الواجهة الرئيسيةمحلي

ظاهرة الطلاق ناقوس خطر يهدد كيان الأسرة في المجتمع العراقي

خاص_النعيم نيوز

 

مع اشتداد ضغوط الحياة اليومية يواجه الأزواج اختبارات معقدة تهدد مستقبل العلاقة بينهما، وبينما يلجأ بعضهم إلى خيار الطلاق واستكمال الإجراءات القانونية المترتبة على ذلك.

 

فقد أثارت البيانات التي أعلنها مؤخراً، مجلس القضاء الأعلى عن حالات الطلاق خلال شهر أيلول الماضي 2022، القلق من تصاعد ظاهرة الطلاق التي تعصف بالمجتمع العراقي، وتؤثر سلباً على أمنه واستقراره، فهذه النسبة تعبر، بحسب المختصين، عن اتساع نطاق دائرة التفكك الأسري، وما ينجم عنه من مشاكل وأزمات اجتماعية حادة .

قرابة 6 آلاف حالة… إحصائية “مفزعة”

وفي آخر إحصائية شهرية عن حالات الزواج والطلاق في العراق، نشرها مجلس القضاء الأعلى، بلغ عدد الزيجات الجديدة في شهر أيلول الماضي قرابة 15،271 عقد زواج، فيما بلغ عدد حالات الطلاق بينها نحو و5569 حالة طلاق، وبمعدل تسع حالات طلاق في كل ساعة وبواقع خمسة آلاف وتسعمائة وستة وعشرين حالة طلاق شهريا لسنة 2022.

وأوضح المجلس أن “أن ثلاث محافظات ايضا تصدرت حالات الطلاق خلال شهر أيلول الماضي وهي: بغداد بجانبيها ومحافظة البصرة.

وتشير الإحصائية إلى أن “ثلاث محافظات تصدرت أعلى معدل للزواج وهي كل من العاصمة بغداد بجانبيها الكرخ والرصافة، ومحافظة الأنبار”.

وبحسب الإحصائية فإنها سجلت 15،271 عقد زواج، مع تصديق عقود الزواج الواقعة 2،774، بينما كانت حالات تصديق الطلاق الخارجية 3،901، والتفريق بحكم قضائي 1،668.

عوامل أساسية  

وهناك العديد من العوامل وراء ارتفاع ظاهرة الطلاق في العراق، أبرزها الأوضاع الاقتصادية المتردية، فقد حذر نائب رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان في العراق المحامي حازم الرديني في بيان، من خطورة الوضع الاقتصادي المتدهور بالبلد والذي بدوره أثرَّ بشكل كبير ومباشر بتهديم الأُسر العراقية من خلال ازدياد نسب الطلاق بشكل غير مسبوق.

كما تحدث مجلس القضاء الأعلى إزاء استفحال هذه الظاهرة في بيانات رسمية عدة، عازياً ارتفاع معدل حالات الطلاق في البلاد إلى أسباب متعددة، مبيناً أن “العامل الاقتصادي يشكل ما نسبته قرابة 50 بالمئة من حالات الطلاق وأخرى بسبب زواج القاصرات والتعامل السيء لمواقع التواصل الاجتماعي، داعيا الحكومة إلى ايجاد الحلول المناسبة للحد من هذه الظاهرة.

وأوضح المجلس أن ” مشكلة ارتفاع حالات الطلاق تتفاقم بالتزامن مع موجات الفقر التي ضربت محافظات عدة، فضلاً عن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية التي يعاني منها الشعب العراقي على نحو مستمر، وانشغال الحكومة والأحزاب بالصراعات دون أدنى محاولة لمعالجة مشاكل المجتمع.”

وأضاف أن “اختلال منظومة القيم وعدم احترام هذه الرابطة يعدان سببين رئيسين لاستشراء حالات الطلاق في المجتمع”، مشيراً إلى أن “الحد من انتشار ظاهرة الطلاق يحتاج إلى جهد كبير وتعاون من جميع الجهات المسؤولة إلى جانب دور التشريعات، ولا سيما أن القانون العراقي لا يجرم الطلاق خارج المحكمة”.

الإحصاءات الحقيقية.. تفوق المسجلة رسمياً

ومن جانبها قالت أستاذة علم النفس في جامعة بغداد شيماء عبد العزيز في تصريح لجريدة المدى، إن «الطلاق يتجه نحو تصاعد مستمر قياساً بالدول المجاورة»، لافتة إلى أن «الطلاق في العراق أصبح ظاهرة». ومن الأسباب التي فاقمت تزايد حالات الطلاق، تعزو عبد العزيز، أن “أحد أهم أسباب زيادة حالات الطلاق، هو استخدام التكنولوجيا بصورة سلبية والدخول إلى ثقافات وأخلاقيات لا تمتّ إلى مجتمعنا بصلة»، منوهة بأن «مجتمعنا تحكمه العشائر والقيم الأخلاقية، قد تكون نافرة في المجتمعات الأخرى»، مستدركة، «انشغال الزوج بأمور التكنولوجيا، وقضاء وقت طويل على مواقع التواصل الاجتماعي، وإهماله للأسرة، واحد من عوامل ازدياد ظاهرة حالات الطلاق أيضاً».

وترى عبد العزيز، أن «الإحصاءات الحقيقية لحالات الطلاق تفوق المسجلة رسمياً، إذ إن الكثير من الحالات تكون في البيوت كأن يكون طلاقاً عاطفياً وطلاقاً نفسياً، وغير مسجلين في المحاكم»

نسبة ليست بجديدة

وفي نفس السياق قالت عضو منظمة حقوق المرأة العراقية، سارة الحسني لموقع “الجزيرة نت” أن “ارتفاع حالات الطلاق ليس بجديد خلال السنوات الأخيرة بالعراق، حيث طرأت عوامل وتحولات مجتمعية وسلوكية عديدة، ساهمت في ذلك منها ما يرتبط بمسألة القناعة والترابط الأسري وقلة حالات الزواج سابقا بين القاصرين على عكس الحاضر”.

وأضافت أن “ظهور عوامل التكنولوجيا ووسائل التواصل الحديثة، والمفاهيم الأساسية للعلاقة الزوجية حتى اختلفت، فضلا عن سهولة ارتكاب الخيانات الزوجية ومن كلا الطرفين لدى البعض بسبب انتشار مواقع التواصل وسوء استخدامها وتوظيفها من قبلهم”.

الوضع المعيشي كذلك أصبح جزءا محوريا من هذه الأسباب، كما أوضحت الحسني، بالقول :”فالسكن مع الأهل كمثال وعدم الاستقلالية بسبب صعوبة توفير مسكن يقود بالتالي لمشاكل أسرية حادة، ما يقود للطلاق غالبا، والذي يبقى أهون الشرين مقارنة بالعنف الزوجي، فالعنف جزء رئيسي من محفزات تصاعد ظاهرة الطلاق، وذلك بسبب ارتفاع سوية وعي النساء العراقيات باحترام ذواتهن ورفضهن ثقافة الضرب والتعنيف من قبل الأزواج، وهذا طبعا تطور ايجابي بغض النظر عن موضوعة الطلاق”

أعمار غير مؤهلة

إلى ذلك، كشف المحامي، محمد جمعة، عن أن أعمار المتزوجين في المحاكم العراقية تتراوح بين 16 و21 عاماً، وهم يشكلون 80 في المئة من عقود الزواج الجديدة.

وعزا جمعة في تصريح “لشفق نيوز” أن “ارتفاع حالات الطلاق في العراق يعود إلى ازدياد حالات الزواج في البلاد عقب عام 2003”.

وأضاف أن “هذه الأعمار غير مؤهلة على جميع الصعد لبناء أسرة سوية، وأن 90 في المئة من أسباب الطلاق التي تسجل في المحاكم تعود إلى صغر سن الزوجين وعدم قدرتهما على تحمل المسؤولية”.

واستبعد وجود “قانون يعمل على الحد من حالات الطلاق، كون المشكلة في الأساس اجتماعية”، لافتاً إلى أن “القانون ليس لديه القدرة على الحد والوقاية من المشكلات بين الزوجين”.

وأشار إلى أن “دور الباحث الاجتماعي في العراق ضعيف جداً، ولا بد من الحكومة والجهات المختصة التركيز على هذا الجانب الذي يمكن من خلاله الضغط على الزوجين وإجراء الصلح بينهما بعد طرح الحلول لمشكلاتهم”.

قرار الزواج غير مدروس

ومن جانبها قالت الباحثة والأكاديمية العراقية فينوس سليمان في تصريح لموقع “اندبندنت”، إن “الخطأ ليس باتخاذ قرار الطلاق، وإنما بقرار الزواج غير المدروس بالأصل، وأغلب حالات الطلاق تعتبر الانفصال هو الحل الأمثل لمشكلة العلاقة المتدهورة بين الزوجين وإلا لما أقرّتها المحاكم المختصة”.

ورأت سليمان أن “حل المشكلة أفضل من الاستمرار فيها، لأنها غالباً تكبر وتتعقد أكثر بمرور الوقت، والمشكلة الأساسية في قرار الزواج الذي يتم اتخاذه بتسرع ودون وعي والأخذ بعين الاعتبار معايير كثيرة من بينها النضوج العقلي، واستيعاب المسؤولية، والتفاهم بين الطرفين، والتوافق الفكري والاجتماعي”.

وتتابع، “الفكرة العامة السائدة في المجتمع أن الزواج ضرورة ملحة، ولا بد أن يتم في سن معينة، حتى وإن كان الطرفان غير مؤهلين نسبياً، وهذا يشمل الزواج في عمر مبكر جداً، أو الزواج في عمر مناسب، لكن من دون توافق فقط لإتمام المهمة المطلوبة مجتمعياً”.

وأضافت أيضا، “في الزواج بأعمار مبكرة جداً يكون الوعي غير متكامل، ومع النضوج العقلي تتغير أفكار الطرفين، إضافة إلى المشاكل المادية”.

وأكدت، “أما الزواج من إجل إتمام مهمة الزواج فقط فهو كارثة، لأنه بمرور الوقت يكتشف الطرفان أنهما في مأزق، ويتحول المنزل إلى مكان إقامة جبري، والزوج عبارة عن صراف آلي، والزوجة توجه انتباهها للأولاد فقط”، بحسب سليمان، التي أشارت إلى أنه “في الحالتين تكون النتيجة حياة غير مستقرة وغير سعيدة، وفي كثير من الأحيان تصل التعقيدات إلى مرحلة يصبح الانفصال ضرورة من أجل حياة أكثر استقراراً للمنفصلين وللأطفال”.

وقالت، “لا بد أن يكون هناك حملات توعية لأجيال بكاملها بخصوص موضوع الزواج ومسؤولياته ومعايير الاختيار والنضوج الفكري والتوافق النفسي والعاطفي والاستعداد المادي، وغيرها الكثير من الأساسيات التي تضمن حياة مستقرة بعد الزواج”.

زواج القاصرات

وفي إحصائية رسمية نشرتها صحيفة “القضاء” الصادرة عن المركز الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى في العراق، سجلت وفقها المحاكم العراقية أكثر من 4 آلاف حالة طلاق لفتيات قاصرات، لم يبلغن 15 عاما، خلال العامين الماضيين 2020-2021.

قال أحمد الساعدي، قاضي الأحوال الشخصية ببغداد الجديدة في تصريحات للوكالة الرسمية العراقية أن “حالات الطلاق عامة أعدادها باتت كبيرة جدا بالعراق وضمنها طلاق القاصرات، ونحن كقضاء نتعامل مع القضية وفق النصوص والقوانين النافذة، والتي حددت سن الزواج بإتمام 18 عاما وفق قانون الأحوال الشخصية، والذي أجاز زواج من بلغ 15 عاما بإذن ولي أمره”.

“لكن نحن بصدد حالات بغالبها تتم خارج المحاكم ونحن نضطر لتوثيقها حفاظا على حقوق طرفي عقود الزواج تلك”، وفق المتحدث.

وأضاف: “المشرع أجاز نظرا لاعتبارات وتقاليد اجتماعية ودينية، السماح بالزواج لمن هم بسن 15 بموافقة أولياء الأمور، لكن المشكلة أن الكثير من حالات الزواج تحصل حتى لمن هم دون هذه السن”.

هل من سبيل لتعديل هذا القانون؟

وقال الساعدي: “القضاء معني بتطبيق التشريعات، ولهذا فالبرلمان هو المنوط به التشريع والتعديل بالقوانين، ونحن كقضاء جراء تطبيق نصوصها نقف على عللها وننقلها للجهات التشريعية والمعنية”.

ويتابع قاضي الأحوال الشخصية ببغداد “تفاقم ظاهرة الطلاق في العراق مرده القصور العام تشريعا ووعيا وتعليما ومجمل الأزمات الاجتماعية والاقتصادية العاصفة بالبلاد”.

إلغاء المادة 41

ومن أهم سبل الحل لهذه الآفة الاجتماعية، محاصرة حالات العنف المنزلي ومكافحتها كأحد أبرز مسببات الطلاق الرئيسية، كما ترى عضو منظمة حقوق المرأة العراقية، سارة الحسني ، مضيفة :”والذي يكون عبر الغاء المادة 41 من قانون العقوبات العراقي، التي تبيح ما تسميه تأديب الزوجة، وتشريع قوانين مثل حماية الطفل ومناهضة العنف الأسري، ما سيسهم بالحد من تصاعد حالات العنف والطلاق تاليا”.

حلول مجلس القضاء

ومن جهته أكد المجلس الأعلى العراقي في بيان أن “تجريم الطلاق خارج المحكمة أحد الحلول المساهمة في الحد أو إغلاق عدد كبير من حالات الطلاق، بالإضافة إلى تشريع قانون يمنع زواج القاصرين خارج المحكمة وتغريم من يقوم بهذا الفعل ومعاقبته”، لافتاً إلى أن “زواج القاصرين وطلاقهم أصبح ظاهرة مُستشرية بشكل كبير، وأن علاجها يقع على عاتق الجهات الدينية والاجتماعية والتشريعية والجامعات والمدارس”.

ويشترط القانون العراقي أهلية الزوجين وإكمالهما سن الـ18 عاماً، وفي حال عدم بلوغ أحدهما السن القانونية يحق للقاضي أن يأذن بعد الاطلاع على أهليته وقابليته البدنية وأخذ موافقة وليه الشرعي.

 

 

ويشار إلى أن أرقام حالات الطلاق في العراق تختلف خلال عام 2022، حيث سجلت المحاكم في شهر كانون الثاني 6486 حالة، فيما سجّل العراق خلال شهر شباط 5815 حالة طلاق، وخلال شهر أيار سجل 5815 في عموم مدن البلاد، بينما سجل شهر آذار نحو 6 آلاف و66 حالة طلاق. فيما بلغ عدد حالات الطلاق خلال شهر أغسطس نحو 6250 حالة طلاق.

لذا نجد أن التغيير يبدأ من القوانين والتنظيم للمجتمع ثم الأفراد من خلال التوعية، وإلا فسنشاهد ارتفاع هذه الأرقام المفزعة في حالات الطلاق والعنف باستمرار وعلى مدار السنوات القادمة، كما تختم عضو منظمة المرأة العراقية.

 

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرام: النعيم نيوز

ولمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التالي: النعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية

ولا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرام: النعيم نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى