الشيخ الشافعي: شخصية السيدة زينب (ع) زاخرة بالصفات والخصال والمواهب العظيمة
أقيمت صلاة الجمعة المباركة، بجامع الإمام موسى الكاظم (ع) في قضاء السنية/محافظة الديوانية، بإمامة الشيخ مؤيد الشافعي.
وفيما يلي نص خطبتي صلاة الجمعة، وتابعتهما “النعيم نيوز”:
الخطبة الأولى: عنوان الخطبة (مظاهر العفة والحياء في سلوك زينب (ع))
نعزيكم بذكرى وفاة عقيلة بني هاشم زينب الكبرى (ع) ابنة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وأخت الحسن والحسين (ع) وبطلة كربلاء وجبل الصبر والتحمل، التي تصادف في الخامس عشر من شهر رجب، ونسأله تعالى أن يجعلنا من السائرين على نهجها.
شخصية السيدة زينب زاخرة بالصفات والخصال والمواهب العظيمة، وسيرتها وحياتها مليئة بالمواقف الشجاعة وبالمكارم الرفيعة، فمن صفاتها العظيمة والبارزة العفة والحياء.
وعفة المرأة لا تعني الانكفاء والانطواء، ولا تعني الجمود والإحجام عن تحمل المسؤولية وممارسة الدور الرسالي والاجتماعي، وقد رأينا السيدة زينب (ع) كيف مارست دورها الرسالي والاجتماعي بأعلى مستوياته وكيف كانت امتداداً في مواقفها وحركتها لثورة كربلاء، فعفة المرأة لا تعني الجلوس في البيت والانكفاء عن تحمل المسؤولية، بل تعني حفاظ المرأة على رزانتها ورصانتها وجدية شخصيتها أمام الآخرين، وترفعها عن كلّ أمرٍ دنيّ وحقير وعدم الوقوع فيما لا يناسبها، فإذا استلزم الأمر أن تخرج المرأة إلى ساحة المعركة وإلى ساحة العمل فلا تتردد في ذلك، وإذا كانت هناك مصلحة في التخاطب مع الرجال فلا مانع وهكذا في سائر المجالات النافعة والمفيدة.
والعفة والحياء والخجل من لوازم الفطرة البشريّة، بينما التهتُّك والميوعة والانحلال وعدم الحياء خلاف الفطرة، ومن الخطأ الظنّ أنّ هذه الصفة الحسنة خاصة بالنساء، دون الرجال، بل هي صفة لكل من المرأة والرجل، وهي ترقى بالرجل والمرأة حين يلتزمان بها إلى الكمال الإنساني.
ومن أهم نماذج العفيفات التي قدمها الإسلام بعد السيدة الزهراء (ع) ابنتها السيدة زينب الكبرى (ع)، ولقب العقيلة الذي هو أحد القاب السيدة زينب، حيث يقال لها عقيلة بني هاشم يشير إلى هذا المعنى، لأن أحد معاني العقيلة هو: السيدة المخدرة أي الشريفة العفيفة التي تلتزم بحجابها بشكل كامل كما يريد الله، والمرأة التي تحترم حجابها وتصونه وتحفظه فلا تقوم بأي عمل أو سلوك يتنافى مع حجابها، أو يمكن أن يسيء إلى حجابها.
وهناك مظاهر كثيرة لعفة وحياء واحتشام السيدة زينب (ع) منذ بداية حياتها:
1- فهي لم تكن تظهر على الرجال أو تُسمع صوتها للرجال غير المحارم منذ أن كانت في بيت أبيها، فقد حدث يحيى المازني قال: كنت في جوار أمير المؤمنين في المدينة مدة مديدة وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته فلا والله ما رأيت لها شخصاً ولا سمعت لها صوتاً.
ومن الطبيعي أن تكون زينب (ع) من البداية مجللة بالحياء وهي التي تربت في بيت الإيمان والحياء والعفة، وتعلمت من أمها وأبيها وورثت منهما كل الخصال الحميدة وتأثرت بسلوكهما النبيل حيث نقرأ في زيارتها: (السلام على من رضعت بِلُبان الإيمان) فهي رضعت الإيمان من ذلك البيت الطاهر.
ولا شك أن الوراثة والعائلة والبيئة التي يتربى فيها الإنسان لها تأثير في سلوك الإنسان وأخلاقه وأعماله، فالإنسان يتأثر بالأجواء التي يعيش فيها، وقد ثبت أنّ جزءاً من الصفات الحسنة والسيئة تنتقل من جيل إلى جيل بالوراثة والتربية، والعديد من الفضائل والكمالات تنتقل إلى الأبناء من خلال الوراثة والتربية الصحيحة.
ولذلك فإن تربية زينب كانت تجعلها الإنسانة العفيفة وتمنعها من الاختلاط غير الضروري بالرجال، لأن الاختلاط يتنافى مع العفة، لأنه من يضمن أن لا يؤدي الاختلاط إلى الوقوع في الحرام أو فيما لا يناسب المؤمن أو المؤمنة؟.
من يضمن عندما ترفع الحواجز والحدود في العلاقة بين الشاب والفتاة بحيث تصبح الفتاة لا تتحرج في الحديث مع الشاب وجهاً لوجه أو عبر وسائل التواصل، ولا تتحرج في الخروج من بيت أهلها لتمضي أوقاتاً مع شباب في رحلات أو في سهرات أو ما شاكل ذلك، بحجة أن هؤلاء رفقة ويريدون أن يتسلوا، من يضمن ألا يؤدي مثل هذا الانفتاح والسلوك إلى علاقات غير شرعية وإلى مصائب وويلات كما نشاهد أحياناً في مجتمعنا؟؟.
هذه أمور لا تتناسب مع الفتاة التي لديها عفة وحياء والتي تريد أن تحمي شخصيتها وشرفها وقدسيتها.
اليوم عدم التعفف عن الاختلاط وعدم التورع عن التواصل وتبادل الأحاديث غير الضرورية مع الرجال الأجانب، خصوصاً عبر الواتس آب والفيس بوك، بات يورط حتى المحصنات المتزوجات بعلاقات غير شرعية تؤدي إلى خراب البيوت وتدمير العائلة.
العفة تصون الشرف وتحفظ السمعة وتحمي العائلة وتضمن مستقبل الفتاة، هذه أمور يجب الالتفات إليها ومسؤولية الأهل هنا كبيرة جداً، لأن عليهم أن يحافظوا على عفة بناتهم وأن لا يسمحوا بأي شيء يتنافى مع عفتهن.
2- وتجلى الحياء لدى زينب في سلوكها حتى عندما خرجت في موكب أخيها من المدينة نحو مكة، ومن ثم نحو كربلاء، فقد كانت القافلة التي أقلت عقيلة بني هاشم مجللة بالحياء والعظمة، ينقل أحد الرواة في أحد المقاطع التاريخية عن موكب الحسين عند خروجه من المدينة نحو مكة: (رأيت نحواً من أربعين محملاً، وقد زيّنت المحامل بملابس الحرير والديباج، فأمر الحسين (عليه السلام) بني هاشم بأن يُركبوا النساء على المحامل، فبينما أنا أنظر وإذا بشابّ قد خرج من دار الحسين (عليه السلام) وهو طويل القامة وعلى خده علامة ووجهه كالقمر الطالع، وهو يقول: تنحّوا يا بني هاشم! وإذا بإمرأتين قد خرجتا من الدار وهما تجرّان أذيالهما على الأرض حياءً من الناس، وقد أحاطت بهما إماؤهما، فتقدّم ذلك الشابّ إلى محمل من المحامل وجثى على ركبتيه، وأخذ بأيديهما وأركبهما المحمل، فسألت بعض الناس عنهما فقيل: أمّا إحداهما فزينب، والأُخرى أُمّ كلثوم بنتا أمير المؤمنين. فقلت: ومن هذا الشابّ؟ فقيل لي: هو قمر بني هاشم العبّاس بن أمير المؤمنين).
3- وبرز حياء زينب خلال مرحلة السبي حيث حافظت على عفتها في تلك الظروف الصعبة يقول المؤرخون: (خرجت وهي تستر وجهها بكفها لأن قناعها أُخذ منها).
4- وتجلِّى حياء زينب حتى عندما وقفت في دار الإمارة في الكوفة أمام عبيد الله ابن زياد، حيث أزاحت بوجهها عنه وأنزوت في زاوية من المكان يجللها الحياء والنجابة والطهارة، فسأل ابن زياد: من هذه المرأة؟ (وكرر السؤال ثلاث مرات) فلم تجب زينب لحيائها، ولعلمها بما يريده ابن زياد وهو احتقارها، إلى أن غضب ابن زياد وعرف بأنها زينب فقال لها: (كيف رأيتِ صنع الله بأخيك وأهل بيتك)؟ فأجابت جواباً مختصراً ومفحماً وقالت: (ما رأيت إلا جميلاً).
الحياء والخجل والعفاف والاحتشام واتزان الشخصية وعدم ميوعتها هو الدرس الذي يجب أن نتعلمه من زينب، وهذه العناوين والمفاهيم هي التي يجب أن نربي أبنائنا وبناتنا عليها، ولا نسمح بشيوع الميوعة والانحلال في مجتمعنا .
وأهم العوامل التي ننمي من خلالها حالة العفة والحياء في مجتمعنا وبين أبنائنا وبناتنا:
أولاً: الزواج: لأن الزواج وسيلة لتهذيب وإشباع الشهوة، ويخلق لدى الإنسان حصانة تمنعه من الانسياق وراء الشهوات.
ثانياً: غضُّ البصر عما حرم الله: فإن بناء المجتمع العفيف يبدأ من غضِّ بصر الرجال أوّلاً حيث يقول تعالى في خطابهم ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾، ثمّ خاطب النساء فقال ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾.
ثالثاً: اجتناب كل ما يثير الشهوة وهذا له أمثلة عديدة:
1- مثل مشاهدة المحطات التلفزيونية أو مواقع الانترنت الّتي تبثّ البرامج والأفلام غير المحتشمة والمُنحِلَّة أخلاقيّاً، فعلى الإنسان اجتناب هذه الوسائل أو تنظيمها بحيث تكون تحت رقابة ممنهجة، بغية الاستفادة من البرامج المفيدة منها.
2– التفريق في المضاجع أثناء المبيت بين الذكور والإناث، فلا ينبغي أن ينام الأطفال في نفس الغرفة التي ينام فيها الزوجان.
3- التقيُّد بالالتزام بالحجاب والستر الشرعيّ وعدم إظهار الزينة مثل مساحيق التجميل، والمكياج، وغير ذلك أمام الأجانب، لأن التعرّي والتزيّن من شأنهما تحريك الغريزة الجنسيّة، بحيث ينجرّ إليها الشباب.
نحن بجاجة إلى الالتزام بكل هذه العناوين من أجل إيجاد حصانة إيمانية وأخلاقية في مجتمعنا، وبحاجة أيضاً إلى حصانة سياسية ووعي وانتباه لما يخطط لنا، حتى لا ننساق مع الأهداف التي يريدها أعدائنا”.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز