
كتب عبد الأمير المجر: كيف نقرأ موقف الرئيس الأميركي ترامب من الحرب الروسية الأوكرانية، وانحيازه لروسيا الذي صدم به الأوروبيين وغيرهم، مثلما صدم أوكرانيا التي صمدت كل هذه المدة الطويلة بفضل الدعم الأميركي، ولعلها كانت تنتظر دعماً أكبر من أميركا وحلفائها الأوروبيين، لكن الذي حصل أن ترامب قلب الطاولة على الجميع، وأعلن صراحة تخليه عن أوكرانيا ورغبته بإنهاء هذه الحرب، التي يراها عبثية وتدفع بالعالم إلى حافة حرب عالمية ثالثة!
المعروف عن أميركا أنها دولة مؤسسات ولها استراتيجيات مرسومة، تتحرك الإدارات المتعاقبة على تنفيذها وليس تغييرها، كونها معدّة من قبل صنّاع القرار في الدولة العميقة، ومن هنا فإن موقف الرئيس السابق بايدن، من الحرب في أوكرانيا لم يكن محض اجتهاد، وإنما كان وفقاً لتلك الاستراتيجية، وإن موقف ترامب المختلف كلياً عن موقف سلفه، وضع الجميع أمام أسئلة كبيرة.
في اعتقادنا أن جوهر الموقف الأميركي من حرب أوكرانيا في عهد ترامب لا يختلف عنه في عهد بايدن، وإن الاختلاف فقط في الآليات التي توصل للهدف نفسه، لكن يبدو أن اجتهاد ترامب سيكون أكثر تأثيراً وستكون له تداعيات كبيرة مستقبلاً، إن سارت الأمور وفقاً لما يريد، فترامب يدرك تماماً أن روسيا (الدولة النووية الكبرى) لا يمكن أن تتقبل الهزيمة العسكرية ومن دولة صغيرة نسبياً بالنسبة لها، لأن ذلك يعني انتهاء دورها العالمي، وإن ضغط بايدن والأوروبيين طيلة مدة الحرب الماضية، كان بقصد تقويض روسيا وإنهاكها اقتصادياً وعسكرياً، فضلاً عن عزلها سياسياً، لكن هذا دفع الرئيس الروسي بوتين، إلى العمل على صناعة محور أو قطب سياسي عسكري واقتصادي موازٍ لمحور أميركا أوروبا، يتمثل بروسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران، إضافة إلى دول أخرى أقل تأثيراً.
وإن هذا المحور الذي تمتلك الدولتان الأبرز فيه (روسيا والصين) حق النقض في مجلس الأمن، لن يكون الصراع معه نزهة أو سيكون لمرحلة قصيرة، لأن مغذيات استمراره صامدة بوجه الغرب وأميركا كثيرة وأوراقه مؤثرة عالمياً، وإن الاندفاعة الأوروبية من أجل تدمير روسيا وإخراجها من نادي الكبار، حفّز كل من الصين وكوريا الشمالية وإيران على التمسك ببناء هذا المحور، الذي بدت ملامحه تتضح خلال العام الماضي بشكل أكبر، من خلال تدخل كوريا الشمالية عسكرياً إلى جانب روسيا وكذلك موقف الصين الداعم لها، وإن ليس بشكل مباشر، بالإضافة إلى إيران بموقعها الجيوسياسي المهم وحجمها كدولة آسيوية كبيرة.
ترامب قرأ هذا الأمر جيداً، وعمل على نوع جديد من التعامل مع روسيا، ليحقق أكثر من هدف بضربة واحدة من دون تقديم خسائر، إذ إن الرهان على أوكرانيا منتصرة، حلم غير واقعي، لا يعادل ما سيترتب على قيام محور كبير، تجد أميركا نفسها في مواجهته والتصدي له فيما بعد، وما يترتب على ذلك من استحقاقات باهظة الكلفة على مختلف المستويات.
وعليه فإن ترامب يرى أن فرصة احتواء روسيا التي تريد هي الأخرى أن تخرج من هذه الحرب المدمرة والتي طالت أكثر مما يجب، نتيجة لوقوف أميركا وأوروبا خلفها، قد حانت ولا بد من استثمارها قبل فوات الأوان.. وهذا يتحقق من خلال العمل على صيغة جديدة، ترضي روسيا وترفع عن أميركا التكاليف المالية الباهظة، التي ترتبت على وقوفها إلى جانب أوكرانيا.. فكانت فكرة الانفتاح على روسيا من خلال مشاريع اقتصادية ضخمة، تأتي بعد إيقاف الحرب، وجعلها دولة صديقة، سيسحب البساط من تحت أقدام الصين، وسيعزل أكثر كوريا الشمالية وإيران معاً، بعد أن وجدتا في الحرب الروسية الأوكرانية مدخلاً لعقد هذا التحالف الكبير وميداناً للمواجهة مع أميركا.
مذكرين هنا أن الصين لم تصل بعلاقتها مع أميركا خلال الحرب الروسية الأوكرانية إلى الحد، الذي يهدد طبيعة العلاقة الاقتصادية المتينة بينهما، ولكن المؤكد إذا ما جاءت تداعيات الحرب على حساب مصالحها، فستكون مع هذا المحور، غير متناسين قضية تايوان التي تشغلها ولعلها صارت تتحدث علناً عن ضمها، وأن محوراً كبيراً يدعمها، سيضعف موقف واشنطن ويخلق مشكلات كبيرة لها ولأوروبا، لذا لا بد من موقف أميركي يستحضر كل هذه المخاوف ويعزز مكانة واشنطن ويبقي زمام المبادرة بيدها ويضع الجميع من الجبهتين المتقابلتين معاً، أمام استحقاقات جديدة، ولأن ترامب واثق من أن أوروبا ستلتحق بأميركا كأمر واقع في ما بعد.
شيء مهم هنا هو أن ترامب عرض على أوكرانيا تعاوناً اقتصادياً يضمد جراحها، وينتشلها من حرب مدمرة يصعب ضمان الانتصار فيها، وأن الغرب وأميركا لن يقدموا شبابهم فيها، بل قدموا المال والأسلحة التي تواجه بأسلحة يحترق بها الروس والأوكرانيون وحدهم، وهو ما بات الشعبان يدركانه وسيكونان مع أية خطوة تنهي جريان الدم وإنهاء هذا الكابوس.
هل سينجح ترامب ويصل إلى ما يريده، أم ستواجهه معوقات تحول دون تحقيق هدفه الكبير هذا؟ ننتظر ونرى.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز