خاص-النعيم نيوز
لا شك في أنه كلّما عاد الحديث عن التعداد السكّاني في العراق، تبدأ موجة من الأسئلة تنطرح في الملء عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء تأجيله لسنوات طوال الماضية، وسط ترقب لحكومة السوداني التي تتحدّث عن إمكانية إجرائه هذا العام.
فتبدو خطوات الحكومة العراقية الحالية أكثر جدية لإجراء التعداد السكاني بعد فشل جميع المحاولات السابقة، ومع إقرار رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني الوثيقة الوطنية للسياسات السكانية التي تهدف للتنمية وذلك خلال ترؤسه اجتماعاً للمجلس الأعلى للسكان، حيث شدّد السوداني على ضرورة بذل أقصى الجهود من أجل إجراء التعداد السكاني التنموي خلال هذا العام، موجهاً بتهيئة كل الإمكانات والمتطلبات البشرية والفنية والمالية واللوجيستية المطلوبة لإنجاز هذا التعداد.
وأكد المُتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط العراقية عبد الزهرة الهنداوي أن “الوثيقة تتضمن سياسات بعيدة المدى لتحقيق العيش الكريم والرفاهية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية.
وبين الهنداوي “للجزيرة نت” “بالإضافة إلى ذلك، تعمل الوثيقة على استيعاب الزيادة السكانية وتحويلها من أعباءٍ تنموية إلى محرّكات تنموية فاعلة مع توفير مُتطلبات الحياة الأساسية، “وتم تحديث الوثيقة من قبل فريق مختصّ من وزارة التخطيط بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، وجاء بناءً على المتغيرات التي شهدتها البلاد خلال العامين الماضيين”.
تحرك حكومي
فقد حددت وزارة التخطيط العراقية الربع الأخير من العام المقبل، موعداً لإجراء التعداد السكاني العام في البلاد، وهو الأول الذي سيجري بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، مؤكدة أن المشروع لن يتأثر بتأخر الموازنة المالية وغيابها.
وتجري وزارة التخطيط منذ فترة استعدادات لإجراء التعداد، في ظل تحديات مالية وسياسية كانت قد عطلت المشروع لسنوات طويلة.
ووفقاً للمتحدث باسم الوزارة، عبد الزهرة الهنداوي في تصريح للوكالة الرسمية ، فإن “مشروع التعداد السكاني قائم بموعده المحدد في الربع الأخير من عام 2023، وخصص له مبلغ 120 مليار دينار ضمن البرنامج الاستثماري بحسب موازنة العام الماضي”، مؤكداً أن “قانون الإدارة المالية لعام 2019 أقرّ على أن المشاريع الاستثمارية تستمر حسب نسب الإنجاز وبالتالي فإن مشروع التعداد العام للسكان مستمر وقائم ولن يتأثر بتأخير أو غياب إقرار موازنة عام 2022”.
وأوضح أن “الهيئة العليا للتعداد حددت موعد تنفيذ التعداد السكاني في الربع الأخير من العام المقبل وفق ما هو مخطط له”، وبشأن قياس معدل الفقر في البلاد، أكد الهنداوي أن “معايير دولية تعتمد في احتساب نسبة الفقر، منها معدل الدخل ومستوى الخدمات التي تحصل عليها هذه الفئة، فضلاً عن إجراء المسوح الميدانية لتحديد أماكن تركز الفقر، وبالتالي يكون تحديد خط الفقر وفق هذه المعايير”.
وأكد الهنداوي أن “الوزارة ما زالت تعمل على استراتيجية خط الفقر الثانية للسنوات 2018ـ2023، وهنالك عمل مستمر لإعداد الاستراتيجية الثالثة للسنوات الخمسة المقبلة من خلال ورش عمل ونقاشات واجتماعات ومباحثات مع عدد من الجهات ذات العلاقة والمنظمات الدولية”.
أسباب التأجيل
كما هو المعرف مثل أغلب دول العالم، يجري التعداد السكاني في العراق مرة واحدة كل عشر سنوات، لذا كان مفترضاً أن يتمَّ في عام 2007، ليتم إرجاؤه إلى 2009 بسبب الظروف الأمنية، ثم تأجل عشر سنوات دفعة واحدة، وفي 2019 تم إرجاؤه مُجدداً.
وبحسب بيان صندوق الأمم المتحدة للسكان في العراق، فإن استعدادات تنفيذ التعداد بدأت منذ عام 2019، وكان مأمولاً أن يُنفذ عام 2020، لكن جرى تأجيله بسبب جائحة كورونا، بعدما كان مستحيلاً على المُنظمين تكليف 150 ألف باحث ميداني بالتجوّل على المنازل في هذه الظروف، لذا أُرغمت وزارة التخطيط على تأجيل المشروع.
في عام 2022، أُعلنت بغداد نيتها تنفيذ التعداد مجددا، وهو ما لم يحدث أيضاً بسبب الميزانية الكبيرة التي احتاجها الجهاز المركزي للإحصاء وتبلغ 120 مليون دولار، لم تتمكن الحكومة من توفيرها حينها.
وقال مهدي العلاق، كبير مستشاري صندوق الأمم المتحدة في تصريحات لوكالات محلية، إنه مع قدوم الحكومة الجديدة وإقرار الموازنة الجديدة تم توفير المخصصات اللازمة لتنفيذ التعداد.
وتابع إن “إجراء التعداد السكاني يرتبط بتحديد طبيعة المسار الانتخابي في العراق، ولاسيما ما يخص إسناد المقاعد البرلمانية وتحديد نصيب كل محافظة من هذه المقاعد على الدستور، الأمر الذي يؤدي في الغالب إلى عرقلة التعداد من قبل بعض الأقليات المتنفذة والمحافظات الأقل تعداداً؛ حفاظاً على تمثيلها البرلماني القائم على المؤشرات التقديرية.”
كما أكد العلاق أن “إجراء التعداد سيحسم الخلاف التاريخي حول أحقية حُكم المناطق المتنازع عليها، وهو ما يجعل العديد من الجهات السياسية متخوفة من إجرائه. فالمادة 140 من الدستور العراقي، نصّت على أن يُجرى إحصاء دقيق لعدد سكان تلك المناطق ثم يُجرى فيها استفتاء حول رغبة سكانها في الانضمام لإقليم كردستان أو البقاء مع بغداد.”
ووفقاً لرئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري يدور حديث مستمر عن وجود إرادة سياسية تمنع إجراء التعداد السكّاني في البلاد، حيث أنّ “جميع الحكومات بعد العام 2003 تحدثت عن إجرائه لكن دون أي تنفيذ”
ويرى الشمري خلال حديث لـ”ألترا عراق”، أنّ “إجراء التعداد السكاني في العراق سيكشف عن حجم المكونات، الأمر الذي تسبب بقلق كبير لدى الطبقة السياسية”.
وبين الشمري أن “التعداد السكاني ـ يرتبط بأعداد العراقيين ونسبة كل محافظة من الموازنة المالية للبلاد، مضيفًا أنّ “التعداد له صلة بأعداد الناخبين بخصوص توزيع المقاعد في الانتخابات”.
تاريخ التعداد في العراق
وأورد سعد محسن، في بحثه العلمي تحت عنوان “التعدادات السكانية التي جرت في العراق”، فإن بلاد الرافدين عرفت “تعدادات سكانية” منذ عهد السومريين. حينها كانت تجرى هذه “التعدادات” لأغراض اقتصادية وعسكرية من أجل تحديد الذكور الشباب القادرين على حمل السلاح أو عدد التجار والأسر الغنية التي ستدفع الضرائب.
وخلال عهد الأمير كوديا، الذي حكم إمارة “لكش” السومرية من 2144 قبل الميلاد إلى 2124 قبل الميلاد، أجرى الحاكم العراقي تعدادا لسكان إمارته انتهى بتقدير عددهم بنحو 450 ألف نسمة.
في العراق الحديث، حاولت الحكومة عام ١٩٢٧ إقامة أول إحصاء سكاني عقب تأسيس الملكية العراقية، لكن أخطاءً كثيرة رافقت تنفيذ العملية دفعت بغداد إلى إلغاء نتائجه.
وفي عام 1934، أجري تعداد آخر اقتصر على تحديد عدد السكان القادرين على المشاركة في الانتخابات، وفي المجهود الحربي. حدّد هذا التعداد سكان العراق بأكثر من ثلاثة ملايين و200 ألف نسمة.
وبرغم بساطة بياناته إلا أنها ظلت مرجعية للدولة في خططها وبرامجها الحكومية حتى أجري تعداد آخر في 1947 بلغ فيه عدد العراقيين 4 ملايين و826 ألف نسمة.
تعدُّ هذه المرة أول محاولة عراقية لإحصاء السكان بوسائل فنية حديثة، مقارنةً بالمتوفر وقتها، وهو ما شجّع بغداد على إقرار سياسة تقتضي تنظيم تعدادٍ سكاني كل عشر سنوات.
جرى تنظيم هذا التعداد في 1957 (6 ملايين و300 ألف نسمة) و1965 (بدلاً من 1967) و1977 (12 مليون نسمة) و1987 و1997 التي شهدت تنظيم التعداد لآخر مرة.
واذا جرى الإحصاء السكاني الجديد هذه العام فأنه سيكون الأول منذ 25 عاماً حيث كان آخر تعداد قد اجري عام 1997 في 15 محافظة فقط حيث كانت محافظات اقليم كردستان الثلاث خارج سيطرة الحكومة ولذلك فأنه ييجري وسط ظروف ومتغيرات سكانية وأمنية مختلفة يشهدها العراق بعد سقوط نظامه السابق عام 2003.
وفي سبتمبر/أيلول من العام الماضي، أعلنت وزارة التخطيط العراقية أنّه يتوقع أن يبلغ عدد السكان الإجمالي في البلاد 50 مليون نسمة بحلول عام 2030، وسط تحذيرات من تأخّر الحكومة بإعداد خطة شاملة لمعالجة أزمات السكن والتعليم، والصحة، والبطالة، والفقر.
لك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرام: النعيم نيوز
ولمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
ولا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرام: النعيم نيوز