اقيمت صلاة الجمعة بمسجد جنات النعيم في كربلاء المقدسة، بإمامة الشيخ جعفر الربيعي.
وفيما يلي نص الخطبة وتابعتها “النعيم نيوز”:
بسم الله الرحمن الرحيم «بَيْنَ الأَمَلِ وَاليَأْسِ: مَعْرَكَةُ الإِرَادَةِ فِي مُوَاجَهَةِ التَّحَدِّيَاتِ فِي خِطَابِ المَرْجِعِ اليَعْقُوبِيِّ»
إنَّ الإسلامَ شَرَعَ أبوابَ الأملِ على مِصراعَيها، وأقفلَ نوافذَ اليأسِ داعيًا في تعاليمِهِ ومبادئِهِ إلى بَثِّ ثقافةِ الأملِ في النفوسِ، لأنَّ الحياةَ لا يمكنُ أن تستمرَّ دونَ فسحةِ الأملِ. فقد رُوِيَ عن رسولِ اللهِ: «الأملُ رحمةٌ من اللهِ لأمَّتي، ولولا الأملُ ما أرضعتْ أمٌّ ولدًا ولا غَرَسَ غارسٌ شجرًا» في ضوءِ ذلكَ، فإنَّ المطلوبَ من الخطابِ الدينيِّ أنْ يكونَ خطابًا تَبشيريًا تأميليَّاً يَعملُ على بثِّ ثقافةِ الأملِ مهما كانت خافتةً وبعيدةً. لا أنْ يكونَ خطابًا تَيئيسيّاً تَنْفيريًا يبعَثُ على التثبيط والوَهْنِ مهما أدلهمتِ الخطوبُ. فإنَّ الفَرَجَ يَخرجُ من رحمِ المعاناةِ: ﴿ إنَّ مع العُسرِ يُسرًا، إنَّ مع العسرِ يُسرًا﴾ والفقيهُ كلُّ الفقيهِ، كما قالَ الإمامُ عليٌّ عليهِ السلام: «مَنْ لَمْ يُقَنِّطِ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّه – ولَمْ يُؤْيِسْهُمْ مِنْ رَوْحِ اللَّه ولَمْ يُؤْمِنْهُمْ مِنْ مَكْرِ اللَّه» إنَّ من أخطرِ الأمراضِ فتكًا في الأممِ والمجتمعاتِ وفي انهيارِ الحضاراتِ هو أنْ تَستوليَ عليها ثقافةُ اليأسِ والإحباطِ، فيَدُبُّ فيها الوَهْنُ والضَّعْفُ وتَنهزمُ معنويًا، فلا تنمو ماديًا وحضاريًا؛ لأنَّ اليأسَ يَقْتُلُ الفئةَ الناهضةَ ويُبَدِّدُها، التي يُرتجى أنْ يَتشكلَ من طاقاتها الشبابيةِ حافزٌ قويٌّ في مواجهةِ المحنِ والمصاعبِ للبناءِ. يقول سماحة المرجع اليعقوبي(دام ظلُّه) في الخطاب الفاطمي للسنة العشرين: (أنَّ كلَّ مشكلةٍ تحصلُ لنا، أو أزمةٍ تمرُّ بنا، أو أمرٍ يتعسَّرُ علينا سواءً كانت على مستوى الصحَّةِ أو الرِّزقِ أو الأمنِ أو المصائبِ والابتلاءاتِ في الأهلِ والأقرباءِ والأحبَّةِ أو الكوارثِ العامَّةِ التي تُعاني منها الأمَّةُ، والتحدياتِ المُعقَّدةِ التي تواجهها، وتَرى أنَّها مُستعصيةٌ على الحلِّ وأنَّ الخروجَ منها بعيدُ المنالِ وقد يحصلُ اليأسُ منه، فعليكَ أنْ تَتذكَّرَ هذه الآيةَ الكريمةَ حينئذٍ:﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾ وتستحضِرَها في وجدانِكَ لتُعيدَ إليكَ الأملَ والاطمئنانَ، فإنَّها تَعدُكَ بأنَّ العُقدةَ سَتُحلُّ، والخطرَ سيزولُ، ويتحوَّلُ الفشلُ إلى نجاحٍ وسيأتي الفرجُ بأقربِ ما يكونُ ومن حيثُ لا تحتسبُ، وما عليكَ إلَّا حُسنُ الثقةِ باللهِ تعالى والاستعانةُ بالصبرِ الجميلِ). فكلام سماحته يشجع على الصبر والثقة- وهو أحد دلالات الخطاب- ولا يعني بكل تأكيد أن يتحول الصبر إلى موقف سلبي بأنْ يُنتظَرَ الفرجُ دون بذل الجهد المطلوب لتغيير الواقع, فالاكتفاء بالتربص قد يُفهم منه عند البعض أنَّه دعوةٌ للانتظار السلبي مجرَّدٌ عن العمل، في حين أن القرآن الكريم يدعو للعمل والاجتهاد بجانب الصبر, قال سماحته: (مَفْهُومُ الِانْتِظَارِ الَّذِي اقْتَرَنَ فِي أَذْهَانِ الْأَجْيَالِ بِالسَّلْبِيَّةِ وَالِانْكِمَاشِ وَالتَّخَلِّي عَنْ مُمَارَسَةِ وَظِيفَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ عَكْسُ ذَلِكَ؛ إِذْ يَتَضَمَّنُ مَعْنَاهُ فِي بُعْدِهِ الْعَمَلِيِّ السَّعْيَ الْجَادَّ لِلْإِصْلَاحِ وَالتَّغْيِيرِ وَالتَّمْهِيدِ لِإِقَامَةِ دَوْلَةِ الْعَدْلِ الْإِلَهِيِّ) في ضَوْءِ هذه الرُّؤْيَةِ العميقةِ لِسَماحةِ الشيخِ المرجعِ(دام ظلُّه) علينا أن نَفْهَمَ حَرَكَةَ الإمامِ المَهْدِيِّ المُنْتَظَرِ, فالمَهْدَويَّةُ لَيْسَتْ دَعْوَةً لِلانهِزَامِ والخنوعِ والتَّراخِي والكَسَلِ في انْتِظارِ الفَرَجِ، وظُهُورِ المُصْلِحِ، بل إنَّها دَعْوَةٌ تَغْييرِيَّةٌ تَهْدِفُ إلى الانْقِلابِ على واقِعِ الجَوْرِ والانْحِرافِ بالأَساليبِ الطَّبِيعَيةِ المُتعارَفَةِ، وليسَ بالوسائِلِ الإعجازِيَّةِ الغَيْبِيَّةِ. وإنْ كانَتِ الألطافُ الإلهيةٌ بادِيَةً في تَفاصيلِ النَّهْضَةِ المَهْدَوِيَّةِ المُبارَكَةِ، وهذا الأمْرُ يُحتِّم على المُؤمِنينَ بهذه النَّهْضَةِ أنْ يُهَيِّئوا أَنفُسَهُمْ روحِيًّا ومَعْنَوِيًّا وجَسَدِيًّا، وأنْ يَتسلَّحُوا بأَحْدَثِ الوسائلِ العِلْمِيَّةِ والتِّقْنِيَّةِ، لا أنْ يُسَخِّروا طاقَتَهُم إلى مُجَرَّدِ الدُّعاءِ بتَعْجيلِ الفَرَجِ، كما هو دِيدَنُ الكُسالى الذين يَتَهَرَّبُونَ مِنْ تَحَمُّلِ المَسؤُوليَّةِ ويُلْقُونَ أَمْرَ المَهامِّ التَّغْييريَّةِ إلى الحُجَّةِ المُنْتَظَرِ، ورُبَّما استبشروا بإشاعَةِ الظُّلْمِ والفَسادِ والانْحِرافِ باعتِبارِهِ مُؤَشِّرًا وعَلامَةً على اقترابِ الظُّهورِ! وعلى هذا، فإنَّ الذينَ لايَعملُونَ في سَبيلِ تَغْييرِ الواقِعِ المُنْحَرِفِ، إنَّما يُساهِمُونَ منْ حيثُ يَعلَمُونَ أو لا يَعلَمُونَ في نَشْرِ الفَسادِ وإطالةِ عُمُرِهِ، بلْ رُبَّما ساهَمُوا في تَأْخيرِ حَرَكَةِ الظُّهورِ المباركِ. إلا أنَّهُ وبالرغمِ من وفرةِ النصوصِ القرآنيةِ والروائية التي تُعززُ ثقافةَ الأملِ وتفتحُ آفاقَ التغييرِ، وتَدعو إلى تجاوزِ المحنِ والمصائبِ والكوارثِ غير أنَّ هناك مَنْ فَهِم قضيَّةَ انتظارِ الإمامِ المهديِّ،بشكل عزَّزَ ثقافة اليأس والإحباط في نفوس الناس, ذلك بالتعاملِ معها كعقيدةٍ انهزاميَّةٍ تخديريَّةٍ تُبرِّرُ الاستسلامَ للأمرِ الواقعِ، تارةً بالاعتمادِ على نصوصٍ غيرِ صحيحةٍ وأُخرى في تفسيرِ تلكَ النصوصِ وفهمِها، ما جعلَ من تلكَ المفاهيمِ مانعًا من التقدُّمِ نحوَ الأمامِ. فالتشويهُ لم يقتصرْ على تقديمِهِ عليهِ السلامُ كشخصيَّةٍ دمويَّةٍ فتّاكةٍ، دورُهُ سفكُ الدماءِ وشغلُهُ الشاغلُ هو طلبُ الثأرِ والانتقامِ، وفي ذلكَ تجاهلٌ لدورِهِ المحوريِّ في إقامةِ العدلِ ونشرِ القِيَمِ الروحيَّةِ والأخلاقيَّةِ، بل طالَ التشويهُ دورَ العقيدةِ المهدويَّةِ النفسيِّ التأميلي بالتعاملِ مع أحداثِ هذهِ النهضةِ بطريقةٍ تبعثُ اليَأسَ والإحباطَ من خلالِ المُعالَجاتِ الفكريّةِ المَبتورةِ المُستغرِقةِ في الحديثِ عن عَلاماتِ الظهورِ وما جرى أو ما هو ناجِزٌ منها، وما هو في طورِ التحقُّقِ أو يُتَوَقَّعُ حصولُهُ في المستقبلِ، في مُحاولاتٍ إسقاطيّةٍ تلوي عُنق النَّصِّ في كثيرٍ من الأحيانِ بهدفِ تطبيقِهِ وإسقاطِهِ على الواقعِ الراهنِ في كلِّ أحداثٍ مُستَجِدَّةٍ، مُستَغلَّةً تلَّهَفَ الإنسانِ وتطلُعَهُ بطَبيعَتِهِ للتعرُّفِ على أحداثِ المُستَقبَلِ ومصائِرِ الأُمَمِ والشعوبِ ونهايةِ الحياةِ الإنسانيّةِ, وقد تبنَّى ذلك بعضُ المؤلِّفينَ و« شيوخ الفضائيات» ممن أوغلوا في الحديثِ تصريحًا أو تلويحًا عن قُربِ ظُهورِ الامام المهديِّ، ورَسَمُوا خارطةً شِبهَ ناجِزةٍ لكلِّ حَرَكاتِهِ، حتى وصَلَ الأمرُ حدَّ الإخبارِ بهذه القضيّةِ المُقدَّسةِ وإدخالِها في سوق السياسة الرخيصِ، وقد شهدنا ذلك مؤخرًا في ظلِّ الأحداث المتسارعة في المنطقة في محاولَة المُطابَقةَ بينَ شخصيّاتِ عصرِ الظهورِ – كالسُّفيانيِّ والخُراسانيِّ واليَمَانيِّ والحَسَنيِّ والأبقع والشيصباني وغيرها – وشخصيّاتٍ معاصرةٍ. وهذه القراءة الإسقاطية، ليس بالضَّرورةِ أن تنطلِقَ من نوازِعَ سيِّئةٍ أو خَلْفيَّةٍ تآمُريَّةٍ, بل إنَّها في الأعمِّ تنطلِقُ من نوازِعَ طيِّبةٍ ومن عاطفةٍ دينيَّةٍ جياشةٍ، تتطلَّعُ إلى دولةِ العدلِ الموعودةِ. لكنَّ النَّوازِعَ الطيِّبةَ لا تُقلِّلُ من سلبيَّاتِ هذه القِراءةِ، بل رُبَّما ضاعَفَتْ من السلبيَّاتِ بسببِ تأثيرِها المباشرِ والفاعلِ في نفوسِ الجماعةِ المؤمنةِ، خصوصًا إذا ما بُني عليها بعضُ المواقفِ أو التَّصوُّراتِ. هذا فضلًا عن دورِها في إعطاءِ صورةٍ سلبيَّةٍ عن الجماعةِ المؤمنةِ وعقيدتِها. لقد بلغَ الأملُ عند بعضِ الكِبارِ من علمائِنا القُدامى حدَّ الاعتقادِ الجازمِ بظهورِ الإمام المهديِّ في زمانِهم، وأنَّهم سيُكحِّلون نواظرَهم برؤيةِ محياه المبارك، كما نُقِلَ عن العلَّامةِ محمد تقي المجلسيِّ، وأصرَّ عليه السيِّدُ ابنُ طاووسٍ في وصيَّتِهِ لابنه قائلاً: «إني لولا آيةٌ في كتابِ اللهِ المقدَّسِ ﴿يَمْحُو اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ﴾ كنتُ قد عَرَفْتُكَ ووثَّقَتُكَ، أنني أدركُ أيَّامَ ظهورِهِ الكاملِ وأدخلُ تحت ظلِّه الشاملِ، فهذا أوانُ ظهورِ تلك الشَّموسِ وزوالُ الضَّرِّ والبُؤسِ…» لكنَّ اعتقادَهُم هذا بقيَ مُجرَّدَ أمنيات طواها الزمانُ، وعسى أن يشكِّلَ ذلك واعظًا واعتبارًا لنا في الابتعادِ عن الحديثِ المتسرِعِ حولَ قُربِ ظهورِه أو تطبيقِ العلاماتِ على الأحداثِ المعاصرةِ ما لم يأتِنا بذلك بُرهانٌ بيِّنٌ ودليلٌ قاطِعٌ. والتساؤل المهم والمشروع كيفَ نتعامَلُ مع الرواياتِ التي تَتحدَّثُ عن علاماتِ الظُّهورِ؟ هل نُهملُها ولا نُبالي بها؟ وإذا كان الأمرُ كذلكَ، فلِماذا تحدَّثَ النبيّ والأئمَّةُ في هذهِ الموضوعاتِ؟! والجواب على ذلك: إنَّ الأخذَ بها هو رَهْنٌ بتوفُّرِ مجموعةٍ من الشُّروطِ والضَّوابطِ.
1- ينبغي ملاحظة أسانيدِ ومتونِ الروايات:
أمَّا الضَّابطُ الأوَّلُ -وهو ضابطٌ عامٌّ- الذي يَفرِضُ علينا التَّدقيقَ في علاماتِ الظُّهورِ قبلَ إقرارِ القِراءةِ النِّهائيةِ لها، فهو أنَّ رواياتِ المَلاحِمِ والفِتَنِ التي تَرسُمُ صورةَ آخرِ الزمانِ مليئةٌ بالأكاذيبِ والأساطيرِ، وقد شَكَّلَ هذا الحقلُ مجالاً خصباً لخيال القصاصين والوضاعين استغلُّوا تلهُّفَ الناسِ وتطلعهم على أخبار المُستقبَلِ , مع الأخذِ بنَظرِ الاعتبارِ أنَّ مُعظَمَ الرواياتِ الواردةِ في هذا الصَّددِ هي مِن ضِعافِ الأخبارِ.
والمستغرب في المقام أنَّ غالب المعالجات التحليلية لأحداث عصر الظهور وحركة الامام المهدي عج لم تُعِر انتباهاً ملحوظاً للنظر في هذه الروايات على مستوى النقد السندي أو المتني, فهل من الصحيح أن يستغرق بعضهم في الحديث عن شخصية وردت في الروايات بعنوان الشيصباني ولا يوجد لها مستند إلا رواية واحدة في التراث كلِّه. وهنا نقطة مهمة ينبغي أن يلتفت إليها المؤمنون جيداً: إنَّ تَطْبِيقَ عَلامَاتِ الظُّهُورِ عَلَى الوَاقِعِ وَالأَشْخَاصِ سَوَاءٌ كَانَ بِطَرِيقَةٍ جَزْمِيَّةٍ أَوِ اِحْتِمَالِيَّةٍ لَيْسَ مَسْأَلَةً شَخْصِيَّةً، لِيُقَالَ: إِنَّ المَرءَ إِذَا كَانَ جَازِمًا بِتَحَقُّقِ العَلَامَةِ أَوْ مُحْتَمِلًا لِحُدُوثِهَا، فَلَا حَرَجَ، فِي أَنْ يُوَطِّنَ نَفْسَهُ عَلَى ذَلِكَ الأَمْرِ، وَأَنْ يُحْدٍّثَ بِهِ. إِمَّا عَلَى نَحْوِ اليَقِينِ أَوِ الاِحْتِمَالِ بِحَسَبِ مَا يَتَوَفَّرُ لَدَيْهِ مِنْ قَرَائِنَ.
فَنَحْنُ هُنَا لَا نَبْحَثُ عَنْ مَعْذِرَةٍ شَرْعِيَّةٍ لِهَذَا الشَّخْصِ، وَإِلَّا فَإِنَّ المُعذٍّرَ مَوْجُودٌ، كَوْنُ الشَّخْصِ رُبما لَا يُلَامُ عَلَى حَالَتِهِ الوُجْدَانِيَّةِ جَزْمًا أَوِ اِحْتِمَالًا. وَإِنَّمَا القَضِيَّةُ فِي التَّطْبِيقِ المَذْكُورَةِ تَتَّصِلُ بِعَقِيدَةِ المُهْدَوِيَّةِ بِرُمَّتِهَا وَدَوْرِهَا التَّغْيِيرِيِّ. فَإِنَّ الاِسْتِغْرَاقَ بِعَلَامَاتِ الظُّهُورِ وَالاِنْشِغَالِ بِتَطْبِيقِهَا لَهُ تَأْثِيرٌ مُبَاشِرٌ عَلَى العَقِيدَةِ، وَلَهُ أَيْضًا تَدَاعِيَاتُهُ عَلَى صُورَةِ الجَمَاعَةِ المُؤْمِنَةِ بِهَذِهِ العَقِيدَةِ, فلعلَّ البعضَ يَتَّخِذُ المَوَاقِفَ بِوَحْيٍ مِنْ هَذِهِ القِرَاءَةِ , وَهَذَا كُلُّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُؤْخَذَ بِعَيْنِ الاِعْتِبَارِ قَبْلَ أَنْ نَفْتَحَ البَابَ عَلَى مِصْرَاعَيْهِ أَمَامَ تَطْبِيقِ العَلَامَاتِ عَلَى الوَاقِعِ بِطَرِيقَةٍ اِحْتِمَالِيَّةٍ أَوْ قَطْعِيَّةٍ.
ثانيًا: اجتناب القراءة الاسقاطية لما يرافقها من سلبيات: ماذا تعني القراءةُ الإِسْقَاطيةُ؟، مَا مَعْنَى الإِسْقَاطِ؟! نُلَاحِظُ بَعْضَ البَاحِثِينَ يُسْقِطُونَ الوَاقِعَ عَلَى الرِّوَايَاتِ، وَهَذَا الَّذِي يَحْدُثُ هَذِهِ الأَيَّامِ. تَسْمَعُ أَحَدَهُمْ يَتَحَدَّثُ عَنْ أَحْدَاثِ سُورِيَا فَيَقُولُ: هَذِهِ أَحْدَاثُ سُورِيَا هِيَ البِدَايَةُ، هَذَا الأَسَدُ سَوْفَ يَسْقُطُ، وَسَوْفَ يَأْتِي بَعْدَ الأَسَدِ السُّفْيَانِيُّ، وَسَوْفَ يَخْرُجُ السُّفْيَانِيُّ بِجَيْشٍ مِنْ سُورِيَا إِلَى العِرَاقِ، وَسَوْفَ يَصْطَدِمُ مَعَ العِرَاقِيِّينَ, مَا هُوَ الدَّلِيلُ؟! هَذَا إِسْقَاطٌ، إِسْقَاطُ الوَاقِعِ عَلَى الرِّوَايَاتِ. هَذَا اتِّجَاهٌ يَتَعَامَلُ بِهِ بَعْضُهم مَعَ الرِّوَايَاتِ الشَّرِيفَةِ، وَهَذَا الإِسْقَاطُ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، يَحْتَاجُ إِلَى مُسْتَنَدٍ عِلْمِيٍّ. إنَّ سَلبيّةَ هذا المَنحى الإسقاطيِّ المَهووسِ في تطبيقِ عَلاماتِ الظهورِ على الرَّاهنِ من الأحداثِ، لا تكمن في أنَّه يدخل القضية المهدوية في نفق مذهبي متوتر فحسب, ولا سيَّما عندما يُصَوَّرُ المهديُّ وكأنَّهُ المُخلِّصُ لطائفةٍ مَذهبيّةٍ مُتوترَةٍ مَحسوبةٍ، الأمرُ الذي يُضيفُ مُفردةً جديدةً إلى سِجِلِّ التناحُرِ المذهبيِّ والطائفيِّ، مُخرِجًا القضيّةَ من فضائِها الإسلاميِّ والإنسانيِّ الرَّحْبِ، وَلَا تَكْمُنُ الْخَطَورةُ فِي أَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَبْعَثُ أَيْضًا عَلَى الِاسْتِخْفَافِ وَالسُّخْرِيَةِ مِنْ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ وَمُنْتَسِبِيهَا بِمُرُورِ الْوَقْتِ وَانْكِشَافِ عَدَمِ صِدْقِيَّةِ التَّطْبِيقَاتِ الْمَذْكُورَةِ، بَلْ فِي أَنَّهُ يُسَاهِمُ فَوْقَ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي خَلْقِ مِنَاخٍ مِنَ الْإِحْبَاطِ وَالْيَأْسِ وَالتَّشْكِيكِ فِي أَصْلِ الْعَقِيدَةِ لَدَى الْمُؤْمِنِينَ بِهَا، عِنْدَمَا يَصْطَدِمُونَ بِخَطَإِ هَذِهِ التَّطْبِيقَاتِ، وَبذَلِكَ تَتَحَوَّلُ عَقِيدَةٌ تُمَثِّلُ الْأَمَلَ إِلَى عُنْوَانٍ رَئِيسٍ لِلْيَأْسِ وَالْإِحْبَاطِ. فضلاً عن أنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ تُوْقِعُ أَصْحَابَهَا – فِي كَثِيرٍ مِنَ الْحَالَاتِ – فِي غُضُونِ تَوْقِيتِ الظُّهُورِ، وَالتَّوْقِيتِ الزَّمَنِيِّ لِظُهُورِ الْمَهْدِيِّ، وَهُوَ أَمْرٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الْعَدِيدِ مِنَ الرِّوَايَاتِ، وَقَدْ دَعَتْ بَعْضُ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ إِلَى تَكْذِيبِ الْوَقَّاتِينَ, فَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي عَبْدِاللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «كَذَبَ الْوَقَّاتُونَ، وَهَلَكَ الْمُسْتَعْجِلُونَ، وَنَجَا الْمُسْلِمُونَ».
ثالثًا: ينبغي أنْ تَكونَ القراءةُ موضوعيةً لا انْتِقائِيَّةً: إنَّ المَوضُوعِيَّةَ تَفْرِضُ عَلَيْنَا مُلاحَظَةَ كُلِّ النُّصُوصِ الَّتِي تَتَحَدَّثُ عَنْ عَلامَاتِ الظُّهُورِ، إِذْ كَيْفَ يُمْكِنُ إِعْطَاءُ صُورَةٍ نَقِيَّةٍ لِهَذَا العَصْرِ فِي ظِلِّ تَحَكُّمِ القِرَاءَةِ الاِنْتِقَائِيَّةِ لِنُصُوصِ أَخْبَارِ المَلاحِمِ وَالفِتَنِ؟! إِلَّا أَنَّ مَا يَحْصُلُ غَالِبًا هُوَ لُجُوءُ أَصْحَابِ الكِتَابَاتِ الَّتِي تَتَنَاوَلُ أَحْدَاثَ عَصْرِ الظُّهُورِ إِلَى التَّمَسُّكِ بِبَعْضِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي تُخْدِمُ تَصَوُّرَاتِهِمُ المُتَخَيَّلَةِ، وَالإِعْرَاضِ عَنْ سَائِرِ الرِّوَايَاتِ الوَارِدَةِ فِي الحَدَثِ نَفْسِهِ, وهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَبْعَدُ ما تَكُونُ عَنِ المَنْهَجِ العِلْمِيِّ الَّذِي يَعْنِي الوُصولَ إِلَى الحَقِيقَةِ، بَلْ رُبَّما لامَسَتْ حَدَّ الخِيانَةِ العِلْمِيَّةِ فِي بَعْضِ الأَحْيانِ, وَلَعَلَّ أَحَدَ أَسْبابِ ذلك وجودُ المَيْلِ العاطِفِيِّ وَالمَذْهَبِيِّ، مَا قَدْ يُؤَثِّرُ عَلَيْهِ بِشَكْلٍ لا شُعُورِيٍّ, فإِذَا تَحَكَّمَتِ العَاطِفَةُ فِي البَاحِثِ فَإِنَّهَا سَتُسَمِّي عَجْزَهَا حَقِيقَةً، وَتُعِيقُ حَرَكَةَ البَحْثِ العِلْمِيِّ المَوضُوعِيِّ, فقضايا التأريخ وأحداثه ينبغي أن تقرأ بعقلٍ يعتمد منطق التحليل والنقد لا أن تقرأ بعاطفةٍ.
رابعًا: أن نعرف معنى العلامات ووظيفتها: العلاماتُ هي الدلائلُ والمؤشِّراتُ التي تكشفُ عن دنوِّ الظُّهورِ واقترابِ زمانِه، أمَّا الشروطُ فهي مجموعةُ العواملِ والمُعِدَّاتِ التي تُساعِدُ على ظهورِه، وتُهيِّئُ الأرضيَّةَ لنجاحِ نهضتِه, فزمانَ العلاماتِ – في معظمِها – ليسَ بأيدينا ولا اختيارَ لنا في صنعِها، بخلافِ الشروطِ فإنَّها ترتبطُ بشكلٍ مباشرٍ بإرادةِ الأُمَّةِ واختيارِها واكتمالِ وعيِها وأهليَّتِها لمواكبةِ المهديِّ (عليه السلام) والسيرِ في مشروعِه. ولا يَعني أنَّ الإيمانَ بالمَهْديِّ والاقتِداءَ له لا يَتَيَسَّرُ إلا عَن طَريقِ العَلامةِ، إذ إنَّ وعيَ الأُمَّةِ في عَصرِ الظُّهورِ – بِحُكمِ تَقدُّمِ الإنسانيَّةِ ونُضجِها في هذا العَصرِ – كَفيلٌ بمنحِها قُدرةً عالِيةً على تَمييزِ المَهْديِّ الحَقِّ مِنْ مُدَّعِي المَهْديَّةِ، ويَكفي لِإِخْراجِها في مَشروعِ المَهديِّ أن تَتعرَّفَ على رِسالَتِه وأَطروحتِهِ مُضَافًا إلى شَخصيَّتِهِ وما يَتَّصِفُ بِهِ مِن كَمالاتٍ روحيَّةٍ وعِلميَّةٍ. أمَّا الحَديثُ عن أنَّ تَرَقُّبَ العَلاماتِ يَبقى شُعلةَ الانتِظارِ مُتوَقِّدةً ويَبقى المَهديُّ حاضِرًا في النُّفوسِ، فهو قَد يَكونُ حَديثًا صَحيحًا شَريطةَ أنْ لا يَتِمَّ تَطْبيقُ العَلاماتِ بِطريقةٍ حَدَسيَّةٍ تَعتمِدُ التَّكَلُّفَ في إِسقاطِها.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: النعيم نيوز
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك على قناتنا على منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
كما يمكنك أيضا الاشتراك بقناتنا على الانستغرام: النعيم نيوز