أقيمت خطبتا صلاة الجمعة، بقضاء السنية/محافظة الديوانية، في جامع الإمام موسى الكاظم (ع)، بإمامة الشيخ مؤيد الشافعي.
وقال الشيخ الشافعي، خلال الخطبة الأولى والتي كانت بعنوان (صلح الإمام الحسن “ع” إعادة صياغة للشخصية الإسلامية الفردية والاجتماعية)، وتابعتها “النعيم نيوز”، إن “تاريخ السادس والعشرين من ربيع الأول من سنة واحد وأربعين للهجرة المباركة ونتيجةً للظروف التي مرت بها الأمة، توجب اتخاذ قرار مصيري يحقن الدماء ويحقق الأهداف، فتحتَّم على إمامنا الحسن بن علي عليهما السلام اتخاذ القرار الصائب في ذلك فصالح معاوية وفق شروط معينة.
وفيما يلي خلاصة أحداث الصلح:
لما عزم الإمام الحسن بن علي عليهما السلام على حرب معاوية خرج من الكوفة إلى معسكر النُخيلة وخلّف مكانه المغيرة بن نوفل بن حارث بن عبد المطلب، وأمره أن يحث الناس على الخروج والالتحاق به في المعسكر.
فخرج الناس أفواجاً إليه عليه السلام وسار من النُخيلة إلى دير عبد الرحمن فمكث هناك ثلاثة أيام كي يتمّ الجيش، فصاروا أربعين ألفاً بين فارس وراجل فبعث عبيد الله بن عباس وقيس بن سعد في إثني عشر ألف رجل من دير عبد الرحمن إلى حرب معاوية، فقال عليه السلام: عبيد الله أميركم فإن أصيب فقيس بن سعد على الناس، وأمر عبيد الله أن يشاور قيساً وسعيداً.
ولا يخفى على المتتبع للأحداث آنذاك أن العراق وعاصمته الكوفة أبان خلافة الإمام الحسن عليه السلام وفيها محور الأحداث والمفترض تواجد أنصار الإمام عليه السلام بشكل كثيف، لكن إن راجعنا الواقع السكاني فيها نجد أن نسبة الشيعة فيها لا تتجاوز العشرين بالمئة أي خمس الكوفيين، حيث أن نصف الكوفة من الموالي والنصارى بقسميها النساطرة واليعاقبة وكذا اليهود وأنصار البيت الأموي الذين يشكلون نسبة تكاد تتجاوز الخمسة بالمئة من الكوفيين فضلاً عن الأعراب التابعين لكل ناهق.
ولا يخفى أن نسبة الشيعة وهي كما قلنا الخُمس تقريباً لم يك الجميع على وعي تام بالعقائد الشيعية التي في مقدمتها التسليم المطلق للإمام المعصوم عليه السلام بل إن من قادة جيش الإمام الحسن عليه السلام من غدر به وأسلم الأمر لمعاوية.
خلاصة الأمر أن الاعتقاد السائد أن الإمام ما هو إلا حاكم شرعي غير منصَّب من قبل الله تعالى بل من قبل أهل الحل والعقد أو من المسلمين في أفضل الأحيان، ومن كان هذا اعتقاده لا يضحي بنفسه فداء الإمام، الأمر الكاشف عن وجود خلل كبير في الشخصية العقدية الإسلامية من حيث المصداق، فالمسلم الحق المقر بأصوله وفروعه يسلم التسليم التام للإمام المفترض الطاعة من قبل الله تعالى، وكان الإمام الحسن عليه السلام يركّز على هذا الجانب حتى قبل أن يبايع بالخلافة بل جعل ذلك شرطاً لمبايعته بعد أن غدر به المنافقون ومن في عقائدهم خلل من الكوفيين نقل العلامة المجلسي في البحار انهم قالوا للإمام الحسن عليه السلام: انت خليفة أبيك ووصيه، ونحن السامعون المطيعون لك، فمرنا بأمرك فقال عليه السلام: «كذبتم والله وما وفيتم لمن كان خيراً مني فكيف تفون لي؟ وكيف أطمأن إليكم ولا أثق بكم؟ ان كنتم صادقين فموعد بيني وبينكم معسكر المدائن، فوافوا هناك»، بل ان الإمام عليه السلام كان يستنكر على البعض ادعاء التشيع، جاءه رجل فقال: يا بن رسول الله اني من شيعتكم! فقال عليه السلام: «يا عبد الله ان كنت لنا في أوامرنا وزواجرنا مطيعاً فقد صدقت، وان كنت بخلاف ذلك فلا تزد في ذنوبك بدعواك مرتبة شريفة لست من أهلها، لا تقل: انا من شيعتكم ولكن قل: انا من مواليكم ومحبيكم ومعادي أعدائكم، وأنت في خير والى خير».
بل ان الإمام يصف لنا حقيقة أنصاره ومستوى دينهم وعقيدتهم حيث قال عليه السلام: «والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلماً، فو الله لأن أسالمه وأنا عزيز، خير من أن يقتلني وأنا أسيرهُ، أو يمنّ عليّ فتكون منّة على بني هاشم إلى آخر الدهر، ومعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحي منّا والميت».
فالإمام عليه السلام كان على إحاطة تامة بالخلل القائم في الشخصية المسلمة ومدى استيعابها للتعاليم الشرعية، وهو كالنبي الأعظم عليهما السلام طبيب دوار بطبه لابد له من العمل لمعالجة الخلل، ولا يتم ذل الا بطريقين:
الأول: كشف زيف الأمويين وغيهم وفضحهم على الملأ لاسيما معاوية ومن مهّد له سلطانه.
الثاني: ترسيخ المفاهيم الإسلامية وتهذيب النفوس بها بغية تأسيس قاعدة شيعية مؤمنة وواعية بالعقيدة والواقع السياسي والاجتماعي الموجود عاملة على تغيير ذلك الواقع وإيجاد التغيير المطلوب للوصول الى دولة العدل الإلهي.
الإمام الحسن عليه السلام وكشف زيف الأمويين:
عمد الإمام عليه السلام إلى أبرام عقد الصلح مع معاوية المتستر بلباس الدين والتقوى، فكان له ذلك بعد الصلح مباشرة حينما استتب له الأمر فغدر قائلاً: «كل ما عاهدت عليه الحسن بن علي فهو تحت قدمي هذه».
وكذا يمكن لنا الوقوف بجلاء على جهد الإمام عليه السلام في فضح هؤلاء عبر مواقف عدة للإمام ولعل أبرزها ما نقل في الاحتجاج وقد رواه الشعبي، وأبي مخنف، ويزيد بن أبي حبيب المصري أنهم قالوا: لم يكن في الإسلام يومٌ في مشاجرة قوم اجتمعوا في محفل، أكثر ضجيجاً ولا أعلى كلاماً، ولا اشد مبالغة في قول، من يوم اجتمع فيه عند معاوية بن أبي سفيان , عمرو بن عثمان بن عفان، وعمرو بن العاص، وعتبة بن ابي سفيان، والوليد بن عتبة بن أبي معيط، والمغيرة بن شعبة، وقد تواطؤا على أمر واحد.
فقال عمر بن العاص لمعاوية: ألا تبعث إلى الحسن بن علي فتحضره فقد أحيا سيرة ابيه، وخفقت النعال خلفه ان أمر فأطيع، وان قال فصدق وهذان يرفعان به الى ما هو أعظم منهما، فلو بعثت إليه فقصرنا به وبأبيه وسببناه وسببنا اباه، وصغّرنا بقدره وقدر أبيه، وقعدنا لذلك حتى صدق لك فيه.
فقال لهم معاوية: اني أخاف ان يقلدكم قلائد يبق عليكم عارها حتى تدخلكم قبوركم، والله ما رأيته قط الا كرهت جنابه، وهبت عتابه واني ان بعثت اليه لأنصفته منكم.
والواقعة مطولة جداً فضح عبرها الإمام هذه الفئة الباطلة الباغية، ولو نلحظ فيما تقدم من كلام عمر بن العاص بأن الإمام أحيا سيرة امير المؤمنين عليه السلام وكثر اتباعه بمعنى ان الإمام عليه السلام بذل الجهد الكبير في تربية اتباع «شيعة» بحيث ان الأعداء ارهبهم ذلك وانه على خطى امير المؤمنين عليه السلام، مع ملاحظة ان هذه الواقعة حصلت بعد عقد الصلح
عنوان الخطبة الثانية (أهم أسباب صلح الإمام الحسن عليه السلام)
من لديه أدنى اطلاع على الظروف السائدة آنذاك يدرك تماماً أن المسلمين كانوا على حافة الهاوية من النزاع والصراعات والفتن لا شك أن الظروف تتحكم بدرجة كبيرة في اتخاذ القرار، ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا أن القرار السياسي يؤسس على حسابات الظروف القائمة والمتوقعة حتى مع توفر أسبابه الموضوعية الأخرى، ولذلك فإن هذه المسألة شكلت ظاهرة طبيعية حتى في قرارات الرسول (صلّى الله عليه وآله) والإمام علي (عليه السلام) الظروف غير المؤاتية هي التي أجلت قرار الحرب عند الرسول مثلاً، في حين أصبح تغيّر بعض الظروف سبباً في الانتقال إلى المواجهة العسكرية مع الكفار، وهكذا مع الإمام علي (عليه السلام) أيضاً.
فالظروف مرة تكون بهيئة عوامل مساعدة لاتخاذ القرار، ومرة أخرى تكون بهيئة معوقات ضد القرار، ومن هنا يمكن تقسيمها إلى نوعين.. ظروف سلبية وأخرى إيجابية.
الظروف السلبية:
وهي تلك العوامل والتغيرات التي حصلت في الواقع القائم والتي كانت لغير صالح اتخاذ قرار الحرب من قبل الإمام الحسن (عليه السلام) ومنها:
1ـ عدم توفر الحشد العسكري المؤمن الذي يكافئ جيش معاوية ويتفوق عليه، ويمكن أن تلمس ذلك وبدقة من خلال قول الإمام (عليه السلام) نفسه حيث قال: (والله ما سلمت الأمر إليه إلا أني لم أجد أنصاراً، ولو وجدت أنصاراً لقاتلته ليلي ونهاري) .
2ـ فقدان وحدة الرأي في جيش الإمام. إذ أن أخطر مظاهر تفكك الجيش هي توزع الرأي على عدة اتجاهات، ولما كان جيش الإمام الحسن خليط من مختلف الاتجاهات والفئات، فإن دخول المعركة بجيش تحكمه الاجتهادات المتنوعة والآراء المختلفة وعدم انضباطه بالقرار المركزي للقيادة هو أشبه بعملية الانتحار، ولذلك نجد أن الإمام الحسن (عليه السلام) لا يعتبر أن أهل الكوفة مؤهلين كي يدخل المعركة بهم.. يقول (عليه السلام): (إني رأيت أهل الكوفة قوماً لا يوثق بهم، وما اغتر بهم إلا من ذل، ليس رأي أحد منهم يوافق الآخر) .
3ـ تواطؤ كثير من أفراد الجيش مع معاوية، حيث كتب أكثر أهل الكوفة إلى معاوية: (فإنا معك وإن شئت أخذنا الحسن وبعثناه إليك) .
4ـ سريان الفتن والإشاعات داخل صفوف الجيش بسبب نفوذ الدعايات التي يبثها معاوية في أوساط جيش الإمام الحسن كجزء من الحرب النفسية لتثبيط عزيمة الجيش وتفكيكه من الداخل، منها على سبيل المثال تلك الشائعة التي سرت قبل أن يصالح الإمام الحسن (عليه السلام) معاوية والتي مفادها (إن الحسن يكاتب معاوية على الصلح، فلم تقتلون أنفسكم) .
5ـ تمايل الجيش نحو الصلح وعدم رغبته في القتال، حيث أن الحرب النفسية التي شنها معاوية عن طريق شراء الذمم وتجنيد الخونة أدت إلى تثاقل الأفراد، وهروب بعضهم إلى جانب معاوية ممّا أدى إلى خلخلة الجيش من الداخل.
الظروف الإيجابية
وهي تلك الظروف التي يمكن اعتبارها عوامل مساعدة لتحرك موقع الإمامة القيادي الذي تمثل بشخص الإمام الحسن (عليه السلام) وإذا استذكرنا عوامل السلب الكثيرة في حالة اتخاذ قرار الحرب، ومنازلة معاوية، لم يبق أمام الإمام الحسن (عليه السلام) إلا استثمار الظروف الإيجابية وهي تلك التي شجّعت الإمام (عليه السلام) على الصلح أملاً في استثمار الشروط التي أدرجها الإمام في وثيقة الصلح مع معاوية.
فالإمام (عليه السلام) أمامه فرصة موافقة معاوية على شروطه، حيث عندها يستطيع أن يصلح الأوضاع قدر المستطاع باتجاه تعزيز وجود الدولة الإسلامية وجمع شتات الأمة ورص صفوفها وتوحيد كلمتها على النحو الذي يتم فيه تطهير مفاصل الدولة ومؤسساتها من وجود العابثين والظواهر القاتلة التي أوجدوها. هذا على أن معاوية إذا لم يف بالشروط التي يوقعها فإن هذا النكث يشكل عاملاً مهماً في كشف زيف معاوية أمام الرأي العام، وبالتالي يكسب الإمام الحسن (عليه السلام) المعركة السياسية على الأقل”.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرام: النعيم نيوز
ولمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
ولا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرام: النعيم نيوز