
كتب د. صادق كاظم: كنت ذات مرة في العام 2019 في زيارة إلى ماليزيا، ذلك البلد الفقير في الموارد والغني بالمواهب والكفاءات والعقول التي حولت البلاد إلى مغناطيس عملاق لجذب الاستثمارات، وأصحاب الأموال الباحثين عن الفرص والأسواق المربحة.
حتى تحولت إلى واحدة من أكبر الاقتصاديات في العالم وأغنى البلدان فيه، تحدثت خلالها مع المواطنين والسائحين، وكان السؤال المتداول والطبيعي من أين أنت، وعندما كنت أجيبهم أنا من العراق، الذي كان وقتها في بداية التعافي من جراح الحرب ضد الإرهاب، وكان من ضمن الأسئلة هل الحرب ما زالت مستمرة، وهل ما زالت القنابل تنفجر في المدن وتقتل مئات الضحايا كل يوم، وهل صحيح إن المواطنين يحملون السلاح معهم عندما يغادرون بيوتهم إلى العمل وغيرها من الأسئلة، التي كانت تعكس جهلاً وغياباً واقعياً عن الوضع عندنا.
كانت إجاباتي بأن الصورة التي في أذهانهم ليست موجودة، وأن الشعب قد تضافر جميعاً وتوحد لقتال الإرهابيين التكفيريين وانتصر عليهم وحرر البلد من شرهم، كانت تلك الإجابات تزيح عن مخيلتهم كل تلك الأوهام، والتي كانوا يرددونها مع ابتسامات وتمنيات بأن يعود العراق كما كان من قبل بلداً مزدهراً يعيش فيه الجميع بسلام واطمئنان.
مكانة العراق الدولية والإقليمية، ليست بحاجة إلى شرح فهو بلد كان محط اهتمام العالم منذ القدم باعتباره ممراً جغرافياً إلزامياً متميزاً لربط آسيا بأوروبا، وهو ما يفسر تكالب الإمبراطوريات العظيمة تاريخياً في السابق للسيطرة عليه، بل إنه كان ذات يوم عاصمة لدولة امتدت من بغداد إلى آسيا شرقاً وأفريقيا غرباً في زمن العباسيين، ومن نينوى إلى قبرص في زمن الآشوريين، ولولا الغزو المغولي الذي أنهى وقتها ذلك التوهج التاريخي لبغداد والمنطقة لكان هناك تصور آخر.
هذا الوضع المميز دفع اليوم باتجاه عودة العراق على اتباع سياسة استثمار ظروف الاستقرار الأمني والسياسي، وفق رؤية سياسية تقوم على استعادة المكانة الريادية المميزة التي كان عليها العراق سابقاً، والتي تقودنا اليوم لأن نكون مهيئين إلى الدخول في قلب المشاريع الاستراتيجية الاقتصادية والاستثمارية المتميزة في العالم، خصوصاً مع التوجه العالمي صوب فتح المزيد من الممرات التجارية المصحوبة بخطط تنمية واعدة تقوم على استغلال المرافئ والطرقات كمحطات للتجارة ونقل البضائع ما بين القارات لتجاوز الممرات التقليدية التي تقوم على القنوات والمضايق، والتوجه صوب اكتشافات برية تختصر الجهود والوقت والتكاليف.
العراق المعني بهذا التوجه العالمي تضعه الخطط والخرائط في قلب هذه الاهتمامات، حيث يتسيَّد الآن مشروع طريق التنمية الذي بدأت الحكومة في تبنيه وتنفيذه، والذي مهدت له من خلال تنفيذ مشروع ميناء الفاو العملاق وأرست تفاهمات مع كل من قطر والأردن والسعودية وتركيا، لتمويل هذا المشروع الذي سيخدم الجميع وسيجنى العراق منه فوائد اقتصادية كبيرة وفرص عمل بالآلاف ستتزايد مع مرور الأيام، فضلاً عن مكانة دولية ستتعزز، واهتمام دولي وعالمي مساند سينعكس إيجاباً على أمن البلاد واستقرارها.
هذه المشاريع التي يعنى العراق بها ويقيم حوارات دولية من أجل بيان أبعادها وأهميتها، ستمهّد الطريق صوب ريادة ناجحة وقفزة اقتصادية ومكانة إقليمية متميزة، كما وستقود إلى سياسة دولية جديدة تقوم على أساس تقليل النزاعاتِ الكبرى في العالم، والانتقال صوب التعاون المشترك تجارة وسياسة وثقافات، بدلاً من التنازع والحروب تمهيداً لتأسيس قرن عالمي يقوم على التجارة بدلاً من السلاح والحروب.
قد تكون هناك نزاعات دامية وحروب وأشهرها الآن في قلب أوروبا بين الروس والأوكرانيين، والتي يميل الرئيس الأمريكي الحالي ترامب، إلى حلها جذرياً، والتي تنزف أوروبا وأمريكا وروسيا بسببها ثروات مالية ضخمة لا يستهان بها، لكنها من المؤكد ستتوقف وسيعي العالم بعدها أن التعاون والسلام هو الفرصة والهدف الأهم الذي يستحق أن يسعى الجميع إليه.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز