه المراقب على الشريعة وأهدافها أو كونه مكلف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يجب عليه الردع عن تلك الظاهرة المرفوضة.
والأمة الإسلامية قد مرت بحالات انعطاف خطيرة كانت تقودها الفئة المنقلبة على الأعقاب، وقد قام المعصومون (ع) بمواجهة هذا الانحراف في هذه الأيام، يقول سماحة المرجع اليعقوبي: (ثلاثة أيام في الإسلام أراد الله تبارك وتعالى لها أن تثبّت عقيدة الأمة وتصحح مسيرتها وتحفظ الإسلام نقياً ناصعاً سليماً من الزيغ والانحراف الذي يريده طلاب الدنيا لتحقيق مصالحهم الذاتية، ومثّلت هذه الأيام أهم منعطفات في حياة الأمة: الأول: يوم الغدير وبيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) إماماً للأمة وخليفة لرسول الله (ص) ومكملاً لرسالته المباركة.
الثاني: يوم القيام الفاطمي حينما انقلبوا على الأعقاب بعد وفاة رسول الله (ص) كما أخبر به الله تعالى: [أفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ] وهو يوم الفرقان في معركة التأويل التي خاضها أمير المؤمنين (ع) بعد وفاة رسول الله (ص) بحسب ما ورد في حديث النبي (ص) لأمير المؤمنين (ع): (تقاتل على التأويل كما قاتلتُ على التنزيل) أي تخوض حربَ تصحيح المفاهيم والسلوكيات وتقويم الانحراف ووضع النقاط على الحروف وبيان التفاصيل.
الثالث: يوم عاشوراء، يوم التضحية بالقرابين النفيسة لفضح الحكام المستبدين الفاسقين المحاربين لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله)، ومن بعد يوم عاشوراء تميّز خط الإمامة والخلافة الإلهية عن خط الملك والسلطنة والصراع على الحكم [لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ]، وانتهى عصر خلط الأوراق وتداخل الخنادق.
واليوم الثاني المهم في تثبيت حركة الإصلاح وفي تقويم حركة الانحراف هو يوم القيام الفاطمي، لأن الأمة وقعت في خطأ تشخيص القيادة واشتبهت الأمور بفعل الحزب القرشي المضلل للقواعد الجماهيرية، فكان يوم الزهراء (ع) هو يوم الفرقان، يقول سماحة المرجع اليعقوبي: (كان يوم الزهراء فرقاناً أوضح معالم وصفات الإمام الحقّ وميّزته عن المتقمص لها ومن كلماتها سلام الله عليها (وما الذي نقموا من أبي الحسن عليه السلام؟! نقموا والله نكير سيفه، وقله مبالاته لحتفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته، وتنمّره (أي غضبه) في ذات الله، والله لو ما لوا عن المحجة اللائحة، وزالوا عن قبول الحجة الواضحة لردّهم إليها، وحملهم عليها، ولسار بهم سيراً سُجُحا (أي سهلاً) لا يكلم حشاشه، ولا يكِلُّ سائره، ولا يملّ راكبه، ولأوردهم منهلاً نميراً، صافياً، روياً، تطفح ضفتاه ولا يترنّق جانباه ولأصدرهم بطاناً، ونصح لهم سراً وإعلاناً، ولم يكن يتحلى من الدنيا بطائل، ولا يحظى منها بنائل، غير ريّ الناهل، وشبعة الكافل، ولبان لهم: الزاهد من الراغب والصادق من الكاذب [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ] [فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاء سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ].
خصائص هذا القيام:
1-لأن هذا القيام تكفل المواجهة المباشرة لبداية الانقلاب وبيان الموقف الشرعي من الرجوع القهقري بعيداً عن الشريعة.
2-إنّ قيادة هذه الثورة وهذا القيام بيد شخصيّة تعتبر ميزان الغضب والرضا الإلهي شخصية محل مقبولية لدى جميع المجتمع الإسلامي، لذلك حاولت الأقلام المأجورة قتل ثورة الحسين (ع) وتغيب صوت أهل البيت (عليهم السلام)، أما ثورة الزهراء قاموا بطمس معالمها.
3-بيان القيادة الشرعية وفضح كل المتصدين لهذا المنصب ظلماً وزوراً، وقد قامت بخطوات عديدة في هذا المجال: أولاً: المطالبة بفدك.
هنا يتبادر السؤال (من الممكن أن يقال: إن السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام الزاهدة عن الدنيا وزخارفها، والتي كانت بمعزل عن الدنيا ومغريات الحياة ما الذي دعاها إلى هذه النهضة وإلى هذا السعي المتواصل والجهود المستمرة في طلب حقوقها)؟.
ثانياً: تحركها (عليها السلام) على بيوت المهاجرين والأنصار برفقة أمير المؤمنين (عليه السلام) (جاء في بعض الروايات أنها كانت تخرج مع علي عليه السلام وتطوف على بيوت المسلمين، سيّما الأنصار، لتحدثهم عن حق علي عليه السلام وجدارته للخلافة). ففي كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة: (وخرج عليّ كرّم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) على دابة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به، فيقول عليّ كرّم الله وجهه: (أفكنت أدع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيته لم أدفنه وأخرج أنازع الناس سلطانه)؟! فقالت فاطمة: (ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم).
ثالثاً: الامتناع عن البيعة للخليفة الأول.
رابعاً: دفنها سراً.
الخطبة الثانية:
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تَنصُرُواْ اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ).
1-الإنسان كائن محدود، وما يصله من العون والنصر من الله محدود أيضاً، ولكن ذلك لا يعني أبداً أن الله سبحانه محدود أو عونه ونصره كذلك، بل عونه ونصره مستندان إلى قدرته غير المتناهية.
2-لقد علق الله سبحانه وتعالى مجموعة من الأمور على مجموعة أخرى: علق ذكره للإنسان على ذكر الإنسان إياه، قال تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)، وعلق البركة والزيادة في الرزق على الشكر، قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)، وعلق نصره الإنسان على نصر الإنسان إياه، قال تعالى: (إِن تَنصُرُواْ اللهَ يَنصُرْكُمْ)، سؤال: ما معنى إن تنصروا الله؟ والجواب: يمكن أن نتصور عدة مستويات للنصر الله تبارك وتعالى:
الأول: بنصر قيادته التي جعلها حجة على الخلق والدفاع عنها وتقديم الغالي والنفيس من أجل طاعتها والمحافظة عليها، وهنا نستطيع أن نقول أن الزهراء (ع) انتصرت بثورتها ومقاومتها.
الثاني: الحفاظ على القيم والمبادئ التي أنزلها الله تبارك وتعالى على أنبيائه ورسله والسير على نهجهم، كما يقول الإمام الحسين (عليه السلام): (إني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (صلى الله عليه وآله وسلم) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحق فاللَّه أولى بالحق، ومن رد عليَّ هذا أصبر حتى يقضي اللَّه بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين).
وهنا نقول إن الحسين (ع) قد انتصر، ولذلك الإمام السجاد (ع) عندما سألوه من الذي انتصر في كربلاء فقال انتظروا فعندما وصل المؤذن إلى قوله (أشهد أن محمداً عبده ورسوله) ما دام نهج محمد (ص) ورسالته باقية فقد انتصر الحسين (ع).
المستوى الثالث: الجهاد في مواجهة الكفار المحاربين من مصاديق نصر الله تبارك وتعالى، هنا نستطيع أن نقول ثورة التوابين انتصرت، ثورة المختار انتصرت، ثورة صاحب فخ انتصرت، ثورة الحرة انتصرت، وغيرها الكثير”.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز