
كتب د. هاني عاشور: ربما أكثر شيء ينتظره العرب هو رؤية موقف عربي موحد وخطاب عربي مطمئن لأبرز القضايا المصيرية، فمنذ نهاية الاحتلال العثماني للدول العربية، وبروز سيطرة الغرب الأوروبي (فرنسا – بريطانيا – إيطاليا)، كان الموقف العربي مشتتاً حسب أهواء المستعمرين، ولكن الرؤية العربية الوحيدة كانت التحرر من السيطرة الأجنبية، وتحقق ذلك بثورات تحررية، لكن تلك الرؤية ضعفت وتبددت عندما تحول كل بلد إلى سلطة منفصلة من عن مضمونها العربي، وحتى ما كان يطلق عليه الفكر القومي، كان سلطة مهيمنة محلياً في دول محددة أكثر من أنه رؤية عربية موحدة.
ومع نيل بعض الدول العربية ما يمكن أن يسمى الاستقلال، كانت الفكرة المطروحة آنذاك لتوحيد الموقف هو إنشاء جامعة الدول العربية، لتكون غطاء للموقف، وقد تكونت في 22 آذار – مارس 1945م أي قبل منظمة الأمم المتحدة بشهور، وتألفت في أول وقتها من سبع دول عربية كانت تتمتع بشبه استقلال سياسي وقتذاك، هي: مصر، سوريا، المملكة العربية السعودية، شرق الأردن، لبنان، العراق، اليمن، وتم اختيار القاهرة مقراً للجامعة، وأصبحت ملاذاً عربياً للدول التي تستقل، بينما اختلف العرب من الدول المؤسسة على التسمية، وكان ذلك أول خلاف من نوعه، فقدت أرادت سوريا اسم «التحالف العربي» أما العراق أراد اسم «الاتحاد العربي»، إلا أن الوفد المصري رأى أن اسم «الجامعة العربية» أكثر ملاءمة وتوافقاً مع أهداف الدول العربية.
لم تكن مواقف الدول العربية متوافقة بينها وفق أنظمة الحكم ملكية أو جمهورية، كما لم تكن تمتلك الأبعاد الكافية وفق قانون الجامعة العربية الذي ركّز في البدء على الجوانب الاقتصادية والثقافية، وتشجيع استقلال الدول العربية التي بقيت خاضعة للاستعمار، ولكن أمام أول اختبار تشتت الموقف العربي الجامع في نيسان – أبريل 1948 مع قيام الكيان الصهيوني باحتلال أراضي فلسطينية وتهجير أهلها، فأقرت الجامعة العربية إرسال الجيوش العربية للدول المنضوية تحتها لرد العدوان، فكان الانكسار العربي سيد الموقف في تلك الحرب، واكتفت الجامعة العربية كصورة للعلاقات العربية – العربية أن تنصح أعضاءها باستقبال المهجرين الفلسطينيين.
وتكرر ذلك الموقف في عام 1967 على الرغم من أن الدول العربية، التي نالت التحرر ضاعفت عدد أعضاء الجامعة العربية ثم تكرر عام 1973، ثم انهار بعد اتفاقية كامب ديفيد، ليتحول مقر الجامعة العربية إلى تونس حتى بداية التسعينيات ثم يعود إلى مصر، ليفقد العرب موقفهم الموحد، وتضاعف الفقد بعد غزو العراق للكويت، فانهار كل خطاب عربي يدعو لعلاقات عربية – عربية منصفة.
واستمر المسلسل الانكساري في الصراع العربي – الصهيوني، حتى أصبح في السنوات الأخيرة يحمل اسم (الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني) لتختفي مفردة (العربي)، وزادت مع تطور التكنولوجيا الحديثة وظهور البث الفضائي وخدمات التواصل الاجتماعي، حدة الخلافات ونيل الدول العربية من بعضها، حتى أصبح هاجس الإعلام هو تحطيم أي خطاب عربي موحد، بل أصبحت فكرة تأييد الانقلابات في الدول العربية مهمة عربية قبل أن تكون مهمة الاستعمار القديم.
لقد أصابت المواطن العربي حالة من اليأس وبدأ في انتظار موقف عربي موحد من أية قضية عربية، ولكن الانتظار يطول ويطول، ليصل إلى مرحلة الانكسار الثانية، ليعيد فكرة الانتظار التي لا أفق مضيئاً فيها، والسؤال العربي الأكبر.. هو.. هناك من بصيص في آخر النفق، حتى الآن نتمنى، ولا نظن أننا سنراه.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز