أقيمت صلاة الجمعة المباركة، بجامع الرحمن في المنصور/بغداد، بإمامة الشيخ عادل الساعدي.
وفيما يلي نص الخطبة الثانية لصلاة الجمعة في جامع الرحمن، وكانت بعنوان: (أطوار التبدل الاجتماعي في سنن القرآن الكريم)، وتابعتها “النعيم نيوز”:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين سيد المرسلين وخاتم النبيين أبي القاسم محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين، اللهم صل على نبيك وحبيبك وصفيك وصفوتك وحافظ سرك ومبلغ رسالتك أسنى وأكمل ما صليت على أحدٍ من خلقك، وصل على إمام المتقين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وصي رسول رب العالمين، وصل على الصديقة فاطمة الزهراء سيدةِ نساء العالمين وشفيعة المذنبين، وصل على سبطي الرحمة وإمامي الهدى الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، وصل على أئمة المسلمين علي بن الحسين، ومحمد بن علي، وصل على الحجة بن الحسن القائم المهدي المنتظر حججك على عبادك وأمنائك في بلادك، صلاة كثيرة دائمة يصعد أولها ولا ينفد آخرها.
قال تبارك وتعالى {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ}.
تعدُ هذه الآية من السنن الكونية في تطور وتبدل الطبيعة الاجتماعية وتغيرها عبر امتداد الزمن والتاريخ، فسنة الله في الظالمين أفراداً كانوا أم أمةً فهي واحدة لا تختلف ولا تتخلف، وقد تبدو واضحةً وجليةً في الحكامِ والمتسلطين، وهذا الطور يبدأ بمراحل عدة.
المرحلة الأولى: مرحلة التمكين والابتلاء، قال تبارك وتعالى {أَ لَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَ أَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَ جَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ} (الأنعام ـ 6).
المرحلة الثانية: الإملاء {وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ} (آل عمران ـ 187).
المرحلة الثالثة: الاستدراج {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} (الأعراف ـ 182)
المرحلة الرابعة: الإمهال {فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} (الطارق ـ 17)
المرحلة الأخيرة: نزول العذاب والعقاب {فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ}
إن هذه السنة الاجتماعية جاريةٌ في كل زمانٍ ومكان كما أسلفنا، إلا أن الأنسان ظلومٌ جهول، وكفورٌ عجول، يسقط في الاختبارات ـ إلا مَنْ عَصَمَ الله منهم ـ فتغري الآخرين السلطةُ والمكانةُ والوجاهةُ والمال، فيسقطون ضحايا الطمع والإغراء بعد أن تستوليَ عليهم الغفلة فَتُصِّمُ أسماعَهم وتُعْمي أبصارَهم، وتُنْكِسُ قلوبَهُم.
ويقابل هؤلاء أفراد وجماعات عَفَّتْ نفُسُهم عن الدنيا وملذاتها، فذابت قلوبُهم حباً بالله وخُلِطتْ عُقُلهم رغبةً في دين الله، وعلى عُجالةٍ يمكن أن نستقرئ رسائل وفق هذا المنظور الاجتماعي وتبدلاته نختصر على اثنين:
الأولى: إن الفساد إذا استشرى أهلك البلاد والعباد، فيغلب على البعض حب الدنيا فتغريهم بهرجةُ السلطة والمكانةُ التي هم فيها حتى يسعى إلى الاستئثار بالمقدرات ويستعبد الناس طمعاً لتحقيق مكاسبه ومطامعه وسعياً لزيادة نفوذه، أغراه الاستدراج والإمهال، فالله يمهل ولا يهمل، ويعطي فرصةً ليثوبَ إلى رشده، لكن الغفلةَ حين تستحكم على القلب تنسي الإنسانَ قدرةَ الله عليه، حتى تأتيَ مطرقةُ القضاء التي هي بيد الله وليست بيدي القاضي لينتبه الغافلُ بعد فواتِ الأوان {أَ وَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ آثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَ ما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ} (غافر ـ 21) فاعتبروا يا أولي الأبصار.
ولعل ما يعانيه العراق اليوم من سوء الحالة العامة إنما هي بسبب تسلط بعض الفاسدين واستشراء الفساد في اغلب مفاصل المرافق العامة، ولو اتسعت دائرةُ القضاء العادل النزيه ومن دون تدخلٍ أو تأثير، لتقوضت سطوة الفاسدين ولاستبدل الشر بالخير وَنَعِمَ الناسُ بمقدرات بلدهم.
إننا نعيش هذه الايام مناسبة يوم العفاف الذي دعا له سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) من يوم ولادتها الخامس من جمادى الأولى يوماً للعفاف، استنهاض سيرتها التي سطرت فيها زينب الكبرى الأسيرةُ المفجوعة ملحمةَ البطولة أمام طاغيةَ عصرها بعد أن تحلت بالإيمان والمبدأ فغلبت عفتُها سطوةَ المتجبرين ورغم أنها أسيرة لكنها أذلت الجبارين، فَمَنْ ينتحلها قدوةً يأخذَ من عفافها دروساً عظيمةً في بناء الأمة، فكانت وأخوها وأهلُ بيتِها وأصحابُهم (صلوات الله عليهم أجمعين) مثال العفاف في الثبات على المبدأ لا تغريهم السلطة ولا حطام الدنيا مهما بلغ إن هذه العفةَ كان ثمنُها استشهاد الإمام الحسين وأسرَ أخته، فهي المحافظة على عفةِ مبدئها وانتمائها وعفة حيائها، فلم تُسْتَمال ولم تُساوَم ولم تهادن ظالم.
إن العفاف يقتضي أداء الأمانة من قبل كل حاكمٍ مهما كانت سعةُ حكمه وأدائها بشكل أتم، فإتمامها دوام السلطة وبقاء النعم، ولعل خيرَ مثالٍ نذكره اليوم ما يعانيه طلبتنا الأعزاء من ضعفِ إدارةِ مرافق التربية، فمازالت الوزارة بطيئةً بتجهيز الطلبة بمستلزماتهم الدراسية، كما تعاني أغلب المدارس، وخصوصاً في المناطق الشعبية من قلة الكوادر التعليمية والتدريسية، رغم الأعداد الكبيرة التي حصلت على فرصةِ التعيين، إنما يؤشر هذا على ضعف أداء الأمانة بتوزيع الكوادر التعليمية من خلال تسوياتٍ تشوبها الرشا والمحسوبية والمنسوبية وإخضاع الآخرين للابتزاز السياسي، فتكدست اعدادٌ كبيرةً في مدارس ريفية لا تحتاج هذا العدد حتى يخضع المعلمون والمدرسون للابتزاز المالي والسياسي من أجل نقلهم.
لذا نهيب بوزارة التربية أن تضعَ تسويةً إلكترونية عبر برنامج معد من قبل متخصصين حتى تمنع تدخل الآخرين برسم جداولِ التوزيع. فمهما بلغ الإنتماء والارتماء بأحضان السياسيين سيأتي يومٌ ويدُ العدالة تطرق مطرقتها بالسجن أو الإبعاد.
كما ندعو طلبتنا الأعزاء الاهتمام بالسنة الدراسية من أجل تطوير قابلياتهم، فإن لأهليكم والعراق حاجةً كبرى، فلا تضيعوا الفرص واستثمروا ما متاح أمامكم لتجاوز العقبات.
الثانية : إن السنن المذكورة سابقاً تمر بها اليوم دولاً وأنظمةً كثيرةً، والكيان الصهيوني خير مثال للقوى المستكبرة التي أُحِيطَتْ بدعايةٍ إعلامية أنها صاحبةُ الجيش الذي لا يقهر، واليوم نجدها بكل سطوتها ودعمَ الكثير من دول الاستكبار العالمي لها، لم تستطع أن تدخل غزة المحاصرة منذ أربعين يوماً، ولم تدخل إلا جزءاً يسيراً بعد أن أمطرتهم وابلاً من الصواريخ والقنابل وقتلت الآلاف ودمرت الممتلكات، فلم يُعهدْ لها من مثيل حتى فاق هذا الكيان بمجازره كل الجبارين، فلم يترك لهتلر وأشباههِ مجالاً يضرب بهم بعد اليوم، فأبدت جبهة المقاومة الإسلامية مثالاً يحتذى بالصبر والجهاد حتى حطمت أسطورة الجيش الذي لا يقهر، دولةٌ بكل مقوماتها العسكرية والدعم الدولي تشلها جماعاتٌ لا تقارن بما تواجهه من عدةٍ وعَدَد. نسأل الله أن يدفع عن فلسطين وغزة البلاء ويمن على أهلها بالنصر والغَلَبَة.
اللهم حصن ثغور المسلمين، وأيد وسدد حماةَ الدين وأهلك من أراد السوءَ بشريعة سيد المرسلين، اللهم ومن على المسلمين بالنصر والغَلبة، وانصر جنودهم وسدد رميتهم ومنَّ على مقاتليهم بالنصر والغلبة، وعلى شهدائهم بالرحمة والجنة، وعلى جرحاهم بالشفاء والعافية، اللهم آمنا في أوطاننا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا ولا يخافك فينا، آمين رب العالمين، برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم … ألا فاستغفروه إنه كان تواباً رحيماً.
{ بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (١) أَ لَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢) وَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (٣) تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥) } الفيل [١-٥]”.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرام: النعيم نيوز
ولمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
ولا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرام: النعيم نيوز