بقلم: عدنان صبيح
تسيطر على أي مجتمع عدد من الرمزيات، التي تعمل على التداخل بين ظروفه ومواقفه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبحسب الحاجة او السياق الاجتماع، فأن هناك رمزية معينة تبرز معتمدة على تنحي الرمزيات الأخرى لجانبها.
يحتاج المجتمع الى رمزياته لدورها الكبير في صناعة خطاب موحد، وتصدير خطاب موحد للخارج، بل إن الرمزية المتكونة داخل المجتمع تعمل جميع الاطراف على ادامتها وقوتها.
على الرغم من الاختلاف بين المجتمعات، وعدم القدرة بنسبة معينة تعميم نظرية على جميعها، الا أن بعض العلماء الانثروبولوجيين يشيرون الى سيطرة الرمزيات الثلاث على اغلب المجتمعات، بل ان هناك معنى رمزيا لا يمكن تجاوزه، ربما يظهر بصور مختلفة لدى المجتمعات، الا أنه لا يتجاوز معاني «الصد او القوة، والاحتواء، والدوران»، وإذا ما رأينا قوالب العالم الفرنسي جلبير دوران على تلك المعاني، ليجعل منها صورا قابلة للقياس والتحليل، ولتكون تلك الصور مخيالا اجتماعيا قابلا للتركيب.
فكانت رمزية الصد والقوة على صورة «سيف»، والاحتواء «قدح»، بينما اعطى صورة رمزية للدوران بـ«الدولاب».
بصورة مبدئية يطبقون تلك الصور على الأسرة المتكونة من الأب والأم، فكانت صورة الصد والقوة للأب، وهو المسؤول عن الأعمال التي تتطلب قوة وصد داخل الأسرة، بينما تحمل صورة الأم، «القدح» وهي الاحتواء.
بما تحملها من صفات تتلاءم مع رمزية الاحتواء من صفات القرب للجميع والتسامح.
بينما تكون رمزية الدوران متمثلة بالعلاقة الجنسية بين الأب والأم.
هذا المستوى التطبيقي للنظرية داخل الاسرة.
اما على مستوى المجتمع الأكبر، فان الصد والقوة يتمثلان في رمزية المحارب، والاحتواء «الكاهن، رجل الدين»، الدوران «الفلاح».
تساعد الظروف المجتمعية على إحلال احدى تلك الرمزيات على الأخرى.
وتعمل كل النشاطات الاجتماعية على تعزيز وقوى احدى الرمزيات الثلاث.
تنسجم تلك النظرية إذا ما تم تطبيقها في العراق، فقد مرَّ بالرمزيات الثلاث، بدءا من الفلاح، والمحارب، ثم الكاهن.
وعلى الرغم من الفلاح يعد الحلقة الأضعف اذا ما دخل مع الرمزيات الأخرى، الا أنه في بداية القرن الماضي احتل الفلاح رمزية عالية في العراق تجاوزت الرمزيات الأخرى، لسيطرته على الوضع الاجتماعي الداخلي، وبوصفه المصدر الاقتصادي الأساسي.
في حينها كان المنتوج الفلاحي العراقي يصدر الى أوروبا ودول اسيا.
وأصبح الفلاح مدعوما من الاوساط المجتمعية للقيمة العليا، التي يحملها والتي يستطيع من خلالها ان يكون مصدر القوة الاقتصادية للمجتمع.
الا أنها اخذت تنهار تلك الرمزية بعد انتهاء حكم الملكية ومجيء الحكم العسكري، ليكون الصراع بين المحارب والفلاح.
ما دفع بالمحارب الى أن يصدر قوانين «مثل قانون الإصلاح الزراعي لعام 1958» كان ظاهره لمساعدة الفقراء واخراجهم من سيطرة الاقطاع.
الا أنه عمل على تفتيت القوة الاقتصادية، التي يملكها الفلاح صاحب القوة الاقتصادية وتوزيع القوة بين فلاحين صغار، اغلبهم لم يستطيعوا التعامل مع الحيازة الجديدة.
اذ نص القانون «لا يجوز ان تزيد مساحة الاراضي الزراعية التي تكون مملوكة لشخص او مفوضة له بالطابو او ممنوحة له عن «1000» دونم التي تسقى سيحا، و2000 دونم للأراضي التي تسقى ديما، ولا يجوز الجمع بين الاثنين».
وكان ذلك كفيلا بالقضاء على النفوذ الفلاحي، فضلا عن الضرر الذي أصاب الزراعة في العراق، والتي ناقشها الانثروبولوجي العراقي الدكتور علاء الدين البياتي في دراسته «شثاثة دراسة انثروبولوجية»، والتي تحولت الى كتاب علم الاجتماع بين النظرية والتطبيق نشر العام «1975»، بيّنَ البياتي في الدراسة الى أن الفلاحين الصغار كان نصيبهم الفشل بسبب عدم تمكنهم من اتباع الطرق الزراعية الحديثة، لانتشار الأمية بينهم، فضلا عن لجوئهم الى الاقتراض من المرابين والممولين من التجار، وغالبا ما عجزوا عن تسديد القروض بفوائدها، ما اضطرهم الى بيع حيازتهم للأرض او التنازل عنها.
وبذلك فان الحيازة الفردية للفلاحين على الرغم من أهميتها الاجتماعية، الا أنها أقل فاعلية في المستوى الاقتصادي، ما أثر في الزراعة وقوتها.
ليبقى المحارب مسيطرا في العهدين القاسمي والبعثي على حساب الفلاح أولا، وعلى حساب رجل الدين كرمزية أخرى ثانيا.
أفلَتْ رمزية المحارب بعد 2003، على حساب رجل الدين للتغيرات السياسية والاجتماعية التي حصلت، وعاد المحارب ثانيا بعد الحرب على عصابات داعش الارهابية.
الا أن الفلاح لم يستفق من أفوله. كون قضيته تراكمت مع التشريعات والقوانين، فضلا عن ازمة المياه والتغير المناخي.
في النهاية هي تحتاج الى وعي اجتماعي في ضرورة عودة الفلاح، الذي يحمل مكانة، كونه القوة الاقتصادية العظمى، القضية تحتاج الى تعاون مجتمعي، فالنسق الايكولوجي لا يؤلف نسقا قائما بذاته، بل يحتاج الى النسق الاجتماعي، وهو الذي يستطيع السيطرة على النسق الايكولوجي في التعاون على إيجاد بدائل للتغيرات، التي تحدثها البيئة وعدم ترك الفلاحين الصغار يواجهون ذلك بمفردهم، كأن تكون وسائل حديثة تتناسب مع التغيرات البيئية او تبديل انتاج زراعي، يحتاج الى المياه بنتاج يتحمل الظروف البيئية الصعبة.
ليعود الفلاح رمزا ينافس في التجارة، ويعود تصدير العراق بصورة كبيرة للمنتوجات العراقية المختلفة.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية