كتب د. باسل عباس خضير: بدءاً لابد من الإشادة بالجهود التي تبذلها وزارة التعليم العالي، في مجال اتباع خطة مدروسة في تحديد نوع وكم المقاعد المخصصة للدراسات العليا في الجامعات (الدبلوم العالي، الماجستير، الدكتوراه)، وفي اعتمادها الجودة بهذا الخصوص وبموجب الاحتياجات (الفعلية) في البلاد لمختلف القطاعات.
كما نؤيد اتباع الجامعات لمعايير موضوعية للقبول بتلك الدراسات، بما يحقق العدالة وإشغال المقعد الدراسي لمن يستحقه بالفعل، كما إن من المناسب تقدير الجهود التي بذلتها الجامعات في إعلان نتائج الامتحان التنافسي بعد ساعات من إجرائها وإتاحتها للجميع بكل شفافية، من خلال نشرها على المواقع والكروبات، وما سيرد لاحقاً يصب بالأهداف نفسها التي تتبعها الوزارة والجامعات التي وضعت ثلاثة معايير لشغل المقاعد الدراسية، أولها الاحتكام للمعدل الذي حصل عليه الطالب في مراحله الدراسية بإعطائه وزن 70%، وثانيها إجراء امتحان تنافسي لكل المتقدمين وحسب التخصصات، للتأكد من جديتهم وأهليتهم وتحضيرهم للدراسات، ويمنح لهذا الامتحان وزن 30%.
وثالثها إجراء المقابلة الشخصية لكل المتقدمين من قبل لجان تخصصية لإعطاء الرأي بخصوص مدى صلاحية المتقدم للدراسات، من حيث الرغبة والشخصية والأهلية للقبول، ويسبق ذلك كله تطبيق شروط التقديم بخصوص الحد الأدنى من المعدلات واجتياز المتطلبات ذات العلاقة بالتقديم، ومنها اجتياز اختبارات اللغات والحاسوب بمعدلات تتناسب مع كل اختصاص، والموافقة المبدئية لمنحهم الإجازات الدراسية للموظفين (في حالة القبول).
ولأن مسألة معدل الطالب المتقدم للدراسات العليا (ثابتة) ولا يجوز الاجتهاد فيها بأي شكل من الأشكال، ولأن المقابلة بتقدير (Pass) وليس لها أوزان أو درجات كونها تختصر القرار (يصلح، لا يصلح)، فإن ما سيتم التركيز عليه هنا هو الامتحان التنافسي الذي ربما يقرر حالة الطالب في القبول، فمعدل الطالب عند التخرج يحسب عليه 70%، فإذا كان الطالب معدله عند التخرج 80% (مثلاً) فإنه سينسب بموجب تلك النسبة ليصبح 56% (80% × 70% = 56%)، ويضاف لهذا الرقم الدرجة التي يحصل عليها الطالب في الامتحان التنافسي حيث يكون من 100%، ولكنه ينسب إلى 30%، فإذا حصل الطالب على 70% في الامتحان التنافسي، فإن درجته من 30 ستكون 21 (70% × 30% = 21%)، وهذه الدرجة تضاف للدرجة الترجيحية للمعدل، ليكون المعدل الذي يعتمد للتنافس النهائي في القبول هو 77%.
والجامعات تعتمد الدرجات من الأعلى للأدنى للقبول النهائي بموجب خطة القبول ولكل قناة على حدة (العام، النفقة، ذوي الشهداء والمتضررين)، وفي أحيان كثيرة تكون درجة الامتحان التنافسي مصيرية، لأنها قد ترفع المعدل العام أو تخفضه وحسب الطريقة أعلاه، وبموجب المتابعة للامتحان التنافسي للعام الدراسي القادم 2024 / 2025 الذي أجري في كل الجامعات يوم الثلاثاء 9 تموز الجاري، فقد تولدت بعض الملاحظات:
.سمحت الجامعات بالتقديم لدراساتها العليا بغض النظر عن جهة وسنة التخرج، مما يعني إن مدخلات التنافس ليست متجانسة تماماً، فالمفردات قد تختلف من جامعة لأخرى وحسب السنوات ولكن واضعوا الأسئلة هم من الجامعة التي يجري فيها التنافس، وهذه الحالة قامت بعض الجامعات بمعالجتها من خلال تحديد المفردات والمناهج وربما المصادر التي سيعتمد عليه الاختبار التنافسي، وهي فعالية يختلف أدائها بين الجامعات، وقبل الدخول في الاختبار التنافسي كان الطلبة يسعون للحصول على نماذج الأسئلة للاختبارات التي جرت في السنوات السابقة، ولكنهم لم يحصلوا عليها حتى من المكتبات الأهلية.
.تم اعتماد أسلوب MCQ (multiple choice questions) وهو اختبار أدخلته وزارة التعليم العالي، للعديد من المراحل ولكن ليس في كل الاختصاصات، كما أنه لم يطبق بشكله الواسع إلا قبل عدد من السنوات، مما يعني بأن ليس جميع الطلبة المتنافسين لديهم المهارة والخبرة في ممارسته والتعامل معه، كما أن أغلب الاختبارات تضمنت 100 سؤال ولم يكن هناك مجال (للترك)، والبعض يعتقد بأنه عندما تكون الأسئلة بعدد 110 وتتم الإجابة على 100، فإنه أكثر عدالة لإتاحة فرصة الاختيار وبالأخص لمن ليست لهم مهارة سابقة في التعامل مع هذا الاختبار.
.تم تطبيق أسلوب الاختبار أعلاه على أغلب التخصصات رغم أنه قد لا يصلح لها جميعاً، ومنها الدراسات الإنسانية (الإدارة، الاقتصاد، الآداب، غيرها)، لأن هناك بعض المفاهيم والنظريات والتطبيقات غير متفق عليها تماماً وتقبل الاجتهاد كونها ترجع لمدارس وأفكار، وكان من المفضل تنويع الاختبارات لتكون بطريقة MCQ لجزء منها والجزء الآخر لأسئلة مقاليه أو أسئلة أخرى تعود عليها الطالب، بما يترك له المجال للكشف عن توجهاته وأفكاره ومبادراته ونظرته وتطلعاته بخصوص ذلك الاختصاص، وهذا الدمج تم العمل به في بعض التخصصات (مثل صيدلية المستنصرية التي جعلت 60% للاختيار و40% للمقالي).
.يعرض بعض الممتحنين الأمور التي رافقت أداء الاختبار التنافسي ومنها بروز بعض الملاحظات التي ربما أخذت من وقت وتركيز بعض الطلبة الممتحنين ومنها، تكثيف عدد المراقبين في القاعة الامتحانية الواحدة وأحياناً يتحادثون مع بعضهم البعض، مما يؤثر على تشتت تفكير الطلاب، والعدد الكثيف لم يكن له مبررات لأن القاعات يفترض إنها مجهزة بكاميرات المراقبة ومؤمنة من حيث عدم إدخال أجهزة الموبايل والتفتيش الدقيق، وتجهيز بعض المراكز بمنظومات التشويش على الاتصالات، كما يعاني بعض الطلبة من عدم وجود إجابات لاستفساراتهم عن الغموض أو الاعتقاد بوجود الأخطاء ببعض الأسئلة في وقت لا يجدون فيه مجال (للترك)، فضلاً عن عدم التركيز الذي تحدثه زيارة المسؤولين في الكليات والجامعات والوزارة لتفقد الامتحانات، وقيام البعض بإطلاق الخطب أو التقاط الصور لنشرها بالإعلام أو لغيرها من الأغراض.
.ويشكو بعض الطلبة أيضاً من تكليفهم بنقل الإجابات بورقة منعزلة عن ورقة الأسئلة، وهي التي يتم اعتمادها للتصحيح ورغم ما تتطلبه هذه العملية من جهد ووقت، ويمكن أن يقع الطالب بأخطاء في نقلها في ظرف الارتباك وضيق الوقت ونقلها يحسب ضمن الوقت المخصص للاختبار، ومثل هذا العمل كان من الممكن أن تؤديه اللجنة الامتحانية أو الملاكات العاملة في الكليات، لاستثمار وقت الاختبار، ومن المفضل أن يضاف وقت لغرض نقل رموز الإجابات لا غير.
.لم تسمح التعليمات بحصول الطلبة على ورقة الأسئلة وإجاباتها النموذجية بعد أداء الاختبار لكي يقدروا درجاتهم، ويستفيدون هم أو غيرهم من هذه التجربة التي ربما تتطلب عدد لاحق من المحاولات عند عدم اجتياز هذا الاختبار، وما يترتب على ذلك من إعادة المحاولات في الأعوام القادمة، سيما بالنسبة للذين لديهم الرغبة الحقيقية للانتساب للدراسات العليا، ولكن تنقصهم الخبرة أو التهيئة والإلمام بما يحويه من أسلوب ومضمون.
وحسب نتائج الاختبارات التي أجرتها الجامعات والتي تم نشرها بعد ساعات، فقد تم تأشير حالة ايجابية من ناحية الإقبال الشديد على الدراسات العليا بمختلف الاختصاصات، ويظهر ذلك من خلال مقارنة الفرق الكبير بين عدد الممتحنين وعدد المقاعد المتاحة بالفعل.
وهذه النتائج تؤشر ملاحظات مهمة لابد من دراستها والاستفادة منها، من حيث نسبة الذين اجتازوا الاختبار إلى مجموع الممتحنين، فحسب محددات التعليم العالي فإن النجاح في الامتحان التنافسي لدرجة 50% فأكثر يعد شرطاً أساسياً للتنافس على المقاعد المتاحة في كل جامعة واختصاص، ورغم إن أقسام وكليات المجموعة الطبية في الجامعات ظهرت فيها نتائج مطمأنة بخصوص اجتياز الاختبار لنسبة جيدة بنجاح، والحصول على درجات تنافسية (ربما واحداً من الأسباب خبرتهم بهذا النمط من الاختبارات وتجاربهم في الامتحانات التقويمية)، إلا إن هناك نتائج أخرى لبعض التخصصات مغايرة من حيث عدد أو نسبة من اجتازوا الاختبارات، بما يؤشر بقاء بعض المقاعد فارغة لعدم اجتياز شرط النجاح.
ولصعوبة إجمال عرض النتائج في هذه المكان فإننا سنعرض بعض النتائج التي تم انتقائها عشوائياً عن نتائج الاختبار، ففي جامعة النهرين بلغ عدد الممتحنين في كلية العلوم / قسم الكيمياء 42 نجح منهم 10 لدراسة الماجستير، وفي ذات القسم نجح 10 من مجموع 35 لدراسة الدكتوراه، وفي قسم الفيزياء امتحن 10 لدراسة الماجستير و4 لدراسة الدكتوراه، ولم ينجح أحداً في الاثنين، وفي ماجستير علوم الحاسبات نجح 4 من مجموع 14، وفي جامعة كربلاء نجح 3 من مجموع 53 لدراسة الماجستير في علوم الحاسبات، وفي جامعة الموصل نجح 7 من مجموع 17 لدراسة الدكتوراه في القانون الخاص، كما نجح 29 من مجموع 81 في دراسة الماجستير بنفس الاختصاص.
وفي الجامعة المستنصرية نجح 2 من مجموع 39 لدراسة الماجستير، كما نجح 3 من 13 لدراسة الدكتوراه في كلية التربية البدنية والعلوم الرياضية، وفي كلية التربية البدنية وعلوم الرياضة بجامعة بغداد نجح 10 من مجموع 35 من الممتحنين لدراسة الدكتوراه، ونجح 10 من مجموع 145 في دراسة الماجستير، وفي كلية التقنيات الطبية والصحية في الجامعة التقنية الوسطى نجح 9 من مجموع 18 لدراسة الدكتوراه في التحليلات المرضية، في حين نجح 13 من مجموع 179 لدراسة الماجستير من الاختصاص نفسه، ونجح 3 من مجموع 23 في ماجستير صناعة الأسنان و7 من مجموع 17 في ماجستير تقنيات صحة المجتمع.
ونتمنى أن تحظى نتائج الاختبار التنافسي للعام الدراسي 2024 / 2025 باهتمام الجهات المعنية في الوزارة والجامعات، بعد إحصاء عدد الممتحنين ومقارنتهم بمن اجتاز ولم يجتاز ومقارنة الدرجات التي حصل عليها الممتحنون، مع المعدلات التي حصلوا عليها في دراستي البكالوريوس والماجستير، فالكثير من النتائج التي أفرزتها الاختبارات ولكل الجامعات والاختصاصات تؤشر في الكثير من الحالات الحصول على درجات بعضها متدنية جداً، وحتى الذين اجتازوا الاختبارات لم يحصلوا على درجات بمستوى (الامتياز أو جيد جداً) إلا بعدد محدود.
ورغم إن تلك النتائج تغطي معظم المقاعد الشاغرة وتؤكد الالتزام بالتوجهات في الرصانة العلمية للوزارة والجامعات، من خلال إعطاء المقعد الدراسي للدراسات العليا لمن يستحق فعلاً، إلا إن جوانب منها ربما جديرة بالاهتمام لمعرفة الأسباب التي أظهرتها نتائج الاختبارات وتحليلها بشكل موضوعي، ويمكن بهذا الخصوص أن تحلل النسب والدرجات حسب الجامعات التي تخرج منها الطلبة لمعرفة الفرق بين الاثنين، ولا نعلم ما هو قرار الجهة المعنية اتجاه الدراسات المفتوحة التي لم يتأهل لها أحد لعدم الحصول على (50%) في الامتحان التنافسي أو التي لم تشغل بكامل مقاعدها وهي نابعة من احتياج فعلي، ويمكن بهذا الخصوص منح بعض الاستثناءات العادلة سيما في دراسات الدبلوم العالي، لكونها لا يترتب على التخرج منها امتيازات كبيرة، ولأنها نابعة من احتياج فعلي من قبل الوزارات، واقترن بعضها بانتقاء اللجان المشكلة في الأمانة العامة لمجلس الوزراء.
وفي كل الأحوال فإن هذه النتائج ممكن أن تكون مفيدة جداً للطالب وللجامعة ولمن وضع الأسئلة واعتمد هذا الأسلوب بالاختبار، وفي الوقت الذي نبارك فيه لمن اجتاز هذه الاختبارات ودخل مضمار المنافسة النهائية، فإننا نتمنى أن تكون النتائج التي حصل عليها الطلبة حافزاً لهم ولغيرهم في الاستعداد والتهيئة للدراسات العليا كونها تكليف وتشريف، فالرغبة لوحدها لا تكفي إن لم تقترن بالقدرة على اجتياز المتطلبات، كما نأمل لأن لا تكون الرغبة المفرطة حافزاً للبعض لولوج الدراسات العليا في خارج البلاد.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز