أقيمت صلاة الجمعة المباركة، في مسجد جنات النعيم بكربلاء المقدسة، بإمامة الشيخ جعفر الربيعي
وذكر مراسل النعيم نيوز” أن الخطبة الأولى كانت عن: زيارة الحسين (عليه السلام) في الأربعين: إن الانسان يحتاج الى محطات تعينه في سفره المادي كان تكون محطات استراحة او محطات للتزود بالوقود او غيرها. وكذلك في اللقاء المعنوي نحتاج الى محطات للتزود. والمحطات على نوعين:
الأول: محطات مكانية: فهناك محطات مكانية للتسريع عملية السير الى الله تبارك وتعالى لما فيها من تضاعف العمل والحصول على الثواب، مثل الصلاة في المساجد، فقد ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام): (لا يأتي المسجد من كل قبيلة إلا وافدها، ومن كل أهل بيت إلا نجيبها، يا فضل، لا يرجع صاحب المسجد بأقل من إحدى ثلاث خصال: إما دعاء يدعو به يدخله الله به. الجنة، وإما دعاء يدعو به فيصرف الله به عنه بلاء الدنيا، وإما أخ يستفيده في الله).
والثاني: محطات زمانية: وهي الازمنة الشريفة التي يطوي الانسان المؤمن فيها مراحل في سيره المعنوي لعله لا تتوفر في غيرها من الازمان، مثلاُ: شهر رمضان حيث ورد في بعض الروايات (ان من لا يغفر له في شهر رمضان فينتظر قابل او عرفة) أو ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. ومن المحطات الزمانية والمكانية صلاة الجمعة فهي تجمع بين المكان والزمان. روي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا كان حيث يبعث الله العباد اتي بالأيام يعرفها الخلائق باسمها وحليتها، يقدمها يوم الجمعة له نور ساطع يتبعه سائر الأيام كأنها عروس كريمة ذات وقار تهدى إلى ذي حلم ويسار، ثم يكون يوم الجمعة شاهداً وحافظا لمن سارع إلى الجمعة، ثم يدخل المؤمنون إلى الجنة على قدر سبقهم إلى الجمعة. ومن المحطات المكانية والزمانية الأخرى هي زيارة المعصوم (عليه السلام) لاسيما زيارة الأربعين التي انا في صدد الوقوف عليها. روي عن الحسين بن علي بن ثوير بن أبي فاختة قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا حسين، من خرج من منزله يريد زيارة الحسين ابن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) إن كان ماشيا كتب الله له بكل خطوة حسنة، وحط بها عنه سيئة، (وإن كان راكبا كتب الله له بكل حافر حسنة، وحط عنه بها سيئة)، حتى إذا صار بالحائر كتبه الله من الصالحين، وإذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين، حتى إذا أراد الانصراف أتاه ملك فقال: له: أنا رسول الله ربك يقرئك السلام ويقول لك: استأنف فقد غفر لك ما مضى. فما هي حقيقة زيارة المعصوم (عليه السلام) هل فقط طلباً للثواب أو للاعتبار وتذكرة الاخرة أو للتجديد العهد؟ والجواب: وهو إن الزيارة فيها تحصيل للثواب، ويمكن ان تكون للعبرة وانت ترى مكان الانسان الكامل وترى غيره من اراذل البشر فتتعظ بها. ولكن زيارة المعصوم (عليه السلام) أعمق من ذلك فهي تستهدف تجديد العهد مع الإمام. وتحتاج الزيارة الى جملة من الآداب: الأول: عارفاً بحقك. والثاني: الطهارة من الذنوب.
وأضاف، أن الخطبة الثانية:
تغزو العالم الإسلامي والدول الشرق أوسطية تيارات مثل والحركة النسوية، وتفرض هذه التيارات على الواقع الاجتماعي آثاراً خطيرة جداً:
المحور الأول: الحركة النسوية: إن مصطلح الحركة النسوية نظرية مرحلة ضمت مدارس مختلفة وضمت اتجاهات متباينة، تذكر سيمون دي بيفور فيلسوفة فرنسية لديها كتاب اسمه «الجنس الآخر» وتذكر في كتابها أن الزواج والأسرة هي سجن للمرأة؛ لأن الأسرة تحطم طموحات المرأة وأحلامها وآمالها، لذلك لا يمكن للمرأة أن تأخذ دورها إلا بتجاوز هذا السجن. وهناك النزعة الأنثوية أو الحركة النسوية الليبرالية وهي منتشرة في المجتمع الخليجي والدول العربية، وهي التي تدعو إلى المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات بين الذكر والأنثى، بحيث لا يبقى تمايز بين كل منهما من حيث الدور ومن حيث الأداء. وهناك الحركة النسوية الراديكالية التي تعتبر أن الرجل هو المشكلة، وأن الرجل هو المسؤول عن استغلال المرأة وعن قمع المرأة وعن حصرها في المنزل حتى يقتل طموحاتها وأحلامها وتطلعاتها. ومنذ نهايات القرن الـ19، بدأت الحركة النسوية تتخذ أشكالاً تنظيمية، تطورت تدريجياً على شكل منظمات وهيئات محلية وإقليمية وعالمية، تتشابه في أهدافها وأفكارها وأنشطتها، وتتعاون فيما بينها، لبلورة مبادئها، وتطوير آليات عملها، وزيادة انتشارها، وتعزيز نفوذها وتأثيرها، وتوسيع دائرة المؤيدين لها، ليس فقط بين النساء والفتيات، بل بين الرجال والشباب، عن طريق المنظمات والهيئات المحلية والدولية، الرسمية وغير الرسمية، التي أعطت الحركة النسوية صفتها العالمية، وساعدتها على فرض أفكارها ومبادئها، والتقدم المتسارع لتحقيق أهدافها. وللحركة النسوية العالمية حوالي 600 منظمة قديمة وحديثة، منها أكثر من 60 منظمة عالمية، وأكثر من 150 منظمة أوروبية، وحوالي 100 منظمة أميركية، و21 منظمة في أستراليا ونيوزيلندا، وحوالي 70 منظمة في الأميركتين، و70 منظمة أفريقية، و120 منظمة في آسيا.
هذه المنظمات تدير عشرات الآلاف من الفروع والمكاتب التابعة لها في دول العالم، وتنفق على أنشطتها وفعالياتها المتواصلة عشرات المليارات من الدولارات سنوياً، عدا عن آلاف المؤسسات والجمعيات الأكاديمية والفكرية والفنية والثقافية والاجتماعية والخيرية التي تدعم بقوة أفكار وأنشطة الحركة النسوية محلياً وعالمياً.
المحور الثاني: في تداعيات هذه الحركة على الواقع الاجتماعي: نشأت الحركة النسوية في الغرب قبل أكثر من قرن وتعريفها هي الاعتراف بأن للمرأة حقوقا وفرصا مساوية للرجل وقد كانت في الأساس تهدف إلى منح المرأة الحقوق الأساسية من التعليم والعمل التي حرمت منها في المجتمع الغربي قبل الثورة الصناعية ثم تطورت فكرتها إلى المطالبة بالمساواة بالرجل في جميع الحقوق السياسية والاقتصادية والجنسية والفكرية ومماثلته في كل شيء. ثم تسللت هذه الحركة إلى المجتمعات العربية إبان الاستعمار وحققت مكاسب خطيرة من نشر الثقافة الغربية وضعف الولاء للإسلام ونزع الحجاب وانتشار الانحلال والتشكيك في الثوابت الدينية والهجوم على القدوات الحسنة في المجتمع الإسلامي تحت شعار العمل الحقوقي والنشاط الاجتماعي وكان ذلك عن طريق إنشاء الجمعيات النسوية ورسالة الفن الهابط والحركات الماسونية. ومن تداعيات هذه الظاهرة وهذه الحركة النسوية وآثارها الخطيرة على المجتمع الإسلامي:
الأثر الأول: هدم دعائم الأسرة: ما دامت الحركة النسوية تعتبر أن أهم عامل لمعاناة المرأة ومأساتها هو وجودها داخل الأسرة وداخل كيان الزوجية، فهذا يشجع الفتيات على عدم الزواج أو تأخيره لفترة طويلة، باعتبار أن الأسرة تقيد طموحاتها وتحجم آمالها وتطلعاتها. ومن رسائلهم الماجنة التشنيع على الزواج ورفضه بالكلية وتفسيره بالعبودية والذل للمرأة وإقناع البنات أن هذا المشروع مبني على العنصرية الذكورية والتأكيد على فشله وأنه سجن يقيد الحريات ويكبت المشاعر ويكرس الظلم الذكوري ويسخر المرأة خادمة وآلة للولادة تقول إحدى النسويات: (الزواج مقبرة والتي ستُدفن فيه طيلة حياتها هي المرأة). وتقول أخرى تائهة: (الزواج أفشل رابطه في الحياه خصوصا عندنا ونهايتها غالبا مأساوية للمرأه فما أتوقع وحده واعيه وبرغبتها بدون ضغط رح تتزوج بمجتمع ما كفل لها حقوقها البديهية وبخليها تتنقل زي العبيد بين الرجال من أبوها وأخوها لزوجها للقبر!). وتقول ثالثة: (طبعا نرفض وبقوة لأن الزواج عندنا قائم على قدسية الزوج باعتبار أن الزوج لوحدة رب الاُسرة من دون الزوجة والزوجة أداة للإنجاب ولخدمة الزوج فقط !). وهذا الفكرة بيئة خصبة للانحلال الجنسي والعلاقات الغير مشروعة لأن حاجة الأنثى للجنس والإشباع العاطفي والمودة أمر فطري إن لم تحققه في العلاقة الشرعية بحثت عنه في العلاقات المحرمة لأنها ترى ذلك من أساس الحرية ومن أغلق على نفسه باب الحلال فتح عليها باب الحرام ولذلك شرعن النسويات العلاقات الشاذة بديلا عن الزواج.
الأثر الثاني: تدنيس موقع الأمومة: هذا الموقع العظيم بما يحمل من بذل وتضحية وإيثار وعطاء أصبحت الحركة النسوية تنادي بأن موقع الأمومة هو موقع ثانوي وهامشي لا قيمة له، والمهم أن المرأة تثبت جدارتها في ميدان العمل لا في ميدان الأمومة، وأن الأمومة مجرد صفة ثانوية لا أكثر من ذلك، لذلك حتى مع وجود يوم عالمي باسم يوم الأم مع ذلك هذا اليوم العالمي بدأ يخفت ويتضاءل نتيجة هذه الصيحات، أن الأمومة عمل تستطيع أن تقوم به الخادمة والشغالة ودور الحضانة ورياض الأطفال ولا حاجة لأن تنهك الأم وتتعب نفسها في القيام بهذا الدور، لهذا مثل هذه الحركات تدعو إلى التقليل من شأن دور الأمومة، بينما إذا نظرنا فهناك الكثير من النساء يرون أن دورهن في الأسرة في أن تكون مصنعاً ومهداً لإنشاء مواطنين صالحين ومواطنات صالحات، ترى أن دورها الذي ينسجم مع طبيعتها هو دورها كأم من خلال الأسرة فلماذا نحن نصادر هؤلاء وندعوهن للخروج إلى ميدان العمل بكل وسيلة وتهميش دور الأمومة؟! ليس من الصائب قانونياً ولا أخلاقياً زج المرأة التي هي غير مقتنعة بهذا الدور إلى أن تتخلى عن الدور الأسري وتتجه إلى دور آخر، المفروض أن مبادئ الحرية الفكرية ومبادئ الحرية القانونية تفرض أن المرأة هي التي تختار قرارها وهي التي تقرر الدور الذي ينسجم مع طبيعتها، فإذا اختارت أن تكون أماً وزوجةً وتقوم برعاية الأسرة وتغذيتها واحتضانها فلا معنى للوقوف أمامها وهي تمارس دورها الطبيعي.
الأثر الثالث: الدعوة إلى الإجهاض: فإن المرأة من حقها أن لا تحمل وإذا حملت من حقها أن تجهض لأن الإجهاض يخلصها من قيود الإنجاب والحمل والإرضاع وما أشبه ذلك.
الأثر الرابع والخطير: فتح الباب أمام الحرية الجنسية بألوانها المختلفة.
الاثر الخامس: التهوين من انحرافات الآخرين: ومن سمات الفكر النسوي الضال التهوين من انحرافات الآخرين العقدية والسلوكية فتجد المتحدث يحترم إلحاد الشخص الآخر أو انحلاله الجنسي أو شذوذه ويصرح ويقول هي حياته الشخصية وهو حر لا يحق لي انتقاده وإن كنت أخالفه وهذا رضا بالرذيلة وسكوت عن المنكر وهو من صفات المنافقين قال تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ}.
الاثر السادس: اسقاط قوامة الرجل. ومن أخطر رسائل النسويات وأشد إفسادهن بنساء المسلمين تحريض المرأة على التمرد على قوامة الرجل والثورة على الرجال ونعته بالقذر والكاذب والمستبد والتعامل معه بالندية ومخاطبته بلغة القوة والانتقام وقد لعبت الروائيات النسويات دورا رئيسيا في هذا الأمر وأصبحن مصدر إلهام للنساء عن طريق حكاية القصص والمشاهد التي تكرس ظلم الرجل وخيانته وبراءة المرأة وصدق عاطفتها.
الاثر السابع: محاربة الشريعة: الذي هو الاثر الرئيسي الذي يمكن ان تستند له معظم هذه الاثار ومن هنا يتجلى ما يحدث من محاربة القانون الجعفري. وإن سلوك المرأة في الغرب في حريتها الدينية والجنسية والحقوقية وتساويها مع الرجل في جميع الأمور هذا هو المفهوم الكامل والتفسير الصحيح للحركة النسوية فهي تقيم وتسافر وتمارس الجنس على حسب رغبتها وتختار ما تشاء من الفكر الديني أو تنبذ الأديان وتؤمن بشرعية الإلحاد وحقوق المثليين وتعيش مستقلة بكامل حريتها تقول الناشطة النسوية الأمريكية تي جريس أتكينسون: (لو كانت النسوية النظرية فالسحاق هو التطبيق). وتقول كاثرين هيبورن الأمريكية: (لم أعش كامرأة بل عشت كرجل أقدمت على فعل ما أريد وجنيت ما يكفي من المال لأدعم نفسي ولا أخاف من أكون وحيدة). والمتأمل في طرح وثقافة أشهر النسويات العربيات يجد أنهن سارن على المنهج الغربي في الطعن في أحكام الشريعة من إنكار التعدد وإرث المرأة وديتها وعصمة الطلاق وإسقاط الولاية العامة والخاصة للرجل والدعوة إلى التبرج والاختلاط . تقول نوال السعداوي: (إن الزواج في مجتمعنا أصبح نوعا من البغاء المقنع لأن الفتاة لا تتزوج برجل تريده وتحبه فتكون العلاقة بينهما شريفة). وتقول نوال أيضا في دفاعها عن المثليين: (لم نتربى على حرية الجنس والعلاقات الجنسية شخصية). وتقول أيضا في التعدد: (إن تعدد الزوجات ليس حلا إنسانيا وأن الأديان التي تبيح تعدد الزوجات هي أديان نشأت في مجتمع طبقي أبوي عبودي لتتساءل لماذا نفرق بين الرجل والمرأة). وتقول فاطمة المرنيسي: (الحجاب أداة لاستعباد المرأة وتقزيم لدورها الاجتماعي والسياسي وهو أكبر عائق أمام مشاركة النساء في الحياة الفاعلة). وتقول فاطمة أيضا: (وحيث يرى الله أن المرأة عنصر هدام فيقتضي الأمر عزلها مكانيا وإبعادها عن كل الأمور باستثناء تلك الخاصة بالأسرة). إذن هناك تداعيات وآثار خطيرة تترتب على اتساع الحركة النسوية خصوصاً في الدول الشرق أوسطية.
المحور الثالث: في النقد والملاحظة على هذه التيارات المتنوعة:
الملاحظة الأولى: المرأة مربية والرجل يقود الأسرة فهذه هي الأدوار الطبيعية المعروفة، فلو فرضنا أن هذه الأدوار هي أدوار اجتماعية؛ أي أدوار لا ترجع لطبيعة الإنسان، وإنما هي أدوار فرضتها الثقافة التاريخية وفرضتها عملية اجتماعية بعيدة المدى وإلا ما كان الناس هكذا، لو فرضنا ذلك لا يمكن تجاهل الاختلافات الفسيولوجية بين الرجل والمرأة، المرأة تملك الاستعداد للدورة الشهرية وللحمل والولادة والإرضاع، وهي ليست تغيرات جسمية وليست تغيرات فسيولوجية فقط، بل تفرض هذه الاستعدادات تفاعلات نفسية وتفاعلات فكرية تفرزها عن الرجل شاءت أم أبت. فهذه الاختلافات الفسيولوجية بين الجنسين تفرض حتماً اختلافات سيكولوجية بينهما، أي تفرض اختلافات نفسية وتفرض اختلافات فكرية شاء كل من الجنسين أم أبى، هو أمر تفرضه الطبيعة ويفرضه الواقع، لذلك لا يمكن التغاضي عن الاختلافات الفسيولوجية والسيكولوجية بين الطرفين، بل يؤكد علم النفس الاجتماعي أن النظر العاطفي من قبل الرجل للمرأة يختلف عن النظر العاطفي من قبل المرأة للرجل، النظر العاطفي من الرجل للمرأة هو الحاجة إلى السكينة والاستقرار، والنظر العاطفي من المرأة للرجل هو حاجتها للدفء والحماية والحضن الذي يحتضنها، كل منهما تختلف عاطفته تجاه الآخر، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ بيتر سون عالم نفس غربي مشهور وله صيت واسع يقول: لا يمكن إلغاء الفروق الجوهرية بين الرجل والمرأة والبناء على قانون المساواة بينهما، بل لابد من التفصيل والتدقيق في هذه المسألة ولا يمكن إلغاء هذه الفروق لحساب شيء آخر، وهذه الفروق بين الرجل والمرأة ليست فروق تفضيلية؛ بمعنى أن الرجل أفضل من المرأة أو أن المرأة أفضل من الرجل، بل إن هذه الفروق جعلت العلاقة علاقة تكامل، وكل
منهما يكمل الآخر، ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ كل يكمل الآخر تماماً كما في اختلاف البشر في القدرات، هناك ذكي وهناك أذكى، هناك شخص لديه قدرة عقلية، وهناك شخص لديه قدرة بدنية وهناك شخص لديه قدرة فنية، وهناك شخص لديه قدرة رياضية، وهناك شخص لديه قدرة مهنية، كلها قدرات وزعها الله بين البشر، فهل اختلاف القدرات تفضيل؟ أبداً بل إن اختلاف القدرات لكي يتكامل البشر بعضهم ببعض ولذلك قال تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ ليستفيد بعضكم من بعض، لتتلقح تجاربكم ومعارفكم ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾تماماً مثل أعضاء البدن، البصر والسمع والشم كل حاسة لها دور معين وتحتاج إلى الحاسة الأخرى، والإنسان لا يتكامل إلا بحواسه الخمس مع أن لكل حاسة قدرة متميزة، كذلك المجتمع لا يتكامل إلا بقدرات وطاقات متنوعة ذكر وأنثى، لذلك يقول القرآن الكريم وهو يتحدث عن تمايز الأدوار: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ فاختلاف الأدوار واختلاف المواقع هو نتيجة اختلاف القدرات، إذن لا يمكن التغاضي عن هذا الاختلاف.
الملاحظة الثانية: الباحثة الأمريكية كارول جيليغان لديها ملاحظة على ما تطرحه الحركة النسوية فتقول: كل من الطرفين الذكر والأنثى، والرجل والمرأة يعيش حس المسؤولية، لأن طبيعة الإنسان الإحساس بالمسؤولية، ﴿كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى﴾ كل إنسان يعيش حس المسؤولية، وكل من الجنسين يعيش حس المسؤولية تجاه الآخر، لكنهما يختلفان في الدوافع، الرجل يعيش حس المسؤولية لكن بنزعة قانونية حقوقية، والمرأة تعيش حس المسؤولية لكن بنزعة أخلاقية اجتماعية، أي أن الرجل حينما يتجه للمسؤولية تراه يركز على الحقوق وعلى قانون العدالة، الرجل يركز على نظرة الاستحقاق ويطالب بتطبيق العدالة وإعطائه حقه الكامل، هذه نزعة موجودة في الرجل، أما المرأة تتجه إلى المسؤولية بشعور التضحية والإيثار، والعفو والتسامح، فإذا حملت مسؤولية الأسرة أو إدارة مكان معين فهي لا تتحمل المسؤولية بروح العدالة وتطبيق القانون، بل تتحمل المسؤولية بروح الإيثار والتضحية والتسامح والعفو والرأفة، هكذا طبيعة المرأة. ولذلك فاتجاه الرجل لتحمل المسؤولية يكون بنزعة فردانية، واتجاه المرأة نحو المسؤولية بنزعة اجتماعية وأخلاقية، ولهذا تحلت الأم بالإيثار والتضحية والعطاء المجاني بلا مقابل في سبيل زوجها وأولادها وأسرتها لأن طبيعتها بنيت على ذلك، فمن هنا أن الدعوة لتحرير المرأة من ميدان الأسرة ونقلها إلى ميدان العمل بتمامه هو عبارة عن تهميش هذه المبادئ الخلقية، وتهميش هذه المبادئ يعني إلغاء الأسرة وإلغاء كيانها، لأنه من المستحيل أن الأسرة تتحول إلى مؤسسة وظيفية، يكون فيها الرجل موظف والمرأة موظفة، الأسرة لا يمكن أن تقوم على الروح الوظيفية، ولا يمكن أن تقوم على الندية بين الطرفين، فالأسرة لا تقوم إلا على المبادئ الخلقية من الإيثار والتضحية والعطاء المتبادل بين الطرفين، ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ فعندما يُطلب من الرجل أن يتحول إلى الأم فيعمل في وظيفتها، ويطلب من الأنثى أن تدير العمل ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ لم يقل أن الرجل أفضل المرأة، ولا المرأة أفضل من الرجل، كل منهما في طاقته أفضل من الآخر.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز