اخبار اسلامية
أخر الأخبار

خطبة صلاة الجمعة في خانقين بإمامة الشيخ حسين المندلاوي

أقيمت صلاة الجمعة المباركة بمسجد وحسينية الإمام الحسن المجتبى (ع)، في خانقين منطقة علي مراد، بإمامة سماحة الشيخ حسين المندلاوي وحضور جمع مبارك من المؤمنين.

وفيما يلي نص الخطبة، وتابعتها :النعيم نيوز”.

عنوان الخطبة الأولى: شهر شعبان وولادة الأقمار المحمدية ( عليهم السلام )

 

لقد شاءت قدرة الله سبحانه وتعالى أن تكون ولادات لثلاثة أقمار في شهر شعبان المعظم مرتبة حسب الترتيب العملي لسيرتهم (سلام الله عليهم) في مسيرتهم الجهادية والرسالية.

إنّ الفرح الحقيقيّ هو الفرح الرّساليّ، عندما نأخذ بروح الإسلام وروح التّشريع، وننطلق به في كلّ ساحات العمل والجهاد. وفي ميلاد الإمام الحسين (ع)، نتعرّف إلى مسيرة تجسيده العمليّ لمعنى الحريّة الّتي تغني كلّ مجالات العمل.
فقد كان مفجر الثورة الإنسانية الإسلامية المحمدية في يوم عاشوراء هو الإمام الحسين (عليه السلام)، وحامل لواءها وقائد كتائب الأخيار ومسطّر كل فضيلة في أرض كربلاء هو وأخوه العباس بن علي (عليهما السلام)، وحامل راية هذه الثورة وناقلها إلى العالم الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام)، الذي أشرف على هذا النقل بكل تفاصيله وجزئياته الذي كان ينفذها على أرض الواقع هو وعمته السيدة زينب الكبرى (عليها السلام).

ولد الإمام الحسين (عليه السلام) في الثالث من شعبان وولد سيدنا العباس (عليه السلام) في الرابع منه وولد الإمام زين العابدين في الخامس منه، أليس هذا التسلسل بأيام الولادة هي مشيئة الله سبحانه وتعالى، كما كانت كل تفاصيل كربلاء وما جرى فيها من هذه المشيئة حيث يقول سيد الشهداء عليه السلام (شاء الله أن يراهن سبايا) .

شهر شعبان هو شهر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفيه من النفحات القدسية والعبادات القُربية ما يعمّق الارتباط برسول الله (صلى الله عليه وآله) ضمن سلسلة من التهيئة الروحية تبدأ من شهر رجب شهر أمير المؤمنين (عليه السلام) مروراً بشعبان شهر سول الله (صلى الله عليه وآله) وصولاً إلى الذروة في شهر رمضان شهر الله تعالى.

وللعبادة في شهر الرسول (صلى الله عليه وآله) أجر عظيم، روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «‌قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): شعبان شهري وشهر رمضان شهر الله فمن صام يوماً من شهري كنت شفيعه يوم القيامة، ومن صام يومين من شهري غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومن صام ثلاثة أيام من شهري قيل له استأنف العمل…» (١)

ومن أبرز مصاديق تعميق الارتباط برسول الله (صلى الله عليه وآله) هي المودة في القربى التي جعلها الله تعالى أجر الرسالة المحمدية في قوله تعالى في آية المودة: (ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (٢)

ومن لطائف وأسرار هذا الشهر الفضيل أنه يتضمّن بين طيّات أيامه الغراء ذكرى مواليد عطرة لقربى أهل بيت النبوة لستة من الأقمار الزاهرة وهم بالترتيب: الإمام الحسين والعباس والسجاد وعلي الأكبر والقاسم بن الحسن والحجة المنتظر (عليهم جميعاً سلام من الله ورضوان) ومودتنا لهم هو أهم ما نقدمه للنبي (صلى الله عليه وآله) خاصة في شهر شعبان، مع ملاحظة أن المودة القلبية لا تكفي في إعطاء أجر الرسالة ما لم نشفعه بإيماننا بهم وحسن الالتزام بسيرتهم (عليهم السلام).

ولو تأملنا قليلاً في المواليد الخمسة الأولى للاحظنا أنها تخص الشموس الزواهر لأهم شخصيات معركة كربلاء الحسين، معركة الإصلاح، معركة رفض الظلم والاستكبار، معركة بسط العدل في مجتمع ضاعت كل قيمه ومبادئه وثوابته، فكانت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) رمز الإصلاح على مرّ العصور، وكان دوره أساسياً ومركزياً في نهضة الأمة بعد تقهقرها، وصناعة إنسان رسالي بعد أنْ تشوَهتْ معالم إيمانه، متخبّط الخطى في ظل سياسة القمع والإرهاب والتجهيل من خليفة غرّ نزق شارب للخمر ملاعب للقرود ليُصبح بين ليلة وضحاها خليفة رسول الله وحاكماً للمسلمين .

أعادتْ ثورة السبط الشهيد الهمّة في الأمة الخائرة القوى، وأصبحتْ تعرف مسؤولياتها جيداً في ظل الظرف السياسي والاجتماعي الحرج الذي مرّت به الأمة بعد واقعة الطف.

ولم يكن هذا الجانب الاجتماعي المشرق في دور الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء الذي أدّى غرضه في الأمة فقط، فسلوكه الفردي مع أهل بيته وأصحابه كان الوهج الذي استضاءت به الأمة على قروناً طويلة لتربية أجيالها على أسس الإسلام الصحيحة.

ففي كربلاء دروس وعبر لا تنتهي في التعامل مع الأخ أو الأخت أو الابن أو الطفل أو الشيخ أو القربى أو الأصحاب بل وحتى الأعداء، كلها إصلاح في إصلاح.

كما تجسّـدت قيم الأخوّة والبطولة والفداء والوفاء والغيرة والحمية في نفس قمر بني هاشم أبي الفضل العباس (سلام الله عليه) فهو بعد أخيه الحسين فضلاً وشرفاً وكرامةً، ودوره البطولي الكبير في الحروب والدفاع عن الإسلام الذي لا يقل بطولة عن أخلاقه العالية والمفاهيم الإنسانية والأخوية التي غرسها في الأمة بعد أخيه خاصة مسألة التعامل بين الأخوة غير الأشقاء، فقد علّمنا العباس (عليه السلام) بحبه وإيثاره بنفسه وإخوته الأشقّاء في سبيل إخوته غير الأشقاء كالحسين وزينب (سلام الله عليهم أجمعين)، علّمنا كيف نجمع الأخوة بدون فوارق، وكيف نذيب الأنانية في نفوسنا وأن نصهرها بحب الله فقدّم إخوته غير الأشقاء على نفسه وأشقائه لأنهم حجج الله على خلقه.

ولا يخفى التأثير الكبير في عطاء الإمام السجاد (عليه السلام) بعد كربلاء في ظل الأسر والسبي والتشديد والتضييق والإقامة الجبرية، فلم ينكفئ (عليه السلام) عن الدعوة إلى الله وتربية الأمة في أحلك الظروف، فربّى الأمة بالدعاء والمناجاة والانقطاع إلى الله بالعبادة، فلم تمنعه القيود وأغلال الجامعة والحبس الجبري عن أداء واجبه الرسالي والقيام بدوره في صناعة الإنسان وصناعة أمة واعية تقدر قيمة إصلاح مجتمعها بأي وسيلة متاحة لديه مهما أباد الطغاة أهله وأخوته وبني عمومته، فهو من أكمل مسيرة كربلاء بعد أبيه الحسين بقوة إرادته عن طريق زرع مفاهيمها الحقة في الأمة رغم الصعوبات التي واجهها.

وللشباب الملتزم والواعي دوره الكبير في بناء المجتمع الصالح الذي أراده الرسول (صلى الله عليه وآله)، علي الأكبر (عليه السلام) مثال للشاب الذي جعل من إيمانه بالمبدأ نقطة الانطلاق نحو المجد والخلود بحماسة الشباب وعنفوان مشاعرهم، فكانت كلماته الخالدة (لا نبالي أن نموت محقين) (٣) شعار لكل الشباب الرسالي الغيور على دينه ومجتمعه من الانتهاك، وخير مثال على طاعة الوالدين واحترامهم.

ومع القاسم بن الحسن (عليه السلام) لنا وقفة مع الأشبال، حيث عّلمنا القاسم على صغر سنه معالم التربية الحسنة والوعي لتحديات الظرف المرحلي وهو ناجم عن الملكات النفسية الخاصة لهذا الغلام واستعداده الكبير لتحمل مسؤولية عجز عنها الكثير من الرجال المتخاذلين عن نصرة امام زمانهم فشع فهبّ القاسم وهو غلام لم يبلغ الحلم ليرسم لنا أروع صور النصرة وبأبهى أشكالها.

كل وقفة من وقفات مواليد أبطال كربلاء في شهر شعبان كفيلة بأن ترسم لنا ملامح التربية الحقة على أسس ومفاهيم تعمل أولاً على تهذيب ميدان النفس الأمارة بالسوء لتنطلق نحو الأسرة بجعلها لبنة صالحة في مجتمع يصلح بصلاحها، فننطلق بالتربية والتهذيب من الجانب الفردي إلى الجانب الاجتماعي ولا يخفى تأثير ذلك على الصبغة العامة للمجتمع ورقيه وتطوره بوعي أفراده من أصغرهم إلى أكبرهم.

من كربلاء وشخوصها وشواخصها ننطلق بالتدريج نحو الإمام الحجة (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) في منتصف الرحلة الملكوتية في هذا الشهر الفضيل -مع ملاحظة أن القمر في منتصف الشهر العربي يكون البدر كاملًا- وربما هو كناية عن كمال الدين وإتمام النعمة في ولادة المنقذ والمخلّص ومهدي هذه الامة الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئتْ ظلماً وجوراً بثورة تصحيحية شاملة، أي عاشوراء أخرى لتصحيح المفاهيم المغلوطة ونشر الوعي ورفض الظلم والاستكبار العالمي الذي أخذ يُحكمْ قبضته ويُحيطُ بأذرعه الأخطبوطية كل مفاصل الحياة من سياسة واقتصاد وإعلام وتكنولوجيا وغيرها لصالحه، وأخذ يتحكّم في العقول وتوجيهها نحو مخططاتهم الشيطانية عن طريق التشكيك بالأديان وتوسيع رقعة التيار الإلحادي في العالم، فعلى المنتظِر لإمام زمانه في زمن الغيبة والشبهات أنْ يتسلّح بالإيمان والوعي لنصرة إمام زمانه والتمهيد لظهوره المبارك بعد أن يحصّن نفسه أولاً بالمفاهيم والعِبر التي استقاها من ملحمة كربلاء وشخصياتها الخالدة.

وكما نعلم أن شهر شعبان محطة روحية مهمة لتهيئة النفس قبل شهر رمضان المبارك وهو شهر الله الذي دُعينا فيه إلى ضيافته تعالى، فعليه يكون ظهور الإمام المهدي (روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء) هو تحقيق الوعد الإلهي في بسط العدل على الأرض، عندها ستكون البشرية كلها في ضيافة الله وعدله حتى قيام الساعة.

هذه المناسبة العظيمة لمولد هؤلاء الكرام، هي مناسبة حيّة تدعونا إلى الانفتاح على كلّ تاريخهم، وما قدّموه للرّسالة، من أجل أن تتجذّر في الإنسان، لينطلق بها في كلّ آفاق الحياة والوجود.

يجب أن نستفاد من أيام المواليد والوفيات لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) وأن نجعل هذه المناسبات مصدر تأثير وتغير وتصحيح واندفاع إلى حياة أفضل تقربنا لله سبحانه وتعالى وهذا التقرب يجلب لنا السعادة في الدارين، لأن كل حدث أو أمر أو كلمة أو فعل طلبه منا أهل البيت (عليهم السلام) أن نفعله له آثار دنيوية قبل أن تكون أخروية، وقد أرادوا منا (حسن الخلق، قضاء الحوائج، الابتسامة في وجه أخيك المؤمن، مساعدة المحتاج، الصدقات، إفشاء السلام،

إغاثة الملهوف، العدل، نصرة الضعيف، الحلم, سعة الصدر) ، فالمجتمعات الناجحة السعيدة لا تتكون إلا على قواعد إنسانية متينة، عندما تستند عليها يصبح وقوفها طبيعياً ومستمراً في دنيا الإغراءات والامتحانات والمتاهات”.

والله الموفق .

 

 

لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرامالنعيم نيوز

لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التاليالنعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا علىقناة النعيم الفضائية

كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرامالنعيم نيوز

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى