بإمامة حسين المندلاوي.. أقيمت صلاة الجمعة في خانقين
أقيمت صلاة الجمعة المباركة في مسجد وحسينية الإمام الحسن المجتبى ( ع ) في خانقين منطقة علي مراد بإمامة سماحة الشيخ ( حسين المندلاوي ) وحضور جمع مبارك من المؤمنين .
الخطبة الأولى / السيدة زينب (ع ) نبراسُ الصبرِ والشجاعة
كانت السيدة زينب (ع ) تمثل الإنسانة التي يذكر كتّاب سيرتها أنّها من أفاضل النساء، كانت قويّةً في حجتها، صلبةً في مواقفها، شجاعةً في مواجهة التحدي. السيدة زينب (ع ) هي من النماذج النسوية التي تمثّل القيمة الإسلامية الرسالية الرائدة في عالم النساء، ونحن نعرف من خلال القرآن، أنّ الله يضرب المثل بالمرأة الصالحة للرجال وللنساء معاً، لأنّ القيمة الروحية أو الأخلاقية عندما تتمثّل في المرأة ـ كما تتمثَّل في الرجل ـ فهي القيمة الإنسانية الم )، نستطيع أن نعرف دور المرأة المسلمة في ساحة الصراع التي امتزج فيها جانب المأساة إلى جانب الجهاد، وامتدّ الجهاد بعد كربلاء من خلالها. كانت السيدة زينب (ع ) ثانية أُمّها الصديقة الزهراء (عليها السلام) في العبادة والتهجد والذكر، فكانت صوّامة قوّامة، قانتة لله تعالى تائبة إليه، تقضي أكثر لياليها متهجدة تالية للقرآن الكريم، ولم تترك كلّ ذلك حتى في أشد الليالي ليلة الحادي عشر من محرم.
معروف أنّ المرأة تمتاز برقّة المشاعر ، وشفافيّة العواطف ، ممّا يساعدها على القيام بدور الأمومة الحانية ؛ لذلك يكون تأثيرها العاطفي أسرع وأعمق من الرجل غالباً.
وإذا كانت تلك الحالة تمثّل الاستعداد الأَوّلي في نفس المرأة ، فلا يعني ذلك أنّها تأسُر المرأة وتَقعد بها عن درجات الصمود والصبر العالية ، فبإمكان المرأة حينما تمتلك قوّة الإرادة ونفاذ الوعي وسموّ الهدف ، أنْ تضرب أروع الأمثلة في الصبر والشجاعة أمام المواقف الصعبة القاسية.
إنّ حياة السيدة زينب (عليها السلام) كانت بمثابة إعداد وتهيئة للدور الأكبر والأصعب الذي ينتظرها في هذه الحياة، دورها في نهضة أخيها الإمام الحسين (عليه السلام) بكربلاء. وما كان للسيدة زينب (عليها السلام) أن تنجح في أداء ذلك الامتحان، وممارسة ذلك الدور، لو لم تمتلك ذلك الرصيد الضخم من تجارب المقاومة والمعاناة، ولو لم يتوفر لها ذلك الرصيد الكبير من البصيرة والوعي. فواقعة كربلاء تعتبر من أهم الأحداث التي عصفت بالأُمة الإسلامية بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وكان للسيدة زينب (عليها السلام) دور أساسي ورئيسي في هذه الثورة العظيمة، فهي الشخصية الثانية على مسرح الثورة بعد شخصية أخيها الحسين (عليه السلام). كما أنّها قادت مسيرة الثورة بعد استشهاد أخيها الحسين (عليه السلام) وأكملت ذلك الدور العظيم بكلّ جدارة. لقد أظهرت كربلاء جوهر شخصية السيدة زينب (عليها السلام)، وكشفت عن عظيم كفاءاتها وملكاتها القيادية، كما أوضحت السيدة زينب (عليها السلام) للعالم حقيقة ثورة كربلاء، وأبعاد حوادثها.
وهذا ما أثبتته السيّدة زينب في مواجهتها للآلام والأحداث العنيفة التي صدمتها في باكر حياتها وكانت هي الختم لسنوات عمرها ، لقد أبدت السيّدة زينب تجلّداً وصبراً قياسيّاً في واقعة كربلاء وما أعقبها من مصائب ، وإلّا فكيف استطاعت أن تنظر إلى أخيها الحسين ممزّق الأشلاء يسبح في بُرْكة من الدماء ، وحوله بقيّة رجالات وشباب أسرتها من أخوتها وأبناء إخوتها وأبناء عمومتها وأبنائها ، ثمّ تحتفظ بكامل السيطرة على أعصابها وعواطفها ، لتقول كلمة لا يقولها الإنسان إلّا في حالة التأنّي والثبات والاطمئنان ، وهي قولها : « اللّهمّ تَقَبَّل مِنَّا هَذَا القليل من القربان » (۱).
إنّ أي رزية من رزايا سيدة النساء زينب (عليها السلام) لو اُبتلي بها أي إنسان مهما تذرع بالصبر وقوّة النفس لأوهنت قواه، واستسلم للضعف النفس، وما تمكن على مقارعة الأحداث، ولكنّها صمدت أمام ذلك البلاء الكبير، وقاومت الأحداث بنفس آمنة مطمئنة راضية بقضاء الله تعالى، وصابرة على بلائه، فكانت من أبرز المعنيين.. بقوله تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة/ 155-157)، وقال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر/ 10).
لقد صبرت حفيدة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأظهرت التجلّد، وقوّة النفس، أمام أعداء الله، وقاومتهم بصلابة وشموخ، فلم يشاهد في جميع فترات التاريخ سيدة مثلها في قوّة عزيمتها وصمودها أمام الكوارث. كانت الصابرة كأعمق وأرحب ما يكون الصبر، وكانت البطلة أمام المأساة، وهي القائلة: «اللّهمّ تقبّل منّا هذا القربان»، هكذا كانت القدوة في البطولة والوعي والمنطق.
الخطبة الثانية / زينب الكبرى (ع).. مثال حيّ للشجاعة والثبات
إنّ الحديث عن بطولات السيدة زينب (ع) التي تجلّت في رحلتها مع أخيها الحسين (ع) تاركةً بيتها، تحثّ الخطا خلفه في رحلته الى الشهادة لتعلّم الرجال والنساء كيف يموتون في مملكة الجلّادين
إنّ الحضور المميّز والبارز الذي تألّقت به عقيلة بني هاشم، السيدة زينب الكبرى (ع)، إبّان ملحمة كربلاء والأيام العصيبة التي تلتها، رسم صورة خالدة عن الدور الجليل الذي أدّته هذه المرأة العظيمة في نشر رسالة عاشوراء الإمام الحسين (ع)، لناحية الجهاد في سبيل الله تعالى وإعلاء كلمة الحقّ من جهة، وفضح زيف أعداء الإسلام وقبح أفعالهم من جهة ثانية.
فعلى مرّ التاريخ، تحدّث النّاس عن الأبطال من النساء والرجال المعروفين بالجرأة والشجاعة ومقارعة الفرسان في المعارك، حيث كانت المرأة تقف إلى جانب الرجل وتؤدّي دورها الكامل بنفس الروح والعزيمة التي كان الأبطال يخوضون المعارك فيها، إلاّ أن أهل البيت عليهم السلام يأتون في الطليعة بين أبطال التاريخ، وهو حال زينب الكبرى (ع) ابنة عليّ (ع) أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء (ع) سيّدة نساء العالمين، فهي تأتي في الطليعة بعد أبيها وإخوتها، كما يشهد لها تاريخها الحافل بكل أنواع الطّهر والفضيلة والجرأة والصبر في الشدائد. وليس بغريبٍ على تلك الذّات العملاقة التي التقت فيها أنوار محمد (ص) وعلي وفاطمة عليهما السّلام أن تجسّد بمواقفها خصائص النبوّة والإمامة.
إنّ الحديث عن بطولات السيدة زينب (ع) التي تجلّت في رحلتها مع أخيها الحسين (ع) تاركةً بيتها، تحثّ الخطا خلفه في رحلته الى الشهادة لتعلّم الرجال والنساء كيف يموتون في مملكة الجلّادين، يضع بين أيدينا صورةً كريمةً عن ذلك الغرس الطيّب كيف بلغ هذا المستوى من النضوج والقدرة على الثبات والصمود في وجه تلك الأحداث التي لا يقوى على تحملها أحدٌ من الناس. فقد ثبتت (ع) في مواقفها يوم عاشوراء كالطّود الشامخ، تاركةً على تراب كربلاء آثار مسيرتها ومواقفها بين تلك الضحايا، التي لا تزال حديث الأجيال، ومثلاً كريماً لكلّ ثائرٍ على الظالم والجور، وللمرأة التي تعترضها الخطوب والشدائد خلال مسيرتها في هذه الحياة.
هكذا كان على العقيلة زينب (ع) أن تنفّذ وصية أخيها أبي عبد الله (ع)، وتثبت في وجه تلك الأهوال، وأن تحمل قلباً كقلبِ أبيها (ع) في غمار جولاته، وتقف شامخةً بوجه يزيد بن معاوية وجلّاديه الذين باعوا ضمائرهم بأبخس الأثمان!
بعد الملحمة العاشورائيّة، واستشهاد الإمام الحسين (ع)، تولّت السيّدة زينب (ع) قيادة القافلة، مؤدّيةً بشكل رائع خلال مسيرة الأسر والسبي خطاب العزّة والانتصار الذي بلورته النهضة الحسينيّة، إذ إنّها عندما أُحضرت إلى مجلس ابن زياد في الكوفة، جلست في ناحية من القصر، فغضب ابن مرجانة لعدم الاكتراث به، وقال: من هذه التي انحازت ناحية ومعها نساؤها؟ وعندما أجيب على سؤاله بأنّ هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أقبل ابن زياد نحوها منتشياً مغروراً، قائلاً لها: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم.
وتمثّلت هذه البطولة العلوية بجميع صورها وألوانها عند حفيدة الرسول وعقيلة بني هاشم السيدة زينب (سلام الله عليها) ؛ فإنّها لمّا مثلت أمام الإرهابي المجرم سليل الأدعياء ابن مرجانة احتقرته واستهانت به ، فاندفع الأثيم يظهر الشماتة بلسانه الألكن قائلاً : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم ، وكذّب اُحدوثتكم .
فانبرت حفيدة الرسول بشجاعة وصلابة قائلة : الحمد لله الذي أكرمنا بنبيّه ، وطهّرنا من الرجس تطهيراً ، إنّما يُفتضح الفاسق ويُكذب الفاجر ، وهو غيرنا يابن مرجانة … .
لقد قالت هذا القول الصارم الذي هو أمض من السلاح ، وهي والمخدّرات من آل محمّد في قيد الأسر ، وقد رفعت فوق رؤوسهنَّ رؤوس حماتهنَّ ، وشهرت عليهنَّ سيوف الملحدين .
لقد أنزلت العقيلة ـ بهذه الكلمات ـ الطاغية من عرشه إلى قبره ، وعرّفته أمام خدمه وعبيده أنّه المفتضح والمنهزم ، وأنّ أخاها هو المنتصر .
ولم يجد ابن مرجانة كلاماً يقوله سوى التشفّي بقتل عترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، قائلاً : كيف رأيت صنع الله بأخيك ؟
وانطلقت عقيلة بني هاشم ببسالة وصمود ، فأجابت بكلمات الظفر والنصر لها ولأخيها قائلة : ما رأيت إلاّ جميلاً ، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل ، فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم ، فتُحاجّ وتُخاصم ، فانظر لمَنْ الفلج يومئذ ، ثكلتك أُمّك يابن مرجانة !
أرأيتم هذا التبكيت الموجع ؟ أرأيتم هذه الشجاعة العلوية ؟ فقد سجّلت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) بموقفها وكلماتها فخراً للإسلام وعزّاً للمسلمين ، ومجداً خالداً للأسرة النبويّة .
أمّا موقفها في بلاط يزيد ، وموقفها مع الشامي وخطابها الثوري الخالد فقد هزّ العرش الاُموي ، وكشف الواقع الجاهلي ليزيد ومن مكّنه من رقاب المسلمين .. .
تاريخ شهادتها السيدة زينب {عليها السلام}:
اختلف المؤرخون في تحديد سنة وفاتها وان كان الأرجح عند كثير من الباحثين أنها توفيت في سنة 62 هـ، لكن ذهب آخرون إلى أن وفاتها سنة 65هـ. واتفق المؤرخون على إن شهادتها {عليها السلام}، كانت في يوم الخامس عشر من شهر رجب المرجب.
وهنتك من قال إنّ المشهور أنّ وفاة السيدة زينب الكبرى {عليها السلام{ كان في يوم الأحد مساء الخامس عشر من شهر رجب ، مِن سنة 62 للهجرة.
وعلى كل حال ، فقد لَحِقَت هذه السيدة العظيمة بالرفيق الأعلى ، وارتاحت من توالي مصائب ونوائب الدهر الخؤون.
لقد فارقت هذه الحياة بعد أن سجّلت أسمها ـ بأحرف من نور ـ في سجل سيدات النساء الخالدات ، فصارت ثانية أعظم سيدة من سيدات البشر ، حيث إنّ أمّها السيدة فاطمة الزهراء } عليها السلام {هي : أولى أعظم سيّدة من النساء ، كما صرّح بذلك أبوها رسول الله } صلى الله عليه وآله وسلم { حيث قال : « وأمّا ابنتي فاطمة .. فهي سيدة نساء العالمين ، من الأوّلين والآخرين ».
ويُقيم المسلمون الشيعة وغيرهم مجالس العزاء والمآتم ، في كلّ سنة ، حينما تمرّ عليهم هذه الذكرى الأليمة ، ويتحدّث الخطباء والشعراء في تلك المجالس والمآتم على الجوانب المختلفة لحياة هذه السيدة العظيمة ، وعن فصول حياتها المزدحمة بالفضائل والمكرُمات ، والمقرونة بالمصائب والنوائب.
فالسلام عليها يوم ولدت ويوم توفيت ويوم تبعث حية .
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرام: النعيم نيوز
ولمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
ولا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرام: النعيم نيوز