اخبار اسلامية
أخر الأخبار

بإمامة الشيخ عادل الساعدي.. خطبتا صلاة الجمعة المباركة في جامع الرحمن ببغداد

أقيمت صلاة الجمعة المباركة، في جامع الرحمن ببغداد\المنصور، بإمامة الشيخ عادل الساعدي.

وفيما يلي نص الخطبتين، وتابعتهما “النعيم نيوز”:

الخطبة الأولى : أجر العاملين في زمن غيبة الإمام عليه السلام

الحمد لله وكفى ثم الصلاة والسلام على رسوله المصطفى وعلى آل بيته خيرِ الورى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهرهُ على الدين كله ولو كره المشركون ، اِلـهي عَظُمَ الْبَلاءُ، وَبَرِحَ الْخَفاءُ، وَانْكَشَفَ الْغِطاءُ، وَانْقَطَعَ الرَّجاءُ، وَضاقَتِ الاَرْضُ، وَمُنِعَتِ السَّماءُ، واَنْتَ الْمُسْتَعانُ، وَاِلَيْكَ الْمُشْتَكى، وَعَلَيْكَ الْمُعَوَّلُ فِي الشِدَّةِ والرَّخاءِ، اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، اُولِي الاَمْرِ الَّذينَ فَرَضْتَ عَلَيْنا طاعَتَهُمْ، وَعَرَّفْتَنا بِذلِكَ مَنْزِلَتَهُمْ، فَفَرِّجْ عَنا بِحَقِّهِمْ فَرَجاً عاجِلاً قَريباً كَلَمْحِ الْبَصَرِ اَوْ هُوَ اَقْرَبُ، يا مُحَمَّدُ يا عَلِيُّ يا عَلِيُّ يا مُحَمَّدُ اِكْفِياني فَاِنَّكُما كافِيانِ، وَانْصُراني فَاِنَّكُما ناصِرانِ، يا مَوْلانا يا صاحِبَ الزَّمانِ، الْغَوْثَ الْغَوْثَ الْغَوْثَ، اَدْرِكْني اَدْرِكْني اَدْرِكْني، السّاعَةَ السّاعَةَ السّاعَةَ، الْعَجَلَ الْعَجَلَ الْعَجَل، يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ، بِحَقِّ مُحَمَّد وَآلِهِ الطّاهِرينَ .
عباد الله ؛ أوصيكم ونفسي بتقوى الله ولزوم أمره وتعاهدوا القرآن واستمسكوا بحبل الرحمن الحبل المتين وصراطه المستقيم محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين .

قال تعالى { وَ ما لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا وَ كُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

تتحدث هذه الآية المباركة العاشرة من سورة الحديد عن مرحلتين في حياة الملسمين وتلخص آثار تلك المرحلتين الجهاديتين في حياتهم ، الأولى التي سبقت فتح مكة والثانية بعد الفتح ، الأولى التي كانت صعبة ومازالت دولة الإسلام فتيةً مما يخاف عليها من الضياع لضعفها واستكلاب القوى التي تحيطها ، والأخرى بعد فتح مكة وانتهاء سلطة وقوة قريش العدو اللدود وحلفائها ، ومن خلاله ـ فتح مكة ـ وحُنَيْن أظهرتا أن الإسلام أصبح قوةً يٌخشى منها وأمِنَ المسلمون من سطوة غيرهم ، فالبعض اعتبر المسلمين جميعاً بمنزلةٍ سواء في الايمان والأجر ، حتى أتت هذه الآية تبين قيمةَ الايمانِ والإنفاقِ في زمن الخوف والضعف على غيره من زمن الاستقرار والرخاء والانتصار ، فجعلت الإيمان والإنفاق والقتال قبل الفتح اعظم درجة عمّا بعده ، وهذه الحالة قاعدةٌ مطردة تشمل جميع الازمنة والمجتمعات والحوادث .
إن زمن الإمام الممنوع عن بسط اليد غير زمن حاكميته ، وزمن غيبة الامام المستور غير زمان الامام الموجود فيه بين ظهراني شيعته واتباعه في الأجر والثناء ، فزمن حاكمية أمير المؤمنين وأمته غير زمان السجاد والصادقين أجراً ، كما أن زمان غيبة الإمام عليه السلام غير زمان الامام الجواد عليهما السلام ، فمرةً يكون الإمامُ موجوداً وحاكماً واخرى موجودٌ غيرا مبسوطِ اليد ، وأخرى مغيبٌ عن أعين اصحابه حتى يشاء الله . وقد سأل صاحب الامام الصادق عليه السلام عمّار الساباطي عن هذا الفرق بين الازمنة ، بين الامام الظاهر المبسوط اليد وبين الامام المستتر الموجود بين اصحابه غيرَ مبسوط اليد ، فقال : ( قلت للصادق (عليه السلام): العبادة مع الإمام منكم المستتر في السرّ في دولة الباطل أفضل، أم العبادة في ظهور الحقّ ودولته مع الإمام الظاهر منكم؟ فقال (عليه السلام): يا عمّار، الصدقة في السرّ _ والله _ أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك عبادتكم في السرّ مع إمامكم المستتر في دولة الباطل أفضل، لخوفكم من عدوّكم في دولة الباطل وحال الهدنة، ممّن يعبد الله في ظهور الحقّ مع الإمام الظاهر في دولة الحقّ، وليس العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة مع الأمن في دولة الحقّ . اعلموا أنّ من صلّى منكم صلاة فريضة وحداناً، مستتراً بها من عدوّه في وقتها فأتمّها، كتب الله عزّ وجلّ له بها خمسة وعشرين صلاة فريضة وحدانية، ومن صلّى منكم صلاة نافلة في وقتها فأتمّها، كتب الله عزّ وجلّ له بها عشر صلوات نوافل، ومن عمل منكم حسنةً كتب الله له بها عشرين حسنة، ويضاعف الله تعالى حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله، ودان الله بالتقيّة على دينه وعلى إمامه وعلى نفسه، وأمسك من لسانه أضعافاً مضاعفة كثيرة، إنّ الله عزّ وجلّ كريم ، فقلت: جعلت فداك، قد رغّبتني في العمل، وحثثتني عليه، ولكنّي أحبّ أن أعلم كيف صرنا نحن اليوم أفضل أعمالاً من أصحاب الإمام منكم الظاهر في دولة الحقّ، ونحن وهم على دين واحد، وهو دين الله عزّ وجلّ ؟ فقال (عليه السلام): إنّكم
سبقتموهم إلى الدخول في دين الله وإلى الصلاة والصوم والحجّ وإلى كل فقه وخير، وإلى عبادة الله سرّاً من عدوّكم مع الإمام المستتر، مطيعون له، صابرون معه، منتظرون لدولة الحقّ، خائفون على إمامكم وعلى أنفسكم من الملوك، تنظرون إلى حقّ إمامكم وحقّكم في أيدي الظلمة، قد منعوكم ذلك واضطرّوكم إلى جذب الدنيا وطلب المعاش، مع الصبر على دينكم، وعبادتكم، وطاعة ربّكم، والخوف من عدوّكم، فبذلك ضاعف الله أعمالكم، فهنيئاً لكم هنيئاً. ) وهذه المرحلة مرحلة وجود الامام غير المبسوط اليد خائف وأصحابه خائفون ولكنهم يغدون عليه ويروحون بحسب انفراج حياة الأئمة (صلوات الله عليهم) مع أئمة الجور في أزمنتهم .
أما حال وقوع الغيبة التامة وانقطاع العامة عن المشاهدة بالعيان والمعرفة بالبيان فيكون أجر العاملين أضعافاً مضاعفة حتى عن زمان من سبق من أبائه عليهم السلام لانقطاع الناس عن إمامهم ويتمهم عن أبيهم ، فقد فضل الله أجر العاملين في زمن الغيبة عن غيره من الأزمنة لا ممن سبقهم ولا حتى في زمان ظهوره وانتصار الحق على يديه ، وقد وردت روايات عدة تبين فضل المؤمنين في زمن الغيبة ، ومنها :
1ـ أنهم أفضل عباد الله وإمائهِ أفضل الإماء ، قال جابر: قال الباقر (عليه السلام): يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامُهم، فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان، إنّ أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم الباري عزّ وجل: عبادي، آمنتم بسرّي، وصدّقتم بغيبي، فأبشروا بحسن الثواب منّي، فأنتم عبادي وإمائي حقّاً، منكم أتقبّل، وعنكم أعفو، ولكم أغفر، وبكم أسقي عبادي الغيث، وأدفع عنهم البلاء، ولولاكم لأنزلت عليهم عذابي. قال جابر: فقلت: يا بن رسول الله، فما أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزمان؟ قال (عليه السلام): حفظ اللسان ولزوم البيت.
2ـ أنهم أخوة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم: يا ليتني قد لقيت إخواني، فقال له أبو بكر وعمر: أ ولسنا إخوانك آمنّا بك وهاجرنا معك؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): قد آمنتم وهاجرتم، ويا ليتني قد لقيت إخواني. فأعادا القول، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنتم أصحابي ولكن إخواني الذين يأتون من بعدكم، يؤمنون بي ويحبّوني وينصروني ويصدّقوني، وما رأوني، فيا ليتني قد لقيت إخواني.
3ـ انهم اعظم أجراً من أصحاب رسول الله ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): سيأتي قوم من بعدكم، الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم، قالوا: يا رسول الله، نحن كنّا معك ببدر وأحد وحنين، ونزل فينا القرآن، فقال: إنّكم لو تحمّلوا لّـِمَا حمّلوا لم تصبروا صبرهم .
ولكن هذا الفضل في المنزلة والأجر ليس لمجرد العيش في زمن غيبة الامام مصادفةً كما يقال ، بل لمن كان له عملاً في ذلك الزمان ، فقد وردت روايات تبين العمل في زمن الغيبة ، منها ما ورد في أن افضل الأعمال هو انتظار الفرج ، روي عن رسولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : أفضلُ أعمالِ اُمّتي انتظارُ فَرَجِ اللَّهِ عزّ وجلّ ،
فأخذ أهلُ البيت يُربون شيعتهم على معنى فلسفة الانتظار المقصودة في أدبياتهم وتربيتهم ، فقد سأل الحسن بن الجهم : الرضا (عليه السلام) عن شيء من الفرج، فقال: أ ولست تعلم أن انتظار الفرج من الفرج؟ قلت: لا أدري إلّا أن تعلّمني، فقال (عليه السلام): نعم، انتظار الفرج من الفرج .
ولكن مالمقصود بانتظار الفرج ؟ فقد ورد عن العلماء مستفيدين من أئمة الهدى انتظار الفرج الإيجابي والذي يقابله الانتظار السلبي ، فالأخير هو مجرد الانتظار بينما الإيجابي يقصد به العمل خلال الانتظار ، بل العمل في زمن الغيبة بما يرضي اللهُ ورسولهُ وإمام زمانك هو معنى الانتظار ، بمعنى ان الانتظار ليس زماناً ولا ظرف تقع فيه الأعمال ، بل العمل المرضي هو الانتظار ، فمن عمل كان منتظراً ومن لم يعمل فليس بمنتظر ،
وأهم أعمال زمن الغيبة مايلي :
1ـ معرفة الامام عليه السلام من أفضل الأعمال ، قال الصادق (عليه السلام): اعرف إمامك، فإنّك إذا عرفته لم يضرّك تقدّم هذا الأمر أو تأخّر ومن عرف إمامه ثمّ مات قبل أن يرى هذا الأمر، ثمّ خرج القائم (عليه السلام) كان له من الأجر كمن كان مع القائم في فسطاطه. ولكن ايُّ معرفةٍ قصدها الإمام ، هي المعرفة العملية اليقينية التي تشعرك أن الإمامَ حاضرٌ وأنت بين يديه ، وهو مطلع عليك هي التي من أفضل الأعمال ، قال أبو خالد الكابلي: قال السجّاد (عليه السلام): تمتدّ الغيبة بوليّ الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة بعده، يا أبا خالد، إنّ أهل زمان غيبته، القائلون بإمامته، المنتظرون لظهوره أفضل أهل كلّ زمان، لأنّ الله _ تعالى ذكره _ أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالسيف، أولئك المخلصون حقّاً، وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين الله سرّاً
وجهراً، وقال (عليه السلام): انتظار الفرج من أعظم الفرج.
2ـ ما يبين أن الغاية من الانتظار هي قيام الدولة والعيش فيها ، بل ان تعيشها وأنتَ في غيبة الامام وتؤسس لها في نفسك وتعيشها في داخلك كأنما تعيش فيها ، هي الغاية وليستِ الغاية مغانمها ، قال أبو بصير: قلت للصادق (عليه السلام): جعلت فداك، متى الفرج؟ فقال (عليه السلام): يا أبا بصير، أنت ممّن يريد الدنيا؟ من عرف هذا الأمر فقد فرّج عنه بانتظاره .
3ـ الاقتداء بالامام في غيبته وتهذيب سلوكيات المؤمن ، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتدٍ به قبل قيامه، يتولّى وليّه ويتبرّأ من عدوّه، ويتولّى الأئمّة الهادية من قبله، أولئك رفقائي وذوو ودّي ومودّتي وأكرم أمّتي عليّ .
4ـ الصبر والاجتهاد في العمل ، ورد عن الامام الصادق (عليه السلام) ذات يوم أنه قال : أ لا أخبركم بما لا يقبل الله عزّ وجلّ من العباد عملاً إلّا به؟ فقلت: بلى، فقال (عليه السلام): شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) عبده ورسوله، والإقرار بما أمر الله، والولاية لنا، والبراءة من أعدائنا، يعني أئمّة خاصّة والتسليم لهم، والورع، والاجتهاد، والطمأنينة، والانتظار للقائم، ثمّ قال: إنّ لنا دولة يجيء الله بها إذا شاء.
ثمّ قال (عليه السلام): من سرّ أن يكون من أصحاب القائم، فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدّوا وانتظروا، هنيئاً لكم أيّتها العصابة المرحومة.
ولما رأى أصحاب أهلِ البيت عليهم السلام فضيلة الانتظار وأجر المنتظرين تمنى بعضهم أن لا يظهر كما ورد في حديث عمار الساباطي ، فقال للإمام الصادق ( فقلت: جعلت فداك، فما نتمنّى إذاً أن نكون من أصحاب القائم (عليه السلام) في ظهور الحقّ؟ ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالاً من أعمال أصحاب دولة الحقّ؟ فقال (عليه السلام): سبحان الله، أ ما تحبّون أن يظهر الله عزّ وجل الحقّ والعدل في البلاد، ويحسّن حال عامّة الناس، ويجمع الله الكلمة، ويؤلّف بين القلوب المختلفة، ولا يعصى الله في أرضه، ويقام حدود الله في خلقه، ويردّ الحقّ إلى أهله، فيظهروه حتّى لا يستخفي بشيء من الحقّ مخافة أحد من الخلق؟ أما _ والله _ يا عمّار، لا يموت منكم ميّت على الحال التي أنتم عليها، إلّا كان أفضل عند الله عزّ وجلّ من كثير ممّن شهد بدراً وأحداً، فأبشروا) .
أيها الأحبة ؛ أنتم في زمن أجركم فيه يفوق العاملين ممن سبقكم فمهدوا لإمام زمانكم ليكون لكم كفلين من الأجر الأول لعملكم والآخر لأنكم مهدتم لدولة الحق وقربتم ظهور إمامكم وشاركتم أجور أصحابه في دولته ، ولنعيش الظهور في أنفسنا ليتحقق في الخارج وتعم تلك الدولة ، نعيشها في دواخل أنفسنا من الابتعاد عن المعاصي كما يبتعد الناس عنها في زمان ظهوره ونعمل بجدٍ لتحقيق الشريعة وبسط الايمان كما سيعمل العاملون في زمانه ، فهذه هي الدولة المباركة ظهوراً قبل ظهورها ، كما أن الارتباط التام والوثيق مع المرجعية الرشيدة نائبةِ الإمام في زمنِ غيبته ، والعملَ في مؤسساتها من أهم الأعمال التي فيها رضاه ، فكما أن الإمام نائب الرسول فالمرجعية نائبةٌ عن الإمام وعش معها الدولة المباركة ومكنها بتطبيق مشروعها ففيه خير الناس وخطوةً مباركةً للتمهيد وظهور دولة العدل المطلق ، فلا تقصروا في العمل ولا تتكاسلوا اعتماداً على الأمل ، وكما قال الشاعر :
وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّي وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا
وَما استَعصى عَلى قَومٍ مَنالٌ إِذا الإِقدامُ كانَ لَهُمْ رِكابا .
اللهم إنا نرغب في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله ، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك ، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة .
{ بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَ الْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ (٣) } ـ العصر [١-٣]

……………………………………

الخطبة الثانية : الفرق بين النظام العالمية وعالمية دولة الإمام

بسم الله الرحمن الرحيم

الحَمدُ للهِ الَّذي لا يُهتَكُ حِجابُهُ وَلا يُغلَقُ بابُهُ وَلا يُرَدُّ سائِلُهُ وَلا يُخَيَّبُ آمِلُهُ، الحَمدُ للهِ الَّذي يُؤمِنُ الخائِفينَ وَيُنَجّي الصَّالِحينَ وَيَرفَعُ المُستَضعَفينَ وَيَضَعُ المُستَكبِرينَ وَيُهلِكُ مُلوكاً وَيَستَخلِفُ آخَرينَ، الحَمدُ للهِ قاصِمِ الجَبَّارينَ مُبيرِ الظَّالِمينَ مُدرِكِ الهارِبينَ نَكالِ الظَّالِمينَ صَريخِ المُستصرِخينَ مَوضِعِ حاجاتِ الطَّالِبينَ مُعتَمَدِ المُؤمِنينَ ، اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ عَبدِكَ وَرَسولِكَ وَأمينِكَ وَصَفيِّكَ وَحَبيبِكَ وَخِيَرَتِكَ مِن خَلقِكَ وَحافِظِ سِرِّكَ وَمُبَلِّغِ رِسالاتِكِ أفضَلَ وَأحسَنَ وَأجمَلَ
وَأكمَلَ وَأزكى وَأنمى وَأطيَبَ وَأطهَرَ وَأسنى وَأكثَرَ ما صَلَّيتَ وَبارَكتَ وَتَرَحَّمتَ وَتَحَنَّنتَ وَسَلَّمتَ عَلى أحَدٍ مِن عِبادِكَ وَأنبيائِكَ وَرُسُلِكَ وَصَفوَتِكَ وَأهلِ الكَرامَةِ عَلَيكَ مِن خَلقِكَ، اللهُمَّ وَصَلِّ عَلى عَليٍّ أميرِ المُؤمِنينَ وَوَصيِّ رَسولِ رَبِّ العالَمينَ عَبدِكَ وَوَليِّكَ وَأخي رَسولِكَ وَحُجَّتِكَ عَلى خَلقِكَ وَآيَتِكَ الكُبرى وَالنَّبَأ العَظيمِ، وَصَلِّ عَلى الصِّدّيقَةِ الطَّاهِرَةِ فِاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ العالَمينَ، وَصَلِّ عَلى سِبطَي الرَّحمَةِ وَإمامَي الهُدى الحَسَنِ وَالحُسَينِ سَيِّدَي شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ، وَصَلِّ عَلى أئِمَّةِ المُسلِمينَ عَليِّ بنِ الحُسَينِ وَمُحَمَّدٍ بنِ عَليٍّ وَجَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ وَموسى بنِ جَعفَرٍ وَعَليٍّ بنِ موسى وَمُحَمَّدٍ بنِ عَليٍّ وَعَليٍّ بنِ مُحَمَّدٍ وَالحَسَنِ بنِ عَليٍّ وَالخَلَفِ الهادي المَهدي، حُجَجِكَ عَلى عِبادِكَ وَاُمَنائِكَ في بِلادِكِ صَلاةً كَثيرَةً دائِمَةً.
قال تبارك وتعالى { وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ } (الأنبياء – ١٠٥)
إن الحديث في العالم المعاصر قبل أكثر من نصف قرن من يومنا هذا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وما قبلها ، عن قيام دولةٍ تحكم الأرض بأسرها مجردُ أوهامٍ ليس إلا ، لا نجدها إلا في قصص الرسوم المتحركة ، أو خيالات هوليود ، فتعدد الثقافات والرؤى وتعدد الأقطاب السياسية والعسكرية يمنع انصهار العالم في منظومةٍ سياسيةٍ وحكوميةٍ واحدة ، وجميع دول العالم تسعى ضمن انتماءاتها لتحالفاتها والانضمام لمعسكراتٍ شتى ، جعلت من هذا الأمر شبه مستحيل ، حتى منظمة الأمم المتحدة لم تجمع هذا العالم إلا شكلياً وبقيت فيه المحاور والأقطاب حتى دخول العالم ضمن الحرب الباردة ضمن أعلى قطبين ومعسكرين هما الرأسمالي الغربي والمعسكر الشيوعي الشرقي ، بيد أن العالم وقبل أربعين عاماً وفي بدايات عقد الثمانينيات ، بدأ العالم يؤسس لفكرة العولمة ، ومن أوائل الفلاسفة الذين نظروا إلى فكرة العولمة بشكل شامل هو مارشال مكلوهان، عالم اقتصاد بريطاني، الذي اشتهر بكتابه “العولمة الجديدة”، الصادر عام 1983. في هذا الكتاب، استخدم مكلوهان مصطلح العولمة لوصف الاندماج المتزايد للاقتصادات العالمية وتأثيرها على العالم . فكانت العولمة بديةً جديدة للسير نحو ووجود توحيدٍ عالمي ، فالعولمة: تشير إلى عملية التكامل الاقتصادي والثقافي والسياسي بين الدول والشعوب في جميع أنحاء العالم. وهي تشمل تبادل السلع والخدمات، والتواصل الثقافي، والانتقالات البشرية، وتطور التكنولوجيا. تعزز العولمة فكرة العالم كقرية صغيرة، حيث يتم تقليل الحواجز بين الدول ويتم تعزيز التفاعل والتبادل بينها. لهذا بدأ العالم انشاء الشركات الكبرى العابرة للقارات والتي سيطرت على التجارة العالمية واستحوذت على ثروات الشعوب المستضعفة ، هذا من الناحية الاقتصادية ، ومن الناحية الثقافية صنعت الوسائل التي تشبع ثقافةٍ واحدة ، فخلقت لهدفها الإنترنت أولاً ، ومن ثم وسائل التواصل الاجتماعي التي تغذي شعوب العالم ثقافةَ الانحراف والغرائز التي تقوم على محور الجسد ومشتهياته والنفس الأمارة بالسوء وانحرافاتها كما هو محور ثقافة الغرب . فكانت العولمة الخطوة الأولى لتأسيس نظام عالميٍ جديد ، اخذ فلاسفة الغرب وبالذات أمريكا ينظرون له والنظام العالمي الجدي أوسع خطوةً وأكثر تجذراً وقوةً لبسط النفوذ عالمياً واخضع الشعوب واستعبادها ، ويُعتقد أن من أوائل المفكرين والمحللين الذين بحثوا في العلاقات الدولية بدأوا في استخدام مصطلح “النظام العالمي الجديد” في الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين. ومن المفكرين الذين أشاروا إلى هذا المفهوم في أعمالهم في ذلك الوقت هم فرانسيس فوكوياما، الذي كتب عن “نهاية التاريخ والمسار الأخير للبقاء” في العام 1992، وسامويل هنتنغتون، الذي كتب عن “صدام الحضارات وتمزق العالم الجديد” في العام 1996. فكانت العولمةُ جزءً من النظام العالمي الجديد وأداةً من أدواته ، فالعولمة هي التغيرات والتحولات الاقتصادية والثقافية ، بينما النظام العالمي أصبح يشير إلى التغيرات البنيوية والسياسية والاقتصادية التي تحدث في النظام الدولي بعد حدوث تحولات هامة مثل انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة. يمكن أن يشير النظام العالمي الجديد إلى الهيكل والديناميات الجديدة التي تحكم العلاقات الدولية والاقتصادية بعد هذه التحولات . وما أحداث الشرق الأوسط والعالم الإسلامي وما يعيشانه من اضطراباتٍ وفوضى إلا جزءً من هذه المنظومة العالمية المراد تطبيقها .
فأصبح الحديثُ عن دولةٍ واحدةٍ في ظل نظامٍ عالميٍ واحدٍ يسوده نظامٍ سياسيٍ واحدٍ واقتصادٍ واحدٍ وثقافةٍ واحدةٍ وشيوع علاقاتٍ اجتماعية واحدة ، أمراً مقبولاً يمكن تطبيقُهُ ولا غرابةَ فيه ، وقد تسيد الغرب الرأسمالي بعد سحق الشيوعية هذا النظام وأخذ يسعى لتطبيقه وفرضه عالمياً ، مستخدماً الحرب العسكرية والناعمة على حدٍ سواء ، ونحن والغرب نشترك جميعاً في مفهوم الدولة الواحدة او النظام العالمي الواحد بأصل الفكرة لا غاياتها وأهدافها ، وكلانا يسعى لإيجادِ مستقبلٍ زاهرٍ تسعد فيه البشرية وتنعم في خيراته تحت ظل العدالة والمساواة ، لكن النظام العالمي الجديد الذي تقوده أمريكا وحلفائها أفرز أثاراً سلبيةً عكس ما ينظره له ويطبلُ له إعلامياً ، ويمكن أن تكون هناك عدة مساوئ للنظام العالمي الجديد، وهذه بعضها:

1. تفاوت القوة والثروة: قد يؤدي النظام العالمي الجديد إلى تفاوت كبير في توزيع القوة والثروة بين الدول، مما يزيد من حدة التوترات والصراعات الدولية.
2. الاستغلال الاقتصادي: قد يؤدي التكنولوجيا والعولمة في النظام العالمي الجديد إلى استغلال اقتصادي لبعض الدول وتهميش الأخرى، مما يزيد من الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة.
3. التأثير على الثقافات الوطنية: قد يؤدي الاندماج الاقتصادي والثقافي في النظام العالمي الجديد إلى تهديد الثقافات الوطنية والهويات المحلية.
4. قتل البشرية ولا كرامة لها ، كما في غزة المحاصرة وما حصل في العراق من حربٍ أهليةٍ بنفسٍ طائفيٍ قادتها الشركات الأمنية الأمريكية التي أشاعت القتل والفوضى والدمار وأهلكت الحرث والنسل .
5. تهديدات بيئية: يمكن أن يؤدي النمو الاقتصادي السريع والتغيرات البيئية في النظام العالمي الجديد إلى تهديدات بيئية كبيرة مثل تغير المناخ والتلوث.

ووفق هذا النزوح البشري نحو توحيد العالم ، قد فتح باباً لقيام الدولة العالمية وحاكمية الإسلام التي تختلف عمّا يسعى له الغرب ، فتلك الدولة دولةٌ كريمة لها مميزاتها ومشخصاتها ، ومن أهم مميزاتها :
1. يُعَزُّ فيها الإنسان وتحفظ فيه كرامة الفرد والشعوب فلا كرامةَ لدولةٍ لا تعز فيها كرامة الإنسان .
2. تضمن حرية الاندماج والرغبة فيها (حتى تسكنه أرضكَ طوعا) إن هذه الطواعية تعني رغبة الناس ودخولهم فيها بلا اكراه (لا إكراه في الدين) حتى يصبحَ فيها الإسلام دين الدولة العالمية (إن الدين عند الله الإسلام)
3. الأمن المطلق الذي يعيشه الناس كما ورد في الروايات أن المرأة تمشي لوحدها من الكوفة للشام لا يعترض طريقها أحد ، وتعيش الأغنام مع الذئاب فلا تعتدي عليها وهي إما صراحةً وليس ببعيد ، فإذا توفر طعام كل صنف انعدم تعديه ، أو أنها استعارة وكناية عن الظالمين والطغاة والمستضعفين بسبب قوة النظام وبسط أمنه لا يتعدى أحدٌ على أحد .
4. الوفرة المالية العالية ، كما ورد في الروايات أن من يقصد الإمام فيعطيه حتى يحث له المال حثاً
5. انعدام الفقر وسيادة الاكتفاء الذاتي ، فقد ورد في الروايات ، أن مَنْ عليه كفارة لا يجد مستحقها ـ أي لا يجد فقيراً تُدفَعُ إليه وهي دلالة على انعدام الفقر .
6. الاستغلال الأمثل لخيرات الأرض ومكنوناتها ، إن الرقي الاقتصادي الذي يعيشه العالم في عهد صاحب العصر والزمان سيكون بأعلى درجاته بحيث لا تبقى أية مخزونات إلا استخرجت واستخدمت ، كما ورد في الرويات تخرج الأرض بركاتها
7. التقدم العلمي لدى شعوب الأرض جميعاً ، فقد ورد في الروايات أنه يضع يده على رؤوس الناس فتكتمل حلومهم ، وهي استعارة مجازية أن بسط سلطته العلمية على الجميع مما يرتقي بالإنسان عكس هذا النظام الذي أفرز فقراً وجهلاً أوسع ماكانت عليه شعوب الأمس .
اللهُمَّ أرِني الطَّلعَةَ الرَّشِيدَةَ وَالغُرَّةَ الحَمِيدَةَ وَاكحُل ناظِري بِنَظرَةٍ مِنّي إلَيهِ وَعَجِّل فَرَجَهُ وَسَهِّل مَخرَجَهُ وَأوسِع مَنهَجَهُ وَاسلُك بي مَحَجَّتَهُ وَأنفِذ أمرَهُ وَاشدُد أزرَهُ، وَاعمُرِ اللهُمَّ بِهِ بِلادَكَ وَأحيِ بِه عِبادَكَ فَإنَّكَ قُلتَ وَقَولُكَ الحَقُّ: ظَهَرَ الفَسادُ في البَرِّ وَالبَحرِ بِما كَسَبَت أيدي النَّاسِ فَأظهِرِ اللهُمَّ لَنا وَلِيَّكَ وَابنَ بِنتِ نَبِيِّكَ المُسَمّى بِاسمِ رَسُولِكَ حَتّى لا يَظفَرَ بِشيءٍ مِنَ الباطِلِ إلاّ مَزَّقَهُ وَيُحِقَّ الحَقَّ وَيُحَقِّقَهُ، وَاجعَلهُ اللهُمَّ مَفزَعاً لِمَظلُومِ عِبادِكَ وَناصِراً لِمن لا يَجِدُ لَهُ ناصِراً غَيرَكَ وَمُجَدِّداً لِما عُطِّلَ مِن أحكامِ كِتابِكَ وَمُشَيِّداً لِما وَرَدَ مِن أعلامِ دِينِكَ وَسُنَنِ نَبِيِّكَ (صلّى الله عليه و آله) ، وَاجعَلهُ، اللهُمَّ مِمَّن حَصَّنتَهُ مِن بَأسِ المُعتَدِينَ اللهُمَّ وَسُرَّ نَبِيَّكَ مُحَمَّداً (صلّى الله عليه و آله) بِرُؤيَتِهِ وَمَن تَبِعَهُ عَلى دَعوَتِهِ وَارحَمِ استِكانَتَنا بَعدَهُ اللهُمَّ اكشِف هذِهِ الغُمَّةَ عَن هذِهِ الاُمَّةِ بِحُضُورِهِ وَعَجِّل لَنا ظُهُورَهُ إنَّهُم يَرَونَهُ بَعِيداً وَنَراهُ
قَرِيباً بِرَحمَتِكَ يا أرحَمَ الرَّاحِمِينَ. وصلى الله على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين .
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ألا فاستغفروه إنه كان تواباً رحيما .
{بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّـهِ وَ الْفَتْحُ (١) وَ رَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّـهِ أَفْواجاً (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ اسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (٣)} النصر [١-٣]

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرامالنعيم نيوز

لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التاليالنعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا علىقناة النعيم الفضائية

كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرامالنعيم نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى