قانون مثير للجدل..مساعٍ نيابية جديدة للمضي بـ قانون جرائم المعلوماتية
بعد أن أعلنت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي سعيها لإعادة عرض مشروع قانون “جرائم المعلوماتية”، الذي يمنح السلطات الحق في مراقبة ومحاسبة المواطنين على ما يكتبونه عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
مؤكدةً أهمية وجود القانون للحد من الكثير من الجرائم، وسط مخاوف من استغلال القانون لقمع حرية التعبير في البلاد.
في بغداد لا تزال نسب جرائم الابتزاز الالكتروني تنمو لتشكل تهديدا آخر يستهدف بنية المجتمع العراقي بجميع مكوناته، وفيما طالبت جهات مختصة بالاسراع بتشريع قوانين صارمة بحق مرتكبي هذه الجرائم، أكدت في تصريحات إلى “القضاء” أن ارتفاع نسب تلك الجرائم يعود الى الانفلات الرقمي، وعدم الرقابة الحقيقية، وتراخي الردع المجتمعي، لاسيما مع عدم وجود تشريع يتناول تفاصيل هذه الجرائم بشكل خاص.
ضرورة تشريع قانون الجرائم الالكترونية
وخلال ورشة نظمتها رابطة القاضيات العراقية، وصف رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان جرائم الابتزاز الالكتروني بـ”الجريمة الجديدة”.
وتابع أن “ما يشكل خطرا أكبر هو وجود ابتزاز مؤسسات إذ أن بعض وسائل الاعلام او المحسوبين على الاعلام يستغلون القضاء المنفلت وهذه الحرية في استخدام السوشيال ميديا ليتم إنشاء مواقع وهمية ليس لها أوليات يهاجمون مؤسسات الدولة ويتم ابتزازها”.
رئيسة رابطة القاضيات العراقية القاضي تغريد عبد المجيد قالت إن “الرابطة ارتأت تنظيم ورشة بخصوص جرائم الابتزاز الالكتروني والتي كانت برعاية مباشرة من رئيس مجلس القضاء الأعلى، تهدف الى توعية المجتمع بخطورة هذه الجريمة وتوضيح أساليب حماية البيانات الشخصية للمستخدم مما يقلل من امكانية اختراقها لذلك فقد دعت هذه الرابطة الجهات ذات التأثير المباشر بهذا الخصوص كهيئة الاعلام والاتصالات ووزارة الداخلية وشؤون الامن الوطني ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي اضافة الى مختصين من الامانة العامة لمجلس الوزارء ومجلس النواب لغرض الوصول الى اكبر قاعدة من المجتمع لإيصال أهدافها والضغط على مجلس النواب لتشريع قانون مكافحة الجرائم الالكترونية”.
وأشارت عبد المجيد إلى أن “جريمة الابتزاز الالكتروني هي جريمة حديثة على المجتمع العراقي وكانت ثورة التكنولوجيا وتطور وسائل الاتصال سببا في ظهورها وأصبحت تفتك بالمجتمع”، مبينة ان “جريمة الابتزاز الالكتروني تجر المجتمع الى عدة جرائم اخرى كالسرقة وتعاطي المخدرات وأحياناً الانتحار بسبب الضغوط النفسية والمادية التي يتعرض لها المجنى عليه”
من جانبه أكد قاضي تحقيق الرصافة القاضي فراس حميد على “زيادة إقبال ضحايا الابتزاز الالكتروني من النساء على التبليغ في مكاتب التحقيق القضائي” عازياً السبب إلى “وعي الكثير من الضحايا بان اللجوء إلى المحاكم هو الطريق السليم للخلاص من طلبات المبتزين.
الأسباب الموجبة
جاء اقتراح هذا القانون بهدف توفير الحماية القانونية وإيجاد نظام عقابي لمرتكبي جرائم الحاسوب وشبكة المعلومات ومكافحة الجرائم الالكترونية التي رافقت نشوء ونمو وتطور نظم الحاسوب والشبكات وثورة تقنية المعلومات ولما تنطوي عليه من مخاطر عدة تلحق بالمؤسسات والافراد خسائر كبيرة باعتبارها تستهـدف الاعتداء على البيانات والمعلومات وتمس بالحياة الخاصة للافراد وتهدد الأمن الوطني والسيادة الوطنية وتضعف الثقة بالتقنيات الحديثة وتهدد ابداع العقل البشري ومن اجل توفيــر الحماية القانونية لنظم الحاسوب التي تعمل الدولة على تشجيع الاعتماد عليها في الانشطة كافة.
ووفقاً لعضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان، النائب ياسر وتوت، فإن لجنته “عازمة على تشريع قانون جرائم المعلوماتية خلال المرحلة المقبلة”، مبيناً في تصريح لصحيفة “الصباح” العراقية الرسمية بأن “اللجنة مصممة على تشريع القانون رغم التوقعات بأنه سيواجه الكثير من الصعوبات قبل تشريعه”.
وأكد أن “اللجنة ستباشر عرض فقراته الواحدة تلو الأخرى لمناقشته قبل تحويله إلى اللجان الأخرى لإبداء ملاحظاتها”، مشيراً إلى أن “جميع دول العالم المتطورة التي تطبق أعلى معايير حقوق الإنسان مع شعبها تمتلك قوانين تحد من الجريمة الإلكترونية التي يمكن أن تحافظ على حقوق الجميع بما في ذلك الحكومة”.
وتابع وتوت أن “تلك الجرائم التي يتضمنها هذا القانون متعددة، منها الابتزاز والتشهير، وهذه جميعها وسائل يجب الحد منها بعد تشريع هذا القانون”.
وأكد أن “شمول جريمة سرقة المبالغ المالية من الفيزا كارت ضمن القانون، وستتم مفاتحة الهيئة العراقية للحاسبات لاستضافة خبراء في هذا المجال لبيان المصطلحات الفنية الواردة بالقانون، في حين سيسند للجنة القانونية جميع الإجراءات المتعلقة بالقانونية بعد الاستماع إلى آراء خبراء قانونيين في محكمة النشر وكلية القانون من أجل بحث العقوبات الموجودة في هذا القانون”.
أسباب عدم مرور هذا القانون
تلخص الباحثة العراقية، آسيا العبيدي، التي تعمل مع “الشبكة العراقية للإعلام المجتمعي” (INSM)، أسباب عدم مرور هذا القانون بالرغم من مرور أكثر من 10 سنوات على بداية هذا النقاش، بأنّ “المشرّعين يحاولون تقييد حرية التعبير والرأي، خصوصاً للمدافعين عن حقوق الإنسان و الناشطين والصحافيين”، مضيفةً أنّ “هذا القانون سيشكّل وسيلة لاعتقالهم وقمعهم على أبسط المنشورات”.
تشير العبيدي، أن مسودّة القانون “تشمل 21 مادة تتضمن عقوبات سالبة للحرية، ويتفرّع منها 63 حالة يخضع فيها المواطن إلى عقوبات بحسب التوصيف الوارد للقانون، من بينها 10 حالات تقضي بالسجن المؤبد مع غرامة مالية تتراوح بين 25 إلى 50 مليون دينار عراقي (من 17 ألف إلى 34 ألف دولار أميركي)”.
ومن ضمن العقوبات، يضمّ القانون “25 حالة تقضي بالسجن المؤقت، مع غرامة مالية تتراوح من عشرة إلى ثلاثين مليون دينار (من 6800 إلى 20 ألف دولار)، إضافة إلى 28 حالة أخرى تقضي بالحبس لأقلّ من 5 سنوات مع غرامة تتراوح بين 2 إلى 30 مليون دينار (من 1370 دولار إلى 20 ألف دولار)”، تضيف العبيدي.
ولذلك، “لا بدّ من إشراك منظمات المجتمع بصورة جدية وحقيقية في إدخال التعديلات اللازمة على هذا القانون”، وفقاً للعبيدي التي تؤكّد أنّه “لا يمكن أن يستمرّ العراق بالاعتماد على نظام العقوبات الذي أقر في وقت لم يكن للجرائم المعلوماتية وجود في العراق”.
وتؤكّد العبيدي كذلك رفض مرور مسودة هذا القانون بشكله الحالي تماماً، “لأنّ مروره يعني حبس أيّ شخص ينشر منشوراً على وسائل التواصل الإجتماعي لم يتناسب مع أفكار أو توجه جماعة سياسية معينة، ما يؤدّي بالتالي إلى زيادة الفوضى والتهديد التعسّفي الذي يؤدي إلى انخفاض متزايد في حرية التعبير في العراق”.
ماهو مدى تأثر صحافيو العراق بالقانون:
القانون الموجود والمجمد، أي قانون المعلوماتية، هو بمثابة “الأخ الأكبر الذي يراقب ما تكتب في مواقع التواصل الإجتماعي ويقيّد حرية الرأي والتعبير”، كما يقول الصحافي والحقوقي العراقي أكرم السياب.
يلفت السياب في تصريحات صحفية إلى أنّه في “مجال الصحافة وحرية الإعلام تحديداً، لم يتبنَّ المشرع العراقي قوانين استراتيجية لضبط إيقاع العمل الصحافي، بل اعتمد على مبدأ الاجتهاد والإحالة في الجرائم المعلوماتية، وعلى مواد قانونية متفرقة في قانون العقوبات العراقي في العام 1969”.
في المقابل، تتمثّل المشكلة التي تواجه العمل الصحافي في العراق في “الأمن وليس القانون”، “فمقابل الرأي الذي يُكتب بالقلم هنالك رأي يحمل رشاشاً آلياً ينتهك حياة الصحافي”، يقول السياب.
في 31 أيار/مايو 2022، تعرض الصحافي العراقي، ماجد السوداني، إلى اعتداء في محافظة النجف، عبر إضرام النار في سيارته المتوقفة أمام منزله، وفق “مرصد الحريات الصحفية” العراقي الذي أشار إلى تزايد حالات العنف والقتل والتهديد للصحافيين والناشطين العراقيين.
بالإضافة إلى ذلك، ثمّة تصادم بين القانون والتعليمات. على سبيل المثال، يشير السياب إلى أنّه “في حين يستطيع الصحافي التصوير وإجراء المقابلات في أي مكان عام أو منشأة حكومية وفق القانون، فإنّ التعليمات التي يتعامل بها عنصر الأمن قد تمنع كلّ هذا”.
من جهة ثانية، يتخوّف الصحافي الرقمي العراقي، محمد المؤمن، من أن يشكّل قانون جرائم المعلوماتية الذي لم يقر حتى الساعة “أداة قمعية بدل حماية الصحافيين أو الناشطين”، لافتاً إلى قانون المطبوعات الذي أقرّ قبل ظهور الإنترنت والآن يحاسَب بموجبه الصحافيون”.
على الرغم من أنّ “الإنترنت في العراق أصبح مسرحاً لجرائم الابتزاز والتشهير وخطاب الكراهية، فإنّ “مشروع القانون أو قانون العقوبات القاسي، بموادهما الفضفاضة، يشكّلان خطراً على عمل الصحافيين وحماية لأصحاب النفوذ من النقد”، يختم المؤمن.
الفتلاوي القانون يمثل خطراً جديداً على حرية التعبير
من جهته قال الناشط المدني، علي الفتلاوي إن “القانون بصيغته الحالية يمثل خطراً جديداً على حرية التعبير، إذ إنه من الممكن أن يؤدي انتقاد أي مسؤول بوظيفة عامة أو أداء مؤسسة ما إلى السجن للمدون أو المواطن العادي الذي يكتب على موقع فيسبوك”.
وأضاف أن “العبارات التي وردت في مسودة القانون يمكن تكييفها وليها لصالح السلطة والأحزاب، ولا يمكن القبول بأي قيد على كتابة المدونين وآرائهم المتعلقة بالفساد اليومي في دوائر الدولة، أو الأحزاب السياسية”.
وأكد أن “القانون من الممكن أن يستغل سياسياً، إذ صيغ بطريقة ذات أبعاد سياسية خطيرة”، مشدداً على “ضرورة العمل على رفض تمرير القانون، خاصة أن فقراته تتعارض مع روح الدستور العراقي الذي نص على ضمان الحريات في البلاد”، ومحذراً من “دخول القانون خانة المساومات السياسية وتداخل المصالح بين القوى، ما يدفع باتجاه تمريره في المرحلة المقبلة من عمر البرلمان”.
31 مادة تركز على أنواع هذه الجرائم
من جهته، يقول المختص بالشأن القانوني علي التميمي في حديث صحفي إن ” مشروع قانون الجرائم الإلكترونية يتكون من 31 مادة تركز على أنواع هذه الجرائم وطريقة الوصول لها وكيفية معالجتها والعقوبات التي تحدثت عنها المادة 3 من المشروع والتي تصل إلى المؤبد والإعدام ومن هذه الجرائم الماسة بأمن البلد أو انتحال الصفات والاستدراك والاحتيال والقرصنة واختراق الحسابات”، موضحا أن “الجرائم مستوحاة من قانون العقوبات وقوانين أخرى وغسيل الأموال والقانون ركز على الواجبات دون الحقوق”. وتابع التميمي، “لا مشكلة في التكييف القانوني للأفعال لكن برأيي المشكلة في التحقيق وطرق الوصول إلى الجرائم التي تحتاج إلى متخصصين تحقيقا ومحاكمة وقد صدر مثل هذا القانون في مصر والأردن وفلسطين وعرض فيها على الرأي العام واشبع آراء حتى شرع”.
واشار المختص بالشأن القانوني الى أن “القانون يحتاج الى ان لا يخالف الدستور في الحقوق المدنية والسياسية وان لا يخالف المواثيق الدولية والاعلان العالمي والميثاق الدولي وان يستضيف البرلمان مختصين قبل التشريع”.
وفي وقت سابق من العام الحالي، التقى وفد من منظمة مؤسسة بغداد للدفاع عن ضحايا الرأي مع رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان وبحث معه فقرات القانون، ما يؤشر على قلق واسع منه لدى الناشطين العراقيين.
وذكرت المؤسسة أنها ناقشت مع زيدان ملف انتهاكات حرية التعبير والتضييق على الصحافيين والناشطين المدنيين في العراق، فضلاً عن البحث في فقرات قانون جرائم المعلوماتية.
يذكر أن مشروع القانون قدم لأول مرة في عام 2011. وطلبت اللجنة البرلمانية للثقافة والإعلام آنذاك سحبه في عام 2013 ، وذلك بعد مواجهة ضغوط من الأفراد ومنظمات المجتمع المدني الذين أثاروا القلق بشأن العديد من الأحكام التقييدية الواردة في القانون. ولأن مجلس النواب لم يوافق رسميًا على قرار سحبه. أعيد تقديم النص مع تعديلات طفيفة في يناير 2019. قُدّمت نسخة معدلة من القانون نفسه مع تغيير عنوانه ليكون “مكافحة الجرائم الإلكترونية” مع بقاء الفكرة الكامنة وراء صياغة القانون
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرام: النعيم نيوز
و لمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
و لا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرام: النعيم نيوز