عقد مكتب سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي في السيدة زينب (ع)، أمس الأربعاء، جلسة مع طلبة العلم من الأفارقة والهنود والباكستانين والأفغان المقيمين في المنطقة للدراسة وطلب العلم، وذلك بحضور موفد المرجعية الدينية الشيخ ميثم طالب الفريجي.
وتحدّث معاون مدير مكتب المرجعية الشيخ علي صالح زين، في كلمة، تابعتها “النعيم نيوز”. عن “فكرة أنَّ أغلب النظريات الإنسانية القائمة على جعل معيار التفاضل بين الشعوب والقبائل”. مشيراً إلى “العرقية والقومية والحزبية وما إلى ذلك، مما أدى إلى خلق كثير من الخلافات والنزاعات والحروب والصدام بين الحضارات من جهة. وبين النظرية القرآنية التي جعلت الاختلاف سنة ضرورية في حياة البشرية وهذا الاختلاف هو سبب للتعارف”.
وتابع، أن “هذا التعارف والتحاور والتلاقي هو الذي يثري الحركة العلمية وينمي الفكر ويزيد المعرفة. فالنظرية البشرية أكثر مفاصلها سببه الخلاف. بينما تقول النظرية القرآنية أن الاختلاف ليس سبباً للخلاف، بل هو سبب للتعارف والحوار والارتقاء. كما اعتبرت النظرية القرآنية أن الاختلاف هو دليل على عظمة الله وقدرته وإعجازه، إذ قال تعالى، (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين)”.
وقال موفد المرجعية الرشيدة الشيخ ميثم الفريجي، خلال كلمة عنوانها ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ سورة الحجرات: آية ١٣. إن “المراد ب خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثی هو أصل الخلقة وعودة أنساب الناس إلی «آدم وحواء»، فطالما كان الجميع من أصل واحد فلا ينبغي أن تفتخر قبيلة علی أخری من حيث النسب. وإذا كان اللَّه سبحانه قد خلق كلّ قبيلة وأولاها خصائص ووظائف معيّنة فإنّما ذلك لحفظ نظم حياة الناس الاجتماعية!. لأنّ هذه الاختلافات مدعاة لمعرفة الناس، فلو، كانوا علی شاكلة واحدة ومتشابهين لساد الهرج والمرج في المجتمع البشري أجمع”.
وأردف، قائلاً: “قد اختلف المفسّرون في بيان الفرق بين «الشعوب» – (الطائفة الكبيرة من الناس) و«القبائل» جمع قبيلة فاحتملوا احتمالات متعدّدة أفضلها: إنّ دائرة الشعب أوسع من دائرة القبيلة، كما هو المعروف في العصر الحاضر أن يطلق الشعب علی أهل الوطن الواحد. فإنّ القرآن بعد أن ينبذ أكبر معيار للمفاخرة والمباهات في العصر الجاهلي ويلغي التفاضل بالأنساب والقبائل يتّجه نحو المعيار الواقعي القيمي فيضيف قائلاً: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّـهِ أَتْقاكُمْ”.
وأضاف الشيخ الفريجي، “وهكذا فإنّ القرآن يشطب بالقلم الأحمر علی جميع الامتيازات الظاهرية والمادية، ويعطي الأصالة والواقعية لمسألة التقوى والخوف من اللَّه، ويقول إنّه لا شيء أفضل من التقوی في سبيل التقرّب إلی اللَّه وساحة قدسه. وحيث أنّ «التقوی» صفة روحانية وباطنية ينبغي أن تكون قبل كلّ شيء مستقرّة في القلب والروح، وربّما يوجد مدّعون للتقوی كثيرون المتّصفون بها قلة منهم، فإنّ القرآن يضيف في نهاية الآية قائلاً: إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. فاللَّه يعرف المتّقين حقّا وهو مطلع علی درجات تقواهم وخلوص نيّاتهم وطهارتهم وصفائهم، فهو يكرمهم طبقا لعلمه ويثيبهم، وأمّا المدّعون الكذبة فإنّه يحاسبهم ويجازيهم علی كذبهم أيضاً”.
وأوضح، أنه “من العجيب أن يظهر القرآن في محيط يهتمّ بالقيمة القبلية أكثر من اهتمامه بالقيم الأخری، إلّا أنّ القرآن حطّم هذه الوثنية وحرّر الإنسان من أسر العرق والدم والقبيلة واللون والمال والمقام والثروة. وقاده إلی معرفة نفسه والعثور علی ضالّته داخل نفسه وصفاتها العليا”.
وبيّن الشيخ الفريجي، “الطريف أنّ فيما ذكر في شأن نزول الآية محل البحث لطائف ودقائق تحكي عن عمق هذا الدستور الإسلامي… في الرواية إنّ النّبي صلی اللَّه عليه وآله وسلّم أمر «بلالا» بعد فتح مكّة أن يؤذّن، فصعد بلال وأذّن علی ظهر الكعبة، فقال «عتّاب بن أسيد» الذي كان من الأحرار: أشكر اللَّه أن مضی أبي من هذه الدنيا ولم ير مثل هذا اليوم… وقال «الحارث بن هشام»: ألم يجد رسول اللَّه غير هذا الغراب الأسود للأذان؟! «فنزلت الآية الآنفة وبيّنت معيار القيم الواقعية». وقال بعضهم: نزلت الآية عند ما أمر الرّسول صلی اللَّه عليه وآله وسلّم بتزويج بعض الموالي من بنات العرب «والموالي تطلق علی العبيد الذين عتقوا من ربقة أسيادهم أو علی غير العرب (المسلمين)». فتعجّبوا وقالوا: يا رسول اللَّه أتأمرنا أن نزوّج بناتنا من الموالي «فنزلت الآية وأبطلت هذه الأفكار الخرافية»”.
ولفت، إلى أن “نقرأ في بعض الروايات الإسلامية أنّ النّبي صلی اللَّه عليه وآله وسلّم خطب يوما في مكّة فقال: «يا أيّها الناس إنّ اللَّه قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية وتعاظمها بآبائها فالناس رجلان رجل برّ تقي كريم علی اللَّه وفاجر شقي هيّن علی اللَّه والناس بنو آدم وخلق اللَّه آدم من تراب قال اللَّه تعالی: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثی وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّـهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ، وقال صلی اللَّه عليه وآله وسلّم: ((إنّ اللَّه لا ينظر إلی أحسابكم ولا إلی أنسابكم ولا الی أجسامكم ولا إلی أموالكم ولكن ينظر إلی قلوبكم، فمن كان له قلب صالح تحنّن اللَّه عليه وإنّما أنتم بنو آدم وأحبّكم إليه أتقاكم)) إنّ الإسلام حارب العصبية الجاهلية في أي شكل كانت وفي أيّة صورة ليجمع المسلمين في العالم من أي قوم وقبيلة وعرق تحت لواء واحد!”.
وأكد الشيخ الفريجي، أنه “ما أحسن أن يبنی المجتمع علی أساس معيار القيم الإسلامي إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّـهِ أَتْقاكُمْ وإن تطوی القيم الكاذبة من قوميّة ومال وثروة ومناطق جغرافية وطبقية عن هذا المجتمع. أجل، التقوی الإلهية والإحساس بالمسؤولية الداخلية والوقوف بوجه الشهوات والالتزام بالحق والصدق والطهارة والعدل، هي وحدها معيار القيم الإنسانية لا غير. بالرغم من أنّ هذه القيم الأصيلة نسيت وأهملت في سوق المجتمعات المعاصرة وحلّت محلها القيم الكاذبة. بحديث للنبي صلی اللَّه عليه وآله وسلّم إذ قال: «كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم أو ليكونن أهون علی اللَّه من الجعلان»”.
وأكمل، حديثه: أن “الهدف من وجود المجتمع هو التعارف، فما معنى التعارف؟ التعارف هو تبادل القيم الإنسانية بين أبناء المجتمع، هناك عدة مفردات وعدة قيم على أساسها يكون التعارف، مثلا: العدل، الصدق، الأمانة، الأخوة، الصداقة لعادلة، الصدق، الإخلاص، من خلال هذه القيم يتم التعارف بين أبناء المجتمع الإسلامي، أن القيم لها أصول وجذور ثابتة لا يختلف فيه مجتمع عن مجتمع، القيم والأخلاق أصول ثابتة لا تختلف باختلاف المجتمعات ولا تختلف باختلاف البيئات ولا تختلف باختلاف الأشخاص”.
وتساءل الشيخ الفريجي، “هل تتعامل مجتمعاتنا الإسلامية مع هذا الهدف تعاملاً صحيحاً؟!، هدف التعارف ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾، التعارف هدف الإنسانية، التعارف هو تبادل القيم والأخلاق بين أبناء المجتمع. الرسول الأعظم يقول: ”الدين المعاملة“ ”لا تغتروا بكثرة صلاتهم ولا بكثرة صيامهم فإن الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركهما استوحش ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة“ هل مجتمعنا كذلك أم لا؟:
ونوه، إلى أن “المجتمع الذي يهتم بالأهداف هو المجتمع الصالح، وفي مجتمعاتنا الإسلامية لدينا طاقات وخبرات ومواهب مخبوءة ومدفونة فلم لا نحركها ونستفيد منها؟. المجتمعات الإسلامية هي المجتمعات التي تهتم بتنمية المواهب واخراج الطاقات وتوظيف الأموال والقدرات العقلية والطاقات البدنية في مشاريع الخير والمشاريع الصالحة. هذا هو المجتمع الصالح، هذا هو المجتمع الإسلامي، الذي يهتم بالأهداف العليا، ويهتم بالأهداف السامية، ويركز عليها. لا أنه يصرف وقته ويهدر طاقته في أمور جانبية لا تخدم المجتمع إلا بالويل والأمراض وانتشار المشاكل والحزازات والفتن وإلى آخره”.
وذكر الشيخ الفريجي، أنه “هكذا كان أئمتنا أهل البيت ركزوا على الأهداف العامة، الإنسانية والإسلامية العامة، علي عليه السلام عندما وصلت إليه الخلافة ماذا صنع؟ لا توجد عنده مجاملة. ركز على الأهداف الأساسية بلا مهادنة ولا مجاملة، قسم المال بالسوية وعزل معاوية والوليد وأمثالهما. قالوا له: أبا الحسن، لو قربت الوجهاء، وقربت الشيوخ، وأغدقت عليهم بعض الأموال إلى أن يستقر سلطانك ثم افعل ما تشاء. قال: ويحكم أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور، والله لو كان المال لي لساويت بينهم فكيف وإنما هي أموالهم، الإمام أمير المؤمنين ضرب المثل الأعلى في الإعراض عن الكرسي والسلطانز لا قيمة للكرسي والسلطان في نظره ما لم تقترن بتحقيق الأهداف السامية. وهو القائل: (والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت)“.
يشار إلى أنه بعد ذلك استمع الشيخ ميثم الفريجي، إلى مداخلات الحاضرين ومقترحاتهم، وهمومهم وأشجانهم. واعداً إياهم بنقل هذه المقترحات والرؤى إلى سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله الشريف).
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية