كتب / أ.د. محمد الربيعي: تراجعت الصناعة والزراعة والصحة والتعليم في العراق في الوقت الذي بدأت الدول النامية اللحاق بالدول المتقدمة عالمياً في طريق الثورة الصناعية الرابعة، وإذا لم يتم اتخاذ أية إجراءات استثنائية لتلافي هذا التراجع العلمي والتكنولوجي، ولم نتدارك أخطار تدهور البيئة وضمور النمو الاقتصادي الآن، فلن يكون التقدم صعباً فحسب، بل سيكون مستحيلاً.
التحديات التي تواجه العراق
ولمواجهة تحديات الثورة الصناعية الرابعة سيتوجب على العراق الإيمان بأن ثروة الأمم تعتمد بالدرجة الأولى على تقدم البحث العلمي فيها، وعلى العقول المبدعة التي تعمل فيه، ولا تتوقف على الموارد الطبيعية، أو الأرصدة المكدسة في البنوك.
لذلك لم يبق أمامه إلا أن يحاول النفاذ إلى تلك المنظومة العلمية العالمية من خلال التعاون البحثي أو المساعدة التقنية. إن أحد أهم تلك الوسائل يكمن في دخول عملية بولونيا والذي كان أحد أهم ما أقدمت الوزارة على تحقيقه في عهدها الجديد. كان هدف عملية بولونيا هو تعزيز ضمان الجودة وتسهيل الاعتراف بالمؤهلات وفترات الدراسة بين جامعات الدول المشاركة.
وكان هذا ضرورياً بسبب أن أنظمة التعليم والتدريب المختلفة في أوروبا جعلت من الصعب على الأوروبيين استخدام المؤهلات من بلد واحد لتقديم طلب للحصول على وظيفة أو دراسة في بلد آخر، فكان من الضروري زيادة التوافق بين أنظمة التعليم لتسهيل الطلاب والباحثين عن العمل للانتقال داخل أوروبا.
وساعدت في نفس الوقت، إصلاحات بولونيا على جعل الجامعات والكليات الأوروبية أكثر قدرة على المنافسة مع بقية الجامعات العالمية. كذلك دعمت عملية بولونيا تحديث أنظمة التعليم والتدريب للتأكد من تلبية احتياجات سوق العمل المتغيرة (محمد الربيعي، عملية بولونيا، 2018).
الاقتصاد القائم على المعرفة
وفقاً لشركة “McKinsey Global”، بحلول عام 2025، ستبلغ قيمة التقنيات الجديدة والناشئة مئة تريليون دولار. هناك ما يقرب من اثنتي عشرة تقنية يمكن أن تدر 33 تريليون دولار من العائدات السنوية.
تشمل هذه التقنيات الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأفكار، والحوسبة السحابية، والروبوتات المتقدمة، وأتمتة المعرفة، والمركبات المستقلة، والمواد المتقدمة، وعلم الجينوم من الجيل التالي، وأنظمة تخزين الطاقة، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والطاقة المتجددة، واستكشاف النفط والغاز.
إن توجه الدولة ووزارة التعليم العالي بالخصوص لإنشاء اقتصاد قائم على المعرفة وقيادتهما لهذا المشروع، هو مطلب مهم للغاية يمكن أن يساعد العراق على دخول حقبة جديدة.
تشمل المجالات ذات الأولوية التي يجب اعتمادها كأولوية للتحول إلى اقتصاد معرفة ذات خصائص عراقية: الزراعة المتقدمة، والتكنولوجيا الحيوية الصناعية، وتكنولوجيا المعلومات الناشئة، وتطوير المعادن والتعلم المختلط (كورسات عالية الجودة على كافة المستويات جنباً إلى جنب مع الكورسات التقليدية).
وسيتطلب التحول الى اقتصاد المعرفة امتلاك خريجي التعليم العالي إلى إتقان المهارات التي يتطلبها سوق العمل. يسرد تقرير مؤتمر دبلن (2012 EAIE) المهارات الأساسية التالية التي تم تطويرها من خلال التنقل الدولي والمهارات الأساسية المطلوبة من أصحاب العمل:
الوعي الذاتي، المبادرة والمشاريع، الرغبة في التعلم، التخطيط والتنظيم، النزاهة، الالتزام والدافع، حل المشاكل، المرونة، الإدارة الذاتية، العمل بروح الفريق الواحد، مهارات التواصل، لغات أجنبية، التشبيك، القيادة، خدمة الزبائن، مهارات التعامل مع الآخرين، مهارات التعامل مع الثقافات الأخرى، الثقة بالنفس، إِبداع، القدرة على التكيف، الطلاقة والدقة، الملاحظة غير المنحازة، التفكير النقدي، التكيف.
دور التعليم الدولي
يلعب التعليم الدولي والانفتاح على الخارج دوراً مهماً في بناء الشخصية الحضارية وما يرافق ذلك من وعي ومعرفة وتخطيط. لقد ثبت على نطاق واسع أن الطلاب الحاصلين على تعليم دولي يمتلكون ثقة عالية وآفاق فكرية واسعة، وقدرة كبيرة على تقدير وجهات النظر الأخرى التي قد تأتي في طريقهم في حياتهم المهنية. لهذا السبب، يُظهر هؤلاء الطلاب مهارات أكثر دقة في صنع القرار وحل المشكلات – مهارات أساسية ذات صلة بجميع مجالات العمل (راجع V R Yeravdekar & G Tiwari, 2014).
العراق دولة يبلغ عدد سكانها حوالي 42 مليون نسمة، وليس لها صادرات تذكر غير مواردها الطبيعية. وبالمقارنة، فإن سنغافورة الصغيرة، التي ليس لديها موارد طبيعية ويبلغ عدد سكانها 5.5 مليون فقط، تصدر 330 مليار دولار أمريكي. السر يكمن في قوة النظام التربوي والتعليمي حيث تحتل سنغافورة منذ سنوات، أعلى المراتب في السلالم الدولية التي تقيس قدرة الطلاب في القراءة والرياضيات والعلوم (محمد الربيعي، سنغافورة صرح كبير للعلم والتعليم، 2014).
بني النظام التربوي السنغافوري على ضروريات توفير الاستقرار والرفاهية لبلد متعدد الأعراق من خلال تنفيذ سياسات تسمى “سياسات البقاء”، هدفها تحقيق تماسك اجتماعي بين المواطنين ومنحهم فرص عمل وسكن صالح وتعليم كفء، وصحة وافرة، وفيها يرتبط التعليم إلى درجة عالية بالتدريب وبحاجة السوق، وتعطى أولوية إلى النمو الاقتصادي وتكوين مؤسسات إنتاجية جديدة وبناء رأس المال البشري قبل توزيع الموارد، ولكي تتم المحافظة على انتعاش الاقتصاد كان لابد له ان يكون مبنيا بالضرورة على التنافسية حتى في التعليم المدرسي والجامعي (المصدر السابق).
إن الركود أو التراجع في الإنتاج الصناعي والزراعي العراقي يظهر بوضوح الفشل الذريع للحكومات المتعاقبة. إنها لحقيقة محزنة أن كل الادعاءات التي أطلقها القادة السياسيون من أجل القضاء على الفساد، وبناء الأسس للتطور الاقتصادي ظلت بلا أساس.
أهمية التعليم والعلوم والتكنولوجيا
العنصر الأساسي للنمو هو تقوية دعائم التعليم والعلوم والتكنولوجيا والابتكار، لكنها كانت دائماً وعن عمد تعطى أدنى أولوية، بحيث تمكن الفاسدين من الحفاظ على سيطرتهم القوية وهيمنة الاستيراد، بدلاً من الاعتماد على الإنتاج المحلي.
هناك اليوم أهمية كبيرة وحاجة ملحة في تحقيق الآتي:
أولاً: استغلال القوة الكامنة في الكفاءات المتميزة والعقول الشابة المقبلة عليه.
وثانياً: تحقيق زيادة هائلة في تمويل البحث والابتكار.
وثالثاً: تشجيع التواصل الكافي مع مراكز البحث المتطورة في الدول المتقدمة.
ورابعاً: وضع حد لحالة الانفصال شبه الكامل بين البحث العلمي وبين قطاعات الخدمات والإنتاج في المجتمع.
وخامساً: القضاء على البيروقراطية الإدارية التي تغلب على نشاط البحث والابتكار.
دور الجامعة في التنمية
لا يختلف اثنان على اعتبار التعليم عنصراً هاما من عناصر التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وخاصة التعليم الجامعي. ولقد حققت الجامعات الحكومية نجاحاً كبيراً في السنوات الأولى من إنشائها حيث كانت هيئات التدريس ذات كفاءة عالية، وكان التركيز على الجودة وليس الكم. وبينما نجد النمو الكمي في السنوات الأخيرة يحدث بوتائر سريعة، لا يرافق ذلك نمو في جانب النوعية وجودة التعليم. وبسبب عدم وجود بنية تحتية مناسبة من حيث هيئة التدريس والمكتبات والمعدات والمختبرات وتكنولوجيا المعلومات، فإن الجودة في التعليم العالي تواجه العديد من العقبات.
هناك اتجاه خطير للغاية مناهض للتطور تسببه بعض الاستراتيجيات المزمنة للوزارة وهو إهمال أهمية العلاقة بين أبحاث الدراسات العليا والاقتصاد الوطني، وإهمال أهمية توفر الأموال التي تنفق على تعزيز برامج البحث.
وقد خلق ذلك موقفاً مؤلماً للباحثين وحتى للمسؤولين داخل الوزارة وفي الجامعات، ترك بسببه العديد من الباحثين المسرح العلمي في حالة من الإحباط، وزاد من الافتراس والسرقات العلمية والشهادات المزورة. بالحقيقة جعل ذلك أعداء العراق سعداء للغاية.
من المحزن أنه تم إنشاء جامعات أهلية وحكومية دون المستوى بالرغم من أنوفنا. الجامعات ليست مجرد بنايات. تمثل الجامعة هيئة تدريس من الدرجة الأولى تتمتع ببيئة بحثية ممتازة وبجهود متميزة لخدمة المجتمع تتعدى مجرد توفير كوادر علمية وتقنية.
تحتاج الوزارة إلى رؤية جديدة بشأن إنشاء جامعات جديدة تتضمن العمل على إدماج الكليات الأهلية الصغيرة والمتجاورة ووضع شروط أكثر رصانة وصرامة لإنشائها.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرام: النعيم نيوز
ولمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
ولا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرام: النعيم نيوز