علم النفس الإعلامي.. ملاحظات في المنهج
كتب د. عقيل حبيب :علم النفس الإعلامي Informational Psychology من التخصصات الحديثة الناتجة عن اقتران العلوم السيكولوجية بعلوم الإعلام والاتصال.
ويعنى علم النفس الإعلامي بالذات بتطبيق المعرفة السيكولوجية (مختلف النتائج والنظريات والقوانين التي توصل اليها علماء النفس) في ميدان العمل الإعلامي، لهذا فهو معني بدراسة سلوك الأفراد وافكارهم ومعتقداتهم وانفعالاتهم في الموقف الإعلامي بالمجمل. لهذا يشمل صانع هذا الموقف أو الرسالة، والموقف الإعلامي نفسه، ومستقبل الرسالة الإعلامية.
وبلغة علم النفس يمكن وصف هذه المراحل الثلاث – من منطور السلوك- “السلوك الإعلامي”.
والسلوك الإعلامي هو كل ما يرتبط بالحدث الإعلامي من عمليات عقلية وسلوكية.
اما هدف هذا العلم فهو بشكل عام رفع الكفاءة الإعلامية من خلال متابعة الرسالة الإعلامية بكليتها، أي كوحدة تشمل السلوك الانساني فكرا وانفعالا وسلوكا.
لهذا، فان المتخصص في علم النفس الإعلامي يكون تعليمه الأساسي هو علم الإعلام واهتمامه الامبريقي وتطبيقاته العملية، حتى وإن كان هذا العلم قد تشكل تشكلا سيكولوجيا.
إن فكرة “التشكل” السيكولوجي لعلم نفس الإعلام – أي سيكولوجية وسائل الإعلام وليس سيكولوجية العاملين في الإعلام وحل مشكلاتهم و…الخ – ليس أمرا هينا بما يسمح لبعض المتخصصين العبور لعلم النفس الإعلامي دون التوقف طويلا عند علم النفس بنظرياته الكبرى ومفاهيمه وتطبيقاته، والنتائج التي توصلت اليها التجارب العلمية، كذلك لا يعني التوقف في تعريف علم النفس الإعلام على “حل مشكلات العاملين النفسية التي تظهر في الميدان الإعلامي لرفع الكفاءة العملية لدى العاملين” كما يذهب بعض الباحثين في تعريف علم النفس الإعلامي (على سبيل المثال كتاب علم النفس الإعلامي، تأليف نبيه صالح السامرائي، ص16).
لقد أولى عدد من هؤلاء الباحثين اهتماما لجانب واحد من جوانب علم النفس الإعلامي، هاملين بقية الجوانب المهمة الاخرى، ربما لأسباب تتعلق بجهل هؤلاء (الباحثين) بالتاريخ النظري لهذا العلم والمسافة التي قطعها، سائرا بين العلوم
الاجتماعية.
أو ربما لأسباب تتعلق بالفوائد التي يريد تحقيقها هذا الباحث أو ذاك، فيركز – على سبيل المثال- على احد العلوم النفسية ذات الصلة بعلم النفس الإعلامي كعلم نفس المستهلك (والذي يركز على المستهلك، حيث ينظر إلى الإعلام كصناعة أو بضعة، فيكون هدفه الوحيد هو التسويق، والتسويق كما هو معروف هو عملية اشباع رغبة المستهلك قراءة أو استماعا أو مشاهدة)، أو علم النفس الإداري (يركز على الإعلامي ويتعامل معه كمجرد موظف).
وهكذا مع علم النفس الصناعي، وعلم النفس التجاري الاعلان بالعودة إلى أهمية فكرة “التشكل” السيكولوجي للعملية الإعلامية سنأخذ (الاعلان) كالمثال على ذلك.
يتفق الجميع ان الاعلان هو نشاط تجاري ورسالة تواصلية هدفها التأثير المقصود بالمتلقي بواسطة أحد الآليتين: الايحاء والتكرار.
ان مصمم الاعلان وهو ينفذ الاعلان من خلال هاتين الآليتين أو إحداهما سوف يتبنى – احيانا دون وعي منه- احدى نظريات علم النفس، فعمل هاتين الآليتين يعتمد بالضرورة على نظرية سيكولوجية ما، فاذا ما كان هدف الاعلان تشكيل انطباع المتلقي عن البضاعة فعليه التركيز على اهمية المعزز من خلال الجدة، وهذا يحيل إلى النظرية السلوكية Behaviorism في علم النفس.
اما اذا اعتمد الاعلان عن تلك البضاعة على ممثل معروف حيث يحاول المتلقي (تقليده) و(ملاحظته) و(محاكاته)، فإننا نعرف ان النظرية المعتمدة هنا هي نظرية التعلم الاجتماعي Social Learning Theory.
عادة ما تبرز في تلك العلوم الحديثة الناتجة من مزاوجة تخصصين (أو اكثر احيانا، كما في الدراسات المفتوحة كالدراسات الثقافية ودراسات الخطاب…الخ).
مشكلة التداخل بين حدود هذين التخصصين، وما يفاقم من أثر هذه المشكلة (المعرفية) هو حداثة تلك العلوم، فاذا كان فعلم عرف بحداثة عمره العلمي كعلم نفس الإعلامي سيظل يعاني من مشكلة ضعف الأسس المعرفية لنظرياته العلمية.
ان مثل هذه المشكلات تنتمي إلى التراث النظري لتلك العلوم اكثر من كونها مشكلة تنتمي إلى حاضرها، ولكن تم ترحيلها لتشغل الحاضر.
من وجهة نظر فلسفة العلوم فان هكذا مشكلة سببها ان تلك العلوم (الجديد) لم يستطع بناء نموذجه المعرفي الخاص به، أي البردايم Paradigm (وهو النظام الارشادي للتفكير أو الإطار الفكري الذي يضم مجموع الخبرات والمعتقدات، التي تحدد تفكير الانسان وتصوراته وهو المعنى الذي يقربه من مفهوم العقلية Mindset.
اما في العلوم فيشير إلى نمط تفكير ضمن التخصص علمي في فترة تاريخية محددة.
ويعود المفهوم إلى توماس كون 1922 – 1996).
ومن هذا المنظور فان هدف هذه الدراسة هو توسيع الأرضية المعرفية الأبستمولوجية لعلم نفس الإعلام، على أمل ان يفتح الباب امام الباحثين لصياغة نموذج معرفي خاص بهذا العلم.
وكلنا يعرف اهمية وجود مثل هذا النموذج في ترصين علمية أي علم من العلوم والمساهمة في بناء قوامه النظري، كذلك تأتي اهمية مثل هذا البردايم في تنظيم العلاقة فلسفيا (فلسفة العلوم) بين هذا العلم والعلوم الاخرى، سواء ما كان قريبا منها، أو بعيدا إلى حد ما، فالعلوم في النهاية غير معزولة عن بعضها البعض، ومن الممكن أن تتبادل المنفعة.
كذلك تنبه هذه الدراسة – من خلال الاطلاع على التاريخ النظري لعلم النفس الإعلامي- على وجود واهمية التراكم المعرفي، فقد قطع هذا العلم شوطا لا بأس به وامتلك من الأدبيات، خاصة على المستوى العالمي، ما يؤهله – لو توفرت الفرصة لمجموعة من الباحثين المقتدرين- لصياغة نموذجه المعرفي الخاص به، ويعلن استقلاله (الحقيقي) عن العلوم الاجتماعية التي مثلت لعقود حاضنته العلمية.
علم النفس الإعلامي: محاولة في بناء النموذج المعرفي (البردايم Paradigm)
فاذا نظرنا إلى علم نفس الإعلام من منظور البردايم، أي كنوع من المراجعة لتراثه النظري، سنكتشف ان هذا العلم لا يزال بحاجة إلى بناء “نظرته الكلية”، التي هي نوع من رؤية تستوعب العالم بكليته.
فهو علم لا يزال في طور النمو، أي لا يزال بحاجة إلى العلوم التي انجبته، وخاصة علم النفس وعلم النفس الاجتماعي، وعلوم اخرى كعلم الاجتماع، وعلم السياسة، وعلم الأنثروبولوجيا.
كذلك سنكتشف ان هذا التردد بين جملة تلك العلوم انعكس على النقطة الأهم التي يحاول علم نفس الإعلام الاجابة عنها، وهي علاقة وسائل الإعلام بالسلوك – سلوك الفرد والجماعات والمجتمع- بوجهيها، تأثيرا وتأثرا.
وعن تلك الحاضنة العلمية التي ولد فيها علم الإعلام فقد ذهبت دراسة هولت وبرن Holt and Perren إلى تأثير علاقة علم النفس والانثروبولوجيا على بناء وتطور النظرية الإعلامية على يد باحثين من امثال: جاي تاكمان، وهربرت جانز.
اما دراسة عيساني (2012) فقد اكدت علاقة علم الإعلام بالفلسفة والتاريخ وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم السياسة، وذهبت الدراسة إلى ان تداخل هذه العلوم وقوة تأثيرها على علم الإعلام يفتح باب التشكيك بالاستقلالية المعرفية لهذا العلم (أي الابستيمولوجيا Epistemology، التي تعنى بدراسة طبيعة المعرفة وبحث عقلانية الاعتقاد في علم من العلوم)، وهو تشكيك اكده العديد منالباحثين.
يعتمد علم نفس الإعلام على مفهوم (الاتصال) – أو العملية الاتصالية بعناصرها المكونة- والذي يحيل إلى عدد من العلوم، من اهمها علم النفس وعلم الاجتماع، لهذا من الصعوبة الاحاطة بالاتصال في المجال الإعلامي، لهذا يقول ولبرشرام “إننا حينما ندرس عملية الاتصال وتأثيراتها لا نستطيع أن نتجاهل ما يحدث داخل الفرد ولا نستطيع أن نتجاهل التفاعل بين الأفراد والجماعات، وكذلك اللغة والرموز والمعلومات وغير ذلك من الاعتبارات، فالاتصال هو اساس العملية الاجتماعية وهو يدخل في اهتمامات جميع انوا العلوم السلوكية والاجتماعية” (جيهان رشتي، 1978: 11).
البدايات التكوينية
بعض العلوم الجديدة لحداثة سنها تبقى تعاني من تداخل الصلاحيات العلمية لهذا السبب بالذات وهو عدم صياغة حدود هذا العلم صياغة من زاوية فلسفة العلوم.
وهو ما ينطبق برأيي على علم نفس الإعلام، وكما سأوضح ذلك، وهو نفسه سبب وقوع العديد من المتخصصين في علم نفس الإعلام بأخطاء تعريف هوية هذا العلم، وهي مرحلة من المفترض ان تنتمي إلى البدايات التكوينية لقيامه، وقت ما كان لايزال داخل حاضنته النفسية، ويمكن تسليط الضوء على ابرز مراحلها:
الفترة المحصورة ما بين 1930 – 1950 وهي المرحلة الأولى لولادة علم النفس الإعلامي، حيث اصدر ولتر ليبمان كتابه “الرأي العام” متناولا فيه مفهوم (القوالب النمطية) كمدخل لدراسة هذا النمط الجديد من انماط السلوك البشري، الرأي العام.
درس ليبمان تأثير وسائل الإعلام في تكوين الصور النمطية، والتي تؤثر بدورها في السلوك.
بعدها اصدر عالم النفس المعروف البورت بالاشتراك مع كانتريل كتابهما “سيكولوجية الراديو” للتعرف على تأثير الراديو على في فكر الأفراد وسلوكهم من خلال مفهوم “غسل الدماغ”، الذي تقوم به الدعاية السياسية.
بعدها صدر الكتاب الثالث خلال هذه الفترة من قبل كانتريل وجماعته “غزو المريخ: دراسة لسيكولوجية الأمم”، حيث تناولوا هذه الظاهرة العامة التي سيطرت على المجتمع الامريكي في وقتها والتي بلغت ذروتها حين اعلن برنامج اذاعي مشهور عن “غزو من المريخ”.
وظل الاهتمام بالوسيلة الإعلامية الوحيدة التي كانت متاحة وهي الراديو، لتصدر هير تزوج وزملاؤها كتابهم “استماع المرأة إلى الراديو”.
الفترة ما بين 1950 – 1970 وتوصف هذه المرحلة بانها المرحلة التي شهدت تكوين علم نفس الإعلام بشكله الحالي، فقد انتقل الاهتمام البحثي إلى دراسة التأثيرات قصيرة المدى، خلافا للمرحلة السابقة التي ركزت على التأثير الطويل لوسائل الإعلام، وهو تأثير اثبتت التجارب أن لا الضرورة واقعية له، فقد يتميز تأثير إحدى وسائل الإعلام بالقصر والمحدودية واحيانا بالطول أو البقاء، وذلك بحسب عدد من الظروف، من اهمها الفروق الفردية بين الأفراد.
وخلال هذه الفترة ظهرت دراسات عالم النفس المعروف باندورا ليطبق نظريته في (التعلم الاجتماعي) و(نظرية النمذجة) و(نظرية التوحد) على التأثير السلبي لوسائل الإعلام وخاصة التلفزيون على زيادة الميول العدوانية لدى الاطفال والشباب.
كذلك شهدت هذه الفترة نقلة ابستيمولوجية مهمة، وهي دخول علم النفس المعرفي على دراسات وسائل الإعلام.
الفترة ما بين 1970 – 1990 شهدت هذه المرحلة اهتمام المزيد من النظريات النفسية بدراسة المواقف الإعلامية ومحاولة استيعاب العملية الإعلامية بكل اتساعها.
محاولة (الاستيعاب) هذه هي التي أفرزت معايير المنهجية العلمية لعلم النفس الإعلامي، اكتساب هذا التراكم المعرفي بشكل ثابت هو ما سينتج النموذج المعرفي لعلم النفس الإعلامي، البرادايم النفس- اعلامي الذي يعد اطارا معرفيا يبرر لهذا العلم تفكيره العلمي ويمنح نظرياته موثوقيتها، باختصار هو المنهج الذي يؤسس لعلمية علم ما.
وعلم المنهج كما هو معروف ينتمي إلى ما يسمى (فلسفة العلوم).
وهنا يمكن الاشارة إلى عمل توماس بيكون المهم (بنية الثورات العلمية) 1960 والذي قال فيه ان عمليتي المراقبة والتقييم التي تجريها العلوم لا بد أن تتضمن نموذجا ما، أي وصف متسق منطقيا للعالم، كذلك يتضمن النموذج مجموعة الأسئلة والممارسات التي تحدد تخصصا علميا مستقلا عن غيره من العلوم.
في عام 1986 اقامت (جمعية علم النفس الامريكية APA) قسم علم النفس الإعلامي، وسينتظر حتى عام 2003 ليطلق أول برنامج دكتوراه في علم النفس الإعلامي باعتماد من قبل APA في الولايات المتحدة في جامعة Fielding Graduate
لقد طبقت في هذه المرحلة نظريات عدة منها نظرية الغرس الثقافي لجورج جوبنر وزملاؤه التي توصلت إلى وجود علاقة ارتباطية دالة بين التعرض للتلفزيون وتأثيرات الغرس المتمثلة بالاغتراب النفسي.
ونظرية الاستخدامات والاشباعات لكاتز وزملاؤه والتي اثبتت ان الأفراد يختارون بوعي وسيلة أو وسائل الإعلام التي يرغبون، فالجماهير لا تنقاد بشكل أعمى نحو وسائل الإعلام.
كذلك ظهرت نظرية الاعتماد لميلفين ديلفر والتي نصت على أن الأفراد يرتبطون بعلاقة اعتماد مع وسائل الإعلام التي تحقق لهم أهدافهم كمعرفة الذات أو الاستثارة أو المتعة وغيرها.
الفترة ما بعد عام 1990 وأهم ما ميزها هو أن النموذج المعرفي لعلم النفس الإعلامي بلغ اعلى مراحل نضجه، حيث تخلصت الدراسات من التركيز على بحث تأثير وسائل الإعلام على السلوك وبالأخص التأثير السلبي إلى الاهتمام بالعملية الإعلامية ككل وتدخل علم النفس في بنية الخطاب الإعلامي، ومن نظريات هذه المرحلة نظرية تأثير الشخص الثالث، ونظرية الجهل الجمعي، وغيرها.
لقد شمل التوسع ظهور ما يسمى (علم نفس الوسائط)، والذي يهدف إلى دراسة تأثير وسائل الإعلام التي تعتمد التكنولوجيا على السلوك.
فقد اثبتت الابحاث والدراسات اختلاف استجابة الأفراد مع هذه الوسائط المتطورة كالتعليم عبر الانترنيت، والدروس الافتراضية، والتسويق الالكتروني.
لتظهر بعدها انواع كثيرة من الدراسات كالدراسات التي تعنى بعلاقة اللغة بالإعلام من منظور نفسي.
من خلال مراجعة هذه الجردة التاريخية المختصرة نلاحظ أن الابحاث التي قام بها علماء النفس كانت تركز على الكيفية التي تؤثر بها وسائل الإعلام بالفرد والمجتمع، وأهم مجالات أو موضوعات ذلك التأثير كالتنشئة الاجتماعية، والعنف.
لقد فسر هذا التأثير بواسطة عدد من النظريات، بحسب هذه المجالات: التنشئة الاجتماعية- الضبط الاجتماعي- التغيير المعرفي- تغيير المواقف- الإثارة الاجتماعية.
وذهبت تلك الدراسات إلى ان هذا التأثير المقصود من قبل وسائل الإعلام على الجمهور يجري بحسب جملة من الشروط والقواعد، من أهمها:
– مصدر الرسالة الإعلامية.
– نوع الوسيلة المستخدمة لإيصال الرسالة.
– طريقة عرض الرسالة الإعلامية.
– الجمهور الذي يتلقى الرسالة الإعلامية.
-احتكار وسائل الإعلام.
اما العوامل التي تتحكم بتأثير وسيلة الإعلام، فقد حددتها تلك الدراسات، ومن أهمها:
– الصور الذهنية.
– مضمون الرسالة الإعلامية.
-الأثر والنتائج التي تحققها الرسالة الإعلامية.
– خبرات ومهارات التعامل مع وسيلة الإعلامية.
اذا ما اردنا لعلم النفس ان يكون فاعلا في (العملية) الإعلامية وتطوير المؤسسات الإعلامية يجب عليه أن يحضر حضورا مباشرا، وليس خارجيا كمساندة العاملين في القطاع الإعلامي على حل مشكلاتهم أو زيادة توافق العاملين مع عملهم أو العمل على بناء استقرار اعلامي لدى العاملين… وغيرها من الأهداف التي تلوكها أغلب ابحاث وكتب علم النفس الإعلامي.
إن عمل المتخصص النفس- اعلامي في هذا المجال وممارسة دوره السايكتري أو الاكلينيكي أو الارشادي سواء عن طريق تقديم المشورة أو تطبيق بعض الاختبارات السيكولوجية كلها يجب ألا يتم الاكتفاء بها، وان تكون ضمن عملية اكبر هي دراسة العملية الإعلامية برمتها من ملاحظة الظاهرة وتفسيرها والتنبؤ بها، ووضع حل للمشكلات اذا ما وجدت.
ان مثل هذا الدور المحدود للمتخصص في علم نفس الإعلام كما حددته عدد من الكتب والابحاث، يستبعد علم النفس من الشراكة المعرفية والادارية مع علم الإعلام، ويقصيه إلى شراكة الاشخاص، وبالأخص منتجي الخطاب الإعلامي وليس مستقبليه، فيتحول دور المتخصص النفسي إلى مجرد موظف بسيط داخل المؤسسة الإعلامية يخضع لمسئولي هذه المؤسسة، لا لقانونها، ويتم التخلي عن تراث علمي تجريبي طويل حفل به علم النفس بأنواعه المتعددة عبر تاريخه، خاصة علم النفس الاجتماعي الذي لولاه لما وجد علم النفس الإعلامي.
الفرصة لا تزال متاحة وباب الاستفادة لا يزال مفتوحا على مصراعيه، سواء من تطبيقاته الحديثة أو من تجاربه السابقة الخاصة بالعمليات العقلية والسلوكية في الاتصال والتأثير والتعلم والرأي العام والعمليات النفسية والصور النمطية والانفعالات والافكار و…الخ.
وهنا تنتفي واحدة من اهم واجبات علم النفس الإعلامي، وهي دراسة تأثير وسائل الإعلام على تفكير وانفعالات وسلوك الأفراد عامة من مستقبلي الرسالة الإعلامية.
وهذه بالذات هي رسالة الإعلام بشكل عام، فالإعلام هو نشر الافكار والآراء بين الناس بقصد التأثير.
واذا ما اراد الفاعل للمتخصص النفسي الإعلامي تحقيق هذا الحضور عليه ان يختار بين أمرين: اما أن يصوغ مفاهيمه لعلم نفس الإعلام صياغة معرفية شاملة تاريخ هذا العلم واصوله النظرية السيكولوجية، أو الاكتفاء ببعض التعليمات (المهنية) الجزئية التي تحد من دوره.
ان عدم اقصاء الاصول النظرية لعلم النفس، فهي التي تضمن للمتخصص (النفس اعلامي) أن يكون بمثابة جسر لعبور النظريات والمفاهيم والمصطلحات والمناهج والادوات والتجارب من علم النفس إلى علم الإعلام والعملية الإعلامية.
لهذا يوصف علم النفس الإعلامي بأنه التطبيق العلمي لعلم النفس في مجال الإعلام، وقد كتب لهذا العلم الولادة التاريخية في عام 1950 بعد أن عاشت تلك النظريات والمفاهيم النفسية مدة كافية وتفاعلت داخل الحقل الإعلامي، وبدأت تثمر فيه وتنتج نموذجها النظري (البردايم) الخاص بها، ورؤيتها الخاصة أو الكلية للعالم، أي كفلسفة نسقية وخطاب حاضر في جميع مراحل وموضوعات العملية الإعلامية.
تاريخ علم نفس الإعلام هو تاريخ ولادة هذا البردايم، المكون من مجموع المفاهيم والنظريات النفسية، أي هو تاريخ محاولة بعض علماء النفس – محاولة وصفية تجريبية- تكريس واقع العملية الإعلامية بعد تحليل مكوناتها، من أل اعادة صياغتها من جديد في صورة تخدم واقع هذه العملية.
بهذا وحده سيكون لعلم نفس الإعلام مهمته الخاصة واسلوبه المتميز في تناوله للمواضيع، التي تخص الإعلام والتي هي اساسا قد بلغت أبعد من “صناعة” الحدث الإعلامي وتلك الحدود التي يلتزم بها المتخصص الإعلامي، فهي تتابع تأثير هذا الحدث وتداعياته سيكولوجيا، وما سيخلفه من تداعيات وآثار طويلة الأمد.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرام: النعيم نيوز
ولمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
ولا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرام: النعيم نيوز