أقيمت صلاة الجمعة محافظة الديوانية قضاء السنية في جامع الإمام موسى الكاظم (ع), بإمامة فضيلة الشيخ مؤيد الشافعي دام عزه.
خطبة الجمعة الاولى.. عنوان الخطبة( الحث على اغتنام الأوقات بالأعمال الصالحات قبل الندم عليها )
قال الشيخ: ورد عن أمير المؤمنين (ع): (احذروا ضياع الأعمار في ما لا يبقى لكم، ففائتها لا يعود).
اغتنام فرصة العمر:
لو وازن الانسان بين جميع مُتع الحياة ومباهجها، وبين عمره وحياته لوجد أنّ العمر أغلى وأنفس منها جميعاً، وأنه لا يعدله شيء من نفائس الحياة وأشواقها الكثر، إذ من الممكن اكتسابها او استرجاع ما نفر منها.
أما العمر فإنه الوقت المحدد الذي لا يستطيع الانسان إطالة أمده، وتمديد أجله المقدر المحتوم «ولكل أمة أجل، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون» (الأعراف: 34).
كما يستحيل استرداد ما تصرم من العمر، ولو بذل المرء في سبيل ذلك جميع مقتنيات الحياة.
وحيث كان الانسان غفولاً عن قيم العمر وجلالة قدره، فهو يسرف عابثاً في تضييعه وإبادته، غير آبه لما تصرم منه، ولا مغتنم فرصته السانحة.
وتابع الشيخ: من أجل ذلك جاءت توجيهات آهل البيت عليهم السلام موضحة نفاسة العمر، وضرورة استغلاله وصرفه فيما يوجب سعادة الانسان ورخائه في حياته العاجلة والآجلة.
قال سيد المرسلين صلى اللّه عليه وآله في وصيته لأبي ذر: «يا أبا ذر، كُن على عمرك أشحّ منك على درهمك ودينارك.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «إنما الدنيا ثلاثة أيام: يوم مضى بما فيه فليس بعائد، ويوم أنت فيه فحقّ عليك اغتنامه، ويوم لا تدري أنت من أهله، ولعلك راحل فيه.
أما اليوم الماضي فحكيم مُؤدب، وأما اليوم الذي أنت فيه فصديق مودّع، وأمّا غد فإنما في يديك منه الأمل».
وقال عليه السلام: «ما من يوم يمر على ابن آدم، إلا قال له ذلك اليوم: أنا يوم جديد، وأنا عليك شهيد، فقل فيّ خيراً، واعمل فيّ خيراً، أشهد لك به يوم القيامة، فإنك لن تراني بعد هذا أبداً».
وروي أنه جاء رجل الى علي بن الحسين عليهما السلام يشكو اليه حاله، فقال: «مسكين ابن آدم، له في كل يوم ثلاث مصائب لا يعتبر بواحدة منهن، ولو اعتبر لهانت عليه المصائب وأمر الدنيا:
فأما المصيبة الأولى: فاليوم الذي ينقص من عمره. قال: وإن ناله نقصان في ماله اغتم به، والدهر يخلف عنه والعمر لا يردّه شيء.
والثانية: انه يستوفي رزقه، فان كان حلالاً حُوسِبَ عليه، وان كان حراماً عوقب.
قال: والثالثة أعظم من ذلك. قيل: وما هي؟ قال: ما من يوم يمسي إلا وقد دنا من الآخرة مرحلة، لا يدري على جنة أم على نار.
وقال: أكبر ما يكون ابن آدم اليوم الذي يولد من أمّه.
وقال الامام الصادق عليه السلام: «أصبروا على طاعة اللّه، وتصبروا عن معصية اللّه، فإنما الدنيا ساعة، فما مضى فلست تجد له سروراً ولا حزناً، وما لم يأت فلست تعرفه، فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها فكأنك قد اغتبطت ».
وقال الباقر عليه السلام: «لا يغرّنك الناس من نفسك ، فإن الأمر يصل إليك دونهم، ولا تقطع نهارك بكذا وكذا، فإنّ معك من يحفظ عليك عملك، فأحسن فانّي لم أر شيئاً أحسن دركاً، ولا أسرع طلباً، من حسنة محدثة لذنب قديم».
وعن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله : «بادر بأربع قبل أربع، بشبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك».
وعن الباقر عليه السلام عن النبي صلى اللّه عليه وآله قال: «لا يزولُ قدم عبد يوم القيامة من بين يدي اللّه، حتى يسأله عن أربع خصال: عمرك فيما أفنيته، وجسدك فيما أبليته، ومالك من أين اكتسبته واين وضعته، وعن حبنا أهل البيت؟».
وقال بعض الحكماء: إنّ الانسان مسافر، ومنازله ستة، وقد قطع منها ثلاثة وبقي ثلاثة:
فالتي قطعها: –
1 – من كتم العدم الى صلب الأب وترائب الأم.
2 – رحم الأم.
3 – من الرحم الى فضاء الدنيا.
وأما التي لم يقطعها : –
فأولها القبر. وثانيها فضاء المحشر. وثالثها الجنة أو النار.
ونحن الآن في قطع مرحلة المنزل الثالث، ومدة قطعها مدة عمرنا، فأيامنا فراسخ، وساعاتنا أميال، وأنفاسنا خطوات.
فكم من شخص بقي له فراسخ، وآخر بقي له أميال، وآخر بقي له خطوات.
وما أروع قول الشاعر:
دقات قلب المرء قائلة له*** إن الحياة دقائق وثواني
خطبة الجمعة الثانية
العمل الصالح:
وأضاف الشيخ: لقد عرفت في البحث السالف نفاسة الوقت، وجلالة العمر، وأنه أعز ذخائر الحياة وأنفسها.
وحيث كان الوقت كذلك، وجب على العاقل أن يستغله فيما يليق به، ويكافئه عزةً ونفاسة من الأعمال الصالحة، والغايات السامية، الموجبة لسعادته ورخائه المادي والروحي، الدنيوي والأخروي، كما قال سيد المرسلين صلى اللّه عليه وآله: «ليس ينبغي للعاقل أن يكون شاخصاً إلا في ثلاث: مرمّة لمعاش، أو تزوّد لمعاد، أو لذّة في غير محرم».
فهذه هي الأهداف السامية، والغايات الكريمة التي يجدر صرف العمر النفيس في طلبها وتحقيقها.
وحيث كان الانسان مدفوعاً بغرائزه وأهدافه وأهوائه الى كسب المعاش، ونيل المتع واللذائذ المادية، والتهالك عليها، مما يصرفه ويلهيه عن الأعمال الصالحة، والتأهب للحياة الآخرة، وتوفير موجبات السعادة والهناء فيها. لذلك جاءت الآيات والأخبار مشوقة الى الاهتمام بالآخرة، والتزود لها من العمل الصالح.
قال تعالى: «فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره» (الزلزلة: 7 – 8).
وقال تعالى: «من عمل صالحاً من ذكر أو انثى، وهو مؤمن، فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون» (النحل: 97).
وقال تعالي: «ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن، فأولئك يدخلون الجنة، يُرزقون فيها بغير حساب» (غافر: 40).
وقال تعالى: «من عمل صالحاً فلنفسه، ومن أساء فعليها، ثم الى ربّكم ترجعون» (الجاثية: 15).
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «يا أبا ذر، إنّك في ممر الليل والنهار، في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة، ومن يزرع خيراً يوشك أن يحصد خيراً، ومن يزرع شراً يوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع مثل ما زرع».
وقال قيس بن عاصم: وفدت مع جماعة من بني تميم الى النبي صلى اللّه عليه وآله، فقلت: يا نبي اللّه عظنا موعظة ننتفع بها، فإنا قوم نعمّر في البرّية.
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «يا قيس إنّ مع العز ذُلاً، وإنّ مع الحياة موتاً، وإنّ مع الدنيا آخرة، وإنّ لكل شيء حسيباً، وعلى كل شيء رقيباً، وإن لكل حسنة ثواباً، ولكل سيئة عقاباً، ولكل أجل كتاباً. وإنه لا بد لك يا قيس من قرين يُدفن معك وهو حيّ، وتدفن معه وأنت ميت، فإن كان كريماً أكرمك، وإن كان لئيماً أسلمك، ثم لا يحشر إلا معك، ولا تبعث إلا معه، ولا تسأل إلا عنه، فلا تجعله إلا صالحاً، فإنه إن صلح أنست به، وإن فسد لم تستوحش الا منه، وهو فعلك».
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «إن العبد اذا كان في آخر يوم من أيام الدنيا، وأول يوم من أيام الآخرة، مُثّل له، ماله، وولده، وعمله، فيلتفت الى ماله، فيقول: واللّه إني كنت عليك حريصاً شحيحاً فمالي عندك؟ فيقول: خذ مني كفنك.
قال: فيلتفت الى ولده فيقول: واللّه إني كنت لكم محباً، وإني كنت عليكم محامياً، فمالي عندكم؟ فيقولون: نؤديك الى حفرتك فنواريك فيها
قال: فيلتفت الى عمله فيقول: واللّه إني كنت فيك لزاهداً، وإنك كنت عليّ لثقيلاً، فمالي عندك؟ فيقول: أنا قرينك في قبرك، ويوم نشرك، حتى أعرض أنا وأنت على ربك».
قال: «فان كان للّه ولياً، أتاه أطيب الناس ريحاً، وأحسنهم منظراً وأحسنهم رياشاً، فقال: أبشر بروح وريحان، وجنة نعيم، ومقدمك خير مقدم، فيقول له: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح، ارتحل من الدنيا الى الجنة…».
وقال الصادق عليه السلام: «إذا وضع الميت في قبره، مُثّل له شخص، فقال له: يا هذا، كنّا ثلاثة: كان رزقك فانقطع بانقطاع أجلك، وكان أهلك فخلّوك وانصرفوا عنك، وكنت عملك فبقيت معك أما إني كنت أهون الثلاثة عليك».
وعن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: من أحسن فيما بقي من عمره، لم يُؤخَذ بما مضى من ذنبه، ومن أساء فيما بقي من عمره أخذ بالأول والآخر».
وقد أحسن الشاعر بقوله:
والناس همهم الحياة ولا أرى*** طول الحياة يزيد غير خيال
وإذا افتقرت الى الذخائر لم تجد*** ذخراً يدوم كصالح الأعمال
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرام: النعيم نيوز
و لمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
و لا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرام: النعيم نيوز