ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة لم تسلم منها براءة الطفولة، لنواجه ظاهرة جديدة ألا وهي عمالة الأطفال، حيث شهدت هذه الظاهرة اتساعاً كبيراً في الآونة الأخيرة إلى حد دفع وزارة العمل، لوصفها بـ “الأسوأ” في تاريخ العراق.
مشاهدة أطفال في سن الدراسة يتجولون في الشوارع ويعملون لكسب لقمة العيش، بدا أمراً معتاداً ومألوفاً للكثير، مع صعوبات الحياة المتزايدة يوماً بعد يوم.
قرابة نصف مليون
كشفت وزارة التخطيط، عن نسبة عمالة الأطفال في البلاد، والتي اقتربت من نحو نصف مليون.
المتحدث باسم الوزارة، عبد الزهرة الهنداوي، قال في تصريح للقناة الرسمية، إن “هناك نحو نصف مليون طفل عامل في العراق”، مضيفاً أنّ “نسبة الفقر بين الأطفال ارتفعت إلى 38%، فيما بلغت نسبة الفقر في العراق 25%”.
فيما قدر عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، علي البياتي، نسبة عمالة الأطفال في البلاد بـ 2%، حيث قال: إن “عدد الأطفال العاملين في العراق، يصل إلى أكثر 700 ألف طفل”.
أرقام عمالة الأطفال أكبر من المعلن
وفي السياق ذاته، صرحت الناشطة في مجال حقوق المرأة والطفل، سعاد الشيخلي، لموقع “العربي الجديد”، بأنّ “أرقام عمالة الأطفال أكبر من الأرقام التي أعلنتها وزارة التخطيط، وأنّ هناك إحصائيات غير رسمية تؤكد أنّ الأرقام تزيد عن 900 ألف”.
وأضافت، أنّه “من مهام وزارة التخطيط والجهات الحكومية معالجة هذا الملف الخطير والذي يتنامى في البلاد بشكل متسارع، لا أن تعلن عن الإحصاءات فقط”. لافتة إلى أن “الإحصاءات غير دقيقة، وأن الأرقام أكبر بكثير من تلك التي أعلنتها الوزارة”.
ووفقاً لآخر إحصائيات “اليونيسف“، فإن “ثلث أطفال العراق يمرون بظروف اقتصادية صعبة، تضعهم أمام متطلبات العمل لإعانة عوائلهم”، مضيفة أن “أطفال العراق يواجهون أعلى زيادة في معدلات الفقر، حيث يوجد طفلان فقيران بين كل خمسة أطفال”.
أسباب وآثار
الزيادة الكبيرة في حالات الطلاق، وما تتركه من آثار سلبية على وحدة وتماسك الأُسَر، وتبعات ذلك على المجتمع بشكل عام، والطفل بشكل خاص، واحدة من الأسباب التي تغذي ظاهرة عمالة الأطفال.
عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق، فاضل الغراوي، صرح، بأن “هذه الظاهرة تنامت في العراق بسبب الظروف التي يمر بها البلد، كما أن ازدياد نسبة العائلات تحت خط الفقر رافقها تسرّب الأطفال من المدارس، سواء في بغداد، أو المحافظات”.
وتابع، “وسُجلت أغلب الحالات في الأُسر ذات الدخل المحدود، فضلاً عن افتقار هذه الأُسر إلى موارد تعزز مدخولها”.
ويقول مؤسس “البيت العراقي للإبداع”، والطبيب العراقي المتخصص في علم النفس، هشام الذهبي، إن “الأسباب وتعود إلى الظروف غير المستقرة التي يمر بها البلد، وإضافة إلى سوء الأحوال المعيشية التي تمر بها الكثير من العوائل، ما أدى إلى استغلال أطفالهم في العمالة المبكرة”.
قطاع عمل غير منظم
من جهته، أشار رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال العراق، علي رحيم الساعدي، إلى أن “السبب -باتساع ظاهرة عمالة الأطفال- هو كثرة الصراعات والحروب التي مرت على البلاد، وانتشار البطالة وإغلاق المعامل والشركات وخروج قطاع عمل غير منظم، وغير مسيطر عليه سواء نقابياً أو حكومياً”.
التسرب من المدارس
بالحديث عن ظاهرة عمالة الأطفال، يتبادر إلى أذهاننا التسرب من المدارس، وهذا ما تحدث عنه الذهبي، لمواقع إخبارية، قائلاً: إن “هناك أيضاً مشكلة تسرب الكثير من الأطفال من المدارس، وهذه أيضاً لها عدة أسباب، منها شكل الخدمات التي تقدمها المدارس، أو الدور الذي تقوم به خصوصاً، وأن هذا الدور قد اختلف كثيراً عن سابقه وتخلت الكثير من المدارس عن مسؤوليتها الحقيقية في التربية والتعليم”.
إلى جانب “قلة الحصص اللاصفية التي تجذب الأطفال، لتتحول المدرسة بيئة غير جاذبة للطفل، بالتالي نجد الأطفال يتسربون من المدرسة وبعدها يتم تركها والاتجاه إلى العمالة المبكرة، كذلك جشع بعض العوائل التي بدأت باستغلال الأطفال لما يوفرونه من أموال كبيرة دون جهد يبذل”، بحسب ما صرح به المتخصص في علم النفس.
94%
كشفت وزارة التخطيط، أن “نسبة التحاق الأطفال في الدراسة الابتدائية تبلغ 94%”، وبيّن المتحدث باسم الوزارة، عبد الزهرة الهنداوي، عن أن “ذلك يعني أن هناك انخفاضاً ملحوظاً في نسبة عزوف الأطفال عن المدرسة، أما نسبة عمالة الأطفال دون الخامسة عشرة فتبلغ 1.5%”.
تعليم مبكر
بيّنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة، أن “نحو 90% من الأطفال العراقيين لا تتاح لهم فرصة الحصول على تعليم مبكر، ورغم زيادة معدل التحاق الأطفال بالتعليم الابتدائي عند مستوى 92%، إلا أن إكمال المرحلة الابتدائية بين أطفال الأسر الفقيرة لا يتجاوز 54%”.
قوانين وعقوبات
الخبير القانوني، علي جابر التميمي، قال: إن “قانون العمل /37/ لعام (2015) الأخير، منع تشغيل الأطفال دون سن الـ15، وحصر السماح بتشغيل من هم بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة، وفق شروط ورقابة ومهن محددة، وقد حدّد القانون عقوبة لأصحاب العمل إذا تم خرق القانون.
ورأى، أن “هذه القوانين ولدت مشلولة في الأصل، ولا تُطبقه. فعلى الرغم من القوانين، إلّا أن آلاف الأطفال ما زالوا منتشرين في الأسواق والأحياء الصناعية وعلى مكبات النفايات، يعملون في أقسى الظروف التي لا تراعي أي قانون، وهم يسعون إلى توفير بضعة دنانير تعيل عائلتهم من الفقر والجوع”.
هذا، وتنص قوانين وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، على معاقبة المسبب في تشغيل الأطفال بعقوبة تتراوح بين الغرامة المالية، وإيقاف التصريح لرب العمل أو حتى إيقاف النشاط.
وفي قانون الاتجار بالبشر، يعاقَب من يستغل شخصاً لا يعي حقه، كالأطفال، بالسجن أو الغرامة المالية.
معالجات
تقديم معالجات لعمالة الأطفال سعت إليها عدة جهات، فقد “رصدت مفوضية حقوق الإنسان هذه الظواهر من أجل وضع معالجات لها، مثل إطلاق السياسة الوطنية لحماية الطفولة، أو من خلال مشروع حماية الطفل، أو إنشاء المجلس الأعلى لرعاية الطفولة في العراق”، وفق ما بيّنه عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق، فاضل الغراوي.
وأضاف الغراوي، “وتشكيل الجانب المتعلق بتعزيز الأُطر القانونية والقضائية في التعامل مع هذه الظاهرة، ومنع ارتياد الأطفال سوق العمالة، وإيجاد بدائل تتعلق بإنشاء صندوق الأجيال القادر على استقطاب جوانب متعددة لإيجاد موارد ثابتة للأُسر كي لا تدفع بهم إلى العمل، أو خضوعهم للاستغلال من قبل بعض العصابات الإجرامية أو اختطافهم لسوق التسول والعمالة”.
تجدر الإشارة إلى أن العراق هو من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، كما صادق على اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن الحد الأدنى لسن العمل (1973) /رقم 138/، واتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن أسوأ أشكال عمل الأطفال، (1999) /رقم 182/، وهما ضروريان للقضاء على عمل الأطفال.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرام: النعيم نيوز
ولمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
ولا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرام: النعيم نيوز