قراءة نفسيَّة في غزّة الصمود
اتخذت قصة غزة منعطفا مهما بعد الحرب العالمية الثانية عندما انتهى الانتداب البريطاني على فلسطين. اقترحت الأمم المتحدة خطة تقسيم لفلسطين.
وتقسيمها إلى دولتين يهوديَّة وعربيَّة منفصلة. خلال الحرب العربيَّة الإسرائيليَّة الأولى التي أعقبت إعلان استقلال إسرائيل عام (1948)، سقطت غزة تحت السيطرة المصريَّة.
وبعد الحرب، قام العديد من مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين شردتهم القوات اليهوديَّة قسراً بإنشاء مخيمات للاجئين في غزة.
ولا تزال هذه المخيمات قائمة حتى يومنا هذا، حيث يشكل اللاجئون (70 %) من سكان القطاع.
لقد عانى قطاع غزة، وهو منطقة من الأراضي الفلسطينيَّة المحتلة، من حصارٍ شبه كاملٍ من قبل الجيش الإسرائيلي لمدة (13) سنة.
خلال هذه الفترة، عانت غزة من أربع هجمات إسرائيليَّة كبرى في الأعوام (2008، و2012، و2014، 2022) مما أسفر عن آلاف القتلى والجرحى والإعاقة.
لقد خلق العدوان الإسرائيلي أزمة إنسانيَّة مزمنة تتسمُ بانعدام الأمن الغذائي، ومحدوديَّة الوصول إلى الرعاية الصحيَّة، ونقص الكهرباء والوقود، والبطالة، وانتشار الفقر، فضلاً عن حالة الطوارئ البيئيَّة بسبب تلوث الهواء والأرض والمياه والمنطقة مغلقة ومعزولة تماماً بالجدران والأسوار التي تفصلها عن إسرائيل في المنطقتين الشماليَّة والشرقيَّة وعن مصر في الجنوب بحراً بسبب القيود التي تفرضها إسرائيل على السفن الفلسطينيَّة التي تبحرُ لمسافة تزيد على ميلين بحريين من السواحل الغربيَّة.
ومن الجو حيث تحلق الطائرات بدون طيار بشكلٍ مستمرٍ فوق المنطقة وتدمر بانتظام المواقع الاستراتيجيَّة والمساكن المدنيَّة التي تعدُّ تهديداً للأمن الإسرائيلي.
ونلاحظ أنَّ انتصار عمليَّة طوفان الأقصى ضد العدو الإسرائيلي يعودُ الى الصمود النفسي لدى سكان غزة ولدى مقاومين في فلسطين والقدرة على الدفاع عن النفس والمرونة النفسيَّة.
أنتجت هذه المرونة شعباً صامداً مستعدا للمقاومة – للقتال من أجل استعادة السلطة والسيادة عند فقدانها.
يصف مفهوم تشغيل المقاومة المرونة كأساسٍ للمقاومة «إنَّ القدرة على الصمود هي الأساس الذي يقوم عليه أساس المجتمع بأكمله».
على الرغم من التركيز المتجدد على المرونة والمقاومة بين المخططين والممارسين الأمنيين، إلا أنَّ هناك فجوة في الفهم الحالي للقدرات النفسيَّة التي يحتاجها الناس للدفاع عن السيادة واستعادتها.
تميل جهود بناء القدرة على الصمود في غزة في تركيزها على الاستعداد المعرفي.والعزيمة. الدافع للدخول في القتال والبقاء فيه.
يشعر الأفراد الذين يتمتعون بالمرونة النفسيَّة بإحساسٍ بالارتباط والانتماء إلى دوائرهم الاجتماعيَّة وبيئة المجتمع ووطنهم.
إنهم يثقون بمقاتليهم وخدماتهم المدنيَّة. وهم على دراية بمحاولات تأثير العدو.
إنَّهم يؤمنون بروايات بلادهم وهدفها ويشعرون بالهويَّة الوطنيَّة والفخر. وهذا ما أثبت قوات المجاهدين في غزة ضد العدو الإسرائيلي من عمليَّة ذات مرونة عالية مما ساعدها على النجاح.
إنَّ تحقيق انتصار طوفان الأقصى يعودُ لبناء استراتيجيات القدرة على الصمود أيضًا بتجهيز الأشخاص للتعامل مع التحديات النفسيَّة قبل الغزو (الترقب وعدم اليقين)، وأثناء الغزو (التأقلم والقبول والوحدة)، وبعد الغزو (التغيير النفسي).
وتقدم غزة مثالًا نموذجيًا. وقد استعادوا جزءاً من الأراضي التي احتلتها إسرائيل. ما الذي يفسر الفرق؟
بعد الأعوام السابقة، تبنت غزة نهجًا في تعزيز قدراتها ولتشمل المرونة النفسيَّة. والنتيجة هي غزة التي تظل عازمة على العزم، وواثقة من النصر، ومبتكرة، وموحدة. وينبغي للدول الأخرى أنْ تحذو حذوها.
وبهذا المعنى فإنَّ الصلابة النفسيَّة مرحلة يصلُ إليها الفرد بعد تعرضه لمجموعة من الضغوط، والتي توضح قدرته على تحمل مختلف هذه الضغوط، مع احتفاظه بالاتزان الداخلي والخارجي، ولما تميز عصرنا الحالي بكثرة الضغوطات النفسيَّة، وتعددت روافدها، نظرًا للتغير السريع في جميع آليات ذلك العصر، فكان لزامًا على الفرد أنْ يواجه الكثير من التحديات عن طريق تحديد أهدافه وتلبية احتياجاته، وذلك وصولًا للتوافق الشخصي والاجتماعي، ومن خلال تفاعل الإنسان مع البيئة؛ فإنَّه يصبح في حاجة دائمة لعمليَّة مواءمة مستمرة بين مكوناته الذاتيَّة والظروف الخاصة، وهذا ما يطلق عليه أساليب مواجهة الضغوط؛ والتي يسعى الفرد من خلالها لتحقيق التوازن بين ذاته وظروفه الخارجيَّة؛ سواء بتغيير ما بداخله، مثل أساليبه في التعامل مع البيئة، أو تعبئة طاقاته، أو تغيير أفكاره، أو تعديل أهدافه وطموحاته، أو حتى بتغيير البيئة المحيطة به.
إنَّ تمتع المجاهدين في غزة ضد العدو الإسرائيلي بالصلابة النفسيَّة تدفعهم لتحمل الضغوط والأزمات، فالإنسان الذي يتمتع بالصلابة النفسيَّة يمكن أنْ يقاومَ الأحداثَ الضاغطة ويتعاملَ معها بطريقة سلسة وتحويل هذه المواقف الى مواقف يمكن تقبلها والعكس الذين لا يتمتعون بالصلابة هم يشعرون بضعف القدرة على الصمود والمقاومة ولا يستطيعون تحقيق الإنجازات وتحقيق الضبط الداخلي وقيادة أنفسهم ويشعرون بانخفاض الدافعيَّة والنشاط ويشعرون بالضغوطات النفسيَّة التي قد يشعر معها بعدم الرضا.
مكونات الصلابة النفسيَّة لدى غزة هي: الالتزام بأنَّه اتجاه غزة نحو معرفة ذاتها وتحديد أهدافها وقيمها في الحياة وتحمله المسؤوليَّة تجاه سكانها وأراضيها.
التحكم «اعتقاد غزة بإمكانيتها وتحكمها في المواقف الضاغطة التي تتعرض لها ضد الغزو الصهيوني.
التحدي: اعتقاد غزة ما يطرأ من تغير على جوانب السياسة هو أمرٌ مثيرٌ وضروريٌّ أكثر من كونه تهديداً ويعدُّ لديهم استعدادا نفسياً لذلك التحدي من أجل تحرير الأراضي وإظهار ضعف العدو أمام العالم.
إنَّ الصلابة النفسيَّة تنشئ جدار دفاع نفسي للفرد يعينه على التكيف البناء مع أحداث الحياة الضاغطة والمؤلمة وتخلق نمطاً من الشخصيَّة شديدة الاحتمال تستطيع أنْ تقاومَ الضغوط وتخفف من آثارها السلبيَّة ليصل إلى مرحلة التوافق وينظر إلى الحاضر والمستقبل بنظرة ملؤها الأمل بالانتصار.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرام: النعيم نيوز
و لمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
و لا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرام: النعيم نيوز