مقالات
أخر الأخبار

الهدر بالموارد والطاقات.. ثقافة وموروث أم جهل وقلة تدبير؟

كتبت د.سلامة الصالحي: يعد كوكب الأرض أغنى وأثمن الكواكب في المجموعة الشمسية، لما يحتويه من معادن وثروات وأهم من كل هذا، غني بالحياة التي يبدو أنها بدأت به وستمتد إلى باقي مجرات الكون عبر ذكاء وتطلعات الإنسان ومعرفته، الذي بدأت به وبما حوله هذه الحياة، والأرض ليست ملكاً لبني البشر وحدهم، بل هي لكل ما تنفس الحياة في هذا العالم من حيوان ونبات وحتى جماد هو في خدمة الحياة كلها.

 

أي أن كل هذه الكائنات ترتبط ببعضها عبر السلاسل الحياتية التي تديم ديمومة التطور، وبلادنا هي أحد هذه البلدان الغنية بكل شيء، بالأراضي الخصبة والرطبة، والمياه والمعادن والثروات والتراث والتاريخ بما فيه من ملاحم وقصص وآثار تركتها حضارات وممالك أنقرضت عبر آلاف السنين. وقطعت صلة هذا التطور ومنعت امتداده الغزوات والحروب التي شنت على بلادنا بسبب موقعه وحدوده البرية وسهولة الوصول إليه. ولو لم تكن بلادنا غنية ومصدراً للثروات لما صارت موضع حسد ومطامع الغزاة. فهي الوادي المنخفض الذي تسري إليه ثروات الأرض وتكتنز بين دفتيه، ولكننا كمجتمع وكمواطنين أو أفراد أو مؤسسات دولة، هل قمنا بتنظيم هذه الموارد وتقنين صرفها بما يجعل البناء والعمران والاقتصاد بأقوى ما يمكن. هل امتلكنا الوعي الكامل في إدارة هذه الثروات كشعب وليس حكومة فقط، أم كنا نهدر الكثير تحت منظومة من التراث والتقاليد الساذجة والوهمية في هدر الكثير بنية الكرم والعطاء، الذي يحدث أن يتحول إلى عكس مسراه أو أهدافه النبيلة.

فنحن لم نجعل من الأنهار العظيمة التي تمتد من الشمال إلى الجنوب ضمن شبكة ري ونظام متطور يحافظ عليها من الهدر والعبور إلى البحر، من دون أن نستفيد منها بالشكل الكامل والذي يحول دون أن تتصحر يومياً آلاف الدونمات، ولم نستغل الغاز المحترق منذ عقود طويلة بما يغذي الطاقة المستدامة واحتياجات البلاد، وعلى مستوى الأفراد والأسرة فأن ما يرمى بسلة النفايات من فائض الطعام يدخل ضمن الخسارات بملايين الدولارات، وحتى الاستهلاك غير المعقول للكماليات يجعلنا في خانة التبذير والهدر التي تصاب بها المجتمعات الجاهلة والمتخلفة بنظرتها إلى تطبيق قيم الكرم والتظاهر بالغنى والترف، ويدخل ضمن سياق الهدر واللامبالاة كثير من الأشياء، بالأدوية التي نشتريها لتظل بلا استخدام وترمى بعد أن ينتهي مفعولها، حدائقنا الصغيرة في البيوت غير مستغلة للزراعات العضوية وكي تمد الأسرة بمورد إضافي.

الوقت المهدور في المقاهي والتسكع. والزحام لسوء الشوارع وكمية السيارات الهائلة، المواهب الفنية من فنون تشكيلية وموسيقى وفكر وأدب، لا يسوق لها، بل تهمل وتترك ومن السهل جداً التسويق للغرباء وإهمال أبناء البلاد، نحن نهدر الكثير من الطاقات البشرية والموارد المادية، لنبين للآخر كم نحن كرماء، وكم نحن مهملون وكسالى ومقصرن في وحق الحياة والبلاد، وحتى نبغي كل عام أن نكون أول بلد في الكرم ورعاية الغرباء، أي نعم هي خصلة إنسانية جيدة ولكننا عندما نزور تلك البلدان فلاينظرون لنا إلا يد مانحة وإن أفلست فتطرد على الفور.

يجب أن نضع حداً لثقافة البداوة وتفاهة الأفكار التي تبيح الهدر والتبذير تحت مسميات الكرم والعطاء والثواب، أي توجه هذه الصرفيات إلى بناء المدارس والمستشفيات وتحسين العيش للفقراء والمتعففين، وهذا لعمري هو الثواب الحقيقي، والذي يريد الإطعام فليجلب طعامه معه أو يصرف من جيبه، وأن يتم تنظيم الموارد الخاصة والعامة بعدالة تمنع أن يكون هناك من يجعل الكثير ينام ليله جائعاً في مقابل الكثير من الهدر بأموال وعطايا لامجال لذكرها هنا، نحن ندعي أن بلادنا غنية، ولكن الفقر يزداد فيها ويبرز أنيابه، ويرعبنا من القادم، فنحن الكرماء، لا نجد حين نمرض مستشفيات تليق بكرمنا وعطائنا، ولا نمشي في شوارع تحمي أنفة العطاء والتبذير الذي صار صفة من صفاتنا ومحاسننا. بل عيوبنا التي جعلتنا نتخلف كثيراً في جوانب عديدة، فقدان العدالة في تنظيم الموارد برز في الفترة الأخيرة، أغنياء غنى فاحش وفقراء فقر مخجل لكرامة الإنسان، وهو يبحث في مكبات النفايات عن فضلات ما تركه المهدارون من أبناء وطنه.

الكرماء والمترفون، التعليم ونشر الوعي والتنوير ليس بالافكار فقط بل بتطبيقها، فالاقتصادات تقوى بالتراكم وقوة الاحتياطي المالي وما يقابله من الذهب، فتقوى العملة وعندما تقوى العملة، تقوى وتكبر كرامة الشعوب ولا يذلها مذل، أو عوز أو ظلم، لا نطالب بنظام اشتراكي ولكن نطالب بنظام اجتماعي سياسي ليبرالي يستفيد من الجانبين الرأسمالي والاشتراكي، عادل يضع في حسابه كرامة الجميع ومستقبل الأجيال القادمة، فعندما نحافظ على موارد البلاد، وتحافظ الأسرة على مواردها بالحرص والتدبير والتعقل في الصرف، فان أشياء كثيرة تتحسن، بدءاً من ضمانات عدم افتقار الأسرة إلى قوة اقتصاد البلاد وعدم عوزها وخضوعها إلى الاستدانة.

نحتاج كثيراً إلى وعي جديد، وثقافة جديدة، بعيدة عن التبذير والهدر بالأموال والطاقات، وأن تصرف الموارد في محلها وتخضع لرقابة الدولة والمجتمع. فالماء يجب أن ينظم بطرق تحافظ على تواجده على مدار العام دون أن نتعرض إلى الجفاف، حتى وإن تطلب الأمر عمل بحيرات وسدود وإعادة مجرى النهر للخلف، وتنظيم ما يهدر من الغاز والبترول واستغلاله داخل البلاد لمجالات الطاقة الأخرى كالكهرباء مثلاً، والاستفادة من المساحات الشاسعة في الزراعة وتنويع الموارد الزراعية، واستصلاح الاراضي وحتى كري الأنهر والاستفادة من الطين المكرور في تخصيب الأراضي التي غزاها التصحر.

كل أثر وجانب في هذه البلاد وكل فرد يحتاج لقوانين ونظم تعيد ترتيب وجوده والنهوض به، لدينا من الطاقات البشرية ما تستحق ان تنظم لهذا الأمر، فنحن لسنا بأقل من دول صححت نظمها الاجتماعية والسياسية وتجاوزت الموروث الساذج وقيوده، وانطلقت بعيداً وبالنتيجة إنسان ذو كرامة وبلد تتمنى بقية الشعوب العيش فيه.

 

 

 

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرامالنعيم نيوز

لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التاليالنعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا علىقناة النعيم الفضائية

كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرامالنعيم نيوز

 

 

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى