أقيمت صلاة الجمعة، في جامع الجوادين (ع) في حي الإسكان مركز محافظة الديوانية، بإمامة السيد حيدر العرداوي.
وفيما يلي نص الخطبة ورد عن خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله قوله: “إن لربَّكم في أيَّام دهركم نفحات ألا فتعرَّضوا لها، ولا تعرضوا عنها”.
شرَّف الله تعالى ليالي على ليال كليلة القدر على غيرها، وأياماً على أيام كيوم الجمعة على غيره وأشهراً على أشهر كأشهر النور الثلاثة التي تبتدئ بشهر رجب الذي عظمه الله تعالى وكرَّمه فوُصف بالأصبّ لأن الرحمة تصب فيه صباً، ففي الحديث: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا جاء شهر رجب جمع المسلمين حوله وقام فيهم خطيباً … “أيها المسلمون قد أظلكم شهر عظيم مبارك، وهو شهر الأصب يصبّ فيه الرحمة على من عبده إلا عبداً مشركاً أو مظهر بدعة في الإسلام”.
– وهو من الأشهر الحُرُم التي عظمها الله تعالى.
– وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: “رجب شهري، وشعبان شهر رسول الله صلّى الله عليه وآله، وشهر رمضان شهر الله عزّ وجلّ”.
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ}. صدق الله العظيم…
يشير القرآن الكريم في سورة يس إلى رسولين أرسلهما الله سبحانه وتعالى إلى أهل مدينة، يرجّح المفسّرون أنها مدينة أنطاكية التي تقع اليوم في تركيا، لهداية الناس إلى عبادة الله الواحد الأحد، ورفع الظّلم والطّغيان عنهم، فتمت مواجهتما من أصحاب المال والنفوذ والسلطة بالتكذيب، وألّبوا الناس عليهما، فعزّزهما الله برسول ثالث لإتمام الحجّة عليهم.. ولكن معاناة هؤلاء الرّسل من قومهم استمرّت حتى هدّدوهم بالموت: {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
رجل من أقصى المدينة
وصل الخبر آنذاك إلى رجل آمن بما يدعو إليه هؤلاء الرّسل، آلمه تكذيب الناس لهم، فجاء مسرعاً من أقصى المدينة، تاركاً عمله ليمنع الظّلم عنهم، وليوضح للناس الذين خضعوا للجوّ العام الذي كان يسيطر عليه أصحاب السلطة والمال، حقيقة ما جاء به المرسلون: {قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ}. لكنّ هذا الرّجل تعرّض لما تعرّض له هؤلاء الرّسل ورجم حتى الموت.
بعد ذلك، ينقلنا القرآن الكريم إلى ما جرى له بعد أن فاضت روحه وغادر الحياة الدنيا، وإلى التّكريم الذي حظي به وتبشيره بالجنّة {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ}.. لكن هذا النعيم الذي بلغه لم ينسه قومه، وتمنى آنذاك لو يعلمون بالنعيم الذي وصل إليه، حتى يهتدوا بما اهتدى به، ويصلوا إلى ما وصل إليه..
{قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ}.. قال ذلك رغم كلّ التعذيب الذي تعرَّض له منهم.. فهو لم يعرف في قلبه حقداً ولا عداوة ولا بغضاء. وهذه الصّورة هي صورة المؤمن، وهي التي عبَّر عنها رسول الله (ص) بعدما رجع من الطائف، وقد أثخن بالجراح من المشركين، هناك قيل له، ادع عليهم ودعاؤك مستجاب من الله تعالى، قال: “إني لم أبعث لعّاناً، وإنما بعثت رحمة مهداة”.
مواجهة الظّلم
والملفت أنّ هذا الرّجل ـ ويرجَّح أنّ اسمه حبيب النجّار نسبةً إلى مهنته ـ الذي خلَّد القرآن ذكره، لم يكن بارزاً على مستوى الحضور الاجتماعيّ في قومه، لكن ما ميّزه وجعل له هذا الشّأن عند الله، أنه كان غيوراً على الحقّ وعلى نصرة المظلومين، فهو لم يسكت عن قول الحقّ وعن الوقوف في وجه الظّلم والطّغيان، رغم معرفته بمدى الأخطار التي قد تحدق به، فقد كان بإمكانه أن يبقى بعيداً عن التوتر الحاصل في المدينة مع هؤلاء الرّسل، وكان يمكنه أن يقول: فخّار يكسر بعضه، ومالي والسّلاطين والدخول في هذا الأمر؟! لكنّه لم يفعل ذلك، بل جاء مسرعاً، ورفع صوته لتوعية الناس لمواجهة الواقع الفاسد والمنحرف، فاستحقّ بذلك أن يخلّد الله سبحانه وتعالى ذكره، كي يكون نموذجاً وقدوةً للناس. فالله يريد لهذا المنطق أن يحكم في الحياة، ولا يريد للناس أن يكونوا على هامش ما يتعرّض له الدين أو الأخلاق، أو ما يحدث في الواقع الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي من مفاسد، هو يريد لهم أن يرفعوا أصواتهم، أن لا يسكتوا على باطل.
ومن هنا، كان التأكيد على واجب المؤمن في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإطلاق كلمة الحقّ في وجه سلطان جائر.. واعتبر ذلك واجباً لا بدّ من التزامه، كما أشار تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ}.
وقد ورد عن رسول الله (ص): “من رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله (ص)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يُغر عليه بفعل ولا قول، كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله”.
وقد علَّم الإمام زين العابدين (ع) كلّ مسلم أن يعتذر، لا لتركه واجباً من واجباته الدينيّة من صلاة أو صوم أو حجّ أو زكاة أو خمس، بل لتقصيره في نصرة غيره: “اللّهُمَّ إِنّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ مَظْلوُمٍ ظُلِمَ بِحَضْرَتِي فَلَمْ أنصُرْهُ”.
وهذا السلوك لم يرده الله أن يبقى في دائرة الأفراد، بل أراد للمجتمع أن يقوم به، لأنّ من القضايا ما تحتاج إلى تعاون وتضافر الجهود، ولذلك قال: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
لتعميم روح المسؤوليّة
أيّها الاعزاء، إننا أحوج ما نكون في هذه المرحلة القاسية إلى تعزيز الاهتمام بالشّأن العام ومشكلات المجتمع وحاجاته، والانتقال بالمجتمع من عقليّة الاستقالة أو ذهنيّة اللامبالاة، إلى الموقع الّذي يشعر فيه كلّ فرد بالمسؤوليّة تجاه كلّ ما يعانيه المجتمع، وكلّ ما يحقّق طموحاته، والاستعداد للتّضحية لبلوغ ذلك.
إنّ تحمّل مسؤوليّة الانخراط في الشّأن العام، طريق ليس مفروشاً بالورود، فهناك تضحيات وبذل جهود، ولكن وراء ذلك سعادة ليس بعدها سعادة، عندما يرى الإنسان نتائج عمله وآثارها فيما أدخله من سرور على النّاس، أو خفَّف من معاناتهم، أو أزال ظلماً، أو رفع جهلاً، أو حين تتعمّم روح المسؤوليّة في المجتمع، وأن يرى ثواب ذلك كلّه عند مليك مقتدر {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً}..
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرام: النعيم نيوز
ولمتابعتنا أيضا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
ولا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرام: النعيم نيوز