الواجهة الرئيسيةسياسية

جائحة الفساد”… السوداني أمام مكافحة الملف الشائك بالعراق هل سينجح؟؟

“جائحة الفساد” “تهديداً خطيراً” للدولة العراقية بهذه العبارة وصف رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الفساد المستشري في أرجاء البلاد بعد قرابة 20 عاما على الغزو الأميركي، مؤكداً أن “إجراءات استرداد المبالغ المسروقة من الأمانات الضريبية ماضية وتتابع يومياً”.

 

الحكومة لن تسكت

وأكد السوداني أن حكومته لن تسكت عن الأموال المنهوبة. ولن تكرر سياقات الحكومات السابقة بشأن محاربة الفساد، مشيرا إلى أن المواطنين العراقيين يريدون محاسبة مرتكبي الفساد. واسترداد الأموال المسروقة. وجاء ذلك في كلمة عقب جلسة مجلس الوزراء التي عقدت الأسبوع الماضي.

كما أشار السوداني إلى أن المواطنين العراقيين يريدون محاسبة مرتكبي الفساد. واسترداد الأموال المسروقة, وقبل الانتهاء من سرقة القرن في المالية

وأوضح ان “جلسة مجلس الوزراء أكدت على رؤية الحكومة في عملها للمرحلة المقبلة. والجميع معنيون بنجاح مهمة الحكومة”. وتابع السوداني. “حددنا ثلاثة أسابيع للوزارات لإعداد البرنامج الحكومي وستكون هناك لجنة تنسق مع الوزارات في مسألة كتابة البرنامج”.

وأضاف، ان “الأسبوع الرابع سيناقش البرنامج الحكومي. وإقراره في مجلس الوزراء وسيكون هناك تقييم للوزارات والمحافظات، وتحديد أهداف وبرامج وفق أولويات المنهاج الوزاري”.

 

التحرك ضد الفساد … يضر مصالحهم

في الوقت الذي بدأ فيه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ولاية حكومته باقتحام ملف شبكات الفساد، الأكثر خطوة وتعقيدا في البلاد. استكمالا لمهمة سلفه مصطفى الكاظمي الذي واجه صراعات بين القوى السياسية على مدار العام الماضي. ووفق سياسيين ومحللين، فإن من أشد التحديات التي تواجه السوداني هو ان العديد من اعضاء بالكتل السياسية التي رشحته للمنصب متورطون في الفساد. فيما يرى متفائلون بأن الدعم الشعبي الذي يلقاه قد يساعده في تجاوز العقبات.

ترى العديد من الأوساط السياسية والاقتصادية في العراق أن طموحات السوداني بمحاربة الفساد تقف أمامها العديد من المطبات السياسية والاقتصادية في آن معا. فرغم أن السوداني يحظى بتأييد برلماني يزيد على 250 نائبا (من مجموع 329 نائبا في البرلمان). صوتوا لصالح توليه منصبه فإن هؤلاء النواب يتبعون كتلا سياسية وإن التحرك ضد الفساد قد يضر مصالحهم.

 

أنواع الفساد

ومن جانب أخر يرى العديد من المحللين أن لا يكون الفساد في العراق على وجه واحد، وقد تتعدد أنواعه، وهو ما يشير إليه أستاذ العلوم السياسية بجامعة جيهان مهند الجنابي في حديث له للجزيرة نت. إذ حدد 3 أنواع من الفساد تتمثل بالفساد الشائع الذي يشمل الرشاوى لدى صغار الموظفين. حيث يمكن معالجته بالأنظمة والتعليمات وضبط عمل مؤسسات الدولة.

أما الثاني فيتضمن ما وصفه الجنابي بـ”الفساد المقاوم للتعليمات”. وهو ذلك المعتمد على الشبكات التي تدخل فيها المصالح الخاصة التي تربط قوى سياسية بمؤسسات حكومية. إذ إن هذا النوع لا يمكن معالجته بالأنظمة والتعليمات، وهو ما يتطلب رقابة حكومية صارمة.

في وصف الجنابي النوع الثالث بـ”الفساد المستوطن”، وهو الذي يساوي الإرهاب في خطورته على الدولة، وأوضح أن هذا النوع يقف ضد مؤسسات الدولة والقوانين ومختلف الجهات الحكومية، مستعينا بالتخادم بين الأحزاب . ومعتمدا على القوة المسلحة واختراق مفاصل الدولة بمختلف مستوياتها.

دعم المجتمع الدولي

وأكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أثناء لقائه الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت أن “الحكومة ستفعّل القوانين المرعية وتستفيد من تجارب الدول الناجحة في هذا المجال”، مشيراً الى “حاجة العراق لدعم المجتمع الدولي من أجل استرداد امواله المهربة، كذلك استرداد المطلوبين للقضاء من المدانين والمتورطين بقضايا الفساد ولاسيما في قضية التأمينات الضريبية”.

محاسبة الفاسدين

وفي السياق، قال عضو البرلمان العراقي، معين الكاظمي لـ”العربي الجديد”، إنّ “حكومة محمد شياع السوداني وضعت ضمن أولوياتها محاسبة الفاسدين واسترداد المهرب إلى الخارج من أموال العراق، وهناك سلسلة إجراءات قانونية تسعى إليها الحكومة الحالية، من خلال قوانين عراقية وأخرى دولية. لا سيما مع وجود اتفاقية غسل الأموال لعام 2005، والخاصة باسترجاع الأموال المهربة. وأن العراق وقّع على هذه الاتفاقية عام 2007”.

وأوضح الكاظمي أن “الحكومة لديها معلومات كثيرة وجيدة عن هذا الملف، لكن هناك حاجة إلى تعاون دولي لإرجاع الأموال المنهوبة. كما أنّ إدخال العراقيين على خط الإبلاغ عن سارقي المال العام سيُسهل عملية الوصول إلى هذه الأموال”.

كفيلة بأن تنهض بالعراق

وأضاف النائب البرلماني، أن “الحكومة السابقة (برئاسة مصطفى الكاظمي) كانت قد تعهّدت عبر سلسلة من البيانات والجلسات الوزارية بأنها ستتمكن من التقدم في هذا الملف، لكنها في الحقيقة لم تتمكن من فعل أي شيء، رغم أن الكثير من الأموال العراقية معروفة أماكنها، وبعضها تحوّل إلى استثمارات في الخارج، وكان بالإمكان إصدار تشريع أو قانون لعودتها”.

ولفت إلى أنّ “الأموال المهربة للخارج كفيلة. بأن تنهض بالعراق في مختلف المجالات. بل إن بإمكانها أن تساهم بدفع عجلة الخدمات والطاقة إلى المقدمة، بعد توفير الحماية لها. والحرص على عدم الاستيلاء عليها من قبل بعض الكيانات السياسية الفاسدة”

نحو 500 مليار دولار مهربة

ومن جهته، بيَّن عضو “تيار الحكمة” السياسي، النائب السابق محمد اللكاش في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أن “جميع المصادر الإحصائية وبيانات السياسيين واللجان المالية في البرلمان. والجهات الرقابية تشير إلى أن الأموال المهربة من العراق تقترب من 500 مليار دولار.

وتابع أن “الحكومات تعرف الجهات المتورطة بسرقتها وتهريبها. لكنها لا تجرؤ أحياناً على الوقوف بوجه السارقين، مرة لأن الحكومة تكون جزءاً من هذا الفساد. ومرة لأن الجهات الفاسدة عادة ما تمتلك نفوذاً سياسياً ومسلحاً”.

الفساد محمي سياسياً

وفي السياق نفسه يرى العديد من المحللين السياسيين أن الفساد في العراق محمي سياسيا من خلال غطاء التخادم بين الكتل السياسية رؤساء الحكومات وعدوا بذلك وتحركوا. لكن الشراكة والتوازن قيدتهم في مواجهة الفساد، وبالنهاية رئيس مجلس الوزراء ليس هو الجهة المعنية بمحاكمة الفاسدين. وملاحقتهم بقدر ما أن هناك جهات رقابية متعددة، منها هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية والقضاء والادعاء العام.

حيث اعتبر عضو “تيار الحكمة” السياسي، النائب السابق محمد اللكاش أن “مبادرة برهم صالح (رئيس الجمهورية السابق)، العام الماضي، كانت قريبة جداً من التحقق، لا سيما أنها أوجدت ما يُعرف بـ”مجلس الاستثمار للمغتربين العراقيين، وكانت تهدف إلى دعم المستثمرين في الخارج من جهة. ومحاولة إعادة نسب جيدة من الأموال العراقية المهربة، إلا أن قوى سياسية لم تتعاون في هذا الجانب”.

وأكد أن “حكومة السوداني في حال أرادت بالفعل التقدم بهذا الملف. فإن التحقيقات ستكشف فضائح، وقد تسقط أسماء قيادية وزعامات في الأحزاب، لأنهم على صلة بالمهربين والسارقين”.

الفساد يرتبط بأجندات سياسية وإقليمية ودولية

وأوضح الخبير الاقتصادي نبيل التميمي في تصريح لوسائل إعلام أن الفساد في العراق يرتبط بأجندات سياسية وإقليمية ودولية، وأنه من الصعوبة بمكان مكافحة حالات الفساد الحالية. السوداني لا يمتلك عصا سحرية تمكنه من إنهاء الفساد بين عشية وضحاها، لكن الظروف الآن مهيأة. ويمكنه المضي في هذا المسار، وسيحصل على الدعم المطلوب شعبيا وحتى سياسيا.

وهو ما أكده السياسي العراقي ورئيس حركة “كفى” رحيم الدراجي في حديث “العربي الجديد” فقد لفت إلى أن “أكثر الأسباب التي دفعت إلى اندلاع الاحتجاجات الشعبية عام 2019 هو الفساد. وأن الفساد في العراق لا يُفهم على أنه تراجع في مستوى رعاية العراقيين والخدمات. بل الأموال الكبيرة المنهوبة. والخيرات التي يجري تسريبها إلى الخارج”.

وبين الدراجي أن “هناك الكثير من الشخصيات والأحزاب والكيانات. والجماعات التي تمتلك نفوذاً داخل الدولة العراقية، ستمنع أي تقدم في محاولات استرداد أموال العراق. لأنها ستتعرّض إلى خسارة اقتصادية من جهة، وفضيحة تاريخية من جهة ثانية”.

معوقات سياسية

قال رئيس “مركز التفكير السياسي”، في العاصمة بغداد، إحسان الشمري، إن “وجود إرادات ومعوقات سياسية، تتمثل في أن جزءاً من الأحزاب السياسية الحالية متورط بالفساد. وعمليات تهريب الأموال. ونقلها للخارج طيلة السنوات الماضية، كما أن التهريب لا يتوقف، وهو لا يعني بالضرورة تهريب العملة. بل يأخذ أشكالاً أخرى منها تهريب النفط والتبادل التجاري المشبوه”.

وأشار رئيس “مركز التفكير السياسي”، في اتصال مع “العربي الجديد”، إلى أن “بعض الأحزاب والقوى لن تسمح بإقرار أي قوانين قد تمهّد لمساءلتها. في حين أنها تدعم عبر منصاتها الإعلامية الجهود التي يمكن من خلالها استرجاع الأموال المنهوبة، في إطار لعبة سياسية باتت مكشوفة. مع العلم أن استعادة هذه الأموال ممكنة، لكنها تحتاج إلى إرادة قوية وجهود دبلوماسية كبيرة”.

إمكانية المواجهة

ورغم أن السوداني لم يُمضِ في منصبه سوى القليل فإن التشاؤم حاضر منذ البداية. إذ اعتبر المستشار في رئاسة الجمهورية أمير كناني أن السوداني سيصطدم بجملة من العقبات لمصالح القوى السياسية خلال عمله على تنفيذ برنامجه الوزاري.

وأضاف الكناني -خلال الجلسة الأولى من أعمال اليوم الثاني لملتقى مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث “ميري” (MERI)- أن اتفاق تشكيل الحكومة لن يدوم طويلا، لأن المصالح ستكون حاكمة بين الأطراف السياسية.

ومن جهته، يرى مدير مركز القرار العراقي حيدر الموسوي في حديث للجزيرة نت. أن هناك تفاؤلا في طرح السوداني وخطواته السريعة، إلا أن كل ذلك يقترن بالتنفيذ على الأرض. ودعم القوى السياسية بشكل جدي لهذه الخطوات من خلال إطلاق يده بالتحرك دون قيود، لافتا إلى أن الفساد في العراق محمي سياسيا من خلال غطاء التخادم بين الكتل السياسية.

السوداني يحتاج إلى أدوات جديدة

وأضاف الموسوي “لا نريد استباق الأمور وإطلاق الحكم مقدما، لأن أغلب رؤساء الحكومات وعدوا بذلك وتحركوا، لكن الشراكة والتوازن قيدتهم في مواجهة الفساد. وبالنهاية رئيس مجلس الوزراء ليس هو الجهة المعنية بمحاكمة الفاسدين وملاحقتهم بقدر ما أن هناك جهات رقابية متعددة. منها هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية والقضاء والادعاء العام”.

وتابع إن “السوداني يحتاج إلى أدوات جديدة أو تغيير بعض أصحاب القرار في تلك الجهات، والاعتماد على آخرين من النزيهين فعليا في الإسراع بحسم ملفات الفساد المسكوت عنها.”

هزات سياسية

ومن جانيه يرى مدير مركز القرار العراقي حيدر الموسوي أن القوى السياسية غير قادرة في هذه المرحلة الحساسة على الانقلاب على السوداني، إذ إن سقوطه يعني نهاية العملية السياسية. والنظام السياسي لا يتحمل ارتدادات وهزات تترقبها قوى الرفض والمعارضة، فضلا من الخشية من عودة الحراك الاحتجاجي واستثمار ورقة الشارع من جديد.

في السياق ذاته، يشير الباحث السياسي مجاشع التميمي في حديثه للجزيرة نت إلى أن السوداني يمر الآن بمرحلة ما وصفه بـ”شهر العسل”، إذ إن جميع الكتل الآن داعمة له. معتقدا أن الفترة القادمة ستشهد ردات فعل قوية من جهات سياسية قد يطالها وعد محاربة الفساد، ولا سيما أن التجارب الحكومية السابقة واجهت محاولات كبيرة لعرقلتها، خاصة في حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي.

على الجانب الآخر، يرى الباحث السياسي الكردي عماد باجلان أنه لا يمكن الحكم على تجربة السوداني قبل مضي 3 أشهر على توليه منصبه “لأنه يعد من الشخصيات السياسية النزيهة”. معلقا “تقع على عاتق حكومة السوداني مهام كبيرة للغاية، والسوداني في وضع لا يحسد عليه، وإن فشل فهذا قد يعني نهاية العملية السياسية”.

 

وفي النهاية نجد أن العديد من الأوساط السياسية في العراق تشير إلى أن أي محاولة من السوداني لمواجهة أباطرة الفساد قد تدخله بمواجهة مفتوحة مع بعض الكتل السياسية. الأمر الذي قد يفقده جزءا كبيرا من الدعم البرلماني اللازم لتنفيذ برنامجه الوزاري، وهو ما تدركه الأحزاب السياسية الداعمة له التي ستقف بين خيارين أحلاهما مر.

ورغم ذلك هناك تفاؤلا في طرح السوداني وخطواته السريعة، إلا أن كل ذلك يقترن بالتنفيذ على الأرض ودعم القوى السياسية بشكل جدي لهذه الخطوات من خلال إطلاق يده بالتحرك دون قيود، ما يجعل الجميع بانتظار القادم تحت العديد من التساؤلات عن إمكانية. وضع القبضة على الفساد ومحاربته بشتى الطرق بما يعود على العراق وشعبه بالفائدة.

 

 

لك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرام: النعيم نيوز

ولمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التالي: النعيم نيوز

كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية

ولا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرام: النعيم نيوز

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى