مقالات
أخر الأخبار

لماذا يكره ترامب الصين

كتب د. صادق كاظم: يريد الرئيس الأمريكي الذي عاد إلى البيت الأبيض مرة أخرى، أن يحكم العالم على طريقته مستغلاً قوة أمريكا وهيبتها وهيمنتها على التجارة العالمية.

 

هناك صداع مستمر لأمريكا اسمه الصين، التي اكتسحت التجارة مع العالم وأغرقته ببضائعها ومنتجاتها التي أتاحت لها أن تتحول إلى اقتصاد عملاق يهدد بالمنافسة اقتصاديات أمريكا وأوروبا، بل ويتفوق عليهما وهو سر المعجزة الصينية، التي تحولت من دولة فقيرة وضعيفة في الماضي تحاصرها الأيديولوجيات والصراعات بين القادة السياسيين، إلى دولة كبيرة تهيمن على ثلثي الاقتصاد العالمي مع فوائض مالية خرافية تقدر بآلاف المليارات.

أمريكا التي تقود العالم اقتصاداً وسياسة وفناً وعلماً، وجدت في الصعود الصيني وعملقته تهديداً وجودياً لمكانتها ونفوذها، ولهذا حاول الرؤساء الأمريكيون في السابق وبالذات منذ عهد رونالد ريغان، وضع حد لذلك عبر فرض الرسوم الجمركية على الواردات الصينية، من أجل حماية المنتجات الأمريكية من المنافسة الصينية ولمنع إغراق السوق بالبضائع الرخيصة التي تنتجها الصين، لكن ذلك لم يكن كافياً، حيث حدث التحول الاقتصادي عند نهاية القرن الماضي، عندما تحولت المنافسة الأمريكية – الصينية إلى شراكات، عندما أخذت الشركات الأمريكية تستعين بالصينية لإنتاج مكونات وأجزاء دقيقة لصناعاتها، لرخص ثمنها ولتوفرها في الصين حصرياً وهو ما حقق فائدة مزدوجة لكلا الطرفين.

لكن ذلك انعكس سلباً على قطاع العمل الأمريكي، الذي انكمش نتيجة لتراجع قطاع سوق الأعمال لبعض المنتجات، وهو أمر طبيعي وليس مضراً، لكنه أدى بالمقابل إلى انخفاض أسعار السلع وتمكن قطاعات كبيرة من الأمريكيين من الحصول على المنتجات من السيارات وأجهزة الهواتف والحواسيب والمواد الأخرى بأسعار تفضيلية، قياساً فيما لو كانت منتجة من قبل الشركات الأمريكية وعلى أرضها.

هذه الشراكات توسعت لاحقاً لتشمل تشغيل مشاريع عملاقة خارج الولايات المتحدة من موانئ ومطارات، والاستحواذ على العديد من الأسواق العالمية بفضل هذه الشراكات، الرئيس الأمريكي ترامب الزعيم الشعبوي والمهووس بالمنافسة الصينية، استغل ارتفاع نسبة البطالة هذه، ليطرح شعار إلغاء العولمة الاقتصادية، التي تقوم عليها الشراكة التجارية، ويطرح بديلاً عنها بالحنين والعودة إلى العصر الذهبي، من خلال خفض ميزان العجز بين واشنطن وبكين الذي يميل لصالح الأخيرة من خلال فرض تعرفة جمركية عالية، تصل إلى حوالي 120% مما سيعني ارتفاع أسعار المنتجات الصينية في الأسواق الأمريكية، بنسب عالية مما سيؤدي إلى كسادها وعزوف المشترين عنها، وهي خطة قديمة أعاد ترامب العمل بها مجدداً، لكنه أيضاً عاقب دولاً صغيرة أخرى كانت تورد منتجاتها البسيطة إلى أمريكا كنوع من الدعم لها، حيث اعتبرها بأنها نهب منظم لبلاده.

إن قرار ترامب المفاجئ هو في الواقع يضر بالشركات الأمريكية، التي ستحرم من الحصول على المواد اللازمة لصناعة منتجات التقنيات العالية كالمعدات الطبية والأدوية والأجهزة الخاصة بتشغيل المفاعلات النووية وغيرها، فضلاً عن المعادن النادرة التي تُهيمن الصين عليها، وربما سيدفعها لإقامة تحالف اقتصادي مع الدول المتضررة للتعويض عن العقوبات الأمريكية التي تستهدفها وهو أمر ليس بصالح الولايات المتحدة ولا ترغب به، بل إنها باتت تلاحق أية دول توافق على القبول بالمشاريع الصينية الضخمة لتطويرها مثل طريق الحرير، الذي هددت إدارة ترامب أية دولة في العالم توافق عليه بالرغم من السخاء الصيني لها.

إن كراهية ترامب للصينيين ودخوله في صراع اقتصادي ضدهم، إنما يعكس القلق الواضح من تنامي هذا الدور، ورغبة العقلية السياسية الأمريكية، بأن الصعود الصيني المزاحم لها إنما يستهدف تقويض الزعامة الأمريكية للعالم، ويهدد احتكارها لمصادر القوة والثراء ورغبتها في استمرار هذا الدور، حتى ولو أدى إلى تهديد الاقتصاد العالمي وانهياره، فواشنطن ما زالت عاجزة عن استيعاب حقيقة أن دولة مثل الصين كانت حتى ثمانينات القرن الماضي مجرد دولة ضعيفة اقتصادياً، ودخلها العام لا يصل إلى 2 مليار دولار في وقت أصبحت اليوم، تملك فائضاً من الأموال، يصل إلى حوالي 5000 مليار دولار، وتغزو بمنتجاتها أسواقها وتحقق أرباحاً خيالية منها.

من المؤكد أن خطة ترامب العشوائية والعاطفية لن تنجح، ولن يستطيع إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وربما سيقبل بصفقة لمقايضة الصينين لمواردهم بتخفيض أسعارها مقابل خفض الرسوم عليهم بنسبة قليلة، أو أي حل آخر ينهي هذه الأزمة ويريح العالم من قرارات ترامب المفاجئة وتقلباته الغريبة.

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرامالنعيم نيوز

لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التاليالنعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا علىقناة النعيم الفضائية

كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرامالنعيم نيوز

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى