اخبار اسلامية
أخر الأخبار

‘بإمامة الشيخ جعفر الربيعي‘.. خطبتا صلاة الجمعة بجامع الرحمن في بغداد

أقيمت خطبتا صلاة الجمعة المباركة، بجامع الرحمن، في بغداد/المنصور، بإمامة الشيخ جعفر الربيعي.

 

وكان موضوع الخطبة الأولى، وتابعتها “النعيم نيوز”، (المبادئ والأُسس القرآنية للقضية الحسينيّة):

“بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) سورة يوسف.

المقدمة:

لا بدّ لكلّ قضية من مبادئ تُؤسّس عليها ـ على اختلاف تلك المبادئ في الأصالة والعلمية والأحقّية ـ كي تكون قضية بحقّ. ولا شكّ في أنّ القضية الحسينيّة وثورة الإمام الحسين (عليه السلام) ذات مبادئ رفيعة وغنية انطلق من خلالها الإمام، وهذه المبادئ هي:

المبدأ الأوّل: الارتباط باللّه عز وجل.

إنّ الارتباط بالله تعالى ذو أهمّية بالغة في كلّ القضايا، فهو الهدف الأساس لكلّ قضية، وخصوصاً إذا كانت تغييريّة من منظور إسلامي؛ لأنّ التغيير فيها يكون على أساس موازين الحقّ والعدل والمصالح الإنسانية الواقعية، وتجنّب المفاسد والأضرار التي يمكن أن تلحق الإنسان في مسيرته الفردية أو الجماعية.

مضافاً إلى ذلك، فإنّ هذا المبدأ ذو بُعد وزخم لا يمكن أن تجده القضية عند فقدانه؛ لما لهذا الارتباط من تأثير بالغ على بقية المبادئ.

ولا شكّ ولا ريب في أنّ هذا المبدأ متوفر بالقضية الحسينيّة، ولا نقصد بذلك ارتباط شخص الحسين عليه السلام بالله تعالى فحسب، وإنّما ارتباط حركته وثورته بمجملها بالأهداف الإلهية، وإلّا فالحسين عليه السلام إمام معصوم مرتبط بالله سبحانه بلا شك ولا شبهة عند أحد من المسلمين.

فكانت حركته عليه السلام بدافع من الوظيفة والمسؤولية الشرعية والمعاني التي وضعها الله سبحانه وتعالى على عاتق الإنسان المسلم، ومن هذه المعاني المتعلّقة بالارتباط بالله سبحانه وتعالى: إصلاح الأُمّة عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول سبحانه وتعالى: (لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)[2]، وكذلك قوله: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، وقد وُجِدت هذه المعاني في مجموعة من الخُطَب التي ألقاها الإمام الحسين عليه السلام.

فمنذ اليوم الأوّل الذي تحرّك فيه الإمام عليه السلام من المدينة المنوّرة قاصداً مكّة أكّد على هذا المبدأ في وصيّته لأخيه محمد بن الحنفيّة، حيث ورد فيها: «هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمد بن علي المعروف بابن الحنفيّة، أنّ الحسين يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله جاء بالحق من عند الحقّ، وأنّ الجنّة والنار حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث مَن في القبور، وأنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي صلى الله عليه وآله، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر…».

المبدأ الثاني: المعاني الفطرية والوجدانية للإنسان

إنّ كلّ قضية لا تكون قادرة على النجاح ما لم تكن مبنية على أساس من المعاني الفطرية الإنسانية، بمعنى أن تهتّم بالمعاني التي فطر الله عليها الإنسان، كالحرّية، والكرامة الإنسانية، ورفض الظلم والاضطهاد، إلى غير ذلك ممّا يُعبّر عنه بـ(المعاني الفطرية والوجدانية) للإنسان؛ لأنّ هذه المعاني تمثِّل عنصراً ثابتاً في حياة الإنسان، وتبقى معه في كلّ التاريخ وفي مختلف الظروف.

فكلّ قضية مؤسَّسةٌ على هذا المبدأ يمكن أن نفترض فيها القدرة على النجاح والوصول إلى الغايات، حيث يمثِّل هذا المبدأ الطاقة المحرِّكة في داخل الإنسان، أمّا إذا فُقِد فلا يمكن تحريك الإنسان.

والمتأمِّل في تاريخ الأنبياء وحركتهم يجد أنّ هناك خصوصيتين موجودتين في تحرّكهم في المجتمع مضافاً إلى ارتباطهم بالله سبحانه وتعالى، وهما:

1ـ رفض الظلم ومقارعته، والدعوة إلى الحقّ والعدل.

2ـ كرامة الإنسان وعزّته وحرّيته الحقيقية.

فهم يؤكّدون على هاتين الخصوصيتين، بحيث يمكن القول: إنّهما تمثِّلان جوهر القضية في منطقهم وتحرّكهم.
وهذا المبدأ هو من المبادئ الأساسية والواضحة والبارزة في قضية الإمام الحسين عليه السلام، حيث أكّد عليه السلام على هذا المبدأ المتمثِّل بالكرامة الإنسانية والحرّية التي فطر الله سبحانه وتعالى الإنسان عليها، وتأكيده عليه السلام على العدل ورفض الظلم والذلّ والحرمان والاستضعاف.

فكان أحد الشعارات الرئيسة لثورة الإمام الحسين عليه السلام هو دعوته للحرّية في الخلاص من عبادة الطاغوت والخضوع للطغيان والظلم، ودعوته للإخلاص في عبودية الله، انطلاقاً من قوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا).

وعند التأمّل في التاريخ الإنساني نجد أنّ هناك صراعاً دائماً ومستمرّاً منذ بداية وجود الإنسان بين حركة الإنسان نحو الله تعالى والارتباط به، وحركة الإنسان نحو الطاغوت والارتباط به؛ومن هنا يطرح القرآن الكريم دائماً لفظ الجلالة (الله) في مقابل (الطاغوت) في جملة من الآيات، قال تعالى: (اللَّـهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗأُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [11]. وقال: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا)[12]. وقال: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّـهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّـهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ).

لذا؛ نجد الإمام عليه السلام ركّز على المحتوى الإنساني في نهضته المباركة، وكانت الشعارات الأساسية في ثورته تتلخّص بشعارين: الإخلاص في عبودية الله تعالى، والحرّية والعدل. ويتّضح ذلك من خلال خُطَبه وكلماته التي تجسِّد هذا المعنى.

ولعلّ من الكلمات التي تجسِّد هذا المعنى بشكل واضح قوله عليه السلام لقيس بن الأشعث بعد أن عرض عليه النزول على حكم يزيد: «لا والله، لا اُعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفرّ فرار العبيد».

وقوله في خطبته الثانية يوم الطف وهو يعبِّئ أصحابه للقتال: «ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتيّن: السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت، وحجور طهرت، ونفوس أبيّة، وأُنوف حمية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام…». وقوله عليه السلام: «فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برماً». وقوله عليه السلام في ساحة المعركة: «الموت خيرٌ من ركوب العار والعار أولى من دخول النار».

من كلّ هذه المضامين نفهم أنّ من أوثق الأسباب التي ثار من أجلها الإمام الحسين عليه السلام هو العزّة والكرامة، فقد أراد الأُمويون إذلال المسلمين واضطهادهم وممارسة حالة القيمومة عليهم، وإرغام الإمام الحسين عليه السلام على الذلّ والخنوع، لكنّه عليه السلام أبى إلّا أن يعيش عزيزاً تحت ظلال السيوف والرماح.

المبدأ الثالث: التخطيط بالحكمة والموعظة الحسنة

إنّ كلّ ثورة يُراد لها أن تصل إلى أهدافها وتحقّق غاياتها النبيلة، لا بدّ أن يكون وراءها عقل يخطّط لها تخطيطاً علميّاً يسير بها إلى تلك الأهداف، أمّا عندما تفقد الثورة العقل المخطِّط لها فإنّها تفقد حينئذٍ التدبير والحكمة في مسيرتها، وحينئذٍ تتحوّل إلى مجرّد انفعالات عاطفية، أو مجرّد ردود فعل وتمرّد وانعكاس للواقع السيء، أو تتحوّل إلى فوضى لا يمكنها أن تحقّق مصلحة للمجتمع، أو أن تصل إلى غاية صحيحة.

والقرآن الكريم يؤكِّد على ذلك في مسألة الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وفي مسألة دفع الناس نحو الارتباط بالله تعالى، وبالتالي نحو الإسلام على هذا الجانب في العمل، قال تعالى: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ). وقال تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ).

إذن؛ فمسألة الحكمة والموعظة الحسنة والتخطيط والتدبير كلّها مسائل ضرورية في نجاح الثورة والوصول إلى أهدافها؛ لأنّ عملية التغيير عملية معقّدة وعسيرة وتحتاج إلى تدرّج في العمل، واستنفاد لكلّ الوسائل، واستفراغ لكل الجهود، وصبر وعزيمة، وتشخيص لطبيعة الظروف والإمكانيات، والاستفادة من كل الطاقات والعوامل المؤثرة.

ويدخل في هذا الجانب عنصر مهم ـ لا بدّ أن ننتبه إليه ـ وهو عنصر المبادرة في العمل الثوري التغييري، فالثورة بمعناها الحقيقي تعني حالة من الابتكار والمبادرة يتّخذها الإنسان الثائر المستشعر للظلم والذلّ من خلال التخطيط لرفع هذا الظلم وتغيير الواقع، والبدء بعملية الهجوم الذي يتّصف بعنصر المبادرة على الواقع الفاسد، والظالمين من أعداء الله وأعداء المحرومين والمستضعفين، الذين يمارسون الظلم والإذلال.

وهذا المبدأ هو من المبادئ الثابتة في حركة الإمام الحسين عليه السلام، فالحسين عليه السلام حيث إنّ العملية بدون التخطيط لها قد تبدو وكأنّها عملية انتحار، أو مجرّد انفعال ورفض للظلم والذلّ، وأمّا مع التخطيط فتتحوّل إلى عمل ثوري وسياسي عام يرتبط بالأُمّة كلّها، وتتفاعل الأُمّة مع أهدافها ومقاصدها وشعاراتها ومفاهيمها، وهناك بعض الشواهد التي تؤكِّد عنصر التخطيط في نهضة الحسين عليه السلام نشير إليها باختصار:
الشاهد الأوّل:

موقف الإمام الحسين عليه السلام من البيعة عندما طلبها منه والي المدينة، فإنّ الحسين عليه السلام قد خطّط لإعلان الرفض في ذهابه إلى الوالي، ولم يصنع كما صنع غيره ممّن دعاه الوالي إلى البيعة، كعبد الله بن الزبير أو عبد الله بن عمر، وفي الوقت نفسه لم يذهب إلى الوالي بشكل عفوي، وإنّما خطط لذهابه فاصطحب معه جماعة من بني هاشم، وكلّفهم بالوقوف على الباب؛ لكي يهجموا عندما يسمعون الصيحة لينقذوه، ثمّ إنّه عليه السلام خطّط للحديث مع الوالي، كيف يبدأ وكيف ينتهي.

الشاهد الثاني:
ذهاب الحسين عليه السلام إلى مكّة وبقائه هناك حتى اليوم الثامن من ذي الحجّة وهو يوم التروية، فمضافاً إلى أنّ مكّة تُعتبر موطناً آمناً نسبياً؛ لما حباها الله تعالى من قدسية وجعلها بلداً آمناً في الإسلام، وكذلك في تاريخ العرب أنفسهم، تمكّن عليه السلام من الاتّصال بجماهير واسعة من المسلمين الذين وردوا مكّة للحج، كما أنّه عليه السلام قام بإرسال عدّة رسائل إلى مختلف الأقطار الإسلامية، كالكوفة، والبصرة، واليمن من أجل استنهاض المسلمين وشرح قضيته وأهدافه.

الشاهد الثالث:
إرسال مسلم بن عقيل عليه السلام إلى أهل الكوفة؛ لكي يهيئ الأجواء فيها، ويعبّئ المسلمين وينظِّمهم ويأخذ البيعة منهم، ويدرس مجمل الأوضاع السياسية والاجتماعية والروحيّة فيها، ويعرِّف المسلمين أهداف الثورة ومقاصدها.

الخطبة الثانية

عنوان الخطبة: ثورة القيم في عصر الظهور

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) سورة التوبة.

مقدّمة:
ممّا لا شكّ فيه ولا شبهة تعتريه في أنّ ثورة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، هي ثورة القيم وإعادة الأمور إلى نصابها من تقويم الاعوجاج في العقائد إلى إصلاح ما فسد من أخلاق البشر، ومن القضاء على البدع إلى سوق العباد نحو الكمال الإنسانيّ. وليس هذا فحسب، بل تشمل عنايته وبركاته الأمور التكوينيّة ككمال العقول ومجاورة الحمل للذئب، ومن هنا تفتح الأبواب على الحديث عن أنّ المذكورات هي جميعها مصاديق للقسط وإقرار لطبيعة العدل الإلهيّ الجاري على يديه المباركتين، وبناءً عليه فليس المراد من العدل: العدل السياسيّ والاجتماعيّ فحسب، بل يشمل كلّ زاوية من زوايا الحياة البشريّة والكونيّة والتشريعيّة والتكوينيّة.

فكما أنّ انحراف السلطان ظلم، واستقامته عدل، وكما أنّ حكم القضاة بغير الحقّ جور ونقيضه قسط، فكذلك من باب الجري والتطبيق يمكن القول بأنّ التفكّك الاجتماعيّ والتحلّل الأخلاقيّ وتهديم الأسرة جور وظلم.

فنقائضها قسط وعدل، وهذا يسوقنا إلى الفهم الدقيق لمعنى امتلاء الأرض بالجور والظلم قبل ظهوره الشريف ولم يعد هناك فرق بين استبداد الظلَمة وعتوِّ الدول المستكبرة، وبين تخلّي الأمّة عن مبادئها وهجران الأفراد للقيم. وبعد التسليم بهذه المقدّمة فحري بنا أن ننتفض لنقوم بثورة قيميّة في عصر الغيبة الكبرى لنحافظ على مبادئنا وقيمنا ونتحلّى بمكارم الأخلاق ونستقيم كما أُمرنا حتّى لا نكون من المساهمين في نشر الفساد، ولكيلا نلتقي مع الجبابرة والظلمة في ملء الأرض بالظلم والطغيان. وسأسلط الضوء على بعض عناصر الجور والظلم الاجتماعي.

محاور الموضوع.

الجانب الأوّل: العلاقات الاجتماعيّة

يجب أن تقوم العلاقات الاجتماعيّة على أساس يبنى عليه رحمة الكبير والقوي للصغير والضعيف وبالمقابل يبادلانهما بالاحترام والتقدير، وسيؤدّي هذا بالطبع إلى رعاية حقوق القاصرين والمستضعفين، وبالتالي لا يبقى أيّ مورد لتهديد الآخرين في أنفسهم وممتلكاتهم، هذا بخلاف ما لو كانت العلاقات الاجتماعيّة تقوم على أساس التنافس الماديّ والتزاحم الجسمانيّ فتؤدّي بالعنصر البشريّ إلى التمايز الطبقيّ، وتكون السيطرة للأقوى وبذلك تنسلخ البشريّة من إنسانيّتها وينتشر البغض والحسد والكراهية.

وحينها يفقد المجتمع قيمه وأخلاقه، فقد ورد عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قوله: “وذلك عندما تصير الدنيا هرجاً ومرجاً ويغار بعضهم على بعض فلا الكبير يرحم الصغير ولا القوي يرحم الضعيف فحينئذٍ يأذن الله له بالخروج” ، وفي رواية عن ابن عبّاس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل قال صلى الله عليه وآله وسلم: “فعندما يأتي قوم من المشرق وقوم من المغرب فالويل لضعفاء أمّتي منهم والويل لهم من الله، لا يرحمون صغيراً ولا يوقّرون كبيراً، لا يتجافون عن شيء، جثثهم جثث الآدميين وقلوبهم قلوب الشياطين”.

الجانب الثاني: العلاقات الإسلاميّة الأسريّة

الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع، فإذا تصدّعت انهار المجتمع بالكامل، وتتعرّض الأسرة في هذه الفترة إلى تحوّلات عجيبة بسبب عدم التزامها بالقيم، من قبيل ظلم الزوج لحقوق زوجته، أو عدم رعاية الزوجة لحقوق زوجها وهكذا لو أضحى الولد عاقّاً لوالديه وتخلّى الوالدان عن مسؤولّيتهما في تربية الأبناء، ويدلّ عليه ما عن ابن عبّاس عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: “يكثر الطلاق والفراق والشكّ والنفاق…ويكثر أولاد الزنا” .

ويقول الإمام الصادق عليه السلام: “ورأيت العقوق قد ظهر واستخفّ بالوالدين…ورأيت الأرحام قد تقطّعت” .

الجانب الثالث: تبدّل القيم

من الخطورة بمكان أن يرى المرء القبيح فيرتكبه وينظر إلى الحسن فيتركه، وأخطر منه أن يرى القبيح حسناً والحسن قبيحاً، وأخطر من كلّ ذلك أن يأمر بالقبيح وينهى عن الحسن، وعندما يؤول الأمر بالمجتمع إلى أن يعطف الهدى على الهوى لا العكس، وكذلك يعطفون القرآن على الرأي وليس العكس وهكذا يفضي إلى إحياء البدعة وموت السنّة، وقد أشير إلى ذلك في مجموعة من الراويات، منها عن الإمام العسكريّ عليه السلام وهو يخاطب أبا هشام الجعفريّ فيقول له: “يا أبا هشام، سيأتي زمان على النّاس وجوههم ضاحكة مستبشرة وقلوبهم مظلمة منكدرة، السنّة فيهم بدعة والبدعة فيهم سنّة” .

الجانب الرابع: قيمهم ثرواتهم
إذا أصبحت القيمة لأصحاب رؤوس الأموال والكلمة للمال، فتُماث الإنسانيّة كما يُماث الملح في الماء وهذا ما يحصل في زماننا وقد أشير إليه في العديد من الأخبار والراويات فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “… والميل مع الأهواء، وتعظيم المال وبيع الدّين بالدنيا، فعندها يذوب قلب المؤمن في جوفه كما يذوب الملح في الماء” .
وعن الإمام الصادق عليه السلام: “ورأيت صاحب المال أعزّ من المؤمن” – وعنه أيضاً: “ورأيت النّاس همّهم بطونهم وفروجهم، لايبالون بما أكلوا وبما نكحوا ورأيت الدنيا مقبلة عليهم” .

الجانب الخامس: تضيع العبادات
إذا لم تنه الصلاة عن الفحشاء والمنكر فهي ليست بصلاة، وإذا أكل الإنسان الربا، ترك الزكاة، فتنقطع العلائق بين العبد وربّه بل أمسى له إلهٌ أخر يعبده ألا وهو هواه، وهذا ما يمكن رؤيته في عصر الغيبة

الكبرى، وإليه يشير النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بما روي عنه: “من اشتراط الساعة إضاعة الصلوات، وإتّباع الشهوات والميل مع الأهواء…وأداء الزكاة عليهم أشدّ التعب عليهم خسراناً ومغرماً عظيماً” ، وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وآله وسلم: “لا يبقى من الإيمان إلّا اسمه ولا من الإسلام إلّا رسمه ولا من القرآن إلّا درسه مساجدهم معمورة من البناء وقلوبهم خراب عن الهدى” .

الجانب السادس: جهاد المجتمع

إذا تخلّى كلّ رائد من روّاد المجتمع عن دوره وعن الصفات الواجب التحلّي بها هذا ينم عن التحوّلات الكبرى في القيم الأخلاقيّة، وربّما يحصل قبيل الظهور.

خاتمة: نـور الله فـي الأرض

ما ذكر ما هو إلّا غيض من فيض ما تناولته الراويات والأخبار، ولذا فالمؤمن القابض على دينه كالقابض على الجمر، وهكذا فإنّ قلبه يذوب في جوفه كما يذوب الملح في الماء، ففي هذا الزمن لو تصوّرناه خالياً من هذا النهج المحمّديّ الأصيل الذي شيّد بنيانه الإمام الخمينيّ العظيم لما بقي بقيّة في الأرض إلّا وعمّها الجور والظلم، ولذا فَيُعَّدُ هذا المشروع من أشرف الحصون للمحافظة على القيم الإنسانيّة والمبادئ الإلهيّة، ولا غروّ في كونه كسفينة نوح على سطح الطوفان الذي غمر الأرض وكالنور في الظلمات وميزان العدل أيّام الجور والظلم”.

 

 

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرامالنعيم نيوز

ولمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التاليالنعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا علىقناة النعيم الفضائية

ولا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرامالنعيم نيوز

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى