
كتب كاظم الطائي.. في العقود الأخيرة، أثبتت الولايات المتحدة الأمريكية أنها لاعب رئيسي في صياغة المشهد السياسي في منطقة الشرق الأوسط. ورغم أن خطابها العلني يركّز على تعزيز الديمقراطية وحماية الأمن، إلا أن ممارساتها على الأرض تعكس أجندات خفية ترتكز على تحقيق مصالحها الاستراتيجية عبر الضغط السياسي والابتزاز الاقتصادي، فضلاً عن توظيف الصراعات الإقليمية لتحقيق أهدافها.
أولًا: السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط
تتبنى الولايات المتحدة سياسة واضحة تقوم على إدارة التوازنات في المنطقة لضمان استمرار نفوذها. ومن الأمثلة البارزة على هذه السياسة ما حدث خلال الحرب في اليمن. عندما زجّت المملكة العربية السعودية في أتون هذا الصراع، ظهرت التداعيات سريعًا في شكل ضغوط سياسية واقتصادية أمريكية على الرياض.
وقد عبّر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن هذا النهج بشكل صارخ حينما وجّه
ابًا مباشرًا إلى المملكة قال فيه: “لو سحبنا أنفسنا عنكم، لقامت إيران باحتلالكم خلال أسبوع.” هذا التصريح يعكس بوضوح استراتيجية الابتزاز التي تستخدمها واشنطن مع حلفائها، حيث تربط الحماية الأمنية بمدى استجابة هذه الدول لأجندتها السياسية.
ثانيًا: أدوات الضغط والابتزاز
لا تقتصر السياسة الأمريكية على التدخل المباشر، بل تعتمد أيضًا على أدوات ضغط متنوعة تشمل التلويح بسحب الدعم العسكري أو فرض العقوبات الاقتصادية. في الحالة السعودية، كان واضحًا أن واشنطن استغلت حاجة المملكة للدعم العسكري في حرب اليمن لتملي عليها قرارات تتوافق مع المصالح الأمريكية.
وعلى نفس المنوال، دفعت الولايات المتحدة بتركيا إلى التدخل في سوريا، وهو تدخل يمكن اعتباره “فخًا سياسيًا” نصبته واشنطن لأنقرة. فرغم المبررات التركية المتعلقة بالأمن القومي ومواجهة الجماعات الكردية، إلا أن دخول تركيا إلى سوريا أوقعها في مأزق سياسي وأمني جعلها عالقة بين ضغوط دولية وتحديات داخلية.
ثالثًا: الفخاخ السياسية للدول الإقليمية
في الحالة التركية، يظهر بوضوح كيف أن السياسات الأمريكية لا تكتفي بتوجيه حلفائها نحو صراعات معينة، بل تتركهم في مواجهة تداعيات تلك الصراعات. اليوم، تشهد تركيا ضغوطًا شعبية متزايدة بسبب التورط في الملف السوري، ما يضع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في موقف صعب قد يستغل داخليًا لإضعاف موقعه السياسي وربما تمهيدًا لإزالته من المشهد.
رابعًا: المشهد السياسي في العراق
أما في العراق، فإن السياسة الأمريكية تتسم بتوظيف الانقسامات الداخلية لتحقيق أهدافها بعيدة المدى. رغم أن العراق يتمتع بثروات ضخمة وموقع استراتيجي، إلا أن ضعف النخب السياسية وغياب الرؤية الواضحة جعلاه ساحة مفتوحة للتدخلات الخارجية.
وفي ظل هذه المعادلة، تواصل الولايات المتحدة تحريك أوراقها في العراق، مستفيدةً من حالة الانقسام السياسي وضعف إدارة الملفات السيادية. وتشير بعض التوقعات إلى أن الصيف المقبل قد يكون موعدًا لتحركات أمريكية تهدف إلى إعادة ترتيب المشهد العراقي بما يخدم مصالحها.
المشكلة الأساسية تكمن في أن العديد من السياسيين العراقيين يفتقرون إلى الوعي السياسي العميق اللازم لمواجهة هذه التحديات. إذ تتطلب السياسة، وخاصة في منطقة مليئة بالتعقيدات كالشرق الأوسط، فنًا في إدارة التوازنات ومهارة في قراءة التحولات الإقليمية والدولية.
المرحلة: نحو وعي سياسي أكثر نضجًا
إن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ليست سرًا خفيًا؛ بل هي أجندة واضحة تعتمد على الهيمنة وإضعاف الدول عبر إدخالها في صراعات لا تنتهي. ومع ذلك، تبقى مسؤولية مواجهة هذه التدخلات على عاتق السياسيين المحليين الذين يجب أن يتحلّوا بالوعي والحنكة لحماية سيادة بلدانهم.
وفي ظل المتغيرات المتسارعة، لا يمكن للمنطقة أن تتحرر من الضغوط الأمريكية إلا عبر بناء إرادة سياسية مستقلة، تعزز مناعة الدولة وتضع مصالح الشعوب في مقدمة الأولويات. فالسياسة ليست مجرد قرارات عشوائية، بل هي فن إدارة المصالح بحكمة وذكاء، وهذا الفن هو ما تفتقده العديد من النخب السياسية في المنطقة اليوم.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز