مقالات

عباس الجبوري: سفير بريطانيا الجديد يبيع الأسئلة ولا يشتري الجواب

عباس الجبوري_عضو لجنة العلاقات الخارجية

١-(السفير فوق العادة )هي أعلى مرتبة دبلوماسية في مراتب السفراء تمنح عادة لشخص مكلف بمهام خاصة لبلده لدى بلد آخر أو منظمة دولية والفرق بين السفير الاعتيادي و سفير فوق العادة هو ان السفير يأتي لهدف محدد أما سفير فوق العادة فيكون دائمي ولأغراض متعددة وهذا نابع من المهمة والمواصفات التي يتمتع بها ومهاراته غير التقليدية

٢-ستيڤن هيتشن هو سفير فوق العادة أرسلته بريطانيا إلى بغداد ومن خط خدمته تبين انه

أ-شغل منصب مدير قسم مكافحة الارهاب في وزارة الخارجية البريطانية

ب-كان مدير الامن القومي للشرق الاوسط وشمال افريقيا بين عامي ٢٠١٦-٢٠١٩

ج-رئيس الفريق الخاص بإيران في الخارجية البريطانية من بين ٢٠٠٩-٢٠١٣

د-شغل مناصب عدة في مصر والكويت والاردن والعراق

هـ-عمل في وزارة الدفاع البريطانية لعدة سنوات

٣-ستيفن هيتشن درس اللغة العربية لمدة عامين حتى أتقنها ثم حاول اتقان عدة لهجات لها مثل اللهجة العراقية والأردنية وغيرها بدافع العمل الدبلوماسى وكذلك الرغبة الشخصية لرجل تعرّف على هذه البلاد من مكاتبها ومطاعمها ومثقفيها المنتشرين في شارع (ادجوير رود) فسار في طريق اكتشاف الشرق والعرب بشغف وجهد دؤوب وكلما تعب في سيره استراح في مقهى عربي في (شارع العرب) في لندن ليشرب الشاي ويقترب سمعه من حروف عربية بدت (صعبة)أول وهلة ولكنه أصرَّ ان يتعلمها ولو كلفته سنين

٤-ستيڤن هيتشن إلتقى معظم السياسيين العراقيين بعد عام ٢٠٠٣ عندما يزور العراق قادماً من الأردن وكان يقدم نفسه (مختصاً او مسؤولا او ممثلاً )لإحدى الأجهزة الامنية في بريطانيا ومعظم لقاءاته كان يحضر (لوحده) لأنه لايحتاج إلى مترجم وكذلك ليمنح اللقاء مزيداً من الحرية والحميمية وبلهجة محببة تساعد على انبساط الأحاديث وتُشعر المتحاورين بالقرب والصداقة والانفتاح

٥-أطلق عليه البعض لقب (ابو ناجي) في مكان والبعض الآخر لقب(البلبل الفتان) وهناك من لقّبه ب(الساحر) وهي بمجموعها تعطي كمية الاهتمام بهذا الضيف الدقيق في مواعيده والدقيق في عباراته وتمييزه للاعراف والقبائل والعشائر العراقية فهو يفرق بين (بيت فلان)وعشيرة فلان ويصل بها الى شيخ العموم وشيخ (الفخذ) والامير والسلطان مذكّراً الساسيين ب(لورنس العرب) الذي أوهم سكان الصحراء العربية بشغفه وحبه للصحارى وحضارتها فانفتحت علاقاته على قادة عسكريين وفنانين وزعماء قبائل ليصبح ضابط ارتباط بين بريطانيا وزعماء عرب في حربهم ضد الدولة العثمانية أنذاك

٦-كل ملامحه تقرأ(شخصاً انكليزياً) منحته نظاراته الطبية جدية تختفي خلف ابتساماته المتكررة بخفة دمٍ تقلص المسافات وطريقة كلام وأسئلة تقترب كثيراً من المتعلم المتواضع فيغري الاخر بالحديث ويمتّع المشاهد باللقاء لتخرج بنتيجة موجبة للطرفين وسعادة طافحة يخلّفها على وجوه مودعيه في نهارات الخظراء الساطعة الشمس التي يحبها بعد ان سأم من ضباب لندن الكثيف

٧-يستيقظ مبكراً ليتناول (الكاهي والقيمر) ويخلل المشهد (باستكان) شاي وكلمات صباحية يكاد يظن المتلقي بانه أمام (مرشد)سياحي او غذائي يقدم دعاية تسويقية لمطعمه فيتفاعل البعض معه بايجابية يغبط عليها وينتقده الاخر ب(احنه وين وهو وين) ويتوقف ثالث منتظراً الليلة الاخرى ليكتب تعليقه على حركات السفير ودلالاتها وشدة الترميز الذي تحمله والذي لايرى بالعين المجردة بعيدا عن عيون الرضا والسخط المتوفرة في كل المواسم

٨-(سفير فوق العادة)يرى البعض مهمته (نوعية)لتصحيح مسار عشرين عاماًمن الدبلوماسية التي لم تنتج اقتراباً او مصالحاً بين الدولتين واكتفت بريطانيا ان تجلس في المقعد الخلفي في سيارة GM المظللة تؤيد او تصدق او تحذر مايراه السائق الامريكي على شوارع بغداد والاقليم ويرى آخر ان السفير (النوعي)جاء بعد واقعة اوكرانيا المستمرة ليشغل الدور الذي (تقلص)والاهتمام الذي قلَّ لانشغال الغرب هناك ورصد الدب الروسي الذي اقترب كثيراً من مياه الخليج الدافئة والقريبة من النفط ومشتقاته

٩-ستيڤن هيتشن المتحدر من الطقس الامني والمخابراتي والذي لم ترى صورته الا بعد تعيينه سفيرا في بغداد بدأ مشواره في سوق السراي بتحية صباحية للمشاة على جانبي الطريق (وبغداد فيها للمشاة دروب) يتأمل منه ان يساهم في تعزيز العلاقة بين البلدين في المستوى الاقتصادي وحلحلة بعض المشاكل التي يعاني منها العراق عبر التأثير على جواره بخصوص (الماء) وتطوير الجهاز الاداري والصحي ببرامج ودورات واستشارات يحتاجها البلد بالاضافة الى خبرته في مجال الامن ومكافحة الارهاب برجاءٍ لايجعل(التمني رأس مال المفلسين) لعدم وجود صرّاف آلي أو يدوي يصرف صكوك الامنيات

١٠-يجلس طويلا هذه الايام في مكتبه داخل السفارة وهو يقلب مجموعة من الملفات المعقدة في السودان والنيجر واوكرانيا ولبنان و اليمن وسوريا وحدودها مع العراق وايران ومسيّراتها وقدر اليورانيوم الذي تحته شمعة (ساحرة )ذات لهب هادئ من مختبر (البهائي) قبل مئات السنين
فهل يخرج علينا بما نتمناه لدجلة والزراعة والصناعة ومخيم الهول
أم يكتفي بقراءة الموشحات الاندلسية قبل ان يتناول (الدولمة) وبعدها ينادي على من في المطبخ (خدري الجاي خدري) ليختم فترته الدبلوماسية كسابقيه بمجاملات وتشريفات راقية يسطرها في مذكراته القادمة في موسمه الخريفي الذي يمر سريعاً في العراق ليختصر طريق البرد للشتاء

١١- في هذا الفضاء المفتوح والعيون الساهرة والكاميرات الحرارية والتراكم المعرفي والخبرة التاريخية للناس والنخب سيكون كل شي تحت المشرح وخاضع للتحليل والتقطيع والتقاطع والفرز ومن الصعوبة ان تختلط بعد اليوم الخيوط
وتتداخل الاضواء وتتشابك الموجات أمام العيون والاسماع والعقول الحريصة والتي أنفقت العمر في حياكة الأمل وأشتهت النوم لتراه في أحلامها قادماً ولو محملاً ببعض الهموم
تلك هي المقدمة لحياة سفينة نوح بعد الطوفان والتي ختمها بقوله (وأستوت على الجودي وقيل بعداً للقوم الظالمين) ولم يلتفت الى الخلف الا مرة واحدة وتلك قصة ثانية جديرة بالحفر والنحت والرسم بالكلمات

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرامالنعيم نيوز

و لمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التاليالنعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا علىقناة النعيم الفضائية

و لا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرامالنعيم نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى