خطبة صلاة الجمعة في جامع الجوادين (عليهما السلام) بإمامة السيد حيدر العرداوي
أقيمت صلاة الجمعة، بإمامة السيد حيدر العرداوي (علاقة الدين بالأخلاق) في جامع الجوادين (عليهما السلام)، المصادف 22/10/2021, في حي الإسكان مركز المحافظة.
,وأفاد مراسل “النعيم نيوز”، أنه “تطرق الشيخ العرداوي في الخطبة الأولى ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾١ ونحن نعيش في رحاب ولادة منقذ البشرية ومُخرجها من الظلمات إلى النور، النبي المختار، وددنا أن نقف قليلاً على أهم صفة اشتهر بها خاتم الأنبياء ، والتي استطاع من خلالها انتشال ذلك المجتمع الجاهلي الذي وصفته الزهراءبقولها: ( وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ، مُذْقَةَ الشّارِبِ، وَنُهْزَةَ الطّامِعِ، وَقُبْسَةَ الْعَجْلانِ، وَمَوْطِئَ الأقْدامِ، تَشْرَبُونَ الطّرْقَ، وَتَقْتاتُونَ الْوَرَقَ، أذِلَّةً خاسِئِينَ، {تَخافُونَ أنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِكُمْ} .فأنقذكم اللهُ تَبارَكَ وَتَعالى بِمُحَمَّدٍ صَلى الله عليه وآله )”.
والمتتبع لحياة النبي يرى أنه انتشل هذا المجتمع بأخلاقه الحميدة، ولكن كيف تعاملت الأمة مع أهل بيته بعد رحيله؟ فالأخلاق هي الصفة الأساسية لبناء إنسانية الإنسان أو تسافلها، فكلما تحلى الإنسان بالأخلاق الحميدة ازداد رقيًا نحو الكمال، وكلما ابتعد عنها تسافل وتدنى نحو سوء العاقبة، فالمعيار الأساسي لبناء الإنسان هو حسن الخلق فقد ورد في الحديث: (ليس في الميزان أثقل من حُسْن الخلق ) وعنه : (الخلق وعاء الدين) .٤ ، وقد عرّف أهل اللغة الخُلُق بأنه: (الدين والطبع والسجية)٥ فالأخلاق الحسنة هيئة ثابتة وراسخة في نفس الإنسان ناتجة من كثرة المواضبة عليها فهي تمثل سجية وعادة لصاحبها كلما أُتيحت الفرصة جيء بها كالعفو والتسامح والشجاعة والكرم، فرغم الأذى الذي أصاب النبي من قريش، أنظر كيف تعامل النبي معهم، فقد روي عندما فتح مكة عنوة خطب على باب الكعبة ثم قال: ( يا معشر قريش! ما ترون أني فاعل فيكم؟ قالوا: خيراً، أخٌ كريم، وابن أخٍ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء) .
وتابع العرداوي، أنه” فبهذه الأخلاق النبيلة استطاع النبي أن يفتح مكة وينشر الدين الإسلامي، ومن هذا المنطلق نستطيع أن نقول أن العلاقة بين الدين والأخلاق في المنظومة الإسلامية علاقة التلازم أي: لا يمكن التفكيك بينهما إلى درجة عدة الدين هو الأخلاق، فقد روي أن رجل جاء إلى رسول الله من بين يديه فقال: يا رسول الله ما الدين؟ فقال: حُسن الخُلق، ثم أتاه عن يمينه فقال: ما الدين؟ فقال: حُسن الخُلق، ثم أتاه من قِبل شماله فقال: ما الدين؟ فقال حُسن الخُلق”.
فبهذا الحديث وغيره من الأحاديث يظهر لنا جلياً بأن الدين هو حُسن الخُلق والعكس صحيح، ويقول السيد الطباطبائي : ( أن روح التوحيد سارية في الأخلاق الكريمة التي يندب إليها هذا الدين وروح الأخلاق منتشرة في الأعمال التي يكلف بها أفراد المجتمع، فالجميع من أجزاء الدين الإسلامي ترجع بالتحليل إلى التوحيد والتوحيد بالتركيب يصير هو الأخلاق والأعمال)٨ ، فالدين بلا أخلاق لا قيمة له، والأخلاق بلا دين لا قيمة لها، ومن هنا يتضح لنا عدم إمكانية التفكيك بين الدين والأخلاق لأن الدين هو الأخلاق، نعم يوجد هناك تفاوت أخلاقي بين أفراد المجتمع بحسب المقدمات التي عندهم، فأخلاق الأنبياء والأوصياء تختلف عن غيرهم، بل هناك تفاوت حتى عند الأنبياء فلم يصل أحد منهم إلى ما وصل إليه النبي الخاتم بشهادة القرآن: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾، ومن هذا المنطلق أصبح أهلاً لحمل أعظم رسالة نزلت من السماء متمثلة بالقرآن الكريم الذي فيه تبيان لكل شيء .
من هنا يظهر أن أي واعظ أو حامل رسالة لابد أن يكون كُـفأً لما يحمل حتى يكون مؤثراً ومنتجاً في المجتمع، لأن أي رسالة لا تكون فاعلة ومؤثرة وتؤدي دورها في حياة الأمة إذا لم يكن حاملها مستوعباً لها ومجسدها في سلوكه قولاً وفعلاً ، وكما يقول الحكماء: (الواعظ إذا لم يكن متعظاً فلا يؤثر في القلوب ولا يهذب النفوس)، ولهذا نرى كثيراً من الدعوات غير الإلهية تفشل بسبب عدم تجسيدها من قِبل أصحابها، بل أكثر من ذلك في بعض الأحيان تنعكس سلبياً عليه وعلى المجتمع، كما نرى في مجتمعنا كثيراً ممن يدعي الإصلاح والأمانة والاعتدال، وهو بنفسه يحتاج إلى إصلاح، فهو في هذه الحالة يفسد من حيث يشعر أو لا يشعر فيصبح مصداقاً لقوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ في الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ )٩ وفي عراقنا الحبيب كثير منهم يشعرون لانهم يمثلون أجندات تهدف إلى هدم القيم والمبادئ الإسلامية.
لذا يجب علينا كمجتمع إسلامي أن نتأسى بأخلاق النبي ونقف بوجه كل من يريد إفراغ المجتمع الإسلامي من القيم والمبادئ الأخلاقية التي يحملها، من خلال سَن قوانين مطابقة لما تريده الشريعة الإسلامية والعمل بها والوقوف بوجه كل من يريد تفكيك المجتمع الإسلامي، وعلى رأسهم أمريكا وإسرائيل التي عجزت بحروبها المتكررة في المنطقة من السيطرة على الجانب الأخلاقي للمجتمع الإسلامي، فاتجهت نحو الحرب الناعمة التي تعمل على إفراغ الأمة الإسلامية من الجانب الروحي والأخلاقي بدواعي الحرية والديمقراطية التي حققت نجاحاً كبيراً في المجتمع الغربي من خلال سَــن قوانين مخالفة للقوانين الإلهية، والتي أوصلت المجتمع الغربي للإنهيار الأخلاقي، وعيش الحياة الحيوانية بشتى ألوانها وأشكالها، إلى درجة إقرار الزواج المثلي الذي تحرمه جميع الأديان، ولكن لم يعترضوا عليه لأنهم جعلوه من ضمن الحريات الفردية، لذا نرى الغرب الكافر وأذنابهم من أبناء البغايا غيروا بوصلة المعركة من عسكرية إلى ثقافية، لقتل الدين الإسلامي تحت عنوان الحرية والديمقراطية وغيرها من العناوين التي تدعو للإنفتاح اللاأخلاقي والتي ترمي إلى إفراغ الشاب المسلم من الطاقة الإيمانية التي يمتلكها، فعملوا على فتح وتصدير المواقع الإباحية بدون أي رقابة، أو نجدهم بين الحين والآخر يخرجوا إلينا بقانون جديد يروموا به الإنهيار الأخلاقي، وآخرها سن قانون العنف الأسري الذي يرمي إلى إسقاط ولاية الأب إذا بلغ أبناءه سن البلوغ، فيصبح لهم مطلق الحرية بالدخول والخروج من البيت، فظاهر هكذا قوانين أنيق يحمل سمة إنسانية، وحرية للفرد، ولكن باطنه عميق يعمل على إضعاف الجانب الروحي والأخلاقي لدى الشاب المسلم، وهي خطوة أولى نحو الإنحراف الذي يخطط له شياطين الجن والأنس لذا نجد الباري عز وجل يُحذّر المؤمنين من هذه المخططات الشيطانية، قال تعالى: (ياأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَٰنِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَٰنِ فَإِنَّهُۥ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشاء والمُنكَرِ )١٠
وقد كان لسماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي خطابات عديدة بيَّن من خلالها المخططات الشيطانية التي أُعدت للمنطقة بالعموم والعراق بالخصوص، موضحاً بخطابه الأخير الموسوم (لَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَٰانِ) كيفية بدء الإنحراف الأخلاقي والسياسي والإجتماعي وغيرها من الإنحرافات من خلال بيان تراتُبية خطوات الشيطان في إغواء المجتمع، والذي يدخل في بعض الأحيان من عمل غير محرم شرعاً لكنه طريق للوقوع في المعصية .١١
إن للمنظومة الأخلاقية آثار عظيمة في حياة الإنسان، فإذا التزم بها نال السعادة الدنيوية والأخروية، وإذا تخلف عنها شقي في الدنيا وخسر في الآخرة، لذا نرى أن الهدف الأساسي من بعثة الأنبياء هو تحسين خُلق المجتمع المنغمس بالرذيلة التي زيّنها لهم شياطين الجن والإنس، فنجد النبي يصرح بالهدف المبعوث من أجله بقوله قال: (إنما بُعثت لأتممَ مكارم الأخلاق) .
فطريق تهذيب النفس الذي جاء به النبي مفتوح للجميع، لأنه كما قلنا بأن الأخلاق الحميدة هيئة راسخة في نفس الإنسان فقط تحتاج إلى محركية، والشيء العارض علينا هو سوء الخُلُق قال تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْـزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا}١٢ ، فحُسن الخُلق لا يحتاج إلَّا لتفعيل من قِبلنا وإظهارِه إلى الخارج من خلال العمل الصالح الذي أوصانا به الباري عز وجل على لسان أنبيائه وأصفيائه قال تعالى: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ)١٣ والذي ترجمه أمير المؤمنين للوصول إليه بقوله: «حُسنُ الخُلقِ في ثَلاثٍ: اجْتِنابُ المَحارِمِ، وطَلَبُ الحَلالِ، والتَّوَسُّعُ على العِيالِ»١٤..
14:27