سياسية

تجاذبات سياسية واحتدام بساحات التظاهر.. ما هو المسار القانوني لتعديل الدستور العراقي؟

وسط احتدام الصراع السياسي الساخن في الشارع العراقي تظهر مجدداً الدعوات لتعديل الدستور التي لا تمثل قضية جديدة على المشهد السياسي في البلاد إذ تتكرر مع كل أزمة سياسية، وتحديداً منذ عام 2010، عقب الانتخابات التشريعية، وذلك كونها مسألة تعتبر من أهم الطرق للإصلاح السياسي والقانوني الذي يحتاجه البلد في الوقت الراهن للوصول لبر ينقذ جميع الأطراف

 

طبيعة الدستور

تعد الدساتير أساس الحياة القانونية للدول، فلا يتخيل وجود دولة حديثة بدون دستور ينظم شؤون الحكم وقواعده وأعماله وأنشطته المختلفة، فان خلت دولـة مـن الدول من الدستور عمت الفوضى والفساد. وهنا يأتي دور الدستور الذي هو بمثابة القانون الأساسي الذي يرتكـز عليـه نظام الحكم، فيقوم بوضع القواعد ويرسم الحدود فيما بين السلطات الثلاث التشريعية التنفيذية والقضائية وفقاً لمبدأ المشروعية، ويبين كيفية ممارسة الحقوق والحريـات وفق نصوص الدستور بلا إفراط ولا تفريط.

وتضع الدول هذه السمات بما يتوافق وطبيعة وعادات وتاريخ شعب الدولة التي تريـد اختيار الأمثل والأنسب لها ولمجتمعها لذلك تقوم بأجراء تعديلات دستورية فتظهر هنا أثر هذه التعديلات على هذه الخصائص أو السمات التي يتضمنها الدستور.

لذلك فأن مسألة التعديلات الدستورية تتصدر الواجهة العراقية بوصفها جزءاً أساساً من إصلاح النظام السياسي الذي احتدم الصراع بين أطرافه ما يجعل أمر وحدة البلاد وانسجام أبنائه على المحك.

 

المواد الخلافية

تفجّر الجدل بين أغلب القوى السياسية العراقية بخصوص المادة 76 من الدستور، المتعلقة بتحديد “الكتلة الكبرى” التي لها حق تشكيل الحكومة، إذ حرم تفسير المحكمة الاتحادية الفائز في الانتخابات من تشكيل الحكومة، ومنح الحق للتحالف الذي يتكون داخل البرلمان في أول جلسة له بعد الانتخابات.

وتُلقي قوى مختلفة في العراق جزءاً من المسؤولية في الأزمة السياسية الحالية، على طريقة كتابة الدستور، وعدم وضوح فقراته، بشكل جعله قابلاً للتأويل والاجتهادات المتكررة.

 

 

مشاكل الدستور وإمكانية التعديل

ومن بين أبرز ما يواجهه الدستور الذي استغرقت كتابته أقل من عام واحد، عبر لجنة تم اختيار أعضائها وفقاً للأوزان الطائفية في البلاد، ديباجته التي تجنبت الإشارة إلى أن العراق دولة عربية والاكتفاء بعبارة العراق عضو في الجامعة العربية.

كما أن هناك عدم وضوح في بنود مختلفة فيه، تتعلق بالفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية، وصلاحيات إقليم كردستان، وصلاحيات مجالس المحافظات والمحافظين، وآلية تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس الجمهورية والبرلمان والتقاطع في صلاحيات بينهم.

بالإضافة إلى أنه يتعرض ل اتهامات بترسيخه الطائفية والانقسام المذهبي والعرقي، واعتباره مُعرقلاً لقيام دولة مدنية قائمة على أساس المواطنة، وصولاً إلى ما تم اعتباره ألغاماً، مثل المادة 140 (قضية كركوك والمناطق المتنازع عليها)، وملف النفط والغاز، وخلط مفاهيم دينية في بلد متعدد الطوائف والثقافات، وعدم الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية وحقوق الأقليات.

لذلك فإن عجز النظام السياسي حالياً عن تعزيز السيادة العراقية وحمايتها، وتقديم الخدمات للمواطنين، والمستويات المقلقة للفساد والابتزاز في مختلف مؤسسات الدولة، ترافق مع زيادة الوعي الجماهيري ونشوء جيل جديد من الشباب الرافض للسياقات التي كتبت بها الدستور الدائم. وكشفت تراكم الاحتجاجات النخبوية والشعبية والحزبية منذ 25 شباط 2011 حتى اليوم

وبهذا ترى العديد من القوى السياسية والمحللين أن الطريق الأمثل لتعديل الدستور أو تغيير مجمل الدستور هي اطفاق القوى السياسية الجلوس على طاولة الحوار والاتفاق على كتابة مواد تنقذ العراق وأبنائه وأن تكون مصلحة العراق فوق كل مصلحة وطرف وعرق ودين .

 

أبرز الجهات المطالبة

ردّ مجلس القضاء الأعلى في العراق يوم الأحد الماضي على دعوة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بحل البرلمان بالتأكيد على أنه لا يملك الصلاحية بهذا الشأن، وأنه اقترح تعديل بعض مواد الدستور، وسط أزمة سياسية خانقة تعيشها البلاد.

وقال المجلس -في بيان صحفي اليوم الأحد- إن “مهامه تتعلق بإدارة القضاء فقط وليست من بينها أي صلاحية للتدخل في أمور السلطتين التشريعية أو التنفيذية تطبيقا لمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية” الوارد في الدستور.

ودعا المجلس “كافة الجهات السياسية ‏والإعلامية إلى عدم زج القضاء في الخصومات والمنافسات السياسية”، مؤكدا أن “القضاء يقف على مسافة واحدة من الجميع لأن ‏الأساس الذي يرتكز عليه هو تطبيق الدستور والقانون وهذه قواعد عامة .

واتفق المجلس في الوقت نفسه مع الصدر بشأن “تشخيص سلبية الواقع السياسي الذي يشهده البلد والمخالفات الدستورية المستمرة المتمثلة في عدم اكتمال تشكيل السلطات الدستورية بانتخاب رئيس للجمهورية ورئيس مجلس الوزراء وتشكيل الحكومة ضمن المدد الدستورية”.

ينصّ الدستور العراقي في المادة 64 منه على أن حلّ مجلس النواب يتمّ “بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناءً على طلب من ثلث أعضائه، أو طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية”

وعند حل مجلس النواب يدعو رئيس الجمهورية إلى انتخابات عامة في البلاد خلال مدة أقصاها 60 يوما من تاريخ الحل.

وكان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر دعا الأربعاء الماضي في تغريدة له على توتير بحل البرلمان بالتأكيد على أنه لا يملك الصلاحية بهذا الشأن، وأنه اقترح تعديل بعض مواد الدستور، وسط أزمة سياسية خانقة تعيشها البلاد

وطالب المحكمة بإشعار رئيس الجمهورية بضرورة تحديد موعد لإجراء انتخابات جديدة. مؤكداً إن حل البرلمان لا يتطلب جلسة لإقراره ودعا القضاء العراقي إلى التدخل وحل البرلمان في مدة لا تتجاوز نهاية الأسبوع الجاري، وتكليف رئيس الجمهورية بتحديد موعد انتخابات مبكرة ومقيدة بشروط قال إنه سيعلنها لاحقا.

في السياق متصل دعا صالح محمد العراقي المقرب من زعيم التيار الصدري في تغريدة على تويتر.. المحكمة الاتحادية إلى التدخل ودعوة رؤساء الجمهورية والوزراء والبرلمان إلى ممارسة صلاحياتهم القانونية والدستورية من أجل حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة.

وتطالب الدعوى بحل البرلمان لأنه بات مطلبا ضرورياً وقانونيا بسبب ارتكاب البرلمان -ما سماها صالح العراقي- مخالفة دستورية بعدم انتخاب رئيس الجمهورية خلال 30 يوما من تاريخ عقد أول جلسة للبرلمان قبل نحو 8 أشهر.

كما تضمنت الدعوى الدفع بأن البرلمان أصبح عاجزاً عن أداء مهامه الدستورية واختصاصاته في استكمال تشكيل السلطة التنفيذية بفرعيها الجمهورية ورئاسة الوزراء.

من جانبه، قال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إنه لا حل ولا خيار أمام القوى السياسية العراقية غير اللجوء إلى الحوار لحل الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد حاليا.

وأضاف الكاظمي أن على الكتل السياسية أن تتحمل مسؤوليتها بحل موضوع الانسداد السياسي من أجل مصلحة العراق ومستقبله.

 

دعوات للحوار

 

في المقابل، أكد تحالف العزم في بيان، الأحد الماضي أن “حل البرلمان والدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة ينبغي أن تكون وفق الأطر الدستورية والقانونية. محذراً من المخاطرة بمستقبل العراق. مؤكداً على ضرورة العمل المشترك لحوار وطني شامل بين الاطراف ذات الصلة ويتعهد بدعم كل الخطوات التي من شأنها أنهاء الازمة وحالة الانسداد الراهنة”

وبين العزم أن “خطوات حل البرلمان والدعوة الى اجراء انتخابات مبكرة ينبغي ان تكون وفق الاطر الدستورية والقانونية والاتفاقات السياسية بين جميع الاطراف دون تهميش طرف واتخاذ القرارات بشكل منفرد”.

كما أعرب رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور برزاني، عقب محادثات مع رئيس تحالف الفتح هادي العامري، عن «دعمه لجميع أشكال المفاوضات والمحادثات القائمة على مبدأ قبول الآخر وتعزيز الثقة بين جميع مكونات العراق»، لافتاً إلى أن «المكونات العراقية ترتبط بمصالح مشتركة ويمكن أن تكون أساساً للتقارب وحل المشاكل.

وكان الحزب الديمقراطي الكردستاني أعرب السبت الماضي عن قلقه البالغ إزاء الأزمة السياسية في البلاد، وأوضح -في بيان- أن الاتفاق على إجراء انتخابات مبكرة أمر ممكن لتحقيق عملية الإصلاح والتغيير شريطة أن يكون ذلك مسبوقا بتعهد جميع المشاركين بقبول النتائج النهائية تفاديا لتكرار تجربة الانتخابات الماضية.

كما دعا الحزب جميع القيادات العراقية إلى حوار بنّاء لإصلاح الوضع وفق السياقات الدستورية.

ومن جانبه، قال رئيس ائتلاف النصر حيدر العبادي أمس السبت إن العملية السياسية في العراق يجب أن تتسم بالقيم وتستند إلى العقلانية والواقعية. وتستهدف خدمة الدولة ومواطنيها، مضيفا أن على السياسيين إيجاد الحلول لمصلحة الشعب والدولة.

 

الطرف المقابل… تشكيل الحكومة

 

في الطرف المقابل دعا الإطار التنسيقي في العراق إلى احترام السلطة القضائية والتشريعية ورفض أي تجاوز أو تعطيل لمهامها الدستورية.

كما طالب الإطار التنسيقي القوى السياسية بالحفاظ على المكاسب وتشكيل حكومة قادرة على تجاوز التحديات، ودعا الجماهير المؤمنة بالدستور إلى الوقوف مع تشكيل الحكومة والدفاع عن الديمقراطية.

وفي هذا السياق، دعت ما تسمى باللجنة المنظمة للتظاهرات للدفاع عن الدولة والتابعة للإطار التنسيقي في بيان لها أتباع الإطار للتظاهر الجمعة للدفاع عن الشرعية في تظاهرات عنوانها “الشعب يحمي الدولة”.

وقالت اللجنة في بيانها إن الدعوة تأتي إيماناً بضرورة الوقوف مع الخطوات القانونية والدستورية للدفاع عن مؤسسات الدولة القضائية والتشريعية ومن أجل الإسراع بتشكيل حكومة خدمة وطنية كاملة الصلاحيات تعمل على مواجهة الأزمات والتحديات، حسب البيان.

وأشارت اللجنة إلى أن التظاهر سيكون على أسوار المنطقة الخضراء مع التأكيد على منع أي تجاوز للمظاهر الحضارية والتعاون التام مع القوات الأمنية المكلفة بحماية التظاهرات.

 

وتجدر الإشارة إلى أن رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان البرلمان دعا في منتصف فبراير/شباط الماضي إلى إجراء تعديلات على الدستور، وهي أول دعوة تصدر عن القضاء، وتؤيد وجود مشاكل في هذا الدستور. وأقرَّ زيدان بخطأ تفسيرات سابقة في الدستور، معتبراً أن أمام البرلمان “مسؤولية تاريخية تتمثل بضرورة العمل على تعديل المواد الدستورية، لا سيما أن المواد المعنية ليست خلافية، وإنما قابلة لإعادة الصياغة بشكل يضمن عدم دخول البلد في حالة خرق أو فراغ دستوري مستقبلاً.

 

 

 

 

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرامالنعيم نيوز

ولمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التاليالنعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا علىقناة النعيم الفضائية

ولا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرامالنعيم نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى