في ظل توقعات متشائمة حول مستقبل النفط وأسعاره، يواجه العراق أزمة اقتصادية تلوح بالأفق بعدما تراجعت أسعار النفط العالمية إلى أقل من 70 دولارا للبرميل.
في الوقت الذي تعتمد فيه الحكومة العراقية، على ارتفاع أسعار النفط فوق الـ70 دولاراً للبرميل من أجل تغطية العجز الفعلي في الموازنة، والذي يبلغ 64 تريليون دينار. ما أدى إلى تزايد المخاوف بشأن تداعيات انخفاض أسعار النفط دون الـ70 دولاراً للبرميل على الاقتصاد العراقي ورواتب الموظفين والموازنة.
ما تأثير انخفاض برميل النفط العراقي إلى 70 دولار!!
تعد معادلة النفط دولية، وهذه المعادلة “تجعل الولايات المتحدة -الفاعل الكبير بها فهي منتجة للنفط ومصدرة له- تبحث عن أسعار نفط بمستويات 50 إلى 70 دولاراً للبرميل، على اعتبار أنها تصدر نفطها بحدود 50 إلى 55 دولاراً، وعند التصدير على 70 دولاراً يكون هذا مربحاً لشركاتها النفطية، وهي في ذات الوقت تستورد نفوطاً من نوعيات أخرى تستخدمها في أمور كثيرة، لذلك لا تريد أن تكون أسعار النفط مرتفعة”، بحسب الخبير الاقتصادي والمالي، مصطفى حنتوش.
ويضيف حنتوش “كما أن الشركاء الأوروبيين لأميركا يعانون حالياً من ارتفاع أسعار الوقود والنفط والغاز وغيرها، وأن أوروبا شريك أساسي لأميركا، ما يدفع الأخيرة للبحث عن استقرار أسعار النفط دون 80 دولاراً للبرميل، أما مجموعة (أوبك+) فهي تبحث عن مستويات فوق 70 دولاراً، فهي ترى أن مستويات من 75 إلى 80 دولاراً للبرميل هو سعر عادل لسعر برميل النفط، لذلك هناك رؤيتين ومعادلتين دوليتين لأسعار النفط”.
فيما يخص العراق وارتباطه بالنفط كشف الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، تأثير انخفاض سعر برميل النفط العراقي الى 70 دولار.
وقال المرسومي في تدوينة له على موقع إكس أن “انخفاض أسعار النفط الى 70 دولار مع انخفاض الصادرات العراقية النفطية الى 3.3 مليون برميل يوميا سيؤدي الى تراجع الإيرادات النفطية الشهرية الى 9 ترليونات دينار يذهب منها ترليون دينار لتغطية نفقات شركات التراخيص النفطية ويبقى 8 ترليونات دينار وهي تكفي فقط لتمويل الرواتب بأشكالها المختلفة التي تبلغ 7.5 ترليون دينار شهريا، فيما سيخصص نصف ترليون دينار لتمويل مفردات البطاقة التموينية، اما باقي النفقات التشغيلية والاستثمارية فيجري تمويلها من الإيرادات غير النفطية الشحيحة ومن الاقتراض الداخلي والاقتراض الخارجي.
وأضاف ان “الضرائب والرسوم سترتفع وتتعاظم الديون ويبدأ المسار التنازلي للاحتياطات الأجنبية في البنك المركزي العراقي لأنه حائط الصد الأول والأخير في ضوء غياب أي صندوق سيادي في العراق، مشيرا الى ان وزارة المالية ستعاني حتى في تمويل الرواتب خلال الشهرين القادمين ولذلك من المتوقع ان تتأخر الرواتب وقد يجري تخفيضها إذا بقي سعر البرميل في خانة السبعينات لمدة 6 شهور”
أزمة اقتصادية بالأفق
وبعد الانخفاض الملحوظ الذي شهدته أسعار النفط عالمياً وتأثيره على أسعاره بالبلاد حذر الخبير في الشأن النفطي المهندس الاستشاري حيدر البطاط، من خطورة انخفاض أسعار النفط على العراق خلال المرحلة المقبلة.
وقال البطاط في حديث صحفي، انه “إذا انخفضت أسعار النفط، قد يواجه العراق أزمة اقتصادية خطيرة تتضمن، تقلص الإيرادات الحكومية لان النفط يشكل المصدر الرئيسي للإيرادات، مما يؤدي إلى نقص في التمويل للبرامج والخدمات الحكومية”.
وأن “هذا الامر سيكون له تأثير على النمو الاقتصادي ونقص التمويل يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ المشاريع التنموية، مما يؤثر على النمو الاقتصادي وخلق الوظائف، كما ان هذا الانخفاض سيدفع لتدهور الخدمات العامة وانخفاض الإيرادات قد يؤدي إلى تقليص أو تأخير في تقديم الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية”. بحسب قول البطاط.
وعن الآلية التي تعتمد عليها وزارة النفط في تسعيرة النفط العراقي، يقول المتحدث باسم الوزارة، عاصم جهاد، إن “قبل نهاية كل شهر تجتمع كوادر الوزارة لاستعراض تطورات السوق النفطية وعلى ضوء ذلك يتم تسعير النفط العراقي حسب النوعية والكثافة والأسواق، لذلك هي تسعيرة شهرية وليست يومية، وتبرم عقود تسويق النفط إلى الشركات العالمية وفق هذه الآلية”.
ويوضح جهاد، أن “تطورات السوق النفطية إيجاباً أو سلباً لا تصيب العراق فقط بل الدول المنتجة والسوق النفطية التي دائماً ما تتعرض لتحديات وظروف جيوسياسية واقتصادية وصحية وأمنية وغير ذلك من التحديات التي تنعكس على أسعار النفط”.
من جهته، يبيّن الخبير الاقتصادي، ضياء المحسن، أن “العراق عضو في منظمة أوبك وبالتالي هو ليس لاعباً رئيسياً ليقرر خفض برميل النفط، بل أن عوامل العرض والطلب والجيوسياسية هي التي تؤثر على أسعار النفط”.
وأوضح “هناك عجز في الموازنة لكنه ليس بسبب انخفاض أسعار النفط أو إنتاجه، بل هو ناجم عن زيادة التخصيصات المالية في الموازنة بما يتعلق بأبواب الرواتب والنفقات الاستثمارية، أما الحديث عن عدم وجود رواتب أو أزمة فهذا لا يدخل العقل، لأن احتياطات البنك المركزي مرتفعة لأكثر 115 مليار دولار، وهذا يؤمن العملة المحلية، كما أن الأخبار في منطقة الشرق الأوسط متشنجة وأي شرارة تحدث سوف ترفع أسعار النفط، وهذا جيد”.
وبسياق متصل نوه عضو اللجنة المالية، معين الكاظمي، إلى أن “المشكلة الحالية هي في السيولة النقدية بالدينار العراقي، بسبب تلكؤ الحوالات الصادرة من البنك المركزي والتي يتحكم بها الفيدرالي الأميركي وتؤدي إلى تأخر إرسال الحوالات وعدم وجود سيولة في الدينار العراقي”.
وكان المستشار المالي والاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، أكد في تقرير. أن “هناك هيمنة تاريخية للريع النفطي في مكونات موارد الموازنة العامة السنوية في البلاد، إذ مازالت عوائد النفط تشكّل قرابة 91 بالمئة من إجمالي الإيرادات الفعلية السنوية في الموازنات الحكومية لقاء 19 بالمئة للإيرادات غير النفطية، والسبب يعود إلى غلبة الاقتصاد الأحادي النفطي في تكوين الناتج المحلي الإجمالي للعراق الذي يتراوح بين 50- 45 بالمئة من الناتج الإجمالي السنوي، في حين نجد أن تأثيرات إنفاق العوائد النفطية على دورة الحياة الاقتصادية تمتد إلى أكثر من 85 بالمئة من فاعلية النشاط الاقتصادي الكلي؛ الأهلي والعام في العراق”.
مصير الرواتب
فيما يتعلق بمصير الرواتب كشف العديد من المختصين بشأن الاقتصادي والمالي بأن انخفاض أسعار النفط سيؤثر على الحركة الاقتصادية بشكل عام في البلاد، أما الرواتب فهي آخر ما سوف يتأثر، حيث أن العراق قادر على دفع الرواتب لمدة ثلاث سنوات على الأقل”..
بين عضو لجنة النفط والغاز النيابية، باسم الغريباوي، أن “أوبك طلبت تخفيض التصدير من الدول الأعضاء في سبيل المحافظة على الأسعار، حيث إن أسعار النفط تخضع للعرض والطلب، وكانت الأسعار فوق 80 دولاراً وهبطت حالياً للمحافظة على السعر الموجود”.
و أن “خفض التصدير يؤثر في سد عجز الموازنة الذي يسدد من فرق السعر، لكن لن يؤثر على المبالغ الموضوعة ضمن خطة 2023”.حسب قول الغريباوي.
بدوره أوضح عضو اللجنة المالية النيابية، مصطفى الكرعاوي، إن “الموازنة مبينة بنسبة 90% على الإيرادات النفطية، وكلما تغير سعر النفط سيكون هناك تأثير مباشر على الموازنة، وبالتالي كلما انخفضت أسعار النفط العالمية سيكون هناك عجز في نسبة الإنجاز للموازنة
كما أكد الكرعاوي في تصريحات صحفية، أن “الرواتب لن تتأثر لأن سقف الرواتب أقل بكثير من هذا السقف المعمول به في الموازنة، ولكن تتأثر الموازنة الاستثمارية بكل مباشر، وكذلك الموازنة التشغيلية للقضايا السلعية والخدمية بحسب الأولويات التي وضعتها الحكومة، وكذلك الحركة الاقتصادية بشكل عام في البلاد، أما الرواتب فهي آخر ما سوف يتأثر”.
بدوره، استبعد الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن الشيخلي، وجود علاقة بين انخفاض أسعار النفط والرواتب، مبيناً أن “الموضوع يتعلق في الفجوة التي ستحصل بالعجز فيما إذا استمر هذا الانخفاض، ومنذ إعداد الموازنة تمنينا على الحكومة والبرلمان أن يحددا سعر البرميل في الموازنة بما لا يزيد عن 65 دولاراً، إلا إن القرار حدد 80 دولاراً سعر البرميل مما زاد من المشكلة.”
وكانت اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي، قد أكدت في وقت سابق بأن “رواتب الموظفين والمتقاعدين مؤمنة حتى في حال انخفاض أسعار النفط إلى ما دون 70 دولاراً للبرميل، فيما يشير اقتصاديون إلى أن استمرار هبوط أسعار الخام سيزيد من العجز في الموازنة، ما يتطلب البحث عن مصادر تمويل جديدة غير النفط
وقد شهدت أسعار النفط مؤخراً استقراراً عند أدنى مستوياتها في ثمانية أشهر، مع تبدد المخاوف من ركود في الولايات المتحدة، أكبر مستهلك للنفط في العالم، بسبب القلق من أن يؤثر تصاعد التوترات في الشرق الأوسط على الإمدادات من أكبر منطقة منتجة.
فيما تم احتساب سعر برميل النفط بـ70 دولاراً في موازنات العراق للسنوات 2023 و2024 و2025، “وهذا أقل مما يباع حالياً في الأسواق العالمية، ويتم تصدير نحو 3.5 مليون برميل نفط يومياً، وهي حصة العراق في أوبك، والتي على أساسها تم احتساب إيرادات العراق النفطية وغير النفطية التي بلغت 147 تريليون دينار.
وكانت وزارة المالية أكدت في 10 حزيران يونيو الماضي ، أن حجم الإيرادات في الموازنة الاتحادية خلال أربعة أشهر تجاوزت 42 تريليون دينار، مؤكدة بقاء مساهمة النفط في الموازنة بنحو 89%.
وبحسب جداول المالية فإن إيرادات النفط بلغت 38 تريليوناً وثلاثة مليارات و728 مليوناً و183 ألف دينار، وهي تشكل 89% من الموازنة العامة، في حين بلغت الإيرادات غير النفطية أربعة تريليونات و698 ملياراً و785 مليوناً و9 آلاف دينار.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز