اخبار اسلامية
أخر الأخبار

خطبتا صلاة الجمعة في حسينية الإمامين الجوادين (ع) بإمامة الشيخ سمير الشحماني

أقيمت صلاة الجمعة المباركة، في حسينية الإمامين الجوادين (ع)، بإمامة الشيخ سمير الشحماني.

 

وفيما يلي نص خطبتي صلاة الجمعة، وتابعتهما “النعيم نيوز”:

الخطبة الأولى:

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

توكلت على الله رب العالمين

والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين

يا مَن يَملِكُ حَوائِجَ السَّائِلينَ وَيَعلَمُ ضَميرَ الصَّامِتينَ لكلّ مَسألَةٍ مِنكَ سَمعٌ حاضِرٌ وَجَوابٌ عَتيدٌ، اللهُمَّ وَمَواعيدُكَ الصَّادِقَةُ وَأياديكَ الفاضِلَةُ وَرَحمَتُكَ الواسِعَةُ، فَأسألُكَ أن تُصَلّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأن تَقضيَ حَوائِجي لِلدُنيا وَالآخرةِ إنَّكَ عَلى كُلِّ شيءٍ قَديرٌ

قال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى‏ أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، ينطلق اليهود في تعاملهم مع سائر المجتمعات من عقلية عنصرية استعلائية، تغذيها كتبهم الدينية المليئة بالأساطير والتحريفات، فهم يعتقدون أنهم أبناء الله على الحقيقة لا على المجاز، كما جاء في سفر التثنية من التوراة المتداولة لديهم، (الإصحاح 7): (أنتم أولاد الرب إلهكم).

وأن آدم كانت له حسب ما ورد في التلمود، وهو المصدر الأول للشريعة اليهودية عشيقة من الجن أنجب منها أطفالاً، كما أن حواء كان لها عشاقها من الجن أيضاً، وأنجبت منهم كذلك، فهؤلاء الذين أنجبهم آدم من غير حواء، أو حواء من غير آدم، هم أصل سائر الناس، أما أولاد آدم الشرعيين من حواء فهم اليهود.

فأرواح اليهود – في زعمهم – تتميز عن باقي الأرواح بأنها جزء من الله، وهي أرواح عزيزة عند الله، والإسرائيلي معتبر عند الله أكثر من الملائكة، وإذا ضرب غير اليهودي يهودياً فكأنما ضرب العزة الإلهية ويستحق الموت، والفرق بين اليهودي وغيره هو كالفرق بين الإنسان والحيوان.

ونفهم أيضاً كيف اعتبر الإسرائيليون مقتل اثنين من جنودهم في رام الله مبرراً لهستيريا القمع والإرهاب التي مارسوها في الأراضي الفلسطينية، ويقول الدكتور حسن ظاظا المتخصص في دراسة تاريخ اليهودية واليهود: إن اليهود يحتقرون غيرهم من الشعوب ويطلقون عليهم (جوييم)، واقترنت كلمة (جوى) في عقولهم بالزراية والاحتقار، فإذا قال اليهودي عن شخص أو شيء أنه (جوى)، فهو يعني بذلك أنه همجي بربري يجمع القذارة والنجاسة والاحتقار.

فالتراث اليهودي الموثق في التلمود والمدراش يوحي بألوان من التعصب اليهودي ضد أمم العالم، من ذلك أنهم يحرمون أن ترضع المرأة الإسرائيلية طفلاً من غير اليهود، حتى وإن تعرّض للموت من الحرمان من الغذاء، بل تحرم على اليهودي كائناً من كان أن يصدق في النصيحة لوجه الله لرجل غير يهودي، أو أن يعيد إلى غير اليهودي شيئاً فقد منه.

وحسب هذه النظرة العنصرية الاستعلائية يتصرف اليهود في علاقاتهم مع باقي البشر، وهي تشكل توجههم العام، وإذا ما تمرد بعض مفكريهم واعترض على هذا التوجه العنصري، فإنهم يرمونه بالكفر ويحاصرون دعوته في أوساطهم كما حصل للطبيب اليهودي (الأندلسي موسى بن ميمون وللفيلسوف اليهودي الهولندي باروخ سبينوزا ومن بعده المفكر اليهودي موسى مندلسون)، والذي تكتل المتعصبون اليهود ضده ووصموه بالكفر، وحرموا كتبه، بل كانوا يبحثون عنها في الأسواق ويعدمونها قبل أن تصل إلى أيدي القراء.

وتحدث القائد الهندي (جواهر لال نهرو) عن هذه الظاهرة العنصرية عند اليهود وما سببت لهم من رد فعل من قبل المجتمعات البشرية الرافضة لسلوكهم الاستعلائي العنصري قائلاً: (اليهود شعب عجيب. كانوا في السابق قبيلة صغيرة أو عدة قبائل تسكن فلسطين، ورد تاريخها في العهد القديم في التوراة. وكانوا وما زالوا يظنون أنهم شعب الله المختار. ويظهر أن هذا الظن قد جنى عليهم كثيراً، فغزاهم الغزاة وأخضعوهم وأسروهم… وأخيراً تفرق هؤلاء اليهود في مختلف أنحاء العالم. فلم يكن لهم بيت أو وطن، وأينما حلوا كانوا يعاملون معاملة الغرباء غير المرغوب فيهم، حتى أن كلمة اليهودي أصبحت مرادفة للبخل والربا).

في مواجهة الإسلام:

التعصب العنصري وعقلية الاستعلاء هي من أسباب رفض اليهود للدعوة الإسلامية، رغم أنهم كانوا يتحدثون لقبائل العرب في المدينة ومكة، عن ظهور نبي موعود في تلك المنطقة يقرأون صفاته في توراتهم، ولكنهم كانوا يعتقدون أن ذلك النبي لا بد أن يكون من أبنائهم، فلما ظهر رسول الله من وسط قريش العرب، ومع انطباق كل الصفات التي في التوراة عليه، غاض ذلك اليهود إذ كيف يخضعون لقيادة من غيرهم، وهم شعب الله المختار، وسواهم أدنى منهم حسب زعمهم. لذلك كانوا يروجون لمقولة: لا يبعث الله نبياً من العرب.

ويقول الله تعالى عن موقفهم الاستكباري: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ)، ولم يقفوا عند حدود الرفض للدعوة، بل جندوا طاقاتهم وقدراتهم لعرقلة مسيرة الإسلام، والتآمر على كيانه الناشئ في المدينة المنورة، لأن ظهور الإسلام أفقدهم ما كانوا يريدونه من مكانة مميزة، ودور يتفوقون فيه على من حولهم، ويسيطرون على مقدراتهم.

وساءهم أن يتوحد أهل المدينة من الأوس والخزرج تحت راية الإسلام، بعد أن كانوا متحاربين وكان اليهود يغذّون بينهم حالة الصراع لإضعافهم أمام الأطماع اليهودية، كما أن تحريم الإسلام للربا وجه ضربة لهيمنتهم الاقتصادية على أهل يثرب عن طريق الربا.

وانطلاقاً من إنسانية الإسلام، وإقراره لحرية العقيدة، وتشريعه لمنهج التسامح والتعايش، فإنه لم يبادر المسلمين بأي موقف عداء، ونهى أتباعه أن يتناقشوا معهم في أمر الدعوة إلا بأفضل أسلوب ﴿وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾. بل وقّع الرسول مع مختلف قبائل اليهود في أنحاء المدينة وأطرافها معاهدة تنص على التعايش وحسن الجوار وعدم الاعتداء والدفاع المشترك عن منطقة يثرب، وهي ما عرف بصحيفة المدينة.

لكن العقلية العنصرية لم تسمح لهم بالقبول بالمشاركة مع الآخرين على مستوى واحد من الحقوق والالتزامات المتبادلة، ولا أن يسكتوا على نمو قوة كيان جديد متحرر عن نفوذهم وهيمنتهم، لذلك بدأوا يحيكون المؤامرات، ويدعمون القوى المعادية للإسلام من كفار قريش إلى المنافقين داخل المدينة، ويمارسون مختلف الاستفزازات للدولة الإسلامية الفتية، رغم المعاهدات الموقعة، ورغم محاولات الرسول لتحذيرهم ونصحهم. يقول تعالى: ﴿أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾ .

مع ذلك لم يتخذ الرسول موقفاً عاماً تجاه كل اليهود، وإنما كان يتصدى للفئة التي تمارس العدوان والاستفزاز منهم، عسى أن تكون عبرة لبقيتهم فيكفوا عن التآمر ويلتزموا بالمعاهدات والمواثيق في حسن الجوار والتعامل.

وفي غفلة من الزمن، وحيث كان المسلمون يغطون في سبات التخلف والانحطاط، عاد خطر اليهود بعد ثلاثة عشر قرناً يهدد الإسلام، ويتحدى المسلمين، فالغرب الاستعماري أراد أن يضرب عصفورين بحجر واحد، فيتخلص من عبء الوجود اليهودي المزعج في دياره، ويشغل بهم العالم العربي والإسلامي، لإعاقة نهضته، ولتبديد قوته وثرواته، فأعطوا اليهود فرصة لتحقيق أحلامهم في بناء كيان خاص بهم، في فلسطين طبقاً لأساطيرهم الدينية، والمسألة تتعدى إيجاد وطن أو كيان لليهود، لأن طبيعتهم العنصرية وعقليتهم الاستعلائية، تدفعهم للهيمنة على من حولهم، فهم يخططون للسيطرة على الشرق الأوسط كله، بل ويصرحون بذلك.

وعلى هذا فالكيان الصهيوني لا يمثل مجرد احتلال لقطعة من أعز الأراضي العربية فقط، بل هو تحد سافر لكرامة الأمة، واغتيال لمستقبلها، وتهديد لاستقلالها ومقدراتها.

لكن الجسم العربي والإسلامي بقي رافضاً لهذا الوجود اليهودي الدخيل، ومع نمو الروح الإسلامية تصاعدت حالة الرفض والمقاومة للكيان الصهيوني، وأدرك اليهود ومن خلفهم أن القوة وحدها لا تحمي هذا الكيان من غضب المحيط الإسلامي، ولا تمكن اليهود من تنفيذ مخطط الهيمنة والسيطرة، لذلك رفعوا شعارات السلام الخادعة، وانطلقت مسيرة التسوية في الشرق الأوسط، وهي تستبطن إقناع العرب والمسلمين بتقبل الوجود الصهيوني، وتطبيع العلاقة معه، وإتاحة الفرصة له لتنفيذ مخططاته في الهيمنة على المنطقة، كرأس حربة للاستكبار العالمي. فكانت كامب ديفيد الأولى، ومؤتمر السلام في مدريد، واتفاقات أوسلو، واستجاب بعض الزعماء لهذا المكر والخداع، وفتحت سفارات وممثليات لليهود في بلاد المسلمين، وصارت وفودهم تجوب العديد من بلدان الإسلام، وهناك من هرول للتطبيع مع إسرائيل، وهناك من بشر بغنائم ومنجزات السلام!!

وتأتي طوفان الأقصى اليوم لتكشف الوجه الحقيقي للمشروع الصهيوني، فاليهود لا يتخلون عن طبيعتهم العنصرية، ونفوسهم تنضح بالعداوة والحقد على الإسلام والمسلمين، وما يمارسونه من إرهاب وقمع شنيع للفلسطينيين العزل، هو تذكير للمنخدعين بوحشية اليهود، وعدم التزامهم بأي مواثيق أو عهود.

إنها تضع حداً لخداع السلام، وتقيد المبادرة إلى الشعب الفلسطيني، وتوفر الزخم لجماهير الأمة، لتستعيد حيويتها ودورها الفاعل في ساحة الأحداث.

فبالسير على خط الإسلام، والتزام قيمه ومبادئه، وبروح المقاومة والجهاد، والاستعداد للتضحية والاستشهاد، تحقق النصر المؤزر. إن القصف والقمع الإسرائيلي ليس جديداً على الفلسطينيين والعرب، فتاريخ الكيان الصهيوني هو سجل للمآسي والفظائع وللمذابح والمجازر وعلى المسلمين في كل مكان أن يقوموا بواجبهم، فالمعركة لا تخص الفلسطينيين، وأطماع اليهود لا تقف عند حدود فلسطين.

اللهم اشغل الظالمين بالظالمين واخرجنا من بينهم سالمين

اللهم احمي الأقصى يا ارحم الراحمين، كما اسالك أن تمكنهم في الأرض كما مَكَّنْت الذين من قبلنا، واعفوا عنا وثبت قلوبنا على حُبّك يا أرحم الراحمين.

يا رب سدد ضربات المقاومة واقتل الغاصبين ومن والاهم، كما أسالك أن تقذف الرعب في قلوب اليهود يا الله.

يا رب كن العَون والنّصر للمسلمين في فلسطين المُحتلة، اللهم قد ضاقت بهم الأرض بما رحبت آمين يا رب العالمين.

الخطبة الثانية:

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

توكلت على الله رب العالمين

الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .. وصفيه من خلقه وحبيبه .. اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

السَّلامُ عَلَيكَ يا حُجَّةَ الله في أرضِهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا عَينَ الله في خَلقِهِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا نورَ الله الَّذي يَهتَدي بِهِ المُهتَدونَ ويُفَرَّجُ بِهِ عَنِ المُؤمِنينَ، السَّلامُ عَلَيكَ أيُّها المُهَذَّبُ الخائِفُ، السَّلامُ عَلَيكَ أيُّها الوَليُّ النّاصِحُ، السَّلامُ عَلَيكَ يا سَفينَةَ النَّجاةِ، السَّلامُ عَلَيكَ يا عَينَ الحياةِ، السَّلامُ عَلَيكَ صَلّى اللهُ عَلَيكَ وَعَلى آلِ بَيتِكَ الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ، السَّلامُ عَلَيكَ، عَجَّلَ الله لَكَ ما وَعَدَكَ مِنَ النَّصرِ وَظُهورِ الأمرِ ، السَّلامُ عَلَيكَ يا مَولايَ أنا مَولاكَ عَارِفٌ بِأُولاكَ واُخراكَ. أتَقَرَّبُ إلى اللهِ تَعالى بِكَ وَبِآلِ بَيتِكَ، وَأنتَظِرُ ظُهورَكَ وَظُهورَ الحَقِّ عَلى يَدَيكَ، وَأسألُ الله أن يصلّي عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأن يَجعَلَني مِنَ المُنتَظِرينَ لَكَ وَالتَّابِعينَ وَالنَّاصِرينَ لَكَ عَلى أعدائِكَ، وَالمُستَشهَدينَ بَينَ يَدَيكَ في جُملَةِ أوليائِكَ ، يا مَولايَ يا صاحِبَ الزَّمانِ، صَلَواتُ الله عَلَيكَ وَعَلى آلِ بَيتِكَ، هذا يَومُ الجُمُعَةِ وَهُوَ يَومُكَ المُتَوَقَّعُ فيهِ ظُهورُكَ، وَالفَرَجُ فيهِ لِلمُؤمِنينَ عَلى يَدَيكَ، وَقَتلُ الكافِرينَ بِسَيفِكَ، وَأنا يا مَولايَ فيهِ ضَيفُكَ وَجارُكَ، وَأنتَ يا مَولايَ كَريمٌ مِن أولادِ الكِرامِ وَمَأمورٌ بِالضيافَةِ وَالإجارَةِ فَأضِفني وَأجِرني صَلَواتُ الله عَلَيكَ وعَلى أهلِ بَيتِكَ الطَّاهِرينَ.

قال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ )

في هذه الدنيا مصائب ورزايا، ومحن وبلايا، آلامُ تضيقُ بها النفوس، ومزعجاتُ تورث الخوفَ، كم في الدنيا من عينٍ باكيةٍ ؟ وكم فيها من قلب حزين؟ وكم فيها من الضعفاءِ والمعدومين، قلوبُهم تشتعل، ودموعُهم تسيل ؟. هذا يشكُ علةً وسقماً. وذاك حاجة وفقراً. وآخر هماً وقلقاً. وهذا عزيزٌ قد ذل، وغنيٌ افتقر، وصحيحٌ مرض، ورجل يتبرم من زوجه وولده، وآخرُ يشكُ ويئنُ من ظلمِ والده وثالثٌ كسدة وبارت تجارته، وشاب أو فتاة تبحث عن عروس، وطالب يشكو كثرة الامتحانات أو الدروس. هذا مسحور وذاك مدين، وأخر ابتليَ بالإدمان والتدخين، ورابعُ أصابه الخوفُ ووسوسةُ الشياطين. تلك هي الدنيا، تضحكُ وتبكي، وتجمعُ وتشتت، شدةُ ورخاءُ وسراءٌ وضراءُ. فهي متقلبة لا تدوم على حال، وفي تقلب الدهر عجائب، وفي تغير الأحوال مواعظ، توالت العقبات، وتكاثرت النكبات، وطغت الماديات على كثير من الخلق فماذا كانت النتيجة تنكروا لخالقهم ووهنت صلتهم بربهم.

اعتمدوا على الأسباب المادية البحتة، ولم يسألوا مسبب الأسباب فسادت موجات القلق والاضطراب، والضعف والهوان، وعم الهلع والخوف من المستقبل، خافوا على المستقبل، تخلوا عن ربهم فتخلى الله عنهم:(نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) التوبة 67.

في هذا العصرُ تعلقَ الناسُ بالناسِ، وشكا الناسُ إلى الناس، ولا بأسَ أن يُستعانُ بالناس في ما يقدرون عليه، لكن أن يكونَ المُعتمَدُ عليهم، والسؤال إليهم، والتعلقُ بهم ويغفلوا عن الله فهذا هو الهلاكُ بعينه، فإن من تعلق بشيٍ وكلَ إليه….فأين نحن من الشكوى لله، أين نحن من الإلحاح والتضرعِ الى الله؟ ،سبحان الله، ألسنا بحاجةٍ إلى ربنا؟ أنعتمدُ على قوتنا وحولِنا،.. والله ثم واللهِ لا حول لنا ولا قوةَ إلا بالله. واللهِ لا شفاء إلا بيد الله، ولا كاشفَ للبلوى إلا الله، ولا توفيق ولا فلاح ولا سعادةَ ولا نجاح إلا من الله، فالفرار إلى الله، واللجوء إليه في كلِ حالٍ وفي كل كربٍ وهم، هو السبيلُ للتخلصَ من ضعفنا وفتورنا وذلنا و هواننا… فيا أصحابَ الحاجات…أيها المرضى…أيها المدينون…أيها المكروب والمظلوم….أيها المُعسرُ والمهموم… أيها الفقيرُ والمحروم…يا من يبحث عن السعادة الزوجية….يا من يشكو العقم ويبحث عن الذرية.. يا من يريد التوفيق بالدراسة والوظيفة…..يا من يهتم لأمر المسلمين…يا كل محتاج،..

يا من ضاقت عليه الأرضُ بما رحبت.. لماذا لا نشكوُ إلى اللهِ أمرنا وهو القائل: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر 60، لماذا لا نرفعُ أكفَ الضراعة إلى الله وهو القائل: (فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) البقرة 186، فلماذا ضُعفُت الصلةِ بالله، وقل الاعتمادِ على الله، وهو القائل: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ لولا دعاؤكم..) فيا من نزلت بها نازلة، أو حلت به ضائقة يا من بليت بمصيبةٍ أو بلاءٍ، ارفع يديك إلى السماء وأكثر الدمعَ والبكاء، وألحَ على اللهِ بالدعاء وقل: يا سامعاً لكلِ شكوى. يامن تسمع كلامي وترى مكاني، يا خالق الأكوان أنت المرتجى…… وإليك وحدك ترتقي صلواتي، يا خالقي…ماذا أقول وأنت تعلمني وتعلم حاجتي وشكاتي ، يا خالقي ماذا أقول وأنت مطلع على شكواي والأناتي، يا رب، يا سامع كل نجوى، ويا شاهد كل بلوى، يا عالم كل خفية، ويا كاشف كل بلية، يا من يملك حوائج السائلين، ويعلم ضمائر الصامتين.. ندعوك دعاء من أشدت فاقته، وضعفت قوته، وقلت حيلته دعاء الغرباء المضطرين ..الذين لا يجدون لكشف ما هم فيه إلا أنت…يا أرحم الراحمين
إذا استعنت فأستعن بالله، وإذا سألت فأسأل الله، وتوكل على الله وحده، وأعلن بصدقٍ أنك عبده واسجد لله بخشوع، وردد بصوتٍ مسموع: يا سامعاً لكلِ شكوى.

إن الأنبياء والرسلَ، وهم خيرُ الخلق، وأحبُ الناسَ إلى الله، نزل بهم البلاء واشتدَ بهم الكرب، فماذا فعلوا وإلى من لجئوا. هذا نوحٌ عليه السلام يشكو أمرَه إلى الله ويلجأُ لمولاه: قال تعالى: (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ)، وهذا أيوبُ عليه السلام، ابتلاهُ اللهُ بالمرضِ لكنه لم ييئس عليه السلام، بل صبرَ واحتسب توجه إلى ربه بالشكوى ليرفع عنه الضر والبلوى قال تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ). فماذا كانتَ النتيجة ؟…قال الحقُ عز وجل: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ).

وهذا سيدنا يونسُ عليه السلام، رفع الشكاية لله فلم ينادي ولم يناجي إلا الله قال تعالى: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ). فماذا كانتَ النتيجة؟ قال تعالى (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ).

وزكريا عليه السلام قال الحق عز وجل عنه: (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ). ماذا كانت النتيجة ؟(فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ). وهذا سيدنا يعقوبُ عليه السلام لما فقد ولده يوسف عليه السلام قال: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)، انظروا لليقين، انظروا للمعرفة برب العالمين: (وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)، فاستجاب اللهُ دعائَه وشكواه وردَ عليه يوسفَ وأخاه. وهذا يوسف عليه السلام ابتلاه الله بكيد النساء، فلجأ إلى الله، وشكى إليه ودعاه فقال: (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ)، إنه التضرع والدعاء، والافتقار لرب الأرض والسماء، إنها الشكاية لله، وحسن الصلة بالله. (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). وأخبر الله عن نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه حينما دعا ربه في غزوة بدر ورأى كثرة عدد المشركين فاستغاث برب العالمين فقال تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ).

وقد جاء في دعاء الندبة: اَيْنَ بابُ اللهِ الَّذى مِنْهُ يُؤْتى، اَيْنَ وَجْهُ اللهِ الَّذى اِلَيْهِ يَتَوَجَّهُ الاَْوْلِياءُ، اَيْنَ السَّبَبُ الْمُتَّصِلُ بَيْنَ الاْرْضِ وَالسَّماءِ.

قال أمير المؤمنين: فابتغوا إليه الوسيلة، أنا وسيلته.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: أنا وسيلته بينه وبين أمته.

في خطبة الزهراء (عليها السلام): … فاحمدوا الله الذي بعظمته ونوره ابتغى من في السماوات ومن في الأرض إليه الوسيلة، فنحن وسيلته في خلقه، ونحن آل رسوله استغاثة ولجوء إلى الله، وشكوى وصلة بالله سبحانه وتعالى.

أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم”.

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرامالنعيم نيوز

ولمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التاليالنعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا علىقناة النعيم الفضائية

ولا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرامالنعيم نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى