إقامة صلاة الجمعة بإمامة الشيخ حسين المندلاوي في مسجد الحسن المجتبى ( ع )
أقيمت صلاة الجمعة المباركة في مسجد وحسينية الامام الحسن المجتبى ( ع ) في خانقين منطقة علي مراد بإمامة سماحة الشيخ ( حسين المندلاوي ) وحضور جمع مبارك من المؤمنين.
وتطرق الشيخ حسين المندلاوي في الخطبة المركزية الموحدة بعنوان ( اثر الاعتقاد بالمعاد على الفرد والمجتمع ) .تابعتها “النعيم نيوز”، “الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
قال تعالى: ﴿إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ (سورة يس: الآية82)
قال سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي (دام ظله) عن الآية المباركة إنها ( تكشف عن مظهر من مظاهر قدرة الله تبارك وتعالى وتمام سلطنته على كل مخلوقاته، من خلال بيان حقيقة شأنه تبارك وتعالى في خلق الأشياء، بأنه اذا تعلقت مشيئة الله تعالى بإيجاد شيء وأراد إحداثه فإنه يحصل مباشرة بمجرد إرادته بدون فاصلةٍ؛ {كُنْ فَيَكُونُ}، ولا يحتاج لإفاضة الوجود على الأشياء إلى أزيد من تعلق إرادته عز وجل به، فلا يوجد أي تأمل أو تروّي أو دراسة لديه سبحانه، ولا يوجد ما يمنعه كما لا يمتنع شيء عن التحقق والحصول اذا أراده الله تبارك وتعالى، وإن جميع الموجودات مطيعة له وممتثلة لإرادته {فَيَكُونُ}، ولا يحتاج الى شريك يساعده ولا إلى وقت لإيجاده كما يحصل للمخلوقين إذا أرادوا شيئاً، {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر: 50] وقال الإمام السجاد (عليه السلام) : ” ومضت على إرادتك الأشياء، فهي بمشيئتك دون قولك مؤتمرة، وبإرادتك دون نهيك منزجرة”( ) .
إن الآية الكريمة جاءت في سياق الرد على من أنكر المعاد واستغرب بعث الموتى بعد أن تبلى أجسادُهم وقال باستحالته، وهي شبهة قديمة حديثة تمسّ أصلاً من أصول الدين، فلا بد من إجابتها بوضوح لإزالة أي شك، مثل قولهم {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}(يس: 78)وهو وهم ناشئ من ملاحظة قدرة المخلوق العاجز القاصر، فتجيبه الآية بسهولة ذلك على الخالق العظيم وجود الأشياء وأنه لا يحتاج إلى أزيد من تعلق إرادته تعالى بذلك فهو ذو القدرة المطلقة {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} (فاطر: 44)، لذا جاءت الآية التالية لتنزيهه من كل عجز وقصور وضعف {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}).
إن أساس الإيمان باليوم الآخر يقوم على ثوابت الوحي الإلهي الصادر عن الذات الإلهية المقدسة، ولقد حظيت عقيدة المعاد بنصيب وافر من الآيات القرآنية ، فلا تكاد تخلو سورة من سور القرآن الكريم من بضع آيات تتكلّم عن عالم الآخرة ، حتى أنه قيل: إن عدد الآيات التي أخبرت عن المعاد على نحو التصريح أو التلويح ، قد بلغ أكثر من ألف آية. أثر الاعتقاد بالمعاد على الفرد والمجتمع.
أولاً: الاعتقاد بالمعاد أداة فعَّالة في تقويم السلوك الفردي
إن تحقيق الهداية والصلاح يحتاج إلى نظرية صحيحة وضمانات لتطبيق تلك النظرية, فالتعاليم الإلهية والأحكام السماوية تحتاج إلى قوّة تنفيذية فاعلة تحمل الإنسان على الانصياع لها، وتُخرجها من حيّز النظرية إلى واقع الحياة؟ فما هي هذه القوى القادرة على ذلك؟
(1): القوانين الرسمية والاعراف الاجتماعية : إنَّ العوامل الخارجية المتمثّلة بقوانين العقوبات الوضعية ـ وما فيها من السجن والاعدام والابعاد وغيرهاـ غير قادرة على كبح جماح النفس الانسانية, والواقع يشير إلى فشل تلك العوامل في اجتثاث جذور الشرّ والفساد وضمان السعادة والكمال والأمن ، سواء على صعيد الفرد أو المجتمع, وإنّ تلك القوانين إذا كانت قد نجحت في ردع المجرمين والأشرار من عامة الناس, فإنّها قد أفلست في الحدّ من انحرافات أصحاب القرار السياسي، وأصبحت قاصرة أمام المتسلّطين الذين يتلاعبون بمقدّرات الشعوب، ويبتزّون أموالهم ويغتصبون حقوقهم تحت غطاء قانوني مصطنع يوفّر لهم الحماية والأمان.
(2): العوامل الداخلية النابعة من الضمير الإنساني: إن في جنبات الإنسان منطقة فراغ لا تطالها مراقبة السلطة، ولا تصلها سلطة القانون، ومن تلك المنطقة تحدث الجرائم والانحرافات الشاذة، بعيداً عن الأضواء الكاشفة، بسبب شهوات النفس الأمّارة.
فالعوامل الداخلية الكامنة في أعماق نفس الإنسان، والنابعة من صميم وجدانه وضميره ، هي القوة الداخلية التي تراقب سلوكه وتصرفاته ، وتلازمه في حلّه وترحاله وسرّه وعلنه؛ ذلك لأنّ الضمير الانساني وحده قد يؤنّب صاحبه على سيئةٍ فعلها ، لكنّه لا يعذّبه ، وقد يعاتبه على منكرٍ اقترفه ، لكنّه لا يعاقبه، وقد يكون ناصحاً وواعظاً ، لكنّه قد لا يكون موجّهاً ، لأنه الإنسان قد يخضع لأهواء النفس وعندها يفعل ما يشاء تحت جنح الظلام بعيداً عن أعين الناس.
(3): الإيمان بالله والاعتقاد باليوم الآخر: فإذا كانت القوانين الرسمية والأعراف الاجتماعية وازعاً يردع الانسان من الخارج ، والضمير الانساني وازعاً يردعه من الداخل، فيضبطان سلوكه وتصرفه إلى قدرٍ معين، فإنّ الإيمان بالله والاعتقاد باليوم الآخر يجمع بين الاثنين ويفوقهما ، لأنّه يغرس في النفوس اُسس التربية الأخلاقية القائمة على الشعور بوجود الرقيب على القول والعمل، ولا يستطيع المؤمن التهرّب من ذلك الرقيب في جميع أحواله، لأنه محيط بكلّ شيء، وأقرب إليه من حبل الوريد ، ويعلم السرّ وأخفى، وإنه سيحاسبه عن كلّ كبيرة وصغيرة فعلها، ولا يعزب عنه مثقال ذرّة ، ولهذا يبقى المؤمن شاعراً بالمسؤولية ، خائفاً من عقاب الله وعذابه، حتى لو سوّلت له نفسه الاختفاء عن الأنظار بجريرته ، وأمن من عقوبة القانون وسلطته ، إذ لا مفرّ من حكم الله وسلطانه.
روي عن الإمام الحسين عليه السلام أنه جاءه رجل، وقال : أنا رجل عاصٍ ولا أصبر عن المعصية، فعظني بموعظة. فقال (ع) : « افعل خمسة أشياء واذنب ما شئت ، فأول ذلك: لا تأكل رزق الله، واذنب ما شئت ، والثاني : اخرج من ولاية الله ، واذنب ما شئت ، والثالث : اطلب موضعاً لا يراك فيه الله ، واذنب ما شئت ، والرابع : إذا جاء ملك الموت ليقبض روحك فادفعه عن نفسك ، واذنب ما شئت، والخامس: إذا أدخلك مالك في النار فلا تدخل النار ، واذنب ما شئت ».
فالمؤمن يعتقد أن كلّ شيء تابع لسلطان الله تعالى وملكه، وداخل تحت ولايته، وأنه تعالى يرى كلّ أفعال المرء وحركاته وسكناته، ويخطر على قلبه، وأن تلك الأفعال هي الوحيدة التي سترافقه بعد الموت إلى يوم الحساب ، وتكون المقياس للثواب والعقاب ، وليس هناك شيء غيرها.
ومن لوازم الإيمان باليوم الآخر الاعتقاد بأن الناس مدينون بما قدّموا ، ومُرتَهنون بما أسلفوا ، يوم يعرضون على ربهم في دار الحساب ، لا تخفى منهم خافية ، فيسألون عن كل أعمالهم وتصرّفاتهم وعمّا أبدوه وأخفوه من خير وشرّ ، ثم يلقون الجزاء وفاقاً على ما كانوا يعملون قال تعالى : ﴿ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ﴾ (سورة الأنعام: الآية164 ) وقال سبحانه : ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾ ( سورة المدثر: 38).
ثانياً: الاعتقاد الحقيقي بالمعاد مانع من الاعتداء على حقوق الآخرين إن الاعتقاد بالمعاد دافع لمراعاة حقوق الناس وإرساء قواعد التعامل الصحيح، القائم على الانصاف والصدق والأمانة ، قال تعالى:﴿ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ﴾.
فتنعكس آثار الاعتقاد بالمعاد على الصعيد الاجتماعي أيضاً، ذلك لأنّه يلزم المرء المسلم التمسّك بكتاب الله تعالى وسنّة نبيه (ص) وعدله ، حيث تنتظم اُمورُ الناس، ويحفظ لكلّ ذي حقّ حقّه ، كما أنه يخلق في نفس الإنسان موجة قوية تصدّه عن العدوان على حقوق الآخرين، وورعاً يجرّده عن الظلم والتجاوز عليهم ، قال أمير المؤمنين (ع) : « بئس الزاد إلى المعاد العدوانُ على العباد ».
وقال (ع) : « لا يؤمن بالمعاد من لا يتحرّج عن ظلم العباد ».
ولا يقصد عليه السلام أن من يظلم العباد لا يؤمنُ ويعترفُ بالمعاد على المستوى النظري, وإنما يقصد لا بد أن يكون هناك استشعار صادق لهذا الإيمان ينعكس على السلوك العملي, فكيف يؤمن بالله حقيقة من يظلم ويكذب ويخون الأمانة؟
وقال ع : « والله لأن أبيت على حسك السعدان مُسهّداً ، أو أُجرّ في الأغلال مُصفّداً ، أحبّ إليّ من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد ، وغاصباً لشيء من الحُطام ، وكيف أظلم أحداً لنفسٍ يسرع إلى البلى قفولها، ويطول في الثرى حلولها ؟! » .
ومن كلام لسيدتنا الزهراء(ع) عندما حاججت القوم الذين منعوها حقها مذكرةً إياهم باليوم الآخر لعلهم يرجعون إلى الله «فَدُونَكَها مَخْطُومَةً مَرْحُولَةً، تَلْقاكَ يَوْمَ حَشْرِكَ، فَنِعْمَ الْحَكَمُ اللهُ، وَالزَّعِيمُ مُحَمَّدٌ، وَالْمَوْعِدُ الْقِيامَةُ، وَعِنْدَ السّاعَةِ يخسَرُ المبطلون، وَلا يَنْفَعُكُمْ إذْ تَنْدَمُونَ، ﴿ وَلِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ﴾ (سورة الأنعام:67 ) »( ) .
ثالثاً: الاعتقاد بالمعاد وتحقيق الطمأنينة والسكينة
إن الاعتقاد بالمعاد يزرع في نفس الإنسان حالة الطمأنينة والسكينة, أما الذين ينكرون ذلك فتراهم يشعرون بالاضطراب وعدم الاستقرار، خشية من انتهاء الرزق قبل الموت، وعدم تحصيل أسباب السعادة والرفاه قبل الفوت، فينتابهم الهمّ والأسى لأدنى فشل في الحياة ، وتشقى نفوسهم بالمتاعب الدنيوية التي لم يحصلوا على عوضٍ أو ربحٍ لقاءها، فتكون الدنيا في أعينهم سوداء قاتمة وعبثاً لا
معنى له، وقد يلـجـأون إلى الانتحار فراراً من الواقع المؤلم.
رابعاً: الاعتقاد بالمعاد وتحقيق الصبر على البلاء
كما إن الإيمان بالآخرة يمنح الإنسان الصمود أمام مصائب الحياة ومصاعبها وأحداثها المفجعة، فلا يستسلم للحوادث، ولا يقع فريسة للاضطراب والقلق والضياع ، بل يوطّن نفسه على الصبر متذكّراً الموت وقيامه بين يدي الله تعالى رجاء السعادة الأبدية ، قال تعالى: ﴿ َ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ﴾البقرة (١٥٥-١٥٦).
وقال أمير المؤمنين (ع): «أكثروا ذكر الموت ويوم خروجكم من القبور، وقيامكم بين يدي الله تعالى، تهون عليكم المصائب »( ).
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا في موقع التلغرام: النعيم نيوز
ولمتابعتنا على موقع فيسبوك يرجى الضغط أيضا على الرابط التالي: النعيم نيوز
كما يمكنك الاشتراك أيضا على قناتنا في منصة يوتيوب لمتابعة برامجنا على: قناة النعيم الفضائية
ولا تنسى أيضا الاشتراك في قناتنا على موقع الانستغرام: النعيم نيوز