مقالات
أخر الأخبار

تكسر الحدود الطبقية في المدينة العراقية المعاصرة

كتب أ.د. عبد الواحد مشعل: إن دراسة واقع المدينة المعاصرة في العراق يحتاج إلى وقفة دقيقة، وتأمل حاد، فمن المعروف أن تشكل المدن في أكثر المجتمعات الحديثة يقوم على التنظيم الطبقي (فقيرة ومتوسطة وغنية)، ولكل طبقة ثقافة خاصة بها لا تتحكم في سلوك أفرادها وطريقة حياتهم فحسب، بل تلعب دوراً بارزاً في تشكيل مورفولوجيا المكان الذي تعيش فيها كل طبقة.

 

والنقطة الجديرة بالاهتمام أن هناك تغييراً حصل في هذا الهيكل التنظيمي بفعل التحولات الثقافية والاجتماعية في المدن الحديثة، إذ شهدت المدينة العراقية حراكاً لم تعهده المدن التقليدية من قبل، يمثل في زحف أسر وأفراد من الطبقتين الفقيرة والمتوسطة إلى موطن الطبقة البرجوازية أو المرفهة، الذي يتميز سكانه بثقافة حضرية لها أسلوبها في الحياة وطرق عيشها الخاصة، يقابلها الطابع الشعبي بأنماط سلوكية قائمة على علاقة الوجه بالوجه.

وقد ساعد زحف كثير من أبناء الطبقة الشعبية من الأغنياء الجدد على تكسر الحدود الطبقية، وهو ما يظهر جلياً في مدينة بغداد اليوم، فلم تبق منطقة المنصور أو الجادرية، وغيرها تتميز بطابعها الثقافي الطبقي، فسكن فيها أناس يحملون ثقافة أخرى مغايرة تماماً لخصائص الحياة الحضرية، إذ ظهر على القادمين أو الزاحفين إليها طابع السلوك العشائري أو الشعبي، الذي يظهر على أفراده نوع من الخشونة.

كما ساعد على ظهور الاختلاط الطبقي انتعاش النشاط التجاري وتوسع المحال التجارية، ما أثر في معالم مورفولوجية مدينة بغداد، كما أدى الاختلاط الطبقي إلى انتشار المظاهر العشائرية وأنماط الثقافة التقليدية كما ساعد انتشار العشوائيات، وتجريف المناطق الخضراء (البساتين) إلى تغير استعمالات الأرض عن وظائفها الأساسية، وقد أثر ذلك في تغير معالم المدينة الحضرية والتأثير على نظافة ونقاوة البيئة.

لقد كان لعلماء الأنثروبولوجيا والاجتماع، الفضل في تحليل وتفسير هذه التغيرات الثقافية في المدن الحديثة حتى صار الحديث عن المدينة الكوكبية بمرفولوجيتها، وتقسيماتها، وخدماتها العملاقة لكي تصل إلى ملايين الناس، وبأحدث الوسائل التقنية، كما يظهر ذلك في كثير من المدن العالمية، لذا فالنظر إلى مدننا ينبغي أن يأخذ منحى مستقبلياً بعين الحداثة، من أجل رسم استراتيجية للحفاظ على هوية المدينة الحضرية.

إن الحديث عن تكسر الحدود الطبقية يتطلب طرح سؤال مقنناً مفاده: ما أسباب ذلك؟ فالذي يتيح الإجابة عن ذلك يكن في قراءة وافية لتغير الإطار الشمولي بشقيه، الأول يتعلق بالتحولات الحضارية في العالم بعد الثورة المعلوماتية، ومن ثم الثورة الاتصالية التي خلقت تقارباً كبيراً بين البنى العقلية الحاكمة لهذه الطبقات، أما الثاني فيتصل بمحدداتها الداخلية، ولاسيما الحروب والأزمات الخانقة التي مر بها المجتمع العراقي خلال العقود الأربعة الماضية، سواء في البنى السياسية أو الاقتصادية أو القيمية.

الملفت للنظر أن هذه الظاهرة لم تكن محصورة في المجتمع العراقي فحسب، إنما في مجتمعات أخرى أيضاً، وإذا عدنا إلى فعل الشق الأول (التحول العولمي) المتمثل بالثورات المعلوماتية والاتصالية والرقمية، الذي جعل الأجيال الجديدة تقف أمام واقع جديد خارج البنى التقليدية لمحددات النظام الطبقي بأنماطه السلوكية المعتادة، أما الشق الثاني (المحدد الداخلي) فقد ظهراً مبكراً مع تراجع واضح لدور الطبقة الوسطى الفكري المبدع، عندما أفرغت فواعله من محتوه الإنجازي المستقل، ولا سيما ما يتعلق بمثقفيه عندما تحول الكثير منهم إلى الارتزاق تحت سلطة الرأي الواحد، وانزوى المبدعون الأحرار منهم في بيوتهم أو رحلوا إلى بلدان أخرى، فضلاً آثار الحروب والأزمات التي عصفت بالمجتمع، والمستمرة منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن.

لذا فالمطلوب من الهيئات التخطيطية في العراق إعادة رسم مورفولوجيا المدينة بطرز جديدة من المعمار والطرق الفسيحة والمناطق الخضراء، وإدامة النظافة من أجل بغداد أجمل، مع الاحتفاظ وترميم المعالم التراثية بشخصية بارزة، كي تعكس تاريخ المدينة، وجماليتها التراثية الممتزجة مع معالم الحداثة، وتبني حياة ملؤها السلام والإنجاز.

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرامالنعيم نيوز

لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التاليالنعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا علىقناة النعيم الفضائية

كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرامالنعيم نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى