أقيمت الخطبة الموحدة لصلاة الجمعة المباركة، في مدينة الناصرية، بإمامة الشيخ محمد النصر الله.
وذكر مراسل “النعيم نيوز”، أن “الخطبة كانت بعنوان: (اللجوءِ إلى محكمة الصلح العائلي)، حيث تطرق الشيخ النصر الله، إلى “قوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا * إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) النساء (35).
ملاحظة: سبب طرح هذا الموضوع مع أهميته القصوى ما ذُكرت من إحصائية لنسبة الطلاق في العراق للشهر الماضي، بحسب إحصائية القضاء فقد حصلت) 6486 (حالة طلاق في المحافظات العراقية عدا إقليم كُردستان.
عن الإمام الصادق : (إنّ الله عزّ وجلّ يحبّ البيت الذي فيه العرس، ويبغض البيت الذي فيه الطلاق، وما من شيء أبغض من الطلاق)
الطلاق: هـو هـدم لبـناء أحبّه الله تعالـى وحثّ الناس عليه ألا وهــو الـزواج، فالزواج رغم كونه أمراً محبوباً عند الله تعالى وسبباً من أسباب كمال الدين وحصناً يقف في وجه المعاصي، إلّا أنّ الله تعالى لم يُرد إجبار الناس على التزام هذا البيت ولا التحصّن بهذا السور، فإنّ الإلزام قد يكون له الكثير من الآثار السلبيّة التي تجعل الإنسان يتردد كثيراً قبل الدخول إلى قفص الزواج الذي لن يستطيع الخروج منه بعد ذلك، بالإضافة إلى كون الإلزام يُجافي الواقع ويتعالى عن المشاكل الحقيقيّة التي يمكن أن يقع بها بعض الأزواج بشكل لا يُبقي أمامهم حلّاً إلّا الإنفصال، ولعلّ هذه الأمور وغيرها من الأمور التي يعلمها الله تعالـى، جعلت الطلاق غير محرّم شرعاً، وتركت الباب مشرعاً أمام هذا الخيار، ولكن في الوقت نفسه وجّه تعالى الإنسان نحو الإبتعاد عن الطلاق وعدم الأخذ بهذا الخيار ما أمكن.
وعن الإمام الباقر (ع) قال: قال رسول الله (ص وآله): (أوصاني جبرائيل بالمرأة حتّى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلّا من فاحشة مبيّنة).
وقد أكّد سبحانه وتعالى على كراهيّة هذا الأمر حتّى جعله أبغض الأشياء كما في الرواية السابقة عن الإمام الصادق (ع)، بل نجد بعض الروايات لا تتوقّف عند مبغوضيّة الطلاق، بل تتعدّى ذلك إلى مبغوضيّة من يقوم به ويختاره. فعن الإمام الصادق) :ما من شيء ممّا أحلّه الله أبغض إليه من الطلاق وإنّ الله يُبغض المِطلاق الذوّاق)
فخيار الطلاق رغم عدم تحريمه شرعاً إلّا أنّه ينبغي الوقوف عنده كثيراً والابتعاد عنه ما أمكن، بل عدم إخطاره في الذهن حتّى لا يُصبح الحلّ الأسهل للتهرّب من أيّ مشكلة يمكن أن يقع بها الزوجان.
ما هي أسباب الخلاف؟
هناك أسباب كثيرة لوقوع النزاعات بين الأزواج، ولكن يمكن أن نجمعها في خمسة عناوين رئيسيَّة:
1- عدم الإلتزام بالشرع المقدس: لقد وضع الله تعالى القوانين لتنظيم العلاقة الزوجية وجعلها على أفضل وجه بشكل يؤمِّن الحياة الزوجية السعيدة والموفقة، وعندما يتخلى الإنسان عن هذه الحدود الشرعية ويتجاوزها فإنه سيهدد الحياة الزوجية برمّتها، من هنا كان لابد من التعرّف على الحقوق الزوجية، وآداب العلاقة مع الزوج حتى تحصّل الحصانة التي تحمي بنيان الأسرة من التصدّع.
2- الأخطاء: إن سوء التقدير الناشئ عن الجهل بالطرف المقابل وخصوصياته وما يحب ويكره، أو عدم القدرة على الإنسجام رغم المعرفة بالميول والخصوصيات، قد يتسبب أيضاً بالتشنج والوقوع بالأخطاء، فيشكل خطراً على الحياة الزوجية، لذلك فإن معرفة الطرف الآخر قد يساعد على تفهم التصرفات والمسلكية بشكل يساعد على الإنسجام.
3- عدم الواقعية: إن التصورات الخاطئة أو الخيالية عن الحياة والمستقبل من المشاكل التي تعترض الأزواج، فإذا كان الشاب والفتاة يعيشان في عالم من الأحلام الوردية ويتصوران بأن المستقبل سيكون جنّة وارفة الظلال كما في القصص والروايات، ولكن وبعد أن يلجا دنياهما الجديدة، فيبحثان عن تلك الجنّة الموعودة فلا يعثران عليها، فيلقي كل منهما اللوم على الآخر محمّلاً إياه مسؤولية ذلك، ويبدأ بذلك فصل النزاع المرير الذي يُفقد الحياة طعمها ومعناها، فكلٌ يتهم الآخر بالخداع، وكل منهما يلقي بالتبعة على شريكه، في حين أن بعض الأماني والآمال تبلغ من الخيال بحيث لا يمكن أن تُحقق على أرض الواقع.
4- رتابة الحياة: من الأمور التي تساعد على الخلاف رتابة الحياة، والتي تحدث بعد فترة طويلة من البرنامج اليومي المتكرر، مما يُشعِرُ الزوجين بالملل، فيتفرغان لانتقاد بعضهما،
وتظهر الخلافات، ولهذا ينبغي على الزوجين التجدد لبعضهما والظهور بصورة لافتة للنظر، وهذا ما يوصي به ديننا الحنيف، ومنه التجدد والتجمل من خلالِ اللباسِ والمظهرِ.
وقد ورد في الرواية عن الإمام الصادق (ع): (لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته وهي: الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها، وحسن خلقه معها، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها، وتوسعته عليها).
وفي رواية أخرى عنه (ع): (وإظهار العشق له بالخلابة، والهيئة الحسنة لها في عينه).
5- تدخل الأهل: الذي يكون في الغالب سلبياً فيزيد مساحة المشكلة بدل تقليصها وبدل أن يكونوا طرفاً في الإصلاح وتقليل الفجوات بين الطرفين، لا سيما في الأيام الأولى من الزواج، وإذ بهم يصبحون طرفاً في النزاع فيقدم القرآن الكريم حلاً نسميه بـ (محكمة الصلح العائلي).
في هذه الآية إِشارة إِلى مسألة ظهور الخلاف والنزاع بين الزوجين، فهي تقول: ﴿وَإِنۡ خِفۡتُمۡ شِقَاقَ بَيۡنِهِمَا فَٱبۡعَثُواْ حَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهِۦ وَحَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهَآ …﴾ [النساء : ٣٥]
ليتفاوضا ويقرّبا من أوجه النظر لدى الزوجين، ثمّ يقول تعالى: ﴿إِن يُرِيدَآ إِصۡلَٰحٗا يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيۡنَهُمَآۗ﴾ [النساء : ٣٥] ، أي ينبغي أن يدخل الحكمان المندوبان عن الزوجين في التفاوض بنيّة صالحة ورغبة صادقة في الإِصلاح، فإنّهما إن كانا كذلك أعانهما الله ووفق بين الزوجين بسببهما.
ومن أجل تحذير الحَكَمين وحثَّهما على استخدام حسن النّية، يقول سبحانه في ختام هذه الآية:) إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرٗا)
إِنّ محكمة الصلح العائلية التي أشارت إِليها الآية الحاضرة، هي إِحدى مبتكرات الإِسلام العظيمة، فإِن هذه المحكمة تمتاز بميزات تفتقر إِليها المحاكم الأخرى، من جملتها:
1- إِن البيئة العائلية بيئة عاطفية: ولذلك فإِن المقياس الذي يجب أن يُتبع في هذه البيئة، يختلف عن المقاييس المتبعة في البيئات الأخرى، يعني كما أنّه لا يمكن العمل في (المحاكم الجنائية) بمقياس المحبّة والعاطفة، فإِنّه لا يمكن ـ في البيئة العائلية ـ العمل بمقياس قوانين جافة الضوابط، صارمة، خالية عن روح العاطفة، فهنا يجب حل الخلافات العائلية بالطرق العاطفية حدّ الإِمكان، ولهذا يأمر القرآن الكريم أن يكون الحكمان في هذه المحكمة ممن تربطهم بالزوجين رابطة النسب والقرابة ليمكنهما تحريك المشاعر والعواطف باتجاه الإِصلاح بين الزوجين، ومن الطبيعي أن تكون هذه الميزة هي ميزة هذا النوع من المحاكم خاصّة دون بقية المحاكم الاُخرى.
2- إِنّ المدعي والمدَّعى عليه في المحاكم العادية القضائية مضطرين ـ تحت طائلة الدفاع عن النفس ـ أن يكشفا عن كل ما لديهما من الأسرار، ومن المسلَّم أنّ الزوجين لو كشفا عن الأسرار الزوجية أمام الأجانب والغرباء لجرح كل منهما مشاعر الطرف الآخر، بحيث لو اضطر الزوجان أن يعودا ـ بحكم المحكمة ـ إِلى البيت لما عادا إِلى ما كانا عليه من الصفاء والمحبة السالفة، بل لبقيا يعيشان بقية حياتهما كشخصَين غريبَين مجبرَين على القيام بوظائف معينة، ولقد دلّت التجربة وأثبتت أنّ الزوجَين اللذَين يضطرّان إِلى التحاكم إِلى مثل هذه المحاكم لحل ما بينهما من الخلاف لم يعودا ذَينك الزوجَين السابقَين.
بينما لا تُطرح أمثال هذه الأُمور في محاكم الصلح العائلية للإِستحياء من الحضور، أو إذا اتفق أن طُرحت هذه الأُمور فإنّها تُطرح في جوٍّ عائلي، وأمام الأقرباء فإنّها لن تنطوي على ذلك الأثر السيء الذي أشرنا إليه.
3- إِنّ الحَكَمين في المحاكم العادية المتعارفة لا يشعران عادةً بالمسؤولية الكاملة في قضايا الخلاف والمنازعات، ولا تهمَّهما كيفية اِنتهاء القضية المرفوعة إِلى المحكمة، هل يعود الزوجان إِلى البيت على وفاق، أو ينفصلان بِطَلاق؟!
في حين أنّ الأمر في محكمة الصلح العائلية على العكس من ذلك تماماً، فإِن الحَكَمين في هذه المحكمة، حيث يرتبطان بالزوجَين برابطة القرابة، فإِن لإفتراق أو صلح الزوجين أثراً كبيراً في حياة الحَكَمين من الناحية العاطفية، ومن ناحية المسؤوليات الناشئة عن ذلك، ولهذا فإِنّهما يسعَيان ـ جَهد إِمكانهما ـ أن يتحقق الصلح والسلام والوفاق والوئام بين الزوجين اللذَين يمثلانهما، وأن يعيدا المياه إِلى مجاريها كما يقول المثل.
4- مضافاً إِلى كلّ ذلك، فإِن مثل هذه المحكمة لا تعاني من أيّة مشكلات، ولا تحتاج إِلى أية ميزانيات باهظة، ولا تعاني من تلك الخسارة والضياع الذي تعاني منه المحاكم العادية، فهي تستطيع أن تقوم بأهدافها وتحقق أغراضها من دون أية تشريفات وفي أقل مدّة من الزمن.
ولا يخفى أنّه يجب أن يختار الحَكَمان من بين الأشخاص المحنّكين المطّلعين المعروفين، في عائلتَي الزوجَين بالفهم وحسن التدبير.
مع هذه المميزات التي عدّدناها يتبيّن أنّ هذه المحكمة تحظى بفرصة للإِصلاح بين الزوجين، وتقليل حالات الطلاق”.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز